صحيفة المثقف

القوى الإقليمية إيران و تركيا شريكان أم طرفا نزاع على زعامة المنطقة؟

adil amirفى الوقت الذى أخذ فيه النظام الدولى يشهد تطورات مهمة فى هيكليته منذ سقوط النظام ثنائى القطبية، بدخول فواعل جدد Actors فى عضويته، حولته من نظام دولى يقتصر فقط على عضوية الدول إلى نظام عالمى يجمع بين عضويتة الدول من ناحية، والعديد من المنظمات والهيئات ذات التأثير القوى فى السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية والشركات متعددة الجنسية ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين من ناحية أخرى، فإن النظام العالمى الجديد الذى مال مؤقتاً ناحية أخذ طابع القطبية الأحادية، ثم تحول فيما بعد إلى نظام أشبه بـ "اللا قطبية"، أملاً فى أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، شهد بروزاً مهماً لدور الأقاليم على حساب قيادة النظام العالمى وأيضاً حساب دور الدولة الوطنية، بحيث أخذت تفاعلات الدول داخل أقاليمها الخاصة تتنافس، وأحياناً، تتفوق على علاقتها بقيادة النظام العالمى ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة). كانت تركيا تلعب في أغلب الأحيان دور الحكم بين القطبين الآخرين في المثلث، أي مصر وإيران. وفي حالة استبعاد إحداهما من المنظومة الغربية، كانت أنقرة تتبع سياسة تتأسس على إقامة علاقات متزنة مع الطرف المستبعد. وفي المقابل، كانت تعقد تحالفات مع الطرف الموجود داخل المنظومة.

ويؤكد منظرو السياسة الخارجية الأمريكية على فكرة أن السيطرة على المعدات الجديدة للسلطة "التكنولوجيا، والمعلوماتية، والاتصالات، وأجهزة الاستعلام، وكذلك التجارة والمال"، جميعها أمور لازمة حتماً للاستمرار في الهيمنة. لهذا، يجب أن تأخذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بالحساب، الأبعاد الجيوسياسية، وأن تستخدم كل نفوذها في الأوراسيا، لخلق توازن دائم في القارة، توازن تلعب فيه واشنطن دوراً أساسياً مهيمناً.

وستبقى أوراسيا من وجهة النظر الأمريكية، المسرح الذي يدور عليه الصراع بشأن الأولوية الدولية، لهذا فإنه من الضروري أن تتزود الولايات المتحدة بخط جيواستراتيجي من أجل المشاركة فيه، بعبارة أخرى، تحديد تنظيم استراتيجي لمصالحها الجيوسياسية.

هذا الإتجاه إلى تدعيم دور الأقاليم من ناحية، وسياسات التعاون والإعتماد الإقتصادى المتبادل والتكامل الإقليمى من ناحية أخرى الذى أصبح أحد أهم معالم النظام العالمى الجديد، لم يكن له أى وجود فعلى فى إقليم الشرق الأوسط، الذى كاد ينفرد على معظم، وربما كل، أقاليم العالم، فى أنه يتجه نحو "العسكرة"، وليس إلى الإعتماد المتبادل والتكامل الإقتصادى بين دوله.

فإقليم الشرق الأوسط الذى يمتد من أفغانستان وباكستان شرقاً إلى المملكة المغربية وموريتانيا غرباً، ومن تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى شمالاً حتى القرن الأفريقى ومنابع نهر النيل جنوباً، يكاد يكون الإقليم الوحيد فى العالم الذى يشهد أعلى درجات العسكرة، وأخطر أنواع الحروب، ومعظم القواعد العسكرية ابتداءاً من حرب الخليج الأولى التى امتدت ثمانى سنوات بين إيران والعراق، ثم حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) العام 1991، ووضع العراق تحت السيطرة العسكرية الأميركية ـ البريطانية منذ ذلك العام وحتى غزوه واحتلاله العام 2003، وقبل ذلك الغزو الأمريكى لأفغانستان، واستمرار مسلسل العنف وإراقة الدماء فى العراق، وعلى الحدود العراقية ـ التركية، وفى الصومال والقرن الأفريقى، وحروب إسرائيل ضد لبنان العام 2006، وضد قطاع غزة (ديسمبر 2008 إلى يناير 2009)، ناهيك عن القواعد العسكرية، وتحركات القطع العسكرية التى تخص دول الإقليم والدول الحليفة لها، والإنفاق العسكرى الهائل وغير المسبوق، كلها شواهد تؤكد أن إقليم الشرق الأوسط يتطور فى اتجاه معاكس لتطور معظم الأقاليم فى العالم. لقد أصبحت قضية التغيير والإصلاح أكثر إلحاحاً،

وصار التساؤل هو: هل يأتي التغيير من الداخل أم من الخارج؟ وصارت الأحاديث تتواتر في وسائل الإعلام عن الاقتناع بأن الضغوط الخارجية- وحتى الاحتلال الأجنبى- ربما تكون هي الوسيلة الوحيدة المتاحة للتغيير. وأدي انهيار النظام العراقي بسرعة إلي حدوث صدمة كبيرة للشعوب العربية التي أصبحت أكثر اقتناعاً بأن الاستبداد والظلم وحرمان المواطن من حقوقه في الديموقراطية والمشاركة أهم أسباب هذا الانهيار المفاجئ. وفي ظل هذه الأجواء أصبحت الحكومة المصرية تتعرض لضغوط داخلية وخارجية علنية وغير علنية بسبب مواقفها من القضايا والملفات المفتوحة مثل حقوق الإنسان والأقباط والدور الإقليمي، وبات تواصل السفارات الأجنبية مع أحزاب وتيارات وشخصيات مصرية أمراً متكرراً. كما أن تركيا قد تغيرت هي الأخرى. ففي ظل حكومة "حزب العدالة والتنمية"، تخلت أنقرة عن رؤية كمال أتاتورك العالمية. ويرى "حزب العدالة والتنمية"، الذي كان يوصف ذات مرة بأنه حزب إسلامي متشدد لكنه أعاد تأهيل نفسه مؤخراً، أنه نموذجاً متقدماً لـ جماعة «الإخوان المسلمين» وقام بإشراك الأحزاب الإقليمية التابعة لـ «الإخوان» لتحقيق هذه الغاية. واعتادت تركيا الأتاتوركية النظر إلى الشرق الأوسط عبر منظور الغرب. وقد تبنت تركيا الجديدة موقفاً جديداً تجاه المنطقة، حيث تنظر إليها من منطلق "حزب العدالة والتنمية" المؤيد لـ جماعة «الإخوان».

ومع تنامي الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية وفي الشرق الأوسط، برز خطاب سياسي إملائي بشأن التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي ارتبط بأحداث 11 سبتمبر، وطالب الرئيس الأمريكي مصر بأن تسرع في عملية التطور الديموقراطي فتصبح نموذجاً يقلده الآخرون كما كانت قائدة ومبادرة في عملية السلام. واستخدمت السياسة الأمريكية موضوع الإصلاح الديموقراطي في إطار ما يسمي بالحرب علي الإرهاب مطالبة الدول العربية والإسلامية بإجراء إصلاحات ديموقراطية واقتصادية واجتماعية وثقافية من أجل تغيير ما تعتبره التربة الخصبة التي تحمل بذور الإرهاب، فأصبح فرض الإصلاح هدفا أمريكيا بعد أن عجزت النظم العربية والإسلامية عن تحقيقه. وعلي الرغم من ذلك فإن جهود الإصلاح السياسي فى العالم العربى عامة تواجه بمقاومة شديدة، والسياسة الأمريكية كثيراً ما وضعت التيارات الليبرالية في مأزق صعب نتيجة تدخلها السافر في الشؤون الداخلية، كما أنها تقلق النظام عندما تتجه للتركيز علي التطورات والتغييرات في القوي السياسية المعارضة بما فيها القوي الإسلامية، وإمكانية فتح قنوات اتصال معها.الوجه الآخر لهذا التطور الدامى فى الشرق الأوسط هو عدم الإستقرار السياسى، وسيطرة النظم الإستبدادية، وغياب الحريات، وانتشار الفقر والتخلف والتبعية، والاعتماد المتزايد على المعونات الخارجية، لكن هناك تطور جديد له أهميته، وهو أن تلك الأنماط التفاعلية التى تعتمد بدرجة مكثفة على العسكرة، أخذت تلعب دور المحدد الأساسى فى تشكيل خرائط التحالفات الإقليمية والدولية فى الإقليم.

إن نظرة، ولو سريعة، لما يجرى من مناورات عسكرية على أرض الإقليم كافية للكشف عن أبرز هذه التحالفات. فإذا كانت إيران تتفرد عن غيرها من دول الإقليم باعتمادها على الذات فى إجراء مناوراتها العسكرية، فإن هذا الاعتماد على الذات والمناورات الانفرادية دون مشاركة أى أطراف أخرى إقليمية أو دولية، يكشف عن أحد أهم معالم السياسة الإيرانية، حيث تخضع إيران لحصار أمريكى منذ العام 1981، وهو الحصار الذى فرض عليها اللجوء الإضطرارى إلى سياسة الاعتماد على الذات اقتصادياً وعسكرياً، وحال دون انخراط إيران فى تجمعات إقليمية ذات صفة عسكرية.إذا كان مفهوم الدور يعني "مجموعة السلوكيات المتوقعة اجتماعيا، والمرتبطة بوظيفة معينة"،

فإن مفهوم القيادة في نظام دولي ما ينصرف عادة إلي ممارسة مدي قدرة دولة ما علي تحديد قواعد تفاعل تضمن لهذا النظام الاستقرار والاستمرارية من جهة، وفرض احترام هذه القواعد من جهة أخري. وترتبط هذه القدرة عادة بمقومات قوة الدولة من معطيات جغرافية، وسياسية، وعسكرية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومن مواردها الطبيعية، لكن أيضا من إدراكها لمكانتها ضمن الساحة الدولية، وأهدافها، ومدي اتساقها مع ممارسة هذا الدور من عدمه. وتتحدد فاعلية الدور بمدي فهم الفواعل الدولية الأخري المؤثرة في هذا النظام له، وقبولها به. وبالتالي، فإنه علي المستوي المفاهيمي، يمكن تحديد المعايير اللازمة لبيان مدي تحقق هذه الحالة القيادية وقد ساعدت هذه التحركات على إثارة تصدعات طائفية في المنطقة، خصوصاً في شمال الهلال الخصيب. فهذا القوس، كونه موطناً لثلاث دول ضعيفة، هي لبنان وسوريا والعراق، يعد بصفة أساسية الساحة الرئيسية للمنافسات الإقليمية حيث تتمازج حدود هذه الدول وتنزف معاً بشكل متزايد. ويتحد الشيعة من منطقة شمال الهلال الخصيب مع بعضهم البعض ومع إيران بطرق لم نشهدها من قبل في الذاكرة الحية.

وتركيا، التي قوضت إيران من سياستها الرامية لتغيير النظام في سوريا، دخلت ساحة المنافسة في الهلال الخصيب، حيث ألقت بثقلها خلف الأحزاب السورية والعراقية التابعة لـ «الإخوان المسلمين». وهذا التحرك صوّر أنقرة ودمشق كأعداء، وعمل على فتور العلاقات بين أنقرة وبغداد، حيث يدير الحكومة الشيعة الذين تعتبرهم تركيا رسلاً وخدماً لإيران.

وقد عمد الأكراد العراقيون، القلقون من حكم الحكومة المركزية الناشئة في بغداد، إلى استغلال الوضع والتقرب من أنقرة، مستفيدين من محور الطاقة الوليد الذي يجري تطويره بين البلدين بالفعل. كما يسعى الأكراد السوريون أيضاً إلى الحصول على حماية تركيا. وسوف تساعد محادثات السلام الأخيرة مع "حزب العمال الكردستاني"، الذي له تأثير كبير ليس فقط في صفوف الأكراد الأتراك ولكن بين الأكراد السوريين أيضاً، على تحقيق هذا التقارب.

بيد أنه في الوقت ذاته، انقلبت في الوقت الحاضر سياسة تركيا مع جماعة «الإخوان المسلمين» رأساً على عقب. فـ «الجماعة» خرجت من الحكومة في مصر وعجزت عن انتخاب مرشحها لقيادة المعارضة السورية، وجرى تهميشها في ليبيا. ويبدو أن قطر، التي تحالفت حتى الآن مع أنقرة لتمويل أحزاب جماعة «الإخوان»، غيرت من موقفها عقب حدوث تغير غير متوقع في القيادة بالدوحة.

 

الدكتور عادل عامر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم