صحيفة المثقف

نماذج من تفسير (التبيان) للشيخ الطوسي (1)

ali jabaralfatlawiذكر الشيخ الطوسي في تفسيره وهو يتحدث عن تسمية السورة: (روي عن النبي (ص) انه سماها أم القرآن، وفاتحة الكتاب والسبع المثاني فسميت فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بكتابتها المصاحف وبقراءتها في الصلاة، فهي فاتحة لما يتلوها من سور القرآن في الكتابة والقراءة، وسميت أم القرآن لتقدمها على سائر القرآن، وتسمي العرب كل جامع أمرا، أو متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه أماً... وسميت السبع المثاني لأنها سبع آيات، وسميت مثاني لأنها تثنى بها في كل صلاة فرض ونفل.)

ويسهب الشيخ الطوسي في بيان الدلالات اللغوية بضرب الأمثلة، كذلك يستعين بأبيات من الشعر كدلالة على الاستعمال لهذه الدلالة عند العرب، ثم يذهب الشيخ الطوسي إلى أن القرّاء اتفقوا على التلفظ بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم قبل التسمية . (ومعنى ذلك أستجير بالله دون غيره لأن الاستعاذة هي الاستجارة وقوله من الشيطان، فالشيطان في اللغة كل متمرد من الجن والانس والدواب .. لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق جميع جنسه وبعده من الخير، وقيل: هو مشتق من قولهم شطنت داري أي بعدت، والشطون البعيد فيكون شيطانا. . وأما الرجيم فهو فعيل بمعنى مفعول .. ومعنى المرجوم المشتوم وأصل الرجم الرمي بقول كان أو بفعل ومنه قوله تعالى (لئن لم تنته لأرجمنك) مريم: 46، ويجوز أن يكون الشيطان رجيما لأن الله طرده من سمائه ورجمه بالشهب الثاقبة) .

ويضيف الشيخ الطوسي (وسورة الحمد مكية في قول قتادة ومدنية في قول مجاهد وليس فيها ناسخ ومنسوخ.)، ولم يبين الشيخ الطوسي موقفه هو مع أي من القولين، فهل يعد سورة الحمد مدنية أم مكية؟

     هل البسملة آية ؟

يقول الشيخ الطوسي: (عندنا آية من الحمد ومن كل سورة بدلالة إثباتهم لها في المصاحف بالخط الذي كتب به المصحف ..وعندنا أن من تركها في الصلاة بطلت صلاته لأن الصلاة عندنا لا تصح إلّا بفاتحة الكتاب، وهي من تمامها سواء كانت فرضا أو نافلة)، وذكر أن فيها خلاف هل هي آية أم لا؟ عدّ الخلاف فقهيا، وشرح صور الخلاف والأقوال فيه، (وقد ذكرنا الأدلة على صحة ما ذهبنا إليه في خلاف الفقهاء) يعني خلاف عدها آية أم لا، وعدّ الشيخ الطوسي الجهر فيها في الصلاة واجب، ويستحب الجهر بها في الصلاة فيما لا يجهر به.

بعد ذلك أفرد الشيخ الطوسي جانبا من تفسيره للاعراب واللغة، وابتدأ بآية: (بسم الله الرحمن الرحيم) وأثناء حديثه عن الاعراب واللغة يستعين بابيات من الشعر يستدل بها على ما يطرح من آراء الآخرين في اللغة والاعراب، في بعض المواقف لا يظهر الشيخ الطوسي رأيه مع من يميل من الآراء اللغوية أو الاعرابية، لكني آراه يثبت رأيه إذا كان الموقف فقهيا، مثل ما ذكرنا عن رأيه في عدّ البسملة آية من القرآن الكريم، بعد أن شرح الاعراب واللغة للكلمتين من البسملة (بسم الله) انتقل إلى (الرحمن الرحيم) ليشرحهما لغويا، ولم يتكلم عن معناهما مستقلتين، بل بين طيات البيان اللغوي نستشف المعنى التفسيري، أو نقول أن المعنى اللغوي هو المعنى التفسيري لهما قال: (هما اسمان مشتقان من الرحمة، وهي النعمة التي يستحق بها العبادة، وهما موضوعان للمبالغة، وفي رحمن خاصة مبالغة يختص الله بها، وقيل إن تلك المزية من حيث فعل النعمة التي يستحق بها العبادة لا يشاركه في هذا المعنى سواه ... وورد الأثر بذلك روى أبو سعيد الخدري عن النبي (ص) إن عيسى بن مريم قال: الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة)، وتطرق إلى معان أخرى أيضا، ولم نعثر على ترجيح معنى من المعاني من قبل الشيخ الطوسي، بل استعرض جميع المعاني ضمن السياقات اللغوية.

انتقل الشيخ الطوسي بعد ذلك إلى آية (2) من الحمد وهي:

(الحمد لله ربّ العالمين) على اعتبار أن الآية الأولى هي البسملة، ولم يضع بابا خاصا باسم (المعنى أو التفسير) بل يوجد باب واحد هو (الاعراب) وقد اسهب فيه الشرح قبل أن ينتقل إلى الآية الاخرى، وقال الشيخ الطوسي ضمن باب (الاعراب) للآية الثانية:

(ومعنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد بما أنعم على عباده من ضروب النعم الدينية والدنيوية . . وقوله: (ربّ العالمين) أي المالك لتدبيرهم والمالك للشيء يسمى ربه، ولا يطلق هذا الاسم إلّا على الله وأما على غيره فيقيد فيقال : ربّ الدار وربّ الضيعة . . والعالمين جمع عالم وعالم لا واحد له من لفظه كالرهط والجيش .)  

الآية 3 :(الرحمن الرحيم).

(مخفوضان لأنهما نعت لله، وقد مضى معناهما.)

الآية: 4 (مالك يوم الدين).

وضع الشيخ الطوسي بابا واحدا لها هو(القراءة) ومن خلاله تحدث عن قراءة عاصم والكسائي وخلف ويعقوب، إذ قرأ هؤلاء(مالك) بالألف، والباقون بغير ألف، وذكر آراء آخرين، ثم ذكرمعنى(مالك)في الحالتين، قال الشيخ الطوسي:

(ومعنى ملك يوم الدين بإسقاط الألف أنه الملك يومئذ لا ملك غيره وأنه لا يؤتى في ذلك الوقت أحدا كما أتاه في الدنيا وقوّى ذلك بقوله تعالى: (لمن الملك اليوم للواحد القهار) غافر: 16، ومن قرأ بألف معناه أنه مالك يوم الدين والحساب لا يملكه غيره ولا يليه سواه .) بعد أن بين الطوسي معنى (مالك)، انتقل إلى قوله تعالى: (يوم الدين) وفي اللغة الدين الحساب والدين الجزاء، وذكر الطوسي بيتين من الشعر في هذا المعنى، ثم قال: (ويوم الدين عبارة عن زمان الجزاء كلّه) .

الآية5: (إياك نعبد وإياك نستعين).

وننقل تفسير الشيخ الطوسي للآية مختصرا، متجاوزين باب الاعراب والاسهاب في شرح اللغة، يقول الطوسي في تفسيره للآية (5): (العبادة ضرب من الشكر مع ضرب من الخضوع ولا تستحق إلا بأصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة وما يقدر من النعم، ولا يوازيه نعمة منعم فلذلك اختص الله بأن يعبد وإن استحق بعضنا على بعض الشكر .. وقوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) تعليم لنا أن نجدد ذكره عند كل حاجة .).

الآية6: (اهدنا الصراط المستقيم)

يقول الشيخ الطوسي: (ومعنى اهدنا يحتمل امرين: أحدهما – أرشدنا، والثاني- وفقنا .. وقد تكون الهداية أن يفعل بهم اللطف الذي يدعوهم إلى فعل الطاعة، والهدى يكون أيضا بمعنى العلم لصاحبه لأنه مهتد على وجه المدح، والهدى يكون أيضا أن يهديه إلى طريق الجنة، كما قال تعالى (الحمد لله الذي هدانا لهذا) الاعراف: 43 وأصل الهداية في اللغة الدلالة على طريق الرشد .) وقال الشيخ الطوسي: والصراط المستقيم هو الدين الحق الذي أمر الله به من توحيده وعدله وولاية من أوجب طاعته .ويورد الشيخ الطوسي أربعة أقوال في معنى قوله تعالى (الصراط المستقيم) نوردها كما جاءت في التبيان:

1-      إنه كتاب الله وروي ذلك عن النبي (ص) وعن علي (ع) وابن مسعود.

2 – إنه الاسلام حكي ذلك عن جابر وابن عباس.

3 – إنه دين الله عزّوجلّ الذي لا يقبل من العباد غيره.

4 – إنه النبي (ص) والأئمة (ع) القائمون مقامه صلوات الله عليهم وهو المروي في أخبارنا.

يعقب الشيخ الطوسي (والأولى حمل الآية على عمومها لأنا إذا حملناها على العموم دخل جميع ذلك فيه فالتخصيص لا معنى له).

الآية7: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).

يقول الشيخ الطوسي في المعنى: بيان الصراط المستقيم إذا كان كل طريق من طرق الحق صراطا مستقيما والمعنى صراط من أنعمت عليهم بطاعتك . (والمغضوب عليهم) هم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام، لأنه تعالى قد أخبر أنه غضب عليهم وجعل فيهم القردة والخنازير، (ولا الضالين) هم النصارى.. وأماالغضب من الله فهو إرادة العقاب المستحق بهم ولعنهم وبراءته منهم، وأصل الغضب الشدة، وأصل الضلال الهلاك.. والضلال في الدين الذهاب عن الحق والإضلال الدعاء إلى الضلال والحمل عليه، والإضلال الأخذ بالعاصين إلى النار.. وقيل أراد (بالمغضوب عليهم ولا الضالين) جميع الكفار وإنما ذكروا بالصفتين لاختلاف الفائدتين .

ويضيف الشيخ الطوسي قوله: ولا يجوز عندنا أن يقول القارئ عند خاتمة الحمد: آمين فإن قال ذلك في صلاته متعمدا بطلت صلاته.

 

علي جابر الفتلاوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم