صحيفة المثقف

هيكل: "صار لازم أمشي"

warda bayaبالأمس، الأربعاء 17/02/2016، رحل عن عالمنا، الكاتب والصحفي العربي القدير، محمد حسنين هيكل عن عمر ناهز 93 عاما، بعد صراع مع مرض الفشل الكلوي..وكان قد صرح مؤخرا ً بأنه عاش ما يكفي "وصار لازم أمشي".

" الرصاصة التي انطلقت من صدر الاسلام، استقرت في قلب القرن العشرين".. هذه هي الحكمة التي نطق بها هيكل، وهو يُشًرح " ويُملح" في الوضع العربي السياسي.. لقد كان متشائما دوما حتى حفظنا عنه عبارته الشهيرة: "غير المتوقع يحدث دائماً".. والتي كانت جزءاً من شخصيته التي تئن لحال الوطن العربي..

كان عروبي الانتماء، له ذاكرة فائضة عن المعدل العادي للبشر.. صحفي سياسي من النوع النادر حيث عرف عنه أنه كان قادراً على جذب المعلومة إليه، بدل أن يبحث عنها..

شَرًح التاريخ تشريحا مستفيضا ومذهلا، فكتب الاعلامي عبدالله بدران رثائية له ترسخ للذاكرة الأسطورة بعنوان "هيكل.. خجل التاريخ في حضرتك"، قال فيها: "شاءت الاقدار أنك لم تكن فيها، لا مولوداً، ولا مغادراً، وكنت قريباً من الحدث واثاره، فحللت وقيمت فأصبت، وأنت نفسك من قلت يوم كتبت، إننا ننزلق نحو الغروب لنفسح مجالاً لحقب أخرى، نهايتها مع القرن العشرين، وهو أخطر قرون في تاريخ الانسانية، لأنه ينقلنا إلى دنيا مختلفة، وقد كان."

وليسمح لي القارئ الكريم في حضرة مقام هذا الرجل الاستثنائي، أن أعبر عن صدمتي وأنا أتابع الميادين، وكانت القناة العربية الوحيدة التي تنقل مراسم تشييع جنازته على المباشر، بينما كانت القنوات المصرية منشغلة بحصصها وأفلامها ورياضتها، وكأن هذا الزلزال الذي وصلت ارتداداته الى كل أصقاع العالم، لم يزعزع مضاجع الفضائيات المصرية..!

لي مع هيكل قصة لم تكتمل

بعد أن جددت جواز سفري، قررت أن تكون أول رحلتي خارج الوطن نحو مصر، بلد العروبة والثقافة والجمال..

وكنت قد خططت خلال زيارتي التي لم تحصل بعد للقاء شخصيات كبيرة، فيها من هو على قيد الحياة، وفيها من غادرها، لأقف عند قبره ان سنحت لي الفرصة، كما برمجت في مخيلتي دائما، أماكن كثيرة أحببتها في الريف والحضر، فمصر المحروسة هذه، كانت في قلبي وخاطري منذ الطفولة، أكن لها حبا كبيرا يضاهي حجمها وشموخها.. ويحاكي ما قاله الشاعر أحمد رامي:

مصر التي في خاطري وفي فمي     أحبها من كل روحي ودمي

ومما كان يجول بخاطري أيضا، القيام بزيارة للكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، والذي طالما حاولنا - بعد انطلاق جريدة التحرير مباشرة - أن نستضيفه في الجزائر، ولكن محاولاتنا كلها باءت بالفشل، لأن الراحل لا يقوى على السفر والتعب بحكم سنه ومرضه..

تعلقت بهذا الكبير، منذ أن شاهدته أول مرة ضيفا دائما على قناة الجزيرة، وفي حلقات مسلسلة يسرد فيها وقائع سياسية هامة حصلت معه ويسقطها على الحاضر، بطريقة دقيقة و ذكية، كان يستحضر الحدث ويفصصه، ظنا منه أن العرب سيقرؤون ما بين السطور، وهم الذين عجزوا عن قراءة ما بين أيديهم ..

كان حرا في مواقفه يدافع عن أفكاره بحكمة وتواضع، فقال عن نفسه عندما وصفه محدثه بأنه أكبر صحافي وهي الحقيقة، فقال: " أنا مش أكبر صحافي ولا حاجة، أنا جورنالجي أحب أروي قصص وحكايات ما فيهاش زيادة ولا كذب"..

في آخر تصريحاته انتقد هيكل غارات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وطالب مصر والدول العربية بإقامة علاقات مع إيران بدل اسرائيل، داعيا السيسي إلى زيارة سوريا.كما علق في حسابه على تويتر، على نبأ تشكيل السعودية لتحالف عسكري "اسلامي" قائلا: أن هذا التحالف تغافل عن إسرائيل، وان "بعض دوله من أهم الداعمين لتنظيم "داعش"..!

اليوم وقد آن الرحيل، نخاطبه وهو الغائب، وعزاؤنا أنه بقي صاحب الرأي الوفي للوطن وللعروبة .لنقدم تحية اجلال واكبار من أسرة التحرير الى روح محمد حسنين هيكل..

 

بقلم/ وردة بية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم