صحيفة المثقف

نادية السيد وكينونة الحضور الجمالي

wejdan abdulazizاه لازلت اسكب قارورة روحي، كعاشق غريب لذلك الحرف الذي يتطلع ان ينير لي فكرة ما، وهو يلتقي الحرف الاخر، ولن اصدق ابدا، انه بعد هذا البحث ان يلتقي قبلات صباح، تشبه الى حد ما قبلات حبيبتي، سألت طائر المكوث، كم سنة ساعيش؟، فاني احب الحدائق، حدائق الشعر بكل تأكيد .. وانتظرت على قارعة الاشجار الباسقة، وهي في عناق دائم مع الانهار والشموس .. حقيقة لم اشبع من حدائق الشعر، ابحث عن وجه حبيبتي، فتبتسم لي كل الاوراد ويفوح عطرها بحب المكوث كل هذا وانا اتجول بين كلمات الشاعرة نادية السيد، فاشم ضوع الورد الباحث عن ندى الصباحات "عبر الغيم" والتقي معاناة امرأة تبحث هي الاخرى عن رائحة الجمال لعله يسكن وريدها، لكنها تحسه بطعم الجرح، حينما ينطوي الغياب، غياب الاخر .. وما يخصني هنا هي الظاهرة الشعرية (فإننا نلاحظ أن الشعر يقوم على كل منها وبقدر ما تكون جدلية الحضور والغياب قوية بقدر ما يكون النص الشعري قوياً ومعبراً. وإذا أردنا أن نُنَزّل المصطلحين مدار الشعر فإننا نلاحظ أن الحضور يمثّل التشكيل والغياب يمثل الدّلالة. وعلى مدار هذه الثنائية يدور الكلام الشعري باعتباره احتراماً للقاعدة وخرقاً لها في نفس الوقت. فالتشكيل الشعري هو خرق لقاعدة اللغة، والقاعدة هي ذلك النمط المرجعي الذي يحترمه كل متداول للغة معينة حتى يضمن لكلامه سهولة التواصل وممارسة تأثير معين. وبقدر ما يكون التشكيل حاضراً بقوة فإن القاعدة تمثل غياباً." وعندما تصاغ هذه القضية اللغوية في إطار جمالي نقدي فإنه يترتب عليها التمييز بين نوعيين من العلاقات التي يمكن ملاحظتها في العمل الأدبي، علاقات تقوم بها العناصر الحاضرة وأخرى تقوم بينها وبين العناصر الغائبة". وقد نبّه سوسير Saussure في أكثر من مرة إلى هذه القضية واعتبر أن الدّال يمثل حضوراً (حضور مادي) وأن المدلول يمثل غياباً (غياب مادي ولكنه حضور معنوي).وإلى هذه الفكرة أيضاً يذهب ميشال فوكو في كتابه الشهير "أركبولوجيا المعرفة"، عندما يقول: " أريد أن أبيّن أن الخطابات كَمَا نَفْهَمُهَا في حياتنا الفكرية المعاصرة كما يمكن أن نقرأها في شكل نصوص ليس من السهولة بمكان اعتبارها مجرد تقاطع بين الأشياء والكلمات" وهنا ينحو بالقضية منحى فلسفياً، ويحيل إلى إتمامه للمشروع الفلسفي الذي ابتدأه في كتابه "الكلمات والأشياء". وفي هذا المنطق يحاول ميشال فوكو تأسيس فلسفة للعلوم الإنسانية.وإلى هذه الفكرة تقريباً يذهب تدوروف مع تغيّرٍ في الحساسية الثقافية فعندما يقول: "هناك عناصر غائبة من النص، لكنها إلى حدٍّ كبير حاضرة في الذاكرة الجماعية لقرّاء فترة معينة، وهذا ما يمثل بطبيعة الحال علاقات الحضور   وفي مقابل ذلك نجد بعض المقاطع من كتاب –بما فيه الكفاية من الطول- تكون على مسافة معتبرة من البعد عن بعضها البعض وتكون علاقتها غير مخالفة لعلاقة الغياب)، وبعد تبلور معنى الحضور والغياب، تقول الشاعرة السيد :

 

(يا هذا عندما تغيب ..

لن أعاتبك فقلمي أقوى من أن يُكتب أو يُعاتب به

فقط سأفتح نافذتي لعلك تدخل مع نسائم شمس غابت

وكأنها عادت من سفر طويل

 

يا هذا ..

لقد كنتُ نور مصباحك الفقير

وأنثى الغيم التي نامت في رحم المطر

وكنتَ أنت تبحث عن طعام وعن سرير ..

لتنعم بقليل من الدفىء لجسدك البارد العليل

وأنا أبحث عن حلم أغفو بين ضلوعه كي أرتاح فيه ..

أفضفض له عن قسوة الحياة وجرح الأيام ...

 

يا هذا ...

من الآن لن أهرب بحلمي خلفك

بعد أن أصبحنا مدمنين بالهروب خلف الأحلام المهجورة

ونرقص في جداول امتلأتها عطر الذكريات ... )

 

هكذا عاشت السيد محنة الغياب، وكعادة الرومانسيين، هربت لاشياء الطبيعة، كـ(أنثى الغيم التي نامت في رحم المطر)، وبانفعال تخاطبه: (يا هذا عندما تغيب ..)، فـ(لن أعاتبك فقلمي أقوى من أن يُكتب أو يُعاتب به/ فقط سأفتح نافذتي لعلك تدخل مع نسائم شمس غابت)، وهكذا تتصارع الرومانسية وتتلاقى ومشاهدة الشمس الدافئه فى الافق وهى تظهر جلية ساطعة والشعور بالسعادة و عندما نتابع النجوم وهى تلمع وتتألق بالسماء الصافية ويمر فى ذهنك حينها شريط من الذكريات السعيدة وخاصة ابتسامة الحبيبة ... لاقول اذا استطعت ان ترى كل مايحيط بك جميلا ونظرت لايجابيات الامور وتجنبت السلبيات المحيطه بك حتما انت رومانسى، فكن جميلا ترى الوجود اجمل فالرومانسيه انصهار فى الطبيعه وامتزاج مع الحياه ببساطه وعفويه، ورغم حزن شاعرتنا في مقطوعتها هذه، الا انها تخلق فرحا من نوع خاص، وتلتقي اشياء الطبيعة بجمالية الحضور وافتراض حضور الحبيب الغائب لذا تردد الشاعرة نادية السيد :

 

(يا هذا ...

من الآن لن أهرب بحلمي خلفك

بعد أن أصبحنا مدمنين بالهروب خلف الأحلام المهجورة

ونرقص في جداول امتلأتها عطر الذكريات ... )

 

لتبقى في كينونة الحضور الجمالي الذي سكن الذاكرة ..

 

وجدان عبدالعزيز

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم