صحيفة المثقف

ماهي الضمانات لنجاح مهمة حكومة التكنوقراط ألمرتقبة؟!

مصطلح التكنوقراط وفق قاموس "ماريام – ويبستر" يعني النظام الذي يستطيع من خلاله الاشخاص الذين يمتلكون قدرا كبيرا من الخبرات والمعرفة العلمية والتقنية بما يؤهلهم من السيطرة وقيادة ادارة المجتمع . وفي هذا الوطن العراقي المبجل الذي تم الغاء هويته، ولم يعد بالامكان التقصي والاستدلال عما كان هذا المسؤل العراقي أو ذاك، لا يزالون أوفياء لقيم "العفة" و"الامانة"  و"الاخلاق الفاضلة" والتي هي مصادر المثل والقيم العليا لقيادة المجتمع التي نعول عليها، نتطلع الى حكومة التوكنقراط هذه، حيث ألامل المرتجى من اجل ضمانة التغيير المطلوب في المجتمع . والمشكلة الاولى التي تتمثل في عدم الثقة بالمسؤول العراقي وما برهن عليه من "دناءة ورخص الذات"، بغض النظر عن صفته المهنية أو العلمية أوخبراته الحياتية، سواءا أكان مدنيا أو عسكريا، حيث قد تعامل شعبنا مع الكثير جدا من هؤلاء على مدى ثلاثة عشر سنة فاكتشف انتفاء معاييرهم الاخلاقية ومعدنهم الرديئ، فلفظهم الشعب وبصق عليهم.

وفي هذا الوقت بالذات، باعتقادنا ان القيم الذاتية والنزاهة وعفة اليد واحترام الذات والسمعة الاجتماعية والعلمية هي الامور المعول عليها اليوم في اختيار حكومة التكنوقراط هذه . ولكن بشرط، انها يجب ان تسير جنبا الى جنب مع عطاءات تلك الكفاءات التي نبحث عنها، وإلا، فاننا وبدون ذلك معا، نكون قد قايضا فسادا من قبل حثالات اجتماعية واشباه اميين، باخرى، تمتلك تخصصات ومعرفة علمية ومهنية، لكنها تفتقر الى الشرف الوطني ايضا، فما الفرق إذا؟؟؟ فشعبنا لا يريد أشخاصا بمواصفات الدكتور حيدرالعبادي وهو (تكنوقراطيا)، فهو برهن على عدم امتلاكه القدرة للتغيير، وكنه كان قادرا على تنفيذ ما يملى عليه من قبل من وضعوه متربعا في اعلى السلطة . فقد كان مجيئه، ايذانا بتقويض ديمقراطية وان كانت صورية، لكنها قدمت تضحيات كبرى لمن خرجوا من العراقيين الابطال من اجل انتخاب رجال وضعوا ثقتهم بهم، فواجهوا بهائم المفخخين انفسهم، ليقدموا  حياتهم من اجل الشهادة للوطن . ولكن، مجيئ العبادي، قد زاد في الطين بلة، فقد افرغ مضامين الديمقراطية على عللها، من محتوياتها، ولم يزد سوى في معانات الفقراء والمحرومين، ومضاعفة اعدادا ممن يفترشون الليالي على أرصفة شوارع المدن العراقية.

فاليوم، يطل علينا العبادي، ببشرى اعلانه القريب عن حكومة تكنوقراط !! . ولكننا يجب ان لا ننسى أن مشكلة العبادي التكنقراطي هذا، هي مشكلة اساسية تتضح من خلال اصراره على الرهان على قيادة العراق، على الرغم من افتقاره الشديد لخبرات وفن السياسة وللحذاقة والقدرة على التفوه الخطابي والارتجال . فهو لم يستطيع اختراق الفساد الجاثم على انفاس العراق، ولم تستطع تجاربه الحياتية أن توصله الى فهم ما يعانيه الانسان العراقي الجائع العاري الملتاع، فنجده لا يزال رئيسا للحكومة .... فهو عاشق للسلطة والظهور فحسب. وعدم امتلاكه "الكرزمة" التي تؤمن للقائد توفير ذلك النوع من الاتباع ممن يؤمنون بقيادته، والمضي معه الى نهاية الطريق من اجل الحاضر والمستقبل، بما يجعل من وجوده مقترنا مع الروتين الحكومي فقط . فمن خلال ما اكتشفه شعبنا من مؤهلات العبادي "القيادية"، فان العبادي لا يبالي ان خسر من اجل بقائه كرئيس للوزراء، كل العراق ومن فيه، وان كان هو يصرح على عكس ذلك. 

عندما سمحت المرجعية الدينية المبجلة للعبادي في مواجهة الفساد ظانة أنه "أكثر رجالها خيرا" ومنحته فرصة لم تمنحها لاحد من قبله لضرب الفساد وكنس المعانات العراقية باشكالها المتعددة والواسعة، وجدنا العبادي يخذل المرجعية بسبب عوامل كثيرة . كان من بين تلك الاسباب مثلا، ان العبادي اعتقد أن المرجعية قد "سبرت أغواره " "وادركت خوائه" وأرادت زجه في مواجهة مع "العتاة من أثرياء الفساد" من اجل اثبات فشله امام شعبنا. كذلك ما اعتقده العبادي مخطئا، ان المرجعية غيرقادرة على توفير حماية لحياته عند قيامه بمواجهة رؤوس الفساد . أو أن المرجعية ستفتح عليه النيران والحمم من جميع الجبهات، وان حياته ستكون هي الثمن، ولذلك وجدناه يتراجع ويفضل خذلانها. 

والعبادي الذي كان مخطأ تماما في تصوره للمرجعية الكريمة المباركة بهذا التصور المتدني "حاشاها"، فان العبادي، وبسبب انه لا يمتلك حتى بعضا من حكمة أوبصيرة ثاقبة، فانه أحجم عن تبني ذلك التشريف الذي منحته له المرجعية، وهي فرصة كان يمكن لرجل مغمور وهامشي كالعبادي، ان يصبح رجلا تتخلد ذكراه كما تخلد في قلوب شعبنا، الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، ذلك لان المرجعيةهي المسؤولة عن سلامته وحماية حياة من تعول عليه في اصلاح المجتمع، على عكس ما تصوره العبادي .

لقد تناسى العبادي أن المرجعية مشروع ديني حضاري متسم بالرقي والسمو الاجتماعي وسباقا في تفكير المجتمع بسنين طويلة من اجل الخير. فمن اولويات مبادئ المرجعية الدينية، هو توفير العدالة والاصلاح من اجل ضمان تحقيق اوامر الخالق تعالى على الارض . كذلك توفير السلامة للعقل الانساني في مواقف التعبيرعن أخلاقية قادرة على جعل الايمان والقيم الانسانية ومباديئ الدين، تتجسد عمليا في خيارات ألامن والسلامة والرفعة للعراقيين بالدرجة الاولى، لا ان تورط من جائت بهم من مسؤولين فتكون سببا في زوالهم من الوجود، "فذلك كان عند الله كبيرا".

لقد كان بامكان العبادي بعد وقوف المرجعية معه من اجل الاصلاحات المطلوبة، اعتماده المباشر على بعض قيادات الحشد الشعبي الابطال الذين أثبتوا قدرات استثنائية في الشجاعة والذود عن ارض الوطن . وكان بامكان العبادي ان يصدر قرارات جذرية من خلال وجود هذه القيادات خلفه لدك الفساد، والنجاح بها، كما يدك هؤلاء الابطال معاقل داعش اليوم. عند ذاك، يصبح بالامكان اختصار الطريق في الانتصارات وجعلها الاحداث الكبرى في عراق جديد قام بتدمير داعش، وحرر الارض العراقية، وكنس الفساد في ان واحد . ولا أعتقد ان أحدا من هؤلاء الفاسدين سيجرأ على الوقوف ضد العبادي أنذاك. ولكن العبادي لم يفعل شيئا من ذلك، بسبب واضح، هو انه شخصيا مقيدا باصفاد ثقيلة باع من خلالها حريته السياسية كرئيس حكومة في اتخاذه أي خطوة بدون الرجوع واستشارة الولايات المتحدة . وبذلك، بقي العبادي غير قادر على عمل أي تغيير. واخيرا، يبدوا ان علومه السياسية قد تفتقت باتجاه تشكيل حكومة التكنوقراط . لكن هذه الحكومة ستفشل فشلا ذريعا بسبب انها لا تستطيع التصدي لجبال الفساد الجاثم على صدور شعبنا. فحكومات التكنوقراط، يمكن ان يتوقع نجاحها في حالات تكون فيها الاوضاع السياسية مستقرة في بلد ما لكي تمارس هذه الحكومة واجباتها النزيهة والعادلة بدون مواجهات كبرى. وعليه، فان الاوضاع ستبقى كما هي دائما من محاصصات وطائفية وعنصرية، حتى يقرر الحشد الشعبي التدخل في الاوضاع السياسية ويأخذ على عاتقه مهمة ضرب الفساد، معتمدا على وقوف شعبنا ورائه بكل أديانه ومذاهبه واعراقه و فئاته وانتمائاتهم الوطنية .

ان من يقرأ عن خطط استفحال الفساد في العراق، لا يجده يختلف كثيرا عن ممارسة الجريمة المنظمة للفساد في العالم مع بعض اختلاف الظروف والبيئة. فهذه العلاقة نجدها واضحة في مافيات العراق، حيث نجد ان البعض من الفاسدين يسيطرون على تجارة تهريب النفط، بينما اخرون، يسيطرون على ادخال السلع والادوية المغشوشة، واخرون يسيطرون على ممتلكات الدولة بدفع اسعار رمزية،وغير ذلك، فكيف ستستطيع حكومة التكنوقراط، من ممارسة النزاهة والعدالة في اجواء كهذه؟

ومشكلة اخرى مستعصية، تتجسد في أن " قيادات السلطات الثلاثة"، هم أيضا جزءا من هؤلاء "التكنوقراط"، فما الذي يمكن ان يتغير عند استيزار أمثالهم في حكومة جديدة؟؟!! فهؤلاء قيادات السلطات الثلاثة، وقد فقد شعبنا ثقته بهم، وفقدوا هم الثقة بهذا الشعب، تناسوا مسؤولياتهم الوطنية، فهل سمعا يوما شعبنا، ان هذه القيادات قد قامت بالتنسيق فيما بينها من اجل اصلاحات ضد الفساد او المفسدين؟؟؟!!

فرئيس الحكومة العبادي يعيش في "حيرة" من أمره في محاولات ايجاد "توازنات" بين ارضاء ايران من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى، وان هو أخطأ في ذلك، فويل له . وأما رئيس البرلمان، فمشغول "بشكل أكبر" في اقتناص المناسبات للتركيز على مواقفه الطائفية، ثم "الفرار" الى الولايات النتحدة، "لذرف الدموع" لما يعانيه "السنة" من تهميش حقوقهم في "اقليمهم السني"!!  وأما رئيس الجمهورية التكنوقراطي جدا، فله هموما اكبر من هموم الاخرين عما سيحل من كوارث في اقليم كردستان ومن صراعات سياسية مع رئيسه "الحقيقي" مسعود برزاني الذي فقد شرعيته لكننا، لم نسمعه ينبس ببنت شفة حول لا شرعية مسعود برزاني بعد انتهاء مهمته الرسمية كرئيس الاقليم ولا يزال متشبثا بها.

فلماذا هذه الحمى عن"حكومة التكنوقراط" التي تغشى حياة العراقيين اليوم وهي ليست سوى هذيانا؟ وهل أن هناك من يعتقد أنها ستأتي بسحر عصاة موسى "ع" فتكنس فساد هذا المجتمع حالا؟

ولنفترض ان الحكومة الجديدة ستكون قادرة على تكريس النزاهة وعفة اليد في مسارات الحياة العراقية، ولكن، ماذا ستفعل للفساد والفاسدين؟ وكيف تتعامل معهم؟ ومن سيحميها من جورهم وهؤلاء هم من سيقف لها بالمرصاد؟ وهل ستكون قادرة على احالة "العمائم" ورجالاتهم الى هيئة النزاهة والمحكمة الاتحادية، لاسترداد حقوق شعبنا والمال العام؟؟!!

فحتى يتم تشكيل الحكومة ويستلم التكنوقراط حقائب وزاراتهم، سنظل بالانتظار، ومن يدري ...فلعل ما قد قيل ستكون النتائج ..."حيث ما تكون الحياة، يكون الامل...".

حماك الله يا عراقنا السامق... 

 

أ. د . حسين حامد حسين

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم