صحيفة المثقف

الأيمان بالعلم (1): أنشتاين يثبت وجود الله

alaa falihaburgeefأ- الهدف من هذه السلسلة: ليس من أهداف هذه السطور أضافة بحث فقهي أو عقائدي للمكتبة الاسلامية الزاخرة بعشرات ألاف الكتب في هذا المضمار وغيره مما يتصل بالعلوم الشرعية، ولا هي مساهمة في مشروع مايسمى بـ (الاعجاز العلمي للقراَن) الذي يحاول القائمون عليه البحث عن أي منجز علمي وربطه بالنصوص الدينية بطريقة فيها الكثير من الاستلهام على حساب حقائق واقعية غير قابلة للجدل، متجاهلين تقاطعات واضحة وصريحة بين الأرث الديني ومكتشفات عصر النهضة ومابعده، محاولين جعل كتاب الله رديفاً غير متكافئ لكتب الفزياء والرياضيات وباقي العلوم وهذا العمل فيه تجني كبير على كتاب مقدس هدفه الاول تأسيس مناخ من العدل يستطيع فيه الانسان اطلاق طاقته الابداعية لخلق حياة انسانية تليق بخليفة الله على الارض .

أن أقصى ماتهدف اليه هذه السلسلة المتواضعة هو المساهمة ولو بشكل ضئيل في الجهد العام لتقديم فهم جديد للدين قائم على نزع القدسية عن الجهد البشري الذي تناول شرح وتفسير تعاليم الاسلام، والألتزام بأخضاع كل مابين أيدينا مما نعتبره ثوابت دينية للنقد والمراجعة بغض النضر عن الاسماء التي أسست لهذه البديهيات، وصولاً الى بناء علاقة متزنة بين الايمان كضرورة روحية ومتطلبات الواقع الخاضع لقوانين ومعادلات علمية، وربما بناء نماذج رياضية لتحليل الادراك الديني وفرز نتائجه المنطقية عن تلك التي يمكن تسميتها بالمخرجات المشوهة والمرتكزة أساساً على وعي قاصر لوضيفة الدين، أو على الاقل الافادة من تلك النماذج والنضريات  التي ابدعها العقل البشري لتحقيق فهم أكبر للمشكلة الدينية، وهي بالفعل مشكلة - لمن يعترض على المصطلح - نتج عنها الكثير من الدمار والقتل وعدم الاستقرار في عدة مجتمعات عربية وأسلامية، الاكثر تمسكاً بالنضرة المقولبة والجامدة للدين، من باكستان الى العراق، ولعل المغزى من هذه السلسلة يختصره العنوان الذي يمكن أن يفهم بمعنيين مختلفين لكنهما  متوازيين بدون أن يلتقيا تماماً فليس المطلوب من الدين أن يبرر العلم ولا مطلوب من العلم أن يتكأ على الدين في بحثه عن الحقيقة لكن المسافة بينهما لايجب أن تبتعد كلياً فالعلم بلا أيمان يحولنا الى روبوتات والايمان بلا علم يحولنا الى حيوانات، ويمكن للقارئ ان يستنتج من العنوان المفهوم المبسط له وهو الاعتراف بالعلم،لكن قليلاً من التأمل يُمكنه من تأويل العنوان لمعنى أعمق يتلخص بسلوك طريق الايمان بواسطة العلم،  وتأتي الاستعاضة عن كلمة الربط (بواسطة) التي من المفترض أن تأتي بين كلمتي الايمان \ العلم  بحرف الجر (باء) عن قصد لترك الخيارات مفتوحة أمام المتلقي في الانحياز لأي من المعنيين أو لكلاهما كما أحاول انا.

 

ب - تقديم    

يمكن للأكتشافات العلمية أن تلعب دوراً سلبياً في التشكيك بالموروث الديني، ولكنها بذات الوقت يمكن أن تعزز الايمان الغيبي للمتنورين، والامر منوط بمدى قدرتنا ومهارتنا في التعامل مع مانؤمن به من معتقدات دينية، ولايمكن لهذه القدرة ان تتكامل ولاالمهارة ان تنمو بدون الارتقاء بتفكيرنا لدرجة توازي المنجز العلمي في كل المجالات، وهذا الامر لايمكن حدوثه مع التعكز على شروحات وتفاسير تعود لعلماء ومشايخ القرون الوسطى،  (مع أحترامنا لجهدهم) ذالك أن تفسير الاشياء المحيطة بالانسان بما فيها الكتب المقدسة  لايتعلق بذكاء وفطنة المفسر فقط بل بالامكانات المعرفية التي يستعملها للشرح وهذه الامكانات مرتبطة بشكل مباشر بالمستوى التكنلوجي الذي يمكن من خلاله أعطاء تفسير علمي أو على الاقل تجنب الخوض في المسائل الخلافية بين الايمان والعلم حتى وصول التطور العلمي الى مرحلة التوافق مع النضريات الدينية،وبالنسبة للعباقرة من رجال الدين فأنهم سيحاولون أعادة صياغة نضرتهم لتلك المقولات حتى تتلائم مع مقتضيات التطور الحضاري، فالموضوع في نهاية الامر ليس سوى محاولات بشرية قد تصيب وقد تخطئ .

فمجتهدي القرون الوسطى بذلوا كل جهودهم في التعامل مع النصوص الدينية (اَيات وأحاديث ومرويات) وأشبعوها بحثاً وتمحيصاً، لكن حجم التقدم التقني لم يسعفهم في طرح اَراء غير متناقضة مع العلم، بسبب أعتمادهم شبه الكلي على الفلسفة والمنطق واللغويات في تفسيير القراَن (فيما يخص المسلمين على سبيل المثال)،فتفسيرهم للاَية (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ- سورة لقمان) لم يتجاوز الفهم السطحي للدلالات اللغوية المباشرة كما هي معززين  تصوراتهم بمجموعة الروايات عن أسباب النزول من جهة وحديث نبوي عن مفاتيح الغيب الخمسة التي أستأثر بها الله لنفسه ولم يسمح لأحد من مخلوقاته الاطلاع عليها  كما نلاحظه في تفسير الدر المنثور للسيوطي أو الميزان للطباطبائي، وهم معذورن لذالك التفسير المنسجم مع حجم التطور العلمي في ذالك الوقت، ورغم محاولات علماء دين معاصرين أيجاد تفسير متوافق مع الاكتشافات الطبية في مجال الاشعة السينية التي سمحت بمعرفة نوع الجنين قبل الولادة كالدكتور محمد دحدوح ( الباحث في الهيئة العالمية للأعجاز العلمي في القراَن والسنة) أذ يقول في هذا المجال : ... أطلق التعبير - ويعلم مافي الارحام - على الله فتشمل كل مغيب عن مشروع الانسان المقبل ومستقبله ومصيره بعد الحساب . وهو مايتناقض مع مضمون الاية والتفسيرات التاريخية المرتبطة بها، وبالرغم من انها محاولة جيدة للتخلص من ثقل الموروث الديني اللامنطقي لكنها للأسف محاولة غير ناجحة لأن الباحث لم يستطع تطوير نماذج تفكير جديدة فبقي أسير النمط الكلاسيكي للمسارات المحدودة لقوالب الاستنتاج العتيقة، ومثله الشيخ محمد بن صالح العثيمين فهو يرد على المتسائلين بالقول :...والامور الغيبية في حال الجنين هي مقدار مدته في بطن أمه وحياته وعلمه ورزقه وشقائه وسعادته وكونه ذكراً أم أنثى قبل أن يخلق أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، الاأنه مستتر في الضلمات الثلاث التي لو أزيلت لتبين أمره .

أنها محاولة ذكية وناجحة لشيخ يدافع عن معتقده بكفاءة فيما يتعلق بالكشف عن جنس الجنين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يستطيع الشيخ ابن عثيمين (أو من يخلفه، رحمه الله) والدكتور دحدوح، التخلص من مأزق المكتشفات العلمية التي تقدم لنا كل يوم شيئ جديد؟ فما هو ردهم وقد طور الاطباء طرق عديدة لتحديد جنس الجنين قبل الجماع تصل نسبة نجاحها الى 99% ؟ واذا نجحا في ذالك فالى متى يبقى رجال الدين في موقع الدفاع السلبي عن معتقدهم يترقبون أي أكتشاف علمي للبحث عن طريقة للرد عليه ؟

أنه مثال واحد يؤكد مانحن بحاجه اليه فعلاً، أننا بحاجة لأعادة أنتاج مناهج جديدة لفهم الاسلام والقراَن الكريم تاركين وراء ضهورنا مئات المجلدات التاريخية التي تكبل عقولنا وتمنعنا من الارتقاء بها لمرحلة تواكب العصر والطريقة الوحيدة لتحقيق ذالك هي التعامل مع القراَن كنص تاريخي (دون المساس بقدسيته) يشتمل على جوانب تراثية تتلائم مع المستوى الحضاري لبيئة الجزيرة العربية قبل 15 قرناً من جهة ويضم من جهة أخرى أشارات للأجيال اللاحقة تستدل بها على طرق تجاوز التضاد بين الدين والعلم، فليس كل مافي القراَن موجه لمجتمعات القرن الواحد والعشرين وليس كل مافيه مقتصر على المجتمع الجاهلي، والتجديد في العلوم الدينية يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة التي ستحل الكثير من معضلات التصادم بين العلم والدين.

 

ج -  معادلة تكافؤ الطاقة

أنجز أنشتاين عام 1905 نضريته النسبية الخاصة وجوهر هذه النضرية هي معادلة تكافؤ الطاقة:

(الطاقة تساوي حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء)

لقد أثبت أنشتاين أن كتلة نواة الذرة تقل عن كتلة مجموع مكوناتها (أي مجموع كتل البروتينات والنيترونات) وهذا الفرق في الكتلة في حقيقته طاقة تربط مكونات الذرة، وفي حالة أنشطار الذرة ستتحرر هذه الطاقة الهائلة، وهو مانسميه بالانشطار الذري (الطاقة النووية)، وهكذا استطاع الانسان تحويل الكتلة الى طاقة، أستخدمها في عدة تطبيقات عسكرية ومدنية، وعليه فأن عملية تحويل الكتلة الى طاقة ممكنة غبر أشتقاق معادلة ثانية لتحويل الطاقة الى كتلة فتكون المعادلة :

(الكتلة تساوي حاصل ضرب الطاقة في مربع سرعة الضوء)

وتبقى المعادلة الثانية مهملة على عكس المعادلة الاولى بسبب الصعوبات التقنية في تطبيقها رغم وجود تجارب محدودة في هذا المجال على العكس من التطبيقات الكثيرة للمعادلة الاولى التي انتجت القنابل الذرية ومفاعلات انتاج الطاقة الكهربائية،ولتوضيح الصعوبات العملية لتطبيق معادلة تحويل الطاقة الى كتلة، فعلينا معرفة أن  القنبلة  النووية التي القيت على هيروشيما كانت تزن 60 كيلو غرام من اليورانيوم مع ملاحظة ان عملية الانشطار لم تكن بتلك الكفائة فلم ينشطر منها سوى 1.38% من مكوناتها أي 8.28 كيلوغرام نتج عنها  طاقة تعادل13000طن من التي أن تي، أي اننا نحتاج طاقة تعادل أنفجار 1،57 طن من مادة التي ان تي لأنتاج غرام واحد من الكتلة، وهو أمر مكلف وغير ذي جدوى أقتصادية  ما يفسر عدم الاهتمام بها، لكن مايهمنا هو صحة النضرية وأن كان أحتمال تطبيقها على الارض ضئيلاً، فهو لايعني صعوبة حدوثها في المجال الكوني الواسع والمليئ بكميات هائلة من الطاقة.

 

د - الخاتمة

تتفق الاغلبية الساحقة من علماء الدين المسلمين على الصفات المادية لله، وأبرز هذه الصفات أنه عبارة عن نور كما جاء في سورة النور ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وقد أسترسل العلماء في تفسير الاَية حسب درجة أدراكهم في حينه فلم يستطيعوا الخروج من أطار المثل المبسط الذي ضربه الله لهم بما يتناسب ومداركهم، وأهم مافي الاية هما المقطعان الاول( الله نور السماوات والارض) والأخير (ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيئ عليم) فهذان المقطعان من الاَية موجهان للناس في عصرنا الراهن، الاول يوضح ماهية الله والثاني يؤكد على أن باقي تفصيلات الاَية مجرد مثل يقرب مسلمي العصور الاولى من فهم ماهيته على ضوء أالادوات البسيطة المتوفرة لديهم في التعامل مع الطاقة، فهم لم يكونوا يعرفون من مضاهر الطاقة سوى الضوء والحرارة الناتجة عن النار والشمس، أما الاَن وقد توصل الاَنسان الى مراحل متقدمة في أكتشاف انواع متعددة من الطاقة يجب على المتخصصين أيجاد تفسير جديد لتلك الايات .

السؤال الابرز الذي شغل العلماء والفلاسفة  هو كيف نشأ الكون؟ وبالنسبة للمؤمنين هو كيف خلق الله الكون؟ وسنجد الجواب في المقطع الاول من الاية (الله نور السماوات والارض) فالنور مضهر من مضاهر الطاقة بمعنى أن الله طاقة وبالعطف على  المعدلة الثانية من معادلات تكافؤ الطاقة فأن الله قادر على تحويل جزء من طاقته الخارجة عن حدود التصور الى كتلة ضخمة جداً بحجم صغير يساوي حجم كرة التنس لتنفجر مشكلة  الكون حسب نضرية الانفجار العظيم، وبذالك نتوصل الى تفسير مفهوم غيبي (ماهية الله) بأدلة علمية تستند الى معادلات فيزيائية، تغنينا عن مجلدات ضخمة تناولت الموضوع بكثير من الاطناب المنطقي والفلسفي الذي يزيد من انتاج الاسئلة المحيرة في محاولته الاجابة على سؤال واحد.

  

علاء فالح أبو رغيف  

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم