صحيفة المثقف

تظاهرة مقتدى الصدر إستعراضا للعضلات ام حجزا لمقعد في قطار التكنوقراط؟!

السبب الرئيسي في ان شعبنا قد عاش كل هذه السنوات المريرة التي مرت عليه ولا يزال يعيش تعاسة مأساتها، وهو ان أكثر أدعياء "الوطنية" من العراقيين هم الاكثر عداءا للوطن، فهم المخربون والفاسدون والانتهازيون. فهذا السيد مقتدى الصدر قد خرج علينا مع اتباعه في الجمعة الماضية بمظاهرات حاشدة وفي ظل اجراءات امنية مشددة في ساحة التحرير، ليقول في خطابه امام المتظاهرين : "الشعب يريد اصلاح الحكومة"؟؟؟!!! .... فيا ترى من هي هذه الحكومة التي يطالب السيد مقتدى باصلاحها؟؟؟!!!، أليست هذه الحكومة ومن فيها هم وزراء التيار الصدري ووقيادتها الادارية العليا مع غيرهم من الكتل التي نشرت الفساد الاداري في العراق وبين شعبنا؟ أليست هي نفسها التي كان "مقتدى" اول من هدد وجودها وطالب علنا لسحب الثقة عنها مع شلة من الفاشلين والموصومين بعار الفساد واللاوطنية والولاءات لانظمة السعودية وتركيا وقطر والامارات، عندما كان القائد الوطني نوري المالكي رئيسا لها ؟ ألم يثأر السيد مقتدى لنفسه ولمليشياته لاسترجاع الكبرياء المهدورة بعد الهزيمة المنكرة التي تركها نوري المالكي في ذات السيد، في صولة الفرسان" بعد ان عاثت ميليشيات مقتدى فسادا في الارض، ووقوفه ضد المالكي وحكومته؟؟؟!!!..ألم يكن السيد مقتدى من بين من أيدوا الاطاحة بالشرعية وازاحواالمالكي، وجيئ بحكومة العبادي هذه؟ فلماذا، بعد ذلك تصبح هذه الحكومة الان، لا "تروق" للسيد مقتدى؟ أليس في ذلك افتراءا على الحقيقة، أليست ان هذه الكتل السياسية الباغية هي وحدها من جعلت الفساد والنهب بديلا عن اخلاقها وانسانيتها؟ ثم لماذا لم نجد مقتدى يوما أكثر من مجرد متباهيا "بالاستعراضات" باعوانه، وكان اكثر تحديا لكل من لا يستطيع وقفه عند حده؟ أم يكن استعراضه الاخير في الجمعة الماضية نوعا من "تهديد" مبطن، والتحضير لمشاكل جديدة؟

أن الجماهير الشيعية قد أدركت ومنذ زمن بعيد، أن وجودها ومستقبلها أصبح مهددا، بسبب ان قياداتها الحالية في التيار الصدري او المجلس الاسلامي او براثا او غيرها، لا تستطيع تلبية ما تطمح اليه من مستقبلها المنشود. فقيادات كمقتدى الصدر وعمار الحكيم وغيرهم لن تستطيع الارتقاء بنفسها الى مستوى وطني مادامت غير مبالية في ممارساتها سياسات التسقيط والاستعداء والتخوين بين بعضها البعض من جهة، وفي انتهازيتها وانحيازها لصفوف اعدائهم السياسيين من بعثيين وخونة موالين لانظمة السعودية وتركيا وقطر والامارات. فكل ذلك سوف لن يجعلها تطمأن لحياة وأضاع سياسية أمنة على الصعيد الامني والسياسي والاجتماعي، طالما ظلت هذه القيادات السياسية جميعا، مصانة وناجية من العقاب والتبعات والمسائلات القانونية والادارية وبما يخص فسادها وخياناتها وعمالات بعضها لانظمة السعودية وتركيا وقطر.  فتلك المسائلات ان وجدت، فهي تقع فقط على افراد قليلين غير منتمين الى تلك الكتل والكيانات السياسية العابثة. فسياسة التستر هي السائدة في العراق منذ 2003، منحت السياسي أو الموظف المجرم فرصة (الهروب) الى الخارج ليتخلص هؤلاء المسؤولين من التصادم مع كتل اخرى ينتمي اليها ذلك المجرم، بدون تدخلات أووساطات وتسويات. وهي سياسة (نجحت) بشكل كبير في هدر المال العام، والدوس على رقبة العدالة . وهذه هي مشكلة كبرى في الخراب المتعمد الذي لحق بالدولة العراقية والمجتمع العراقي، فكيف ستستطيع حكومة التكنوقراط القضاء على نفوذ كتل كهذه، بينما وزرائها ونوابها واداريوها هم المجرمون واللصوص؟

 ان مشكلة الكبرى، تتلخص ان أبناء العراق هم اعداءه الحقيقيين بالدرجة الاولى . فهم استطاعوا من "تجميع" مجموعات من حولهم بطريقة أو أخرى، فهم طالما استخدموهم لمصالحهم ولتهديد الوطن، لا لخدمته . فمن خلال الواقع القائم، ورصدنا لدلالات سلبية يلجئ اليها السيد مقتدى اوغيره على مستوى المجتمع، يمكننا ان نسبر اغوار "العقليات" التي تقود التيار الصدري اوالمجلس الالامي أو براثا أو غيرهم من المنتفعين من بغيهم . ففي العراق وبشكل رئيسي، لدينا نموذجان من قيادات لكتل سياسية، وكلاهما مسؤلان رئيسيان عن انتشار نزعات الانفلات والفساد المادي والاخلاقي والسياسي، والعبث بمصير العراق وتشجيع ودعوة الارهاب حتى من قبل ان نسمع بداعش. هذه الكتل وعلى الرغم من اختلاف اهدافهم وايديولوجياتهم وطبيعة علاقاتهم السياسية والتخريبية من خلال دعم الانظمة الخارجية، لكنهم يلتقيان في أهداف مصالح رئيسية، وان كانت تسير في اتجاهين مختلفين، لكن النتائج واحدة:

ألنموذج ألاول : هم كتل الاسلام السياسي، والذين امتازوا بندرة أوحتى انتفاء التحصيل العلمي والدراسي، والكثير منهم تقوقع في جهل مبين، ولكن ربما أمتلك هؤلاء أحيانا مهارات ما في القراءة والكتابة . فالغالبية من هذه القيادات لا يملكون تحصيلا علميا أو حوزويا او جامعيا، وعلومهم الدينية في درجات محدودة ومتفاوتة، تفضحهم تصريحاتهم البائسة.  وكتحصيل حاصل لما هو سائد في العراق وتحت الظروف الاستثنائية الطويلة، لم تصبح حاجة لهؤلاء الى علوم مدرسية او دينية، بسبب انهم وجدوا أنفسهم في نوع من "حصانة" تلقائية من قبل الكثير من الناس تمثل امتدادا لسمعة العائلة . وظل البسطاء والفقراء والمعدمين من الناس بالذات ينظرون اليهم كونهم "أولياء" الله تعالى على الارض. ولكن المشكلة في هذا النوع من "الوفاء" العفوي والذي كان ولا يزال متمثلا في احترام المنزلة الدينية لهؤلاء من خلال ما برهنت عليه حياة التقوى لاسلافهم، لكنه وللاسف لم يتم استغلاله من قبل هذه الكتل السياسية الدينية لكي يصبح وفاءا وتفانيا من اجل الوطن قبل غيره. بل على العكس، فقد سعت هذه الكتل السياسية الدينية الى جعل ولاء هؤلاء البسطاء الطيبين من أجلهم وحدهم، ولذلك ظل هذا الوفاء، ناقصا و"سلبيا"، الامر الذي زاد بجفاء الكثير من الناس ومقتهم لهذه الكتل السياسية الدينية التي لم تبرهن على استحقاقاتها من ذلك الاحترام بسبب جحودها في التعامل مع الوطن والوطنية . فشعبنا العراقي والى الان، لم يتعلم على الاطلاق من تجارب حياته الدامية . وبقي هؤلاء البسطاء أسرى ضعفهم وبما يتعلق بأي تمرد على السلطة العبثية لقيادات هذه الكتل الاسلامية السياسية، حتى بعد اكتشافهم زيف هذه القيادات، وادراكهم انهم كانوا ضنينين عليهم حتى في لقمة العيش .

وهكذا استطاعت كتل الاسلام السياسي استغلال ما حولهم من أعوان وباسم "الوطنية مرة والمصالح الشخصية مرات"  ليصبحوا "أسيادا" هذا المجتمع . حيث وظفوا مهاراتهم في ادعاء الفضيلة والتقوى باسم الدين، فاستطاعوا من تحقيق ثراءا واسعا حتى أصبحت هذه القيادات، وخلال الاثنتي عشر سنة الماضية، من اكبر اثرياء منطقة الشرق الاوسط، فضلا على ثقلهم السياسي.    

أما القيادات السياسية الاخرى فهم "العلمانيون"، وبالذات من يسمون انفسهم ب(القوى الوطنية) بالذات، وهم شرائح البعثيين وازلام النظام الساقط . وهؤلاء يمتلكون تعليما مدرسيا طيبا، والقليل منهم حاصل على شهادات عليا . لكن هذه القيادات لم تستفد من هذا التعليم، سوى ما يؤهلها لتبؤ مناصب سياسية وحكومية عليا، استطاعت من تحدي الحكومة والمجتمع بعد ان جعلت من نفسها، نوعا من معارضة للنظام القائم، مستغلة ظروف الارهاب وكانوا هم وراء جرائمه، وخلق المشاكل والعثرات لحكومات ضعيفة متعاقبة . ومشكلة هذه الكتل السياسية العلمانية، انها لا تعتمد على قدراتها السياسية الذاتية في التعامل مع الاحداث، لكنها، تعتمد على "تعليمات" جاهزة تصلها من خارج الحدود في التركيز على اهداف لتدمير المجتمع وضرب وحدته. ولذلك نجد هذه الكتل السياسية العلمانية أكثر من سعى الى تدمير الوطن. فاهدافهم السياسية المزيفة هي الاخرى بسبب انهم أبواقا لاعلام تلك الانظمة التي تحاول خلق ظروف عدم الاستقرار، وجعل الوطن العراقي ساحة للتخريب والارهاب وقتل شعبنا . فكيف يعقل أن "قوى" فاسدة لا تمتلك وفاءا ولا ولاءا وطنيا، كيف ستستطيع حكومة "تكنوقراط" من تقويمها واصلاحها ؟ فعلى حكومة العبادي ان لا تفوت على شعبنا فرصا اخرى من خلال جرعات التخدير بدلا من ضرب هذه المجاميع الفاسدة المفسدة، وهي تتعلل بحكومة تكنوقراط؟؟!!

المصالح المشتركة والتفاهمات بين كتل الاسلام السياسي والكتل العلمانية من خلال "التغطية" لبعضهم البعض، وعدم "التحرش" ببعضهم البعض، ثم الصمت" عن اساءات كل من تلك الكتل للوطن وشعبه، هي من بين أعظم الاخطار التي لا تزال تمعن في تحدي وجود النظام القائم من خلال صمت الاولى عن الحقائق، وتماهي الثانية مع ارهاب داعش في الانبار والموصل وصلاح الدين ووقوفهم ضد مشاركات الابطال من الحشد الشعبي في تحرير الاراضي العراقية ودرأ الخطر عن العراقيين جميعا.

يجب ان يدرك السيد مقتدى الصدر أنه سوف لن يقنع العراقيين، ان المظاهرة التي خرج فيها مع مؤيديه وطالب بالاصلاحات سوف تلقى ارتياحا وطنيا، او تحسب له كموقف وطني. فأين كنت يا مقتدى والعراق لا يزال ينزف منذ ثلاثة عشر سنة؟ أين كنت، وماذا كنت تفعل، ولماذا تنهض الان بالذات؟ وماذا فعله التيار الصدري من اجل شعبنا سوى استعراض العضلات ؟ وهل نسي شعبنا كيف ان كتل اسلامكم السياسي كانت ولا تزال تمارس التحديات من اجل الهيمنة على المجتمع وبث الرعب في النفوس؟ ثم نجدكم اول المتصدين لاصحاب الشرعية كالقائد الوطني نوري المالكي، فتسحقون فوزهم الجماهيري الكبير نزولا لمبتغيات لم تعد تخفى على أحد؟ وماذا عن مواقفكم الانتهازية ومحاباتكم للقوى العلمانية متمثلة ب "القوى الوطنية" مع ادراككم انهم اعداء العراق والعراقيين في علاقاتهم مع انظمة الشر. فضلا عن اهمالكم لمسؤلياتكم الدينية والوطنية والاجتماعية امام فئات شعبنا. فهل ان فخركم هو بالخروج بمظاهرة لا تسمن ولا تغني من جوع، في حبن تعاني الكثير من العوائل العراقية من الجوع والحرمان والغرق في فوضى الحياة القاسية مع بطالة واسعة وسقوط في ادران الجرائم والاثام .

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم