صحيفة المثقف

قادة الفكر أفضل من قادة السياسة فلمَ لا تسمعوهم قبل الغَرق؟

abduljabar alobaydiأشرف ما في الأنسان فكره،  وان قادة الأفكار لأعظم من قادة الجيوش وأفضلهم.فمن هم قادة الفكر ؟ وكيف يُقيَمون من قبل فلاسفة العصر المتنورين ؟. وهل من رافق التغيير في 2003 كانوا من قادة الفكر ؟ أم كانوا قادة سياسة لا علاقة لهم بالفكر والمفكرين وشرعية حكم الدولة؟ ولا ننكر ان مُنشأ فكرهم سماحة السيد محمد باقر الصدر كان من المفكرين الذين طرحوا فكرا آيديولوجياً شرعياً في كتابيه الموسومين (أقتصادنا وفلسفتنا)، فاق به غالبية أفكار الآيديولوجيين.وانا مؤمن ان اتباعه لم يقرأوا تلك الفلسفة الآيديولوجية الناضجة،  ولا هم من المؤمنين بها وبه في التوصيف والتطبيق . بدليل أنهم خرجوا على مبادئ شرعيته بمجرد ان استلموا سلطة التغيير؟، في حين ان قادة الفكر لا يتغيرون وفي التاريخ شواهد لا حصر لها..

فهل يحق لنا ان نسميهم قادة .. وهل هم يستحقون اللقب وحكم الوطن...؟

أما من هم قادة الجيوش،  وكيف كتب التاريخ عنهم ؟ منهم من آمن بمبادئه الحقة كما في سوار الذهب في السودان، ومنهم من اساء اليها كما في قادة من رافقوا التغييرفي العراق...ويبقى القائد العسكري لا يوصف الا بالتفرد بالرأي والغطرسة والتعالي على الاخرين وحكم الدولة بقانون القوة لا بقوة القانون. كما كان هتلر النازي وهولاكو والأخرين . والطغاة لا تسئل عنهم فهم لغزُ مُحيرُ ملفوف بالغموض عبر التاريخ .

ويبقى ان نقول : ان من يريد ان يحكم باسم الاسلام السياسي عليه ان يقرأ الاساس السليم ثم يبدأ في التطبيق، لكون ان القرآن يعطي للعقل الانساني الفكر والتفكر (أفلا تتفكرون)،  ومن بعده يخاطب القلب (أفلا تعقلون) في التطبيق، واعتقادنا انه ليس في الدنيا أخطر من العيش بدون تفكير.وهذا ما افتقدته القيادة السياسية المسلمة عبر التاريخ، لذا اضاعت الفكر والعاطفة معا بعد ان حول الفقهاء الفكر الديني الى تخريف.

موضوع عسير حين يُكتب فيه، لكنه نافع وخطير، لا بل تحديده يجب ان يكون وفق منطق العقل والعدل عند المفكرين. لذا علينا ان نكون حذرين من كل خطأ قد نقع فيه دون تفكير، لأن القيادة السياسية التي تعتمد على الفكر والتفكير أحتاجت عبر الزمن الى دراسة وتنظيم .

فالدولة لا تحكم الا بشرعية الحاكمين المنتخبة من الشعب بحق وحقيق، وهذه الشرعية تكتسب من الدستور الذي يجب ان لا يُخرق لأحتوائه على روح القوانين، لذا كتب الرسول (ص) الوثيقة التي تحد الحقوق منذ السنة الخامسة للهجرة واشهد عليها كل المؤمنين، التي تطالبهم بقواعد النبل والشرف والتعفف والتسامي في التطبيق. فكيف اذا هم اخترقوا الدستور :، كما في اختراق المادة 18 فقرة 4 من الدستور العراقي من قبل الرئاسات الثلاث.. وفحواها : "ان كل عراقي له حق التجنس بجنسيتين، لكن لا يحق له ان يرتقي الى منصب سيادي "، فكيف يتعامل القادة اليوم مع الدستور، وهل من حقهم اتهام الأخرين بخرق الدستوروهم اول من خرقوه ؟ . لا بل راحوا يوغلون في الخطأ والخرق الدستوري وتجاهل الشعب بالتعامل مع الدستور مرتين،  حين تجرأوا عليه بالمرة الثانية،  بأعتماد سفراء يعينون في دولة يحملون جنسية الدولة الام، كما في صفية السهيل سفيرة العراق في الأردن اليوم وغيرها كثير، ألم يكن هذا تجاوزا على الدستور ؟ فكيف يحكمون ...؟

ان كل مانقرؤه اليوم لقادة السياسة في العراق الجديد بعد 2003 عائم وغامض وغير مضبوط،  لكونهم لم يعرفوا الفكر السياسي المُقنن والمنظم، وخاصة أنهم أبتعدوا عن قادة الأفكار لوضع نظام قانوني سياسي محكم، وبقوا يهرولون خلف التمنيات ...وآمال ان يوفقهم الله الى سبيل الرشاد ...فبقينا نتطلع خلف مرجعيات الدين وقضاة التزييف الذين لا علم لها بالسياسة والتقنين،  ولا هذا من اختصاصهم.حتى أصبحنا بعيدين كل البعد عن كل فكر سياسي حديث جدير بمهمة التحديث .

ان قادة الدولة العراقية خرجوا على الشرعية القانونية والدينية منذ اول ايام استلامهم سلطة الجماهيربعد عام 2003، وتنكروا للمواثيق، لا لأانهم اعتمدوا على نظام لم يذكر في الدستور رغم هشاشته (المحاصصة الباطلة ) ونفذت فيه اهداف جهنمية مرفوضة حتى في القرآن والعرف والتقليد (الطائفية والمذهبية)،  وراحوا يشرعون قوانين التفرقة في العمل والوظيفة دون سند شرعي مقبول . فأقتصرت الوظيفة والوزارة والنبابة والسفارة لهم دون الأخرين، فاهملت الكفاءة الوطنية وتشكلت الكتل السياسة الطامعة في سلطة الدولة والمال دون قانون . وهنا بدأ القلم يحذر من مزالق الخطأ دون ان يلقى أهتمام من المسئولين .

وحين أختلط الحابل بالنابل وأستغلت الجماهير الخارجة من حكم القوة ودكتاتورية السلطة راحوا يفصلون القوانين على هواهم لتحدي صلاحيات مجلس الامة وجعل قانون المقسم الانتخاب الباطل والتعيين والتبديل هي البديل عن حكم الوطن بالقانون، فماتت المعارضة في مجلس النواب واصبح الكيان له النائب وله الوزيرفي وقت واحد وهذا تجوز على القانون والدستور، اذن من يعارض الخطأ في التطبيق؟ وتحولت الرواتب اللامعقولة والامتيازات التي فاقت كل تصورعند المواطنين، ناهيك عن السكن والاراضي والايفادات الباطلة والحمايات التي كلها محسوبة في جيوب النواب الفاشلين، فتحولت الدولة الى كانتون واحد بالتوافق لتدمير الشعب والمواطنين مقابل رفاهية شلة من الفاشلين ..حتى تحول الحكم الى ملك عضوض بمجيء اسوء حاكم شهدته البلاد بعد التغيير،  نوري المالكي حين بدأ ينتقل الى دكتاتور عنيد فتلاعب باموال الدولة والقانون، وسلم اراضي الدولة للمعتدين الدواعش الاوباش ولم يحاسب المسؤولين عن كوارث الوطن كما في سبايكر واحتلال الموصل وصلاح الدين ,من هنا بدأنا ندخل في دوامة الحكم العضوض القديم.

وحين جرت المفاوضات مع المجاورين لأنهاء ملفات الحروب وخاصة مع دول المجاورين، انبرت وزارة الخارجية لتدافع عن المجاورين دون حق الوطن بحجة البند السابع الذي هو اصلا لا علاقة له بالحدود والتعويضات، لكن من يقرأ ومن يكتب عند زيباري وجوقة المفاوضين، ان فلتان الامر وصعود نجم الشماليين، وخنوع الحاكمين في المنطقة الغبراء أفقدنا الحدود والتعويضات وكل ما يمكن ان يكون للوطن فيه من حقوق، حتى حينما زار فالح الفياض واشنطن انبريتُ له في مساجلة امام العراقيين وقلت له ان المفاوضات اضاعت حقوق العراقيين، فرد عليَ بالحرف الواحد (المفاوضات خط احمر لا يجوز النقاش فيها ودعها للمسئولين )، وكأن الدكتاتورية عادت من جديد بلسان مستشار ليس له خبرة السياسة والتفاوض لا يعي حقوق الوطن والمواطنين واليوم يرشح لتقييم الوزراء الجدد في العملية السياسية الفاشلة فكيف سيصلحون ؟.وكان من جراء ذلك ان تغيرت خارطة العراق واقتطعت منها اجزاء كثيرة وابار نفط دون حق في القانون. وقد كتبنا ونشرنا الخرائط لكن لا مجيب من حكام الوطن الجهلة بالثوابت الوطنية والتاريخ.

كان المفروض عليهم ان يقرأوا ميثاق الامم المتحدة في قوانين الحروب والاعتداء على الاخرين...فقد نصت احدى المواد القانونية في الميثاق على :"ان كل دولة تفتح حدودها لدولة اخرى بقصد الاحتلال لدولة ثالثة عليها ان تدفع نفقات التدمير، ولكن مع من تتكلم في دولة تحكمها الغوغاء من المسئولين؟

ان الذي امات القانون وأفلس الدولة هو اهمال نوري المالكي للقانون والمراقبة خلال ثمان سنوات من حكمه الباطل وظهور الكيانات الباطلة التي سموها بالكتل النيابية،  من جهلة الحكم والقانون، وتعطيل مجلس الامة في المراقبة والتعيين،  وعدم تقديم الحسابات الختامية لكل ميزانيات الاعوام من 2007-2014 دون مسائلة القانون، ناهيك عن الايفادات الخارجية والداخلية على الخالي والمليان والمصروفات التي لا أصل لها في القانون كالمداواة الصحية خارج الوطن وعمليات التجميل ومصاريف الحج المتكرر لهم وللمؤيدين وغيرها كثير،  فقيادة الدولة تحتاج الى قيادة فكرية مدربة ومحنكة في السياسة والتطبيق.

فهؤلاء ليسوا قادة فكر سياسي بل سياسيو صدفة جاء بهم القدر في حكم دولة العراقيين.

ان قادة الفكر سواءً في الدين أو السياسة او الأخلاق تحتاج الى تنشئة وتربية وعقلية على مستوى عالٍ من الايمان في العمل والتطبيق، هذا الامر كان وما زال مفقودا في قيادة العراقيين، فهي قيادة غير متعاونة ولا مخلصة ولاشرعية ولا مقدرة لثوابت الوطن وحقوق شعبه في معاملة الوطن والمواطنين .فلا يمكن ان تعرف حقيقة الفرد السياسي والمفكر الا اذا تعلمَ واعتقد بقيم الدين الذي ينظم حياته الروحية وليس هو الذي احدث لنفسه الدين،  كما في المصلحين والفلاسفة والقادة الكبار المؤمنين بحكم الدولة من اصحاب نظريات التحديث أمثال غاندي في الهند، ونلسن ماندلا في جنوب افريقيا، ومهاتير محمد في ماليزيا وغيرهم كثير..هذا الطراز من القادة نحن نفتقر اليه اليوم في حكم دولة العراقيين.

هنا في وطننا العراق غابت تنظيمات قادة الفكر الكبار، واستعيض عنها بأفكار المؤيدين المبررين لكل خطا يرتكبه الحاكم الجديد بحجة مستلزمات ومعايير التغيير وخاصة بعد ان اصبح الوطن بلا جيش وطني يحميه من عاديات المعتدين، لذا كان حل الجيش متفق عليه من قبل المرافقين.من هنا كانت القيادة السياسية كلمة باطلة خارجة على القانون والدستور تحميها مليشيات وقحة لا تعرف القانون وروح القوانين، لذا ضاعت الدولة في متاهات المصالح الفردية كالسفينة التي تلاقفتها الامواج وفقد قائدها السيطرة عليها فظلت بلا ربان ولا حامي لها من مصير اصبح معروف. هكذا هو العراق اليوم، ان لم تستلمه قيادة فكر سياسي ناضج سيغرق كما غرقت (سفينة تايتانك) في المحيط، وغرق من فيها من سكارى الليل البهيم ..؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم