صحيفة المثقف

أسئلة الرواية الاماراتية.. دراسة لخمس روايات اماراتية (5)

1- أميرة حي الجبل.... لعلي احمد الحميري

2- إمرأة استثنائية .... لعلي ابو الريش

3- لعله انت ...... لباسمة يونس

4- بين حين واخر ... للميس فارس المرزوقي

5- ريحانة ..... ميسون صقر القاسمي

 

5/12 امرأة إستثنائية لعلي أبو الريش

 سؤال السرد

تمثل الرواية عموما شكلا سرديا يعتمد النثر، يخضع لمخيلة المؤلف، ويصل المنولوج الداخلي احيانا الى لغة قصيدة النثر من حيث العمق في الفكرة والقوة في اللغة، يقول هوثرن: إن المونولوج الداخلي يتضمن بشكل أساس استخدام اللغة، وإذا ما تحدث فرد إلى ذاته فإن ذلك في المقابل يفترض على نحو مسبق وعياً معيناً لما يدور في ذهن ذلك الشخص

إن موت بطل الرواية جوعان والذي لم تسبقه مقدمات تشي بذلك، يمكن ان نعتبره كسرا لإطار الرواية تعمده المؤلف، ربما، لأنه وجد انه تجاوز الاربعمئة صفحة، وانه لابد من التوقف، ولكن هذا التوقف لم يكن مبررا بما فيه الكفاية لإقناع المتلقي

في قصة اللص والكلاب لنجيب محفوط، ينتهي سعيد مهران بالموت ولكن نجيب محفوظ مهد لذلك بإدراك سعيد مهران أن حياته ليست أكثر من عبث، وإن استمرارها لا مبرر له، بسبب تكرار الأخطاء والظنون والتوهمات العابثة التي جعلت الحياة في منظورها بدون جدوى ولا معنى،

اما جوعان الذي لم يعرف عنه انه اشتكى من مرض او اصابه الوهن وهو يبحر بقارب سلطان بن مجرن، فضلا عن انه وجد عملا يعشقه (الصحافة) وحياة مستقرة مع خليفة وسلطان وأمرأة تعشقه (سعاد) فان قيام المؤلف (باغتياله)، عملية القصد منه توقف السرد

اما اعلان سعاد: سأغادر ولن أعود...

 فقد كان مبررا لأنها صدمت بموت جوعان، كما انها ملزمة برعاية امها لأنها وحيدة، بعد موت أخيها عادل بحادث سير.

لقد كان جوعان، نموذجا للإنسان الراغب ان يعيش حياته بحرية تتماشى ومزاجه في الانفلات من جهة وتأكيد ذاته من جهة ثانية، من هنا كان السرد، المعتمد أساسا، على المنولوج الداخلي، ملائما وكان اختيار الروائي على ابو الريش موفقا، كما تدخل الروائي ليقوم بعملية السرد بعد موت البطل، أمرا لابد منه لرسم الخاتمة للرواية

وتناولت عملية السرد اربع نساء الأم، عفراء، السيدة في الجوار المقابل وسعاد، وقد ابعهدن عن التأثير في الرواية عدا سعاد، التي رغم حضورها شخصية تابعة تداريها بتصرفها الذي يتسم بحرية اكبر.

اما عفراء، فقد ظلت اقرب الى الحلم أو الخيال منها الى الواقع، ويلجأ اليها جوعان، كلما اشتد عليه ضغط الحياة او ضغط مشاعره .

شعر بانفجار يهز الكون، فيرتج الجبل، وتهتز الارض من تحت قدميه ... هل انسى عفراء واستنسخ كائنا آخر غير جوعان يذهب مع الفراغ باحثا عن حريته وهويته. (الصفحة 96)

 وسؤال السرد هنا يتمحور حول موقف جوعان من الحياة الاجتماعية ومن كينونته الوجودية

(الضائع يشعر عندما يستعيد مكانه، يشعر بأنه ولد من جديد، وانه تحكم بالموت وبالحياة ..الضياع أشبه بالموت، لأن الاثنين يقودان الى المجهول ...لا احد يعرف ما يجري للإنسان بعد الموت، تكهنات وتخرصات، لكنها ليست يقينا، اين ذهب ابي، أهو الان تحت القبر ام أنه تحلل وصار جزءا من هذا التراب.

ياخذ نفسا عميقا ثم يجهش بالبكاء .... قائلا سامحك الله ياأبي لم تخلف لي غير هذه الاسئلة).(الصفحة 96)

ربما يواجه جوعان هنا أخطر أسئلة الوجود بحس فطري، فهو هنا يملك وعيا بالموت وبالعبث وكأنه يحمل شكا وجوديا، وسؤال السرد ظل معلقا، يمكن أن يأوله المتلقي وفق قناعاته الفكرية والعقائدية

 

 

سؤال الهوية

الهوية تعني الانتماء، وفي السرد الروائي يقول كونديرا" أن "الرواية لا تفحص الواقع، بل الوجود، والوجود ليس ما حصل، الوجود هو عالم الإمكانات الإنسانية، كل ما يمكن أن يصيره، كل ما هو قادر عليه، يرسم الروائيون خريطة الوجود باكتشاف هذه الإمكانية أو تلك لكن لحظة أن توجد يعني (أن تكون في العالم)"

وكانت رواية (امرأة استثنائية) تعبر عن هوية الانتماء في بدايات التحول التاريخي في دولة الامارات العربية المتحدة، حيث لم تتبلور بعد مظاهر الرفاهية الشاملة التي يعيشها شعب الامارات اليوم (الدخل الفردي 46، 47 الف دولار سنويا، وهو الرابع على مستوى العالم سنغافورة –النرويج- الولايات المتحدة الامريكية – الامارات العربية)

مدينة الرمس كانت ما تزال تعيش على الصيد، وعملية الصيد يسيطر عليها سلطان بن مجرن .

(تحت جنح الليل، غطت قرية الرمس في ظلام دامس، وهي تمارس عادة الصمت الرهيب والانضواء الى الجبل حارسها الأمين).(صفحة 25)

وفي ابو ظبي يدخل جوعان عالما آخر ولكنه يظل، في انتمائه وسلوكه، يحمل هوية قرية الرمس

لبث جوعان منكفئا يسرق النظرات بين الفينة والفينة من هنا وهناك، لمح امرأة على مقعد قريب تجاور رجلا، الاثنان في مقتبل العمر..... تخيل عفراء ...فكر لو أن الظرف التاريخي سنح له أن يصطحب عفراء الى هذا المكان ...........(الصفحة 143)

ليس من السهل على جوعان ان ينتمي بمفرده الى ابو ظبي، يمكن ان تكون عفراء الوسيلة- الحلم، ولكنه يظل منتميا الى قيم وعادات و ثقافة مدينة الرمس، الجذر في هويته هو الماضي، حينما كان مفعما باحلام وافكار ورؤى يرعاها على الشاطئ الصخري، بعيدا عن ضجة المدينة وابواق السيارات التي يصف خليفة سائقيها : اناس مرضى، لاجدوى من القوانين و لا الضوابط، فعندما تنحل الاخلاق فلا فائدة من العقاب .(الصفحة 141)

كانت المدينة الجديدة تتوسع بسرعة وكانت الحركة الشاملة وعمليات الحفر والبناء تستلزم شغيلة من كل العالم، ولم تتشكل بعد المنظومة المتكاملة لضبط الشارع ووضع قواعد سلوكية صارمة .

هذه البداية، يرصدها الروائي عبر شخوصه، فيطرح كل منهم رؤيته، فسلطان يستنكر سلوك الضجيج والفوضى، فيصف الناس بانهم يتصرفون وكأنهم في عرس او في مظاهرة

اما خليفة فانه يرى انهم بلا ضوابط أخلاقية، وجوعان، يرى أن البعض يقودون سيارات فارهة، فيها من اسباب الرحة ما يجعلهم مطمئني النفوس، لكنهم على العكس من ذلك، فانهم يمرون في الطريق كالرصاصات الطائشة (صفحة 210)

في مدينة الرمس، يسير طوال الليل على الشاطئ، فلا يسمع غير صوت البحر، يوشوش الرمل ويحكي للجوانب الصخرية، ولا يقابل أحدا، تقول امه .. ان الجن وحدهم يتجولون ليلا ويحذرون البشر بصفير خافت، تلك الرمس من ينتمي اليها ويحمل هويتها، وتظل الهاجس الذي يعود اليه كلما حاول ان (يتأقلم) مع معطيات الحياة الجديدة في أبو ظبي

يريد الروائي بهذه الدلالة ان يكشف عن عمق تأثير الماضي في حياة الفرد الذي مثلّه (جوعان)

جوعان وسعاد يمثل لهما الماضي الهوية الحقيقية، جوعان يظل يتذكر عفراء، ويحكم سلوكه، قيم أهل القرية بوشائجها الاجتماعية .

قالت سعاد ...ماذا تشم ؟

قال- أشم رائحة النخل، انها رائحة تذكرني بالقرية

قالت سعاد وهي تحدجه بنظرات غائرة ...يبدو انك لا تستطيع نسيان القرية، على الرغم من أنك قلت لي في السابق انك هربت من ضياعها . (الصفحة 200)

 وسعاد، ما إن فقدت جوعان، حتى عادت الى بيروت بذريعة العناية بامها دون أن تفكر بحياتها هناك، بعد ان تفقد عملها في المجلة بأبي ظبي، العودة هنا هي الشعور بالأمان والراحة، بعد أن تعرضت مرة اخرى للفشل في تجربتها الجديدة , وربما اقتنعت بانها فقدت جناحيها كلية : جوعان الذي اعتقدت أنه الملهم، يمضي بلا رجعة، متقهقرا، وسأمضي الى حيث جئت.(الصفحة 429)

ان هوية السرد كما تتناولها الرواية، هي هوية كينونة وجودية وليست هوية مرحلة تاريخية، وهي لن تتغير ولكن ربما تستكمل، ليخرج جوعان من مدينة الرمس الى فضاء الامارات، مجتمعا تعرض لتغييرات موضوعية، ودولة جمعت المناطق المبعثرة بوحدة حضارية حققت تشكيلا موحدا وسع من مفهوم الهوية السابق

 

ملاحظات عامة

1- ترواح السرد بين المنولوج الداخلي لبطل الرواية وقيام بعض شخصياته بالحديث عن انفسهم مباشرة أو حينما يتدخل المؤلف، ليقوم بالسرد

 (الصفحة320)، بمعنى ان الرواية تضمنت اصواتا م في متعددة في عملية السرد

2- ان الرواية تفاجئك بانها انتهت .. وتدفعك الى الاحساس أن هناك شيئا مبتورا و ناقصا و كأن المؤلف الذي استغنى عن بطله (جوعان) يزمع ان يقدم جزءا ثانيا لتبديد روح التشاؤم والمأساوية .

3- قام المؤلف بغلق الحدث على شخصياته، دون ان يعرض للمجتمع الذي يعيشون فيه، عدا القسم الاول من حياة جوعان في الرمس، ولم يهتم بتقديم رؤية شاملة لجوعان وهو يدخل مدينة أبو ظبي قادما من مدينة صغيرة، بمعنى أنه لم يهتم بفضاء المدينة الجديدة،

في حين أن الرواية الحديثة تجعل الفضاء أحد أهم مكونات الآلة السردية، بل إنها غالت في الاهتمام بالمدينة حتى غدت المدينة هي الشخصية الحقة، وامتزج فضاؤها بفضاء العمل الروائي، مدينة دبلن في رواية عوليس لجيمس جويس، وتلمسان في الدار الكبيرة لمحمد ديب، وعنابة وقسنطينة في رواية نجمة لكاتب ياسين، وقد وصل الأمر إلى حدود تطابق وامتزاج معمارية المدينة مع معمارية النص الروائي، وكأن الرواية تعيد إنتاج المدينة كما فعل الطاهر وطار في رواية الزلزال حيث أعاد تشييد مدينة قسنطينة لا من منطلق المشابهة الجمالية للواقع ولكن من منطلق حلول هندسة النص في هندسة المدينة.

إن المكان، ليس عملية تأثيث في فضاء الرواية، بل انه الذي يمنح للمتخيّل واقعيته في عملية السرد،، بل إن النص الروائي يعين هذا الفضاء ويحدده ويصوره ويمنحه معنى بطرائق متعددة وعلى أكثر من مستوى.

ويمكن الاستدلال بعناية نجيب محفوظ بالمكان، من أن أسماء بعض رواياته كانت أشخاص مكانية كـ: (قصر الشوق) و(السكرية) و(خان الخليلي) و(زقاق المدق).

وكانت رواية (امرأة استثناية) قد نجحت في تقديم صورة المكان في مدينة الرمس :يصمت جوعان، وينظر الى المسافة بين الجبل والبحر، حيث تتوسطهما القرية الساكنة، اللاهثة الى الافق بصوت مخنوق، كامراة عاشقة، عين على البحر و اخرى على الجبل .....منذ فجر التاريخ والقرية لم تغير من الوان بيوتها .(الصفحة 51).

ولكن الروائي علي أبو الريش كان مصرا على عدم توظيف مدينة ابو ظبي كمكان آخر في الرواية، في حين يوكد الباحث ياسين النصير: المكان دون سواه يثير إحساسا بالمواطنة، وإحساسا آخر بالزمن وبالمحلية، حتى لتحسبه الكيان الذي لا يحدث شيء بدونه، فقد حمله بعض الروائيين تاريخ بلادهم، ومطامح شخوصهم، فكان واقعا ورمزا، تاريخا قديما وآخر معاصرا، شرائح وقطاعات مدنا وقرى حقيقية، وأخرى مبنية في الخيال.

4- أغلق الكاتب كل الابواب، الى الحياة المتدفقة في ابو ظبي، ولم(يسمح) لجوعان أن يذهب الى السينما او المسرح او اي نشاط اجتماعي، ولم يحضر اية ندوة في المنتديات سيما وهو يعمل في مجلة، إن المؤلف، وهو الخبير بالعمل الصحفي، قفز بجوعان من طالب ضائع لايملك اية تجربة في الكتابة ولم يدخل اية دورة صحفية، أو يكشف لنا ولعه بالقراءة مثلا، الى كونه كاتبا صحفيا يبدع في واحد من اهم فروع فن التحرير الصحفي وهو التحقيق، صحيح ان الصحافة بحاجة الى الموهبة ولكن الصحافة وفن التحرير، صناعة ايضا، وكان من الاجدى ان يطور السرد جوعان، بحيث يبدو الابداع الصحفي نتيجة منطقية لجهود ومتابعات في القراءة والكتابة .

 5- كان الحوار في رواية (امرأة استثنائية) لا يمثل الا نسبة ضئيلة من الاربعمئة وتسع وعشرين صفحة، ويمكن ان نصنفه الى ما يلي :

الأول : الحوار الخارجي، وهو الحوار بين جوعان وامه ثم صديقه في قرية الرمس، وفي ابو ظبي بين جوعان وكل من ...سلمان، خليفة، كومار، قيس عبد الباقي وذياب،

وهو حوار عادي وقصير الجمل ولايكشف عن الشخصيات من حيث ملامحها الفكرية والثقافية .

 الثاني: الحوار بين جوعان و سعاد، وهو حوار مفعم بالدلالات ويكشف عن شخصيات المتحاورين وأحيانا يأخذ مسارا مناورا غير مباشر يعتمد على سرعة البديهة والاستيعاب السريع لقصدية الحوار بينهما.

الثالث: الحوار الداخلي أو ما يسمى بالمنولوج الداخلي، وقد شغل هذا النمط من الحوار مساحة كبيرة من فضاء الرواية، كشف فيه لنا المؤلف عما يشعر به جوعان على وجه الخصوص، وكان الحوار هنا متنوعا ودافقا .

وهذا يعني أن المؤلف على معرفة بنظرية الشخصية على نحو مباشر أو غير مباشر ويمكن أن نشير، الى أنه كان متأثرا على نحو واسع بالمفاهيم العامة لعلم النفس الذي درسه في القاهرة، كما سبق ان بينا ذلك، ويؤكد على هذا المفهوم روبرت همفري.  فقد اعتبر همفري ان مجال الحياة الذي يهتم به تيار الوعي هو التجربة العقلية والتي تعتمد على:

1- الماهية، التي تعتمد على التجارب العقلية من ذكريات واحاسيس

2- الكيفية، التي تشتمل على انواع الرموزوعمليات التداعي

وقد قام همفري بدراسة مفصلة لعدد من ابرز نتاجات فرجيناوولف وجيمس جويس ووليم فوكنر

 

ذياب فهد الطائي

....................

مدخل لدراسة الرواية، جيرمي هوثورن، ت. غازي درويش عطية، مراجعة د. سلمان داود الواسطي، دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد ـ 1996م/ ص 47.‏

جوزيف كونديرا: فن الرواية، ترجمة أمل منصور، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999، ص:48، مجلة انسانيات، http://insaniyat.revues.org/3194

ياسين النصير، مرجع سابق ص 51

روبرت همغري.،، تيار الوعي في الرواية الحديثة ط2، ترجمة، محمود الربيعي- دار المعارف، مصر 1975، ص 26.‏

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم