صحيفة المثقف

في ايام رحيله

adnan almshamshوقفة مع مجموعة الشاعر المرحوم قاسم عبد الهادي السواد"-الذي غادرنا قبل ايام-  طيور المساء تسافر في الصيف"

يحتل شعر المرحوم قاسم عبد الهادي السواد موقعا مهما في الساحة الشعرية البصرية المعاصرة بخاصة  مجموعته الاخيرة (طيور المساء تسافر في الصيف) الذي هو عنوان أولى قصائد المجموعة،فمن خلال العنوان ندرك ان الشاعر يحاول ان يستلهم هموم وطنه ومدينته عبر شعره، فهناك الطيور التي تدل على الحركة  والمساء الذي يدل على الغموض وانحسار الشمس هذا من ناحية من ناحية اخرى نجد الصيف يحقق معنى الوضوح والقسوة لاسيما في جو مثل جو العراق ولعلنا نستلهم من سفر الطيور هجرتها لان السفر يحمل معاني العودة في حين لا تدل الهجرة الى الرجوع  نهائيا فهذه التفاتة ذكية من الشاعر حين ذكر السفر بدل الهجرة ليكون كلامه  اقل قسوة، اما اذا تصفحنا شعر الشاعر فنجد ان تشبيهاته جد موفقة في تركيبة صوره الشعرية. اول قصيدة في المجموعة يبدؤها بتشبيه:

جسدي كالسيف يسافر في عينيك

يشبه الشاعر جسده بالسيف وعيني حبيبته بالبحر وقد اختار البحر لانه مضطرب يدل على القلق والخطر،وفي تشبيه اخر يقول:

لن تستبيح

دمي

ولن تجمع كالباقين خيولي

الخيول ايضا مثل الطيور لها مفهوم حركي أضف الى ذلك معنى الاصالة والشاعر يخاطب الاخر الذي هو نفسه فيشبهه عبر الكاف بالباقين فمن هؤلاء الباقون الذين يطمعون الخيول، بلا شك الشاعر يقصد بمن يجمع الخيول كل عقبة او مجموعة  تحاول تحجيم الاصالة وإيقاف الحركة، والجملة المعترضة بالتشبيه تحق تكامل الصورة:

وامض كما لو ان فارسا

يمضي على صهوة في الضلوع

ويبدو ان الشاعر لايؤمن بجمود الصورة فيحاول ان يحول كل شيء عبر التشبيه الى حركة ظاهرة او خفية:

لان الصوت صدى

مرة في الزوايا.. ومرة في الجدارفيدخل ثوري وينحني

كالظل فوق الظلوع

الصوت متحرك والجدار ثابت والظل متحرك اما الظلوع فهي ثابتة وهذا الصوت المتوحد بالصحة لان الصدى هو مرحلة لاحقة اما الصوت فمحلة سابقة يعني ان الماضي يخترق إلينا المطبات وكل الأشياء فيتغلغل في أعماقنا مثل الماضي الكاف نفسها نجدها تدخل في جملة معترضة كي تنقل إلينا الماضي:

وامي كعادتها تصلي

لاحتراق الحروف

وينتقل الشاعر من التشبيه بالكاف الى التشبيه بمثل، وهذا مانجده في قوله:

ولا تعبر من الجدار

لان اغتيال الظلال

مثل اغتيال القمر

  فقوله اعلاه يمثل الوحدة من خلال الحركة بين النور والظلام  من خلال الحركة فالظلال تتبع في حركتها النور حيث لانور فلا ظل والظل دلالة على شيء بين النور والظل، وفي تشبيه اخر يقول:

وان المرايا مثل عشق النفوس

وجواري القصر الممتد

الى بوابة المدينة يباركن عرسا

عند خيمة في أقاصي الجنوب

في اللوحة اعلاه صورة لحركة خفية تمثلها المرايا ان المرآة ثابتة لكن الذي ينطبع عليها متغير لن يبقى فيها سوى لحظات او دقائق معدودة ليختفي بعدئذ غير ان سكون المراة ليس جامدا انه  مثل العشق تماما العشق أقوى من الحب درجة ومعاناة فهو ثابت مثل المراة لكنه متحرك يجيش في نفس العاشق كل ذلك يدعونا ان نتابع حركة الصورة اللاحقة المتمثلة بجوار ينتظرن عرسا وحقيقة هذا العرس هو خيمة في أقصى جنوب العراق!

فعلى ماذا  تدل الخيمة؟ أليس على الرحيل والهجرة وعدم الاستقرار  والعرس يدل على الثبات لذلك جاءت خاتمة القصيدة كالآتي:

لان انتظار المواجع مثل احتضار النفوس

حيث توحدت عبر التشبيه المرايا والنفوس الحائرة والرحيل الخفي الظاهر العنيف والهاديء مما يدل على قوة تشبيهات الشاعر قاسم السواد ولعلنا في وقفة اخرى نطالع تشبيهاته البليغة او التي تخلو من حروف التشبيه.

 

عدنان المشيمش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم