صحيفة المثقف

الدولة والمُثل العليا ومحنة الجماهير

abduljabar alobaydiان المُثل العليا في حكم الدولة أمر لابد منه، ولا مناص لكل دولة دينية كانت أم مدنية، او مجتمع يريد ان ينتظم في دولة قانونية، ولكل حزب يريد ان يتشكل وفق اسس قانونية ومجتمعية، ولكل فرد يريد ان يعمل بالسياسة الحقة، يجب عليهم جميعاً ان تحكمهم القيم والمُثل العلياوالزامية التطبيق .

ان القانون الاخلاقي مُثل عليا أنسانية يدخل تحت ميثاق المجتمع، وهو غير قابل للاختراق تحت اي شعاراسلامي أو قومي أو فردي.قانون يجب ان يكون يستبعد من اية قيم تراثية قديمة لا تتفق وحداثة التغيير، لانه قد يؤدي الى الاستبداد السياسي في الدولة التي لم يكتمل دستورها وقانونها وأمنها الوطني بعد.

لقد ُطرح العلم كشعار آيديولوجي، كونه ليس من السياسة، أما الاخلاق فهي آيديولوجيا مرتبطة بالقيم الانسانية الاجتماعية التي يجب ان تتحلى بها المؤسسات العلمية والسياسية والتشريعية معاً بغض النظر عن الآيديولوجيا العلمية. اي ان الاخلاق بمفهومها العام راسخة في الوعي الجمعي للمجتمع، تتمثل في الموقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يشغله الانسان.

من هذا التوجه الاخلاقي للمُثل، على مؤسسة الدين ومؤسسة السياسة ان لا تُعرض نفسها للمعايير المخالفة للمثل العليا المتمثلة في الاخلاص والامانة والاستقامة ومعاملة الناس بالمساواة (آية 13 من سورة الحجرات)، والبعد عن الخداع بأعتبارها من مبادئها العامة التي لا تناقش.لذا كانت هذه المثل نقط ضعف عند العرب في بداية الدعوة حين غزوا العالم خارج شبه جزيرة العرب واذلوه واسترقوه مستغلين الآيات القرآنية التي عجزوا عن تأويلها في الأماء والعبيد واصحاب الديانات الأخرى .

وتكررت الحالة عند الأوربيين الذين غزوا العالم في بداية الثورة الصناعية وأذلوا أهلها واسترقوهم والمتاجرة فيهم كل هذا العمر الطويل. ان السياسي الذي يشغل منصبا من مناصب الحكم، عليه ان يعلم ان الأعين مسلطة عليه، لذا فالأمانة والعدالة والنزاهة والصدق والبعد عن الخداع وأحترام الأخرين، كلها مطلوبة منه بالذات، ومطلوب منه الدفاع عنها اذا أخترقت.لذا فالقيم العليا يجب ان تكون هي الدولة، هذا لم يتحقق في دولة العراقيين بعد التغيير في 2003، لذا ظل الحاكم موضع ريبة وشك خارج نطاق الاحترام والتقدير..وهو سبب رئيسي من اسباب فشل المؤسسة السياسية وأنهيارها اليوم .

من هنا لا يجوز لحزب ان يسمي نفسه بالحزب الاسلامي او الديمقراطي او حزب العدالة او حزب الدعوة الاسلامي، كما لو ان المثل العليا ملك له، وان بقية الناس والاحزاب بلا مثل عليا ولا قيم في الالتزام والتطبيق

المثل العليا نرفض تسيس الاسلام، واسلمة السياسة.اما من يطرح اليوم شعار (الاسلام هو الحل) ليضع تحته حجاب المرأة، والطائفية والعنصرية والغاء الفن وتطبيق فقه الشافعي وفتاوى ابن تيمية وولاية الفقيه، هي مخالفات قانونية في حكم الناس وحرياتهم الاساسية.وهي مهزلة تمرُ علينا دون وعي شرعي وقانوني لها، لذا أدت الى زرع عوامل التخلف والفرقة في مجتمعاتنا العربية وأضعفتها وفرقت وحدتها في الشدائد والملمات، لا بل زرعت فيها العداوات كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن .من هنا فنحن نرفض علاقة هذه الشعائر الايمانية ببرامج ونشاطات الاحزاب السياسية، لأنها اصلا هي فوق التعصب، فالتعصب الشرعي الواعي هو للوطن والشعب ولا غير.

نحن ندعو المنظمات الاسلامية جميعاً ان لا تعلن انها أحزاب اسلامية وتنظر للاخرين نظرة استعلائية للاخرين بمنظورها الديني الخاطىء وتتبرأ ممن خان المبادىء، وتدعو احزابها الى مناهضة الاخرين . على كل التنظيمات الاسلامية ان تنزع من فكرها السياسة وتبقى مراقبة لخط الاستقامة ولا غير لكون السياسة تتعارض احيانا مع مبادىء الدين، هذه التسميات جاءت في وقت احتاج لها الحاكم لتثبيت سلطته على الجماهير كما في عهد المتوكل العباسي (ت232للهجرة) مخالفتة شروط المُثل العليا التي جاء بها الاسلام لكل الناس دون تمييز.

وبعد ان فرقت هذه التوجهات الدينية الخاطئة في الشهادة والصلاة وصوم رمضان والأعياد حتى ساهمت هذه التوجهات الدينية في تفرقة المجتمع وزرع العداوة بين ابنائه قصدا، فتعود المجتمع عليها حتى اتهارت المثل العليا عنده، وهذا ما نلاحظه اليوم مع الاسف بعد ان تعمقت الطائفية في النفوس ونخشى من ان تتحول الى عقيدة فكرية في المجتمع .

ان الحكومة مسئولة عن هذا التوجه الخاطىء، لابل نقول أنها شريكة فيه.وهي توجهات أطبق الطغيان الديني المتزمت قبضته عليها فجعلنا اسرى فتاواها التي تتناقض مع المثل العليا في الاسلام، والاسلام لا يعترف برجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى على الناس .

ان الدفاع عن الوطن ليس جهاداً في سبيل الله، والجهاد ليس فيه كفائي وفرض عين، بل هو ألزامي عند تعرض الوطن للأعتداء، انظر الآيات 43، 120 من سورة التوبة، وهو ليس وقفا على المؤمنين، أنما هو قتال وطني يقوم به اصحاب الارض من اجل طرد الغاصب المحتل بغض النظر عن المعتقد الديني المعين، واليوم هو من واجبات الجيوش العسكرية المنظمة وليس من الجهاديين .اما القتال من اجل الفتح والاحتلال والمبالغة في القصاص من اجل فرض الدين فهو ليس قتالا مشروعا، لأنه يخضع لقانون الاكراه، والاسلام شعاره لا أكراه في الدين.لذا فالفتوحات الاسلامية لم تكتسب شرعية الدين ؟

من هنا نفهم ان الشورى هي الوسيلة الوحيدة لحماية المثل العليا وعلى رأسها الحرية، هذه الحرية التي فصلها الاسلام عن العقيدة وجعلها متطلبا انسانيا لا يجوز التجاسر عليها بغض النظر عن المعتقد الديني. وتشمل حرية المعتقد وحرية تداول السلطة سلميا، وحرية الرأي والرأي الاخر، وحرية الصحافة والقلم والتظاهر السلمي للتعبير عن الرأي . يقول الحق :( وقل وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظلمين نارا، الكهف 29) ولم يقل للكافرين نارا لأن الظلم قد يمارسه المؤمن والكافر، لذا فتحديد الآية الكريمة جاء غاية في الدقة والتمييز.

في مثل هذا النظام تكون المثل العليا مصونة في دولة الاسلام المدنية، لأن بها يكون الدفاع في حالة استبداد الحاكم وظهور الطغيان.ونحن كمسلمين علينا اول من يلتزم بالمثل العليا بموجب الشورى، وعلينا ان نتحرر ( من الرزق المقسوم والاجل المحتوم) والاستبداد الفكري والمعرفي ونلغي نظرية التقديس وعذابات القبر وكل التخريفات الاخرى التي شلت عقول المواطنين، كلها كلمات قاتلة زرعت فينا الأتكالية والخمود من قبل رواد السلطة ووعاظ السلاطين، والتي ابعدتنا عن الديمقراطية السياسية وحرية الرأي والمعتقد كما في الاحزاب الاسلامية الباطلة اليوم وتقف داعش والقاعدة والنصرة في المقدمة..

ان الحرية والديمقراطية الحقة هما النمط العلمي للحياة الانسانية وانهما من تكاليف الايمان والحامية للمثل العليا.وهذا يدفعنا الى الايمان المطلق بتداول السلطة سلميا ومن يرفض يزاح بقوة القانون، والمعارضة وفصل السلطات وتحديد السلطة عن حقوق الناس هي الأساس، بعد ان ورثنا من مؤسسة الدين كل هذه الأدبيات التي لا اصل لها في الدين، لانها ولدت في مجتمعاتنا ظروف مختلفة عن ظروفنا التاريخية الحالية زمنيا ومكانيا والزمن يلعب دور في عملية التغيير. فمتى نتخلص منها لنساير ركب الحضارة العالمية في التقدم والتحديث. لن نصل الا بفصل مؤسسة الدين عن مؤسسة السياسية ويكون القانون المدني هو البديل .

ان الخطوط العامة للسياسة تتمثل في:

تطبيق الدستور وعدم مخالفته من قبل سلطة الدولة والمواطنين، كما هو مخترق في دستورنا اليوم في المادة 18 فقرة 4 التي لا تجيز للسياسي بأعتلاء المنصب السيادي وهو من يحمل ثنائية الجنسية في التجنيس.ناهيك عن المساواة في الحقوق دون تمييز.

لقد نصت وثيقة المدينة على المساواة، والكفاءة، والاخلاص، وسلامة الحالة الصحية، والخلق القويم، ورفضت السرقة من بيت المال العام (ان الحق القديم للدولة لايبطله شيء، انظر النهج في خطب الامام (ع) والتزوير واعتماد ذوي القربى في التعيين( أعدلوا ولو كان ذا قربى ) ومسئولية الدولة في ادارة شئون الناس.هذه الخروقات كلها طبقت في دولة العراقيين بعد 2003 والتي ادت الى تفكيك المجتمع والدولة وافلاسها وتعرضها للاحتلال والتدمير.

انظر الوثيقة النبوية الطبعة الحجرية المودعة في مكتبة المتحف البريطاني بلندن. والمحققة من قبل الدكتور احمد حميدالله في كتابه الوثائق النبوية .

هذه هي المثل التي يجب ان يتقيد فيها الحاكم لا أن كل يوم يأتي بجديد فارغ وقد امضينا أكثر من عشر سنين ونحن لاهين في المعارضات والمناكفات والجدل البيزنطي والزمن يمر والشعب يموت والقادة يتخمون من كل صنف ولون.اين الاسلام في هذه السياسة الخارجة على القانون عند من يدعون بدولة القانون ...؟

من هنا اتفق المجتمع الدولي على تحقيق العدالة الجنائية ومحاربة الافلات من العقاب كان يهدف بالاساس الى تحقيق ما نسميه الردع العام ضد مرتكبي الجرائم وخونة الاوطان وسراق المال العام وما اكثرهم في بلادنا من الهاربين.فاصبحت الحصانة تنزع من النائب اذا توفرت شروط الاخلال بها وحتى لو تمتع صاحبها بحصانة قضائية ودبلوماسية استنادا الى قانون داخلي او اتفاقية دولية. فالحصانة التي يتمسكون بها دعاة الباطل هي للشعب والقانون وليس لسراق المال العام وباعة الوطن وقتلة المواطنين نحن نحتاج اليوم الى جرأة في تنفيذ القانون ورمي المصالح الخاصة والتوافقات الشخصية جانبا بعد ان قتلتنا الردة من التحالفات الباطلة التي سموها بالتحالفات الوطنية وهي ابعد ما تكون عن الوطن والجماهير..

فهل سيصمد السيد مقتدى الصدر امام العاصفة الهوجاء للباطل ولا يلين..نتمنى منه ذلك ؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم