صحيفة المثقف

انتصاراً للمرأة العربية في عيدها العالمي (5)

karem merzaمن العجيب المدهش أن يطلق بعض الكتاب والباحثين أن المرأة نصف المجتمع !!، لا يمكنني أن أفهم أو أتفهم ما معنى نصف المجتمع، النصف معناه الموت للنصفين، لأن  المجتمع وحدة عضوية متكاملة كوحدة الإنسان العضوية تماماً، فهما متكاملان لتشكيل النوع البشري، هل يمكن أن تتخيلوا جهازي الهضم والتنفس يسيران في مكان، وجهازي الدوران والعصبي يسيران في مكان آخر !!! هذا  من المحال يا أولي الألباب... نحن عندما ننتصر للمرأة ننتصر لأنفسنا، للنوع الإنساني،  وعندما تداعي المرأة بحقوقها، فهي تداعي بحقوقنا - نحن المجتمع -، فإ ذا كان الرجل يتسم بالقسوة والجرأة الجسدية، والقوة العضلية، ويتماهى بالجلوس على عرش  القائد وكرسي القرار وحمل السيف والرشاش، فالمرأة عندما ثارت ضد الظلم والجور والتعسف عام 1856 م في نيويورك، صبرت أكثر من نصف قرن، فحملت عامي 1908 و 1909 م الخبز اليابس في يد، والورد في اليد الأخرى،ونجحت في مسعاها، مما يشير لتا بجلاء أنّ المرأة بلطفها وجمالها وصبرها وحنانها الأمومي  لقادرة  على الحد من عجرفة الرجل وقسوته وغلوائه، وهذه معادلة الطبيعة وتوازنها، وسر الله الخفي .

  أقول في مطلع قصيدتي عن الإنسان  بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس منظمة حقوق الإنسان العالمية، بطلب من فرعها بدمشق، وذلك عام (1998م) :

الإنسُ إنسٌ  ولم ينقصْهُ عنوانُ ***** دهداهُ للجورِ إذعانٌ وطغيانُ

حريةُ المرءِ قبل الخبزِ مطلبها *** إنْ أدركَ المرءُ أنّ الخبزَ سجّانُ

كفرتَ باللهِ إنْ لم تستقم خُلقــــاً *** وإنْ أحــــاطَكَ إنجيــــلٌ وقرآنُ

نعم الحرية والخبز - استعارة عن العمل - والأخلاق أسس الوجود الإنساني، وإذا كان الإسلام قد  أقرّ بهذه في صدر رسالته  على لسان النبي الكريم (ص) : (إنما  بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )، والخليفة عمر بن الخطاب ( رض): ( متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم  أحراراً )، وقول الإمام علي (ع) : (إذا رأيت رجلاً سألته عن عمله، فإن قيل لي بلا عمل، سقط من عيني)، وإن الإمام قد خصّ الرجل بالسقوط، لا يعني حرمان المرأة من شرف العمل، ولكن للمرأة خصوصيتها الفسيولوجية والتروبية إبان فترة الحمل والرضاعة والنشأة، و الحق االمرأة كانت تعمل منذ العصرالجاهلي، بل وما قبله، وإلا كيف تواترت الأخبار عن تبوأ بلقيس عرش مملكة سبأ، ومن بعد أخبار زنوبيا ملكة تدمر، والملكات الفرعونيات كنفر تيتي، وإيزيس وكليوباترا ...حقائق ثابتة .

نعم الخصائص الفسيولوجية بعمومها قلصت من مجاهدة المرأة للعمل، وساهم قرينها الرجل من تعميق هذا الشرخ، واستغلال ضعفها التكويني من أجل الأمومة، وغريزة الأمومة هي الأقوى من بين الغرائز الأسياسية العطش والجوع والجنس، فهيمن عليها، وجعلها أداة للعمل الصعب في المزارع والحقول والغزِل أحياناً،  وفي عمل البيت وتربية النشئ وخدمة الزوج والأهل أحياناً أخرى، وما كانت هي السبب في كل ذلك، وإنما جبلتها ورجالها مهما كانت منزلته منها، والمجتمع بعقله وشرائعه وعرفه وقوانينه  لذلك لا نذهب ما ذهب إليه عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد -  ص71) من اتهام  النساء بأنهن " اقتسمن مع الذكور أعمال الحياة قسمة ضيزى، وتحكمن بسن قانون عام، جعلن نصيبهن به هين الأشغال بدعوى الضعف،ونوعهن مطلوبا بإيهام العفة، وجعلن الشجاعة والكرم سيئتين فيهما، محمدتين في الرجال، وجعلن نوعهن يهين ولا يهان، ويظلم أو يظلم فيعان "،وينهي   فقرته  بقوله القاسي" والحاصل أنه قد أصاب من سماهن بالنصف المضر "

ذكرت ما ذكرت عن وجهة نظري حول مظلومية المرأة  قبل فقرة الكواكبي غير المتأملة بعمق، ولا أريد التمادي في الرد، الضعف الفسيولوجي هذه سنة خلق الله لإمومتها التي تستوجب ما يمر بها، ويجعلها مطيعة ساكنة لتمتع الرجل، وإشباع غريزته، والعفة فرضها الرجل عليها والمجتمع، لأنها الوعاء الحامل للجنين، والجنين يريد له أباً معلوماً، لا تحاط حوله الظنون، فالعفة أساس سلامة المجتمع من الخلط والضياع، أما الكرم، فالرجل والمجتمع حرماها من العمل المدرّ للمال، فمن أين يأتي الكرم ؟ نعم كرم اللطف والجمال والكلام السحر الحلال !!

هذا هو تراث زعيم عربي تحرري شهير، ورائد عظيم من رواد النهضة العربية بالمرأة، و هو  صاحب ( طبائع الاستبداد )، و(أم القرى)، وجاب العالم من الصين وشرق آسيا حتى مصر الكنانة، ومضى عبد الرحمن الكواكبي حياته بين حلب حيث ولادته ( 1855 م)، والقاهرة إذ مات مسموماً  سنة (1902 م)، فكيف بتراث الآخرين المتزمتين حتى النخاع ؟ الله يستر من أجيالنا المظلومة، ولو أن الكواكبي في (أم قراه ص 178 – 180 ) يدعو على حياء ومضض  لتعليم المرأة وعدم تركها جاهلة  كي لا تفسد أخلاق البنين والبنات، ولكن " بالحجب والحجر الشرعيين "، بل دعا لحجرهن بالبيوت لغلق باب الفجور والفساد !!

ما طوّلت هذه الدعوة الكواكبية حتى برز الرصافي قائلاً

 فالشّرق ليس بناهض الاّ اذا  ****  أدنى النّساء من الرّجال و قرّبا

أما الجواهري فذهب بعيدا حتى الفسق (1926 - 1930م) في (عريانته) و(جربينه)، وتغزل الشعراء إباحيّين  بعمائمهم السوداء والبيضاء من السيد الحبوبي حتى السيد جمال الدين وما بينهما من الشبيبيين والشرقي والوائلي، ولا ندري من أين جاءت الحملات الإيمانية، وقطع رؤوس الفتيات، ورميها بصناديق القمامة، وبيعهن في أسواق النخاسة، وقتلهن بالرصاص في الساحات العامة، وما خفا كان أعظم وأعظم، والحق على الطليان، ولله في خلقه شؤون !!!

هتك امرئ في غابةٍ  جريمة لا تغتفرْ **** وهتك شعبٍ آمنٍ مشكلة فيها نظر!!!

 نعود والعود أحمد ...!! جزما  - ورداً  على سؤالٍ للحوار المتمدن -  قضية المرأة، ليست قضية تخصّ الجنس الأنثوي دون الذكري، بل هي قضية الجنسين على حدّ سواء، لأنهما متكاملان بالنوع الإنساني، لا يهتزّ أحدهما، إلا والآخر معه، فكلاهما يتأثران ويؤثران على بعضهما البعض، وعلى ذاتيهما على المستوى الفردي أو الجمعي  

والحق أكرر ما ذكرت في الحلقة السابقة مؤكداً،أنَّ المجتمع الذكوري العربي فشل في قيادة الأمة، مما أدّى إلى الحروب والطغيان والاستبداد والتدمير والقتل  والنزعات الطائفية والأقليمية والمناطقية والعشائرية والقومية الشوفينية، والغدر، وعدم الوفاء، والهيمنة التسلطية الاستبدادية عقبى التربية الخاطئة بتفضيل الذكور على الأناث، مما جرهم للطغيان العام والغرور الفارغ، والقسوة المفرطة، والتملك الأناني الشرير للأناث والذكور على حد سواء، من قبل  الذكور الطغاة - المرأة  جبلت أن لا تمتلك غريزة التملك الجمعي !! - أقول من هنا انفجرت لدى الذكور   هذه الظاهرة الطغيانية، وطغتْ على كل أقطار الأمة، فأضحت آخر الأمم، بل الأمة التي ضحكت من جهلها الأممُ .   

 تنحوا أيّها الرجال التسلطيون - ليرحمنا الله ويرحمكم - وامنحوا المرأة العربية حقوقها الكاملة،  لتتبوأ مناصفة كراسي القرارات  السيادية بكل جرأة وثقة بالنفس، لأجل الأمة ومستقبل الأجيال، لأجل الإنسانية جمعاء لو كنتم تعقلون  وتتذكرون !!

أتتذكرون جيل الستينات بعد نكبة حزيران ومرارتها القاسية، وتحطم الأحلام العروبية على ركام الانهزامات المتتالية للجيوش العربية ؟!! كيف لجأ الخطاب الشعري للمرأة الرمز كعنوان للأرض، ونبراس للوطن ؟!! هل تدركون في الأزمات النفسية الحادة، عندما تضيق الأرض بالرجل، وتدور به الدوائر، لا يجد متسعاً إلا حنان المرأة وحضنها، وطيب جمالها ؟!!! وقد استعاروا تجربتهم الرمزية هذه من تجربة  الشاعر الفرنسي ( لويس أراغون )، وهو يقاوم الاحتلال الالماني لمدينته باريس، مدينة الجن والملائكة - كما ينعتها الدكتور طه حسين...

 نعم توارثنا عادة هيمنة الرجل على المرأة - ولا أستسيغ كلمة اضطهاد، وسنأتي ...-  من الأعراف الاجتماعية، والنزعات القبلية والعشائرية بتداخلات دينية وضعية،  ليست  من أصل الدين، لذا نجد أبناء الريف أكثر تعلقاً بها حتى أنهم يساومون عليها كسلعة في  حل نزاعاتهم، وإلا فالأديان يكيّفها الإنسان حسب بيئته، ومن هنا تعددت المذاهب والطوائف والاجتهادات، وتذكرت الآن كلمة للدكتور العالم أحمد زكي في إحدى مقالاته الشهرية في (مجلة العربي)، إذ يقول: ينسى وليد القيروان ما سيكون مذهبه لو ولد في النجف، وينسى وليد النجف ما سيكون مذهبه لو ولد في دمشق، ثم كرر العبارة من بعده الدكتور الشيخ الوائلي، والصرعات الطبقية  تعم العالم كلّه، وليست محصورة بأرض العرب، فالمرأة غير العاملة بالضرورة تكون تابعة  !!

 أقول المجتمع العربي مجتمع قبائلي منذ العصر الجاهلي، وحرب البسوس بين بكر وتغلب،  وحرب داحس والغبراء،وحماس هذه الحروب، وحميتها، وتنابز ألقابها، وقضية الهيمنة على المرأة، بقت متغلغة في نفوسنا، وتوارثناها بأمانة دون المساس بقدسيتها !!!،  والقضايا  العظمى  تبدو  في بادئها من الأمورالصغرى، ولكنها تكبر وتتأجج كالنار في الهشيم، وقديماً أبدع طرفة بن العبد ( ت 569 م )  حين قال   :

قد يبعثُ  الأمرَ العظيمَ صغيرُهُ **** حتى تظلَّ لهُ الدماءُ تصبّبُ

والظّلمُ فرّقّ بيــــــنَ حيِّ وائل ٍ **** بكرٌ  تساقيها المنايا تغلبُ

وفي صدر العصر الأموي نشب الصراع بين النزارية واليمانية، واستمرت الصرعات حتى سقوط الدولة العباسية، ودخول المغول إلى بغداد سنة 1258م( 656هـ)،  وتغلبت حتى  الصرعات السياسية والدينية، ربما بتغذية ودعم وتشجيع من الخلفاء أنفسهم  للابتعاد عن معارضتهم لعرش الخلافة، وجعله القطب المستهدف لها، والعجيب الغريب أن يدبّ النزاع بين شاعرين عملاقين موالين لآل البيت، والمدهش لم يتعاصرا، وأعني بهما الكميت بن زيد الأسدي المقتول (126 هـ) بسيف الأمويين، وقصيدته  النونية الشهيرة ( المذهبة ) في مدح النزاريين،  يذكر  البغدادي في (خزانة الادب ج1ص87)، أولها:

ألا حييت عنا يا مدينا *** وهل ناس تقوى مسلمينا

ويستبشر فيها العدنانية على القحطانية -اليمانية، ومنها: 

لنا قمر السماء وكلُّ نجمٍ *** تشير إليهِ أيدي المهتدينا

وجدت الله إذ سمّى نزاراً*****وأسـكنهم بمكة قاطنـينا

لنا جعل المكارم خالصاتٍ**  وللناس القفا و لنا الجبينا

وقصتها كبيرة، ونريد منها الخميرة، والخميرة في حديثنا مدى تغلغل النزعة القبلية في تاريخنا الذي توارثناه  عرفاً جبرا على كل المستويات المكانية والزمانية ...!!

مهما يكن من أمر، يردّ دعبل الخزاعي  اليماني القحطاني الشيعي، بل الرمز الثاني الفدائي البطل لشعراء الشيعة  على الكميت الأسدي الرائد الأول لهم  دون منازع، وأثنى عليه الإمامان السجاد والباقر، كما اعتمد الإمامان الكاظم والرضا دعبلهم ...!! ومطلع قصيدة (دامغة) دعبل، كما يذكر المسعودي في (مروج ذهبه 448 / 1 - الموسوعة الشاملة):

  " وقد نقض دِعْبِل بن علي الخُزَاعِي هذه القصيدة على الكميت وغيرها، وذكر مناقب اليمن وفضائلها من ملوكها وغيرها، وصَرَّح وعَرَّض بغيرهم، كما فعل الكميت، وذلك في قصيدته التي أولها:

أفيقي من ملامِكِ يَا مِعينا  ***  كَفَاكِ اللّوْمَ مَرُّ الأربَعِينَا

ألم تحزنكِ آحداث الليالي *** يشيبن الذوائب والقرونا

أحيى الغُرَّ من سَرَوَات قومي ** لقد حُيِّيتِ عَنَّا يا مَدينا؟

.....................................................................

كانت العصبية من دواعي زوال ملك بني أمية ..."

 ولسان اليمن أبو الحسن الهمداني أيضاً قال في تلك الفتنة قصيدته الدامغة، ومطلعها :

أَلا يَــا دَارُ لَــوْلاَ تَنْطِقِيْـنَـا ***** فَـإِنَّـا سَائِـلُـونَ ومُخْـبِـرُونَـا

بِمَا قَـدْ غَالَنَـا مِـنْ بَعْـدِ هِنْـدٍ ***ومَـاذَا مِـنْ هَوَاهَـا قَـدْ لَقِيْـنَـا

نغلق باب النزاعات القبلية، وأعرافها، وما وصل إلينا من تراث قاسٍ مرير بحق المجتمع، ومن المجتمع المرأة، فجارت عليها أي جور في فصل صراعاتهم، والبيع في سوق نخاساتهم، والتمتع في زواجاتهم، بل كيّفوا الدين والشرائع لخدمة دناءة أغراضهم، دعونا ندخل في مجال جمال الشعر في حقهنَّ، والتغني بجمالهنَّ، ونشرع بالأم، وما قاله شيخنا المعري في   مطلع رثاء أمّه :   

سمعتُ نعيّها صماً صمامِ *** وإنْ قال العواذل لا  همامِ

وأمّتني الى الأجداث  أمٌ ****يعزُّ عليَّ أنْ سارت أمامي  

و إذا رجعنا إلى العصر الجاهلي حيث الشاعر على فطرته، وما جبله الله عليه من صدق الأحاسيس، ولطف المشاعر، دون تكلف وتفلسف، أوتعقل لشعور الشاعر المنطلق على سجيته، فإليك إحساس الشنفرى، وما تجيش به نفسه المتأججة إتجاه زوجه عندما هجرته من غير وداع  في قصيدته التائية، ولك أن تقرأها كاملة  في ديوانه، وتتفكر في مدى احترامه لحقوق المرأة وعفتها، القصيدة التي عدّها الأصمعي أحسن ما قيل في خفر النساء وعفتهن :

ألا أم عمرو أجمعتْ  فاســـتقلتِ *** وما  ودّعتْ جيرانها إذ ْ تولـّتِ

وقد  سبقتنا أم عمرو  بأمــــرهـا  ** وكانتْ بأعنــــاق المطي أظلـّتِ

بعيني ما أمستْ فباتتْ فأصبحتْ *** فقضّتْ أموراً فاســــتقلتْ فولّتِ

فوا كبدا على أميمةَ َبعدمــــــــا  ***  طمعتُ فهبها نعمةَ َالعيشِ زلّتِ

لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعهــا ***  إذا مـــــا مشت ولا بذاتِ  تلفّتِ

زوجه (أميمة) هجرته ورحلت دون أن تخبر أي أحد حتى جيرانها، الرجل لم يغضب،  ولم يسخط  , ولم تأخذه الحمية الجاهلية أبان جاهليتها , بل كافأها بأروع رائعة , وأرق الكلمات ..(بعيني)...( فواكبدا ) , ثم (لقدأعجبتني) ...أعجبته بماذا؟ إنها لا تسقط قناعها تعمداً لإبداء حسنها , ولاتتلفت  لكي لا تجلب الريبة لعفتها وخدرها . 

وقال الأعشى، وأنا لا أريد أن أزجّك  كعادتي في بحوثي ومقالاتي  بالتواريخ والأسماء، والأصل والفصل، والمراجع والمصادر، دعها رجاء، فالمشاعر الإنسانية تخترق حواجز الزمان والمكان إلا ما يفضي عليها العقل من عقال وعقال، قال الأعشى :

ودع هريرة إن الركب مرتحــــلُ ***** وهل تطيـــق وداعا ايّـــها الرجــــلُ ؟

غراء فرعاء مصقول عوارضها ** تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل

كأن مشيتها من بيـــــت جارتها *** مر الســـــحابة لا ريـــــث ولا عجـــــلُ

يكاد يصرعها لـــولا تشـــــددها ******* إذا تقوم إلى جاراتــــــها الكســـــلُ

   هريرة المحظوظة هي قينة كانت لرجل أهداها إلى قيس بن حسان فولدت له خليدا،وقد قال  الشاعر  في قصيدته :

صدت هريرة عنــــــا ما تكلمـنـا ****** جهلاً بأم خليد، حبل مَـــــــن تصل؟

ويتساءل الشاعر، هل تطيق أيها الرجل المفزوع وداعاّ لهريرة، ربما في ليلة الهرير !! من يدريك ومن يدريني ؟!! والدنيا كلّها خيال وصور !! لماذا الرجال ينافقون ويكابرون برياء مصطنع، ويظهرون غير ما يبطنون، ويعلنون ما لا يخفون ؟!! أليس هذه طبيعة البشر وسرّ وجودهم على الأرض ؟ هنا التكامل، لا التساوي، ولا التوازي، وكما قال الأعمى الخبيث بشار بن برد : وفاز بالطيبات الفاتك اللهج!!، وسرق منه الخاسر الرابح سلم المعنى، وفال إيجازاً : وفاز باللذة الجسورُ !!

نرجع إلى هريرة الطويلة الفارعة  البيضاء الواسعة الجبين بنقاء  التي تمشي على رسلها بثقة، وتمر إلى بيت جارتها مر السحاب بتهاديه، دعك عن الأعشى، وهل تطيق وداعاً أيّها الرجلُ ؟ وهذا جرير بعصره الأموي أقرب إلى الفطرة الجاهلية منه إلى العقلية العباسية، اقرأ أسمى المعاني الإنسانية في هذين البيتين الجريرين :      

إنّ العيون التي في طرفها حورٌ ****** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به** وهنّ أضعف خلق الله إنسانا

البيتان علّتهما متداخلتان، والجنسان متكاملان، فبأي آلاء ربّكما تكذبان، منحها منتهى القوة، وبطرف عيونها الحور ترديه قتيلاً صريعاً، وجعلها أضعف خلق الله إنساناً، ولله في خلقه شؤون، هذا لا يعني أن المرأة العربية كانت كاملة الحقوق، لا ينقصها إلا أن تجلس على عرش سليمان، أو كرسي هارون الرشيد، ولكنها لم تكن في كل أحوالها جارية أو أمة، وفي أفضل حالاتها محظية، بل كانت قوة هائلة مهيمنة على عقول الرجال وأفئدتهم، شغلهم الشاغل، بؤسها بؤسهم، عيدها عيدهم، حياتها حياتهم، موتها موتهم،  رضوا أم أبوا رفيقة دربهم على مدى هذا الدهر السرمدي، ساهمن في صنع التاريخ، والحضارة البشرية  جنباً إلى كيانها، وتوالي نكباتها وانتكاساتها  هو عدم التوازن الموضوعي التكاملي بين الرجل والمرأة، المرأة لها خصوصيات لا يمتلكها الرجل، والعكس صحيح، ولا تستقيم الحياة، ولا تتطور ولا تزدهر إلا بالتكامل، لا التنافس، ولا التصارع، ولا الاحتواء، هذه هي سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا : وأود أن أختم مقالتي بأبيات من قصيدتي عن المرأة، رفيقة الدهر والحياة:            

إنـّي أحاذرُ تاريخاً مظالمـهُ ****** وأفقهُ القبرُوالمحصولُ أصفارُ!!

إنَّ الحرائرَ إنْ قادتْ مسـيرتهُ ***** بالإلفِ حنواً يشدّ ُالعزمَ أحرارُ!

تُذكي لنا الدربَ دونَ اللهب زعزعة ً* ولا تهيمنُ فوقَ الرأسِ أحجارُ!!

شتـّانَ بيــــنَ نـَفور ٍ إرثـــــهُ جدبٌ **** وبينَ لطفٍ تروّي فاهُ أمطـارُ

إنْ جرَّ آدمُها مـــــن عنتهِ طرفاً **** تقرّبتْ من سناها في الدّجى الدارُ

يا أمّنا  أنـتِ حصنٌ إنْ  يفرّقنــا ***** داعي الشقاق، وخلفُ الأمِّ ثوًارُ

فقدْ تكاملَ في الشطرين وردُهما ***** والنقصُ وهمٌ من االجهّال ِ ينهارُ

اللهُ أكبرُ مـنْ خـَلق ٍلـــــه خـُلقٌ ****** منْ جبلةِ العدل ِ، والتكبيرُ إكبارُ

لقد طلعتً وأنفاسـي موحــــــّدة ٌ ****** ها قــــد ختمتُ وبالأشعارإشعارُ

كلُّ عيدٍ للمرأة، عيدٌ للرجل، فهما زوجان، فبأيِّ آلاء ربّكما تكذبان ...!!

 

كريم مرزة الأسدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم