صحيفة المثقف

كرامة المرأة أولا

warda bayaقبل الحديث عن الحرية التي تزداد نبرة الكلام عنها كلما حلت ذكرى 8 مارس من كل عام، نتساءل أولا: هل نالت المرأة كرامتها؟.. سؤال جوهري لابد من طرحه، لأن من خلاله نعرف الى أين وصلت امرأة القرن الواحد والعشرين، خصوصا عندما نميط اللئام على بعض الحقائق المفجعة،التي تحصل كل يوم،  وتؤكد في كل مرة، أن على المرأة أن تخوض معركة نيل الكرامة أولا، ومن ثم تتاح لها فرصة المطالبة بالحرية، ومقاصدها، أهدافها وحدودها..

لازلنا في القرن الواحد والعشرين تحت وطأة الأعراف القهرية،نتركها تتحكم في سلوكنا ومصائرنا، فنأسف ونُحبط حينما يزداد في الأسرة مولود أنثى، ونسخط على تربيتها، ونحدد مستقبلها في التعلم  ونرسم لها صراطا مستقيما تسلكه ولا تحيد عنه، فهي في أغلب قُرانا ومداشرنا لا تتخطى عتبة الابتدائي، ونتحجج لنقول أن أهم مصير ينتظرها هو الزوج الذي يسترها ..! بعض الكلام صحيح، ولكن لا ينطبق على الكل، فمثلما هناك نوابغ ذكور يُترك لهم المجال للذهاب بعيدا في العالم الفكر والابداع، هناك أيضا نوابغ إناث، لو أتيحت لهن الفرص، لكُن في الصفوف الأولى في مختلف مجالات الحياة والعلم والمعرفة.

المرأة هي العبء الأكبر والقنبلة الموقوتة التي تُسوقٌها الأعراف البالية، والأخطر أن ينقل هذا  الكلام على لسان شيوخ الدين، حيث وصف أحدهم مؤخرا البنت ب"العار".. أما الشيخ الحويني فقد ضرب بالحديث الشريف "أطلبوا العلم .." عرض الحائط، وهو يقول أن العلم حصري على الرجال فقط، في حين نجد أن سقراط، الفيلسوف اليوناني غير المسلم  يقول: عندما تثقف رجلا فأنت تثقف فردا، وعندما تثقف امرأة فأنت تثقف مجتمعا بأسره، لندرك حقيقة خلود لغة العلم والمعرفة والحق، بعيدا عن خزعبلات رجال الجهل والدجل. ونصل الى أن المرأة ضحية مؤامرات تحاك باسم الدين والقانون والأعراف..

أقول هذا وأنا أطالع هذه الأيام بعض التصريحات والممارسات الخاطئة، بل هي الخطيئة نفسها، لنستعرض في عجالة أربعة مشاهد عرضت مؤخرا،تنال من كرامة المرأة، والأغرب أن ثلاثة أرباعها وقعت في بلاد المسلمين ..!

أولها، ما قرأته من أن هيئة دينية باكستانية ذات نفوذ، منوط بها تقديم المشورة للحكومة بشأن مدى مطابقة القوانين للإسلام، اعتبرت أن اعتماد قانون يقي النساء من العنف المنزلي والنفسي والجنسي، مخالفا للإسلام ..!؟ ورفضت هذه الهيئة اختبارات الحمض النووي (دي.إن.إيه) في استخدامها كدليل أساس في قضايا النسب والاغتصاب، وأيدت قانونا يطلب بإحضار أربعة شهود ذكورا يشهدون في المحكمة بحدوث الواقعة.. ! وأصر أحد المعارضين للقانون والمؤيدين لهذه الهيئة على أن القانون يجعل الرجل يشعر بعدم الأمان ..! .. السؤال: من أين نأتي بعقول تستوعب حجم هذا الافتراء على المرأة من قبل رجال دين يمنعون السلطة التنفيذية في بلدهم المسلم من استخدام بكورة العلم والمعرفة للوصول الى حق المظلوم، وهم بهذا يقذفون بالإسلام لمواجهة العلم  والتصدي له، بدلا من المطالبة بفتح باب الاجتهاد لاستصدار فتاوى تتماشى مع الحضارة..!

ثانيها، اعلان صادر عن أكاديمية سعودية للتدريب والاستشارات، حيث نظمت هذه الأخيرة دورة تدريبية برمجت مع مطلع شهر مارس الحالي، وقدمها المدرب فهد عبد العزيز الأحمدي تناولت موضوع :"هل المرأة انسان"..؟!

الموضوع المطروح للنقاش،  سبق وأن تناوله فلاسفة ومفكرون من قرون عابرة، وعندما وصلنا في العصر الحديث، كنا نتناوله من باب التهكم والغرابة، ونحن نقول في خوالج أنفسنا :هل يعقل أن يُطرح هذا الاشكال أصلا ؟ لأننا ندرك تمام الادراك أن المرأة انسان منذ وجدت الانسانية على وجه الأرض!.. لكن الأكاديمية السعودية تصر على أن تعيدنا الى غابر الأزمان، لتطرح تساؤلا لا يمكن أن يصنف الا في خانة "السخافة والاستهتار" ..

ثالثها، شريط وثائقي صور في الهند، يعرض وضعا غير انساني للمرأة، فأظهر أن ضرب المرأة وقتلها أمر بسيط بالإضافة الى تحميلها مسؤولية موت زوجها، فالمرأة التي توفي زوجها في الهند  توصف بـ" نحس"  ويتحاشى الناس التعامل معها خوفا من أن ينتقل اليهم هذا النحس.. الشريط صُور ببراعة وأبرز حجم الذل والقهر الذي تعانيه المرأة الهندية الى درجة أن أحد الأبناء رفض استقبال والدته في بيته أو ايواءها، وحملها مسؤولية موت والده وتركها في الشارع دون رحمة..

رابعها، معاناة المرأة العربية في مناطق الحروب، ومنهن الإيزيديات والكرديات بالعراق، وماذا فعلت بهن التنظيمات المتشددة والارهابية، فعل لا يمكن أن يُوًصف،حيث انتقلن من الحياة الكريمة، الى وضع الجوارى والسبيات،يُتاجر بهن وبأعراضهن علنا في أسواق النخاسة والعبيد، وكيف أن العزيزات منهن اللواتي لم يقوين على التحمل، انتحرن طلبا للخلاص، والكل يذكر العبارة الشهيرة التي قالها أحد الدواعش مبتهجا بالسبي: "اليوم ما ملكت أيمانكم.. اليوم التوزيع..!".

قائمة الانتهاكات لازالت طويلة ومعركة نيل الكرامة  متواصلة ..الحديث اليوم عن ثورة كرامة، والى أن تنجح في نيلها، أمامها طريق طويل لتبدأ بالمطالبة بجرعات اضافية من الحرية المجتمعية، الحرية لمن تستحقها بالطبع، وليست للكل، لأن اعطاء جرعات حرية لمن لا تعرف قيمتها، فلن تكون الا وبالا عليها، تماما مثل اعطاء المريض جرعة زائدة من دواء لا يستحقه، فتكون نتائجه عكسية على صحته. والحديث قياس

 

بقلم/ وردة بية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم