صحيفة المثقف

الطفولة السياسية لدى قادة الكتل السياسية العراقية .. مقتدى الصدر انموذجا!!!

مسألة الموقف السياسي الايجابي للقنصل الامريكي من اجل ابطال حشدنا الشعبي، وببساطة متناهية، لا تحتاج الى فلسفات او تحليلات سياسية لفهمها او تكهنات لما بين السطور لسبر غور الموقف الطيب ذاك. ولا حاجة للأخذ و الرد، ولا داعي لتلك الارهاصات التي اطلقها السيد مقتدى الصدر نتيجة لازمته النفسية القائمة مع الولايات المتحدة بشكل عام. فعندما يتبنى مسؤول رسمي بموقع القنصل الامريكي وهو يمثل دبلوماسية اكبر قوة عظمى في العالم ومحاولا مؤازرة العراق وشعبه من مقاتلين اشداء كالحشد الشعبي،ولا يختلف عليه اثنان من العراقيين او من غير العراقيين على انه كان موقفا مشرفا وجديرا بالتقدير والاحترام ومبادرة رائعة تمثل حالة من الفخر الدولي تجاه أبطالنا الاشاوس الذين قلبوا موازين الحرب ضد داعش، من هزيمة جيش عراقي بتعداد مئات الالوف من الرجال في الموصل ثم في الانبار، وباكثر الاسلحة تطورا، امام بضع مئات من ارهابي داعش، ثم لياتي هؤلاء الابطال في الحشد ليعيدوا للعراقيين فخرهم وامجادهم في انتصارات مبينة، ليس في كل ذلك امرا يدعوا الى الغرابة عندما تعترف الدبلوماسية الامريكية عن بأس الشرفاء من العراقيين؟ والسؤال هنا، هل ان القنصل بحاجة للعراق او لغيره، لكي يعتقد السيد مقتدى ان الموقف كانت له اغراضا ما او أنه كان نوعا من مداهنات، ام انه موقفا لرجل كان يراد به الاعتراف لحقيقة اذهلت العالم ببسالة هؤلاء الابطال الميامين ؟ أليس من واجبات مستشاري سيدنا مقتدى من يستطيع ان يشرحوا له، أن موقف القنصل كان أيضا "ركلة " لمؤخرة النظام السعودي ألكالح وسفيره المعتوه في العراق، لكي يخرس هذا النظام الطائفي الوهابي التكفيري ضد العراق ويكف عن كيله الاتهامات الطائفية الباطلة نتيجة لانتصارات الحشد الشعبي الباهرة. وانه موقف السيد القنصل كان ايضا تحديا لحكام انظمة الغدر الخليجي وكراهيتهم للعراق، فيا ترى، ما الذي يجعل السيد مقتدى الصدر يجزع لموقف ايجابي كهذا؟؟؟؟!!!! 

ربما ان السيد مقتدى لا يزال يجهل ان الولايات المتحدة هي ليست العراق . وان الفوضى في الحياة العراقية  التي تتيح له ولغيره فعل ما يحلوا لهم رغما على القوانين السائدة، فان دولة المؤسسات في الولايات المتحدة لا يجرا فيها قنصلا ما ولا غيره للتصرف وفق اهوائه او من تلقاء نفسه وخصوصا في مواقف تعتبر "فيصلا" في سياسات الولايات المتحدة في علاقاتها الوطيدة مع انظمة كالسعودية بالذات لكي يعتقد السيد مقتدى ربما ان القنصل "يداهن" او له اغراضا معينة من اجل عراق لا يزال غير قادر حتى على رد اعتبار سيادة الوطن لنفسه في طرد الاحتلال التركي من أرضه لكي يتباهى امثال السيد مقتدى بزهو "السيادة" الوطنية المثلومة هذه، فيجعل من موقف القنصل "مثلبة" من خلال تصريحات عشوائية تسودها الانفعالات الطفولية ؟

  وباعتقادنا ان سلوك السيد، وما نرصده احيانا من مفارقات تتركز على اثبات "الذات"، انما تقوم على اعتقاده ... أنه اليوم هو من "يحمي" العراق!!  أوأنه قادر على فعل "الهوايل" إذا ما أراد ذلك؟؟!! ولكننا لا يمكن ان نغالط الواقع المعروف عن ذلك السلوك الذي لا جديد فيه من خلال "التقلبات" النفسية للسيد، و"التأرجح" المعروف عنه في تعامله مع الاحداث، ولا عجب ان عراقنا باق في سيره الى الخلف! فهذا العالم الواسع لا يتبنى المواقف الارتجالية، ولا يخطوا الا من خلال مستجدات سياسية ويدرك تماما مقدار تأثيراتها ونتائجها. والعالم يضع سياساته وخططه القصيرة منها و البعيدة المدى كستراتيجيات يسير عليها بعد دراسات معمقة وفهم شمولي للعالم والاحداث من خلال متخصصون في سياسة كل موقع يحيا فيه الانسان . فالعالم مستقر وسعيد ولا يعيش ابنائه عقدا على المستوى الشخصي يستطيعون من خلالها الاسائة لاوطانهم متى شاؤا. والسياسي هناك ملزم بالالتزام بمعايير سياسية لا يستطيع الخروج عنها أبدا. وليس كما هو حال الكتل السياسية العراقية التي تحمل فايروساتها كوسيط لنقلها الى المجتمع، فيضعفوا مناعة المجتمع، ويتركونه سقيما بينما يعتقدون ان قيامهم بتلك الجرائم نوعا من "بطوالات" . فمن ازدواجية معايير سلوك هؤلاء السياسيين، انهم يدعون الوطنيات في تصريحاتهم، ولكنهم، اول من يسارع في وضع العصي في عجلة التقدم والاصلاحات ولا يبالون بازاحة اشرف الوطنيين من اجل مصالحهم .

ومتابعتنا لمواقف السيد مقتدى، كرجل عراقي ينتمي الى كتل الاسلام السياسي، تؤكد لنا دائما أنه لا يزال يستوحي وطنيته من خلال اختلاقه مواقفا "بين الحين والاخر" تتسم بالضجيج الاعلامي أساسها محاولات واضحة للدلالة على تطابقه مع السياسة الايرانية في عدائها للولايات المتحدة. ولكن ينسى السيد، ان السياسات تتغير نتيجة تبادل المصالح والظروف . إذ لولا تدخل الولايات المتحدة لصالح ايران في قضية النووي الايراني، لرأينا اسرائيل قد قامت بالاعتداء على جارتنا العزيزة التي لها الفضل الكبير في عدم سقوط بغداد عند اجتياح الارهاب الداعشي – الوهابي للاراضي العراقية في 2014. كما وان السياسة الايرانية تتجه في تحسين علاقاتها مع  الولايات المتحدة ولم تعد تنعتها "بالشيطان الاكبر" . فلماذا لا يفقه "السيد" هذه الحقائق؟ ولماذا هذا الطيش والغرور الذي لا يرضاه الله تعالى من قبل سيدنا مقتدى وهو ابن العراق قبل ان يركن الى سياسات ايران في سياساته الطائشة؟ أهي قضية عنفوان الشباب الذي يجيش بصدرالسيد في بحثه عن متنفس حتى وان كانت نتائجه تخريبية من خلال "تهديده" لقوة عظمى كالولايات المتحدة؟ أم أن السيد الصدر يحاول ان يقتفي خطى القائد الشيعي الكبير السيد حسن نصر الله حفظه الله ورعاه؟ فياليت القادة السياسيون يجعلون من طيب الذكر السيد حسن نصر الله مثالا يحتذون به . ولكن، ألا يتذكر سيدنا العزيز صولة الفرسان للقائد نوري المالكي، والذي لم يستخدم الدبابات اوالمدرعات اوالطائرات لردع مليشيات السيد، ومع ذلك فقد ترك "عقدة" راسخة في فؤاد السيد، كلما نتأت جروحها، سارع السيد الى التصريح "بخيانة " الحكومة السابقة!!! وللحقيقة، لو أن المالكي قد قام باطلاق سراح المعتقلين من جماعة السيد بعد صولة الفرسان، لما كنا قد سمعنا أي تصريحات سلبية ضد المالكي من قبله.

والسيد لا يزال في سعيه القديم محاولا ان يجد له مكانا اوسع في اوساط الشارع العراقي،  ولكن ذلك لا يمكن يتم إلا عندما يفترض أن يكون عليه السيد كمثال لرجل الدين القيادي "الورع" الذي يلجئ اليه عند المحن لطلب النصح والحكمة منه وليس من خلال التهديدات الفارغة، فيصبح مجرد صوتا ناعقا يمكن وصفه من قبل اعداء العراق كارهابي (حاشاه)؟ ولكن سيدنا وعلى ما يبدوا لا يهمه الاعتقاد ان القوة والعنف وحدهما من يجلب له الشعبية التي يرجوها؟

اننا لا نتمنى للسيد ان نجده وقد ركبه الغرور هكذا من خلال استجابة المتظاهرين الكبيرة لدعوته في الخروج الى الشارع، فينظر لنفسه نظرة الرجل الذي يمتلك مفاتيح الحل لمشاكل العراق التي لا تعد ولا تحصى؟؟؟ ومع اننا نتمنى ان يجد عراقنا من يستطيع القضاء على الفساد وبناء العراق، من قبله او من غيره، ولكن يا سيدنا العزيز، لمذا بخلتم على شعبنا طيلة الثلاثة عشرة سنة الماضية في عدم السعي سوى من اجل اثارة المشاكل السياسية والاجتماعية بدلا من الاصلاحات؟  لماذا لم تبرهنوا على انكم من (الذين اذا ما غضبوا هم يغفرون)؟ فللاسف، ان بقيت الكراهية في نفسكم اقوى من كل تسامح مع رجل وطني وقائد كبير كنوري المالكي الذي لم يقدم على سوى بما تمليه عليه مسؤولياته كرئيس للوزراء تجاه فوضى ميليشياتكم في البصرة وبغداد والنجف وغيرها . فلا انتم يا سيدنا، من الذين ولجوا في عالم المعرفة الدينية والعلوم الحوزوية ونفعوا الناس بعلومهم، ولا انتم من السياسيين المحنكين ممن قاموا بتقريب وجهات النظر بين البيت الشيعي لكي تنالوا رضا الله تعالى وغفرانه ورضى الشعب، "أن الله يأمر بالعدل والاحسان"، ولا جعلتم من أنفسكم مصدرا "للحكمة والموعظة الحسنة" كما أمر الخالق سبحانه وتعالى .

ولكم أن تتذكروا يا سيدنا الكريم  الماضي القريب، وكيف كانت الجماهير العراقية تخرج لتغطي الافاق للقاء وتحية المقبور؟ فكم من هؤلاء أليوم يأتمرون بأمركم؟؟!! وهل سمعتم عن مظاهرات الحزب الشيوعي العراقي بعد ثورة 1958، حيث كنا أطفالا صغارا، تكاد تصعقنا تلك الشوارع العراقية الغارقة بمئات الالوف من المؤيدين، وهي تغرق بعرق اجسادها وفي هتافاتها التي تصم الاذان . كان ذلك زمان مضى لحقبة من الحياة يا سيدنا الكريم، وكان هؤلاء وغيرهم قد ظنوا كما لو أنهم قد أمسكوا بتلابيب الحياة وهيمنوا عليها الى الابد، فلن تستطع خذلانهم في شيئ ؟؟؟!!

فأين تلك الجموع  ألان، اين أصبحت، واين الشيوعيون والبعثيون اليوم، اين هم اليوم من كل ما يحدث بأمر الله تعالى؟ ألم تعلم يا سيد مقتدى أن (لكل زمان ...دولة وجال؟؟)، وان البقاء لله الواحد القهار، وأن مرجعنا الى الله جميعا؟؟؟

حماك الله يا عراقنا السامق..

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم