صحيفة المثقف

شاعرٌ.. والشعراءُ قليلُ

yasamyna hasybiأتعلم كيف أنسى الطريق إلى أنوثتي..

وكيف أمشي على رؤوس المواجع حافية

 


 

شاعرٌ.. والشعراءُ قليلُ! / ياسمينة حسيبي

 

تَعرفُهُ منَ الوتد المدقوق في خيمة روحه، كلما تكلّمَ زقزقتْ عصافير الحزن في حنجرته.

ملتصقٌ بنفسه على الدوام، يدخل القصيدة بِشِعرٍ جرّار ويخرج منها بهزيمة وطنيّة.

مِن خَلف دخان سجائره، رأى البلاد تنطفئ أمام عينيهِ..

فركض في كهوف روحه ليمسك بتلابيب الضوء، لكن دون جدوى!

حتى المرأة التي يحبّها، تعْبر فوق قلبه بكعبها العالي كلما تغيّر الطقس.

المرأة التي يحبّها:

شمسٌ تُمارس الغروب باستمرار فتُغادره كلما أتاها يجرّ وراءه بهيمَ اللّيلِ.

لكنْ يحدث أن تحنو عليه كما تحنو فزّاعة على الحقلٍ الأجدب!

بحذرٍ شديد تدخل قصائده، تشعل حطب المعنى وتترك له مجازا أو مجازين قرب موقد الشِّعر.

يحدث أن تحنو عليه أكثر..

فتُقلّم دموع أصابعه.. وتدّرب يده الخشنة على ملْمس الوطنْ!

*****

 

تقولُ: متى أصلُ عينيْكِ والمسافة بين موتٍ وِولادة.. رفة عينْ!؟

أحتاجكِ.. (تقولُها وكأنّما تحتضرْ)

وكأنّما تحتاجُ لِامرأة تحمل عنكَ الكَفَن وتخبئ إسمكَ تحت اللسانْ!

امرأة تجيد الأرقَ والتسكع في القصائد بعد منتصف اللّيل.

وأنا هنا..

أتعلم كيف أنسى الطريق إلى أنوثتي..

وكيف أمشي على رؤوس المواجع حافية.

أنا هنا..

أُمكْيِجُني كأرملة، وأدرّبني على البكاءْ.

أُعَوّدُ نفسي على قراءة اسمكَ في صفحة الوفيات،

ثمّ أقف على حافة الوطن،

أرمقُ الحياة وهي تنسحبُ من وجهكَ في غفلة منكَ.

وأنتَ هنااااااااكَ..

تفكّر كيف تَعْبُر كل هذي الحرب الضّروس.. دون قطرةِ دَمْ!

*****

 

ومن سوء حظّكَ..

أنَّكَ تعشق امرأة لــيستْ من هذه المدينة ولا تمُتّ لقصائدكَ بِصِلة!

إمرأة تُنازل الريح بوشاح من حرير، تجدل ضفيرة الوقت بيدٍ واحدة وتُمسك بصوت المدى في لحظة عبور!

إمرأة..

تسكُب كلّ الشمس في عينيها قبل أن يستيقظ النهار ثم توزع شطائر الضوء على البائسين!

امرأة..

تعرف أنكَ لم تستطعِ الخروج من نفسكَ حين داهمتكَ الحرب!

تعرفُ أنّ حانات الليل تمارسكَ في زجاجة نبيذٍ من النوع الرخيص..

امرأة..

تعرفُ أنك تعلّمتَ نظْم الشعر بين قذيفتين ونطقتَ باسم الوطن قاب قوسين أو أدنى من رصاصة!

امرأة.. تعرف أنَّكَ كنتَ وسيمًا جدّا قبل عملية التدْجين،

وأنهم أسقطوا عنكَ إسمكَ بعد الانتخابات الأخيرة وأجبروكَ على إدمان "معلبات" التاريخ الفاسدة.

ومهما يكنْ، لن تكْفلكَ كيتيمِ حربٍ..

ولن تنظّف روحكَ من سخام القذيفة أو تشحذ أنفاسكَ بعطر الارض.

من سوء حظكَ..

أنك تعشق امرأة لن تسمعكَ وإنْ تَكَدّس الصراخ في حنجرتكَ كعناقيد العنب.

ولن ترضى عنكَ وإنْ تحترق رُوحــكَ حتى آخرها..

وإمعاناً في الأذى، قد تحتسي معكَ القهوة ذاتَ صباح وتتعمّد نسيانَ اسمها على الطاولة قبل أن تُقفل باب الوطنِ.. وترحلْ!!

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم