صحيفة المثقف

هل تمرّد الشمري على الأوامر؟!

أم الحكومة صرحت بعدم دستورية الاعتصامات ثم سمحت بها ... وما درجة الانضباط  في المؤسسة العسكرية ...؟؟!!

وفقا "لعراق نيوز" – بغداد، صرح عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية ماجد الغراوي، أن قرار العبادي بربط اوامر عمليات بغداد بالعمليات المشتركة جاء بسبب تعاون قائد العمليات الفريق الركن عبد الامير الشمري مع المتظاهرين المطالبين بالاصلاحات ومكافحة الفساد، من خلال فتح الممرات المؤدية الى المنطقة الخضراء امامهم.

فقبل موعد يوم الجمعة الماضي، وردا على نية السيد مقتدى الصدر باصداره أمرا بالاعتصامات امام المنطقة الخضراء، أصدرت حكومة الدكتور العبادي تصريحات أكدت فيها ان "الاعتصامات غير دستورية" ولا يمكن القيام بها خصوصا تحت الظروف الراهنة، ولكن بعد ظهر الجمعة الماضية، كانت مئات من أتباع الصدر قد تمكنوا من الوصول إلى مداخل المنطقة الخضراء بعد اجتيازهم الحواجز الإسمنتية التي أقامتها القوات الأمنية بناءا على أوامر الحكومة لمنعهم العبور من جسري السنك والجمهورية. وكانت المطالب التي رفعها مقتدى الصدر، هي "تشكيل حكومة تكنوقراط ليست من الأحزاب، وتقديم الفاسدين إلى القضاء، واسترجاع الأموال المسروقة، وبخلافه سيكون أتباعه على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي توجيه يصدره الصدر". 

أمام تلك المواجهات السلمية الحذرة في استمرار فرض الاعتصامات على الرغم من عدم دستوريتها ورفض الحكومة لها، كانت سمات التراخي والتراجع في تنفيذ الاوامر مع "تعاطف" واضح من قبل القوات الامنية المسؤولة امام اصرار ضغوط التيار الصدري، قد ساعدت على التجاوز على الدستور وفقا لتصريحات السيد العبادي. وكلمة التعاطف هنا، ربما قد يكون لها توصيفا "اكبر" في هذه الاحداث، حيث يمكن نعتها "بالتعمد" في تسهيل مهمة تلك الجماهير من الوصول الى أهدافها . وفي الاعراف العسكرية يعتبر ذلك مؤشرا و"سابقة خطيرة" من قبل تلك القيادات الامنية المكلفة بحماية بغداد، من خلال مخالفتها الاوامر التي اصدرها القائد العام لمنع الجماهير من تلك الاعتصامات مهما كان هدفها. فالحالة المعنية في الكتابة هنا، هو ليس تناول هدف الجماهير، انما هو مسألة عدم الطاعة لاوامر المراجع العليا قبل كل شيئ.

ونحن هنا حينما نتناول هذا الموضوع المهم بسبب أن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"، لكننا لدغنا مرتين أو اكثر من نفس الجحر ذاك، ولا نريد له ان يكون مثلبة اخرى لنا بعد كل هذه التضحيات العظيمة الكريمة بدماء العراقيين النجباء من خلال توقع حصول ما حصل في الماضي القريب وعدم الاتعاظ بالدروس ومعالجة الخلل الذي حصل من قبل، وعدم السماح لأي "نوايا" كيديه أو "عفوية" ضد عراقنا الكريم . فالتجاوز على القوانين العسكرية  لا يعني سوى وجود "انفلاتا" في الانضباط العسكري وكما متعارف عليه في كل العالم، ولا نعني هنا أبدا، اننا ضد الاعتصامات أوضد تظاهر الجماهير العراقية التي لا تزال تغلي من غضبها محاولة ايجاد مخارج، والحث على الاعلان للاصلاحات المطلوبة التي نؤيدها بقوة. ولكن لنا قراءات بين السطور لما حصل في يوم الجمعة الماضي، وباعتقادنا انها مثلت خطرا قائما "خفي" عن النوايا، "والله وحده أعلم" من خلال المعطيات التالية :

أولا : ان القوات الامنية المكلفة بحماية بغداد في تلقيها الاوامر بعدم السماح للاعتصامات، لم تلتزم بتلك الاوامر واحرجت واضعفت موقف القائد العام للقوات المسلحة وخصوصا تحت هذه الظروف الحرجة . كما وانها من خلال الاعراف العسكرية قد تمت من خلالها ممارسات  من نوع من أشبه "بالتمرد" على الاوامر العسكرية تلك، حيث تم السماح لمرور المعتصمين الى هدفهم على عكس الاوامر المعلنة. والدليل على ذلك هو ردة الفعل الغاضبة من قبل القائد العام للقوات المسلحة على الفريق الركن عبد الامير الشمري قائد قوات حماية أمن بغداد والذي أمر بتجريده من صلاحياته وألحق تلك القوات لتصبح تحت إمرة قيادة القوات المشتركة!! وهذا الحدث الكبير لم يأخذ بالاهمية المطلوبة من النواحي الامنية او المعنويات العسكرية. 

ثانيا: هناك درجة من الخطورة تمثلت في ان تلك القوات المكلفة بتنفيذ اوامر الحكومة "لم تكن" على ما ينبغي من الانضباط والالتزام المتوقع والمطلوب من اجل طاعة ألاوامر العسكرية من قبل الاعلى، ألامر الذي يمكن أن يعيد للاذهان ذلك "التخاذل" المهين الذي أبدته القوات العسكرية العراقية في سقوط الموصل (بغض النظر عن الموقف والظروف السياسية الملازمة له)، ومن ثم تبعه لاحقا تخاذل اخر في سقوط الانبار. فالمعروف أن طاعة الجندي وخصوصا تحت ظروف المعارك المصيرية، يمثل وجوب التنفيذ للأوامر كاساس في الطاعة والاحتراف العسكري لحسم الحدث المطلوب، الى درجة، ان قضية الاستشهاد تصبح أمرا طبيعيا ومفروضا منها من اجل تلك الطاعة. أما أن "يتصرف" ضابط كبير في موقف مطلوب منه حسمه، وبما يعبر عن عدم "التزامه " بالاوامر، فهذا يكشف "خللا" يتعلق في توفر حالة من "اختيار" لا مكان لها ضد تنفيذ اوامر السلطة العسكرية . وهي حالة نجدها عادة أما في حالة "الجبن" أو في مواقف لمن لا يتمتعون بالولاءات المطلوبة لمراجعهم العليا، عسكريا او سياسيا وانحيازهم ضد الحكومة .

ثالثا: لا ندري لماذا إن موقف السيد الشمري السلبي ذاك كقائد لقوات حماية امن بغداد قد ذكرنا ربما باقتداءه بنفس الموقف الذي حصل في مصر من خلال تعاطف "السيسي" مع الجماهير المصرية التي كانت تحاول الاطاحة بالنظام المصري الاخواني خلال أحداث مصر قبل سنوات، وتدخله لصالح الجماهير المصرية؟ فقد رأينا في موقف السيد الشمري في عدم امتثاله للاوامر العسكرية كواقع دستوري قائم، ورفضه تلك الاوامر، ربما يمكن اعتباره كنوع من تماهي مع موقف السيسي ذاك، حيث ربما اراد السيد الشمري منه تقمصا لهدف "لشرف" عظيم كما حصل مع السيسي . ولكن هناك فرقا كبيرا جدا في شخصية ومكانة السيد السيسي وشخصية ومكانة السيد الشمري، فضلا عن الفرق في طبيعة الاحداث كحاجة ملحة ومصيرية لكل من البلدين. فما قام به الشمري من امر خطير كان له تداعيات سلبية لاوضاع النظام العراقي وخصوصا للواقع الديمقراطيي رغم كل مساؤه، وجعله امام سقوط محقق!! 

فمن غير المعقول ان تمر حالة خطرة كهذه مرورا عابرا على رئيس الوزراء وهوالقائد العام للقوات المسلحة، حيث مؤشرات التسيب لبعض القيادات العسكرية والتي كانت لها نتائج من ويلات كان ثمنها دم العراقيين خلال الثلاثة عشرة سنة الماضية . فالاساءة للظروف القائمة من خلال التعاطف "الشخصي" مع حدث معين بغض النظر كون ذلك كان "تعاطفا ام كيدا" ولكنه / كان على أية حال على حساب الحياة العراقية المبعثرة . كما وانه عمل مأساوي من شأنه أن يضع الدستور القائم للبلاد في عواصف لا نهاية لها ويسمح بتدخلات اجنبية تنتظرها بعض الانظمة المعادية للعراق من اجل القضاء عليه. فضلا ما يعنيه من مؤشر لفوضى ينتظر فرصتها شذاذ الافاق من بعض العسكريين، "ولا أعني هنا السيد الشمري نفسه" ولكن، "حدث العاقل بما يليق..."

ان الاصلاحات هي مسألة شعور وطني نبيل لدى الانسان تجاه وطنه تلزمها عليه ظروف الواجبات الوطنية الاخلاقية وليس للقيادات العسكرية والامنية فقط دورا فيها . فتيار الاصلاحات يجب ان يبدأ من خلال تحمل الجميع مسؤولياتهم الوطنية كل وفق اختصاصاته . فالذود عن أمن شعبنا ودحر الارهاب الداعشي هو من واجبات القوات العسكرية والحشد الشعبي والبيشمركة والعشائر الخيرة، بينما استعادة حقوق الشعب ووقف استهتار الكتل السياسية والقضاء على الفساد يجب ان يتم من خلال المؤسسات الدستورية والمدنية وتعاون الجميع مع الحكومة . ولكن، طالما أن الكتل السياسية تعيش صراعات وحساسيات بين بعضها البعض، وخصوصا أن كتل التحالف الوطني تعيش تشرذم وغير قادرة على تلبية أهداف المرحلة بسبب ان الكل "يغني " على ليلاه، تبقى الاصلاحات شيئا صعبا وان لم يكن مستحيلا، وسيحاسب التأريخ من يتكلم كثيرا ويعمل قليلا.

ومع أن الاصوات الغاضبة لشعبنا لا تزال في تصاعد مستمر والعراقيون يطالبون باصلاحات حقيقية جذرية، لكننا لم نجد وللاسف الى الان استجابة من قبل حكومة العبادي لغضب الشارع العراقي هذا، بل ما نجده مزيدا من تردي واسفاف يجتاح عراقنا ويغرقه بمستنقع التخلف في جميع وجوه الحياة .

اننا نرفض ان تصبح مواقف التجاوزات على الدستور "كعادة"، حيث تمرر بدون ان يتم مسائلة المقصرين من خلال ما حصل في يوم الجمعة الماضية، حتى وان كان السبب في تلك التجاوزات كان لغرض فرض اعتصامات يحتاجها شعبنا بشكل ملح .  وحتى وان كان ذلك ليتم من خلال الوسائل السلمية على الرغم مما يعيشيه المجتمع العراقي من غليان من اجل الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والاخلاقية .

يهمنا ان نعلم عن دوافع السيد عبد الامير الشمري في رفضه اطاعة الاوامر العسكرية. إذ ليس السيد الشمري وحده من يحب العراق ويتعاطف مع ابناء شعبنا. ولكن حب العراق يجب ان يكون أيضا مقترنا مع كل ما يعزز وجوده ويبعد عنه شرور الاشرار .

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم