صحيفة المثقف

وقفة قصيرة عند بنود مبادرة المجلس الأعلى الاسلامي المعدلة لحكومة التكنوقراط!

بعد تأصل الفساد والطائفية والمحاصصة في ذات الكثرة من الكتل السياسية، حيث عقيدتها تقتضي طريقا بعيدا عن الوطنية واخلاقيات المجتمع العراقي، وخصوصا بعد مرور ثلاثة عشر سنة تعلمت فيها هذه الكتل بل وأجادة فنون وأساليب لاانسانية لتطوير وسائلها التخريبية لشل القدرات الوطنية من خصومهم وادارة وتوجيه مصالحها من اجل شرور أعظم، فان من يعتقد ان هذه الكتل سوف ترعوي وتتخلى عن استمرار وجودها يوما من تلقاء نغسها، فهو واهم تماما، اللهم إلا من خلال استخدام الارادة على تغيير الحكومة بأكملها . فمن خلال مقترحنا الذي نشرناه في الاسبوع الماضي وكان بعنوان: (رأي في اختيارات حكومة التكنوقراط... "فعاصفة" السيد مقتدى الصدر...هي من اجل "حصة الاسد)، والتي ورد فيه بعضا من التطابق في الاهداف مع بنود الوثيقة التي وردت في المبادرة التي قدمها هذا اليوم المجلس الاعلى الاسلامي مع بعض الاختلافات في الديباجة وبعض التوسع في المهام المطلوبة للحكومة . ولكن باعتقادنا المتواضع، ان ما ورد في "المسار الثاني" من وثيقة بنود المجلس، هو الحل العفلاني المرتجى والمطلوب، وكما يلي:

 

المسار الثاني:

في حالة عدم توفر الفرصة الحقيقية لتنفيذ المسار الأول من خارطة الطريق، يتم الانتقال لتفعيل المسار الثاني ويعتمد الخطوات التالية:

. العمل على تغيير كامل الكابينة الحكومية والدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط تشمل رئيس مجلس الوزراء ايضاً -1

. العمل على حفظ التوازن الوطني في الحكومة المزمع تشكيلها كما نص عليه الدستور- 2

. الدعوة لتشكيل كتلة برلمانية وطنية عابرة للمكونات تكون داعمة لحكومة التكنوقراط -3

. يحدد سقف زمني ب 30 يوماً لتشكيل الحكومة والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب - 4

. اعتماد الخطوات الأخرى المذكورة في المسار الأول - 5

فسياسات مصالح تلك الكتل، والتي أضرت بشكل فادح بشعبنا، كانت نتائجا لا ريب فيها تنم عن ضعف وانكفاء وهزائم مواقف الحكومة ومساهماتها بشكل مباشر في خدمة استهتار هذه الكتل من خلال صمتها في تطبيق مباديئ الدستور والقوانين العراقية للجم من سولت له نفسه على عدم احترام تلك القوانين. كذلك فان طريقة العرض للاجواء الديمقراطية قد ساهمت هي الاخرى في إضعاف شعبنا وفي نفس الوقت شجعت الكتل السياسية على استمرار فسادها العلني وبلا خوف. فمن خلال تجربة خروج الجماهير في التظاهرات والاعتصامات وفي مستويات تتسم بالتحضر، فان ذلك السلوك الجماهيري الواعي وللاسف، كان قد ساعد في دعم اهداف هذه الكتل فقط، بينما أحرج أيضا وبشكل كبير الحكومة في عدم قدرتها على قيامها بمسؤولياتها وخصوصا في الاستجابة لمطالب الجماهير تلك ولو بالحد الادنى، الامر الذي كشف أمام الكتل السياسية أن ضعف الحكومة سوف يجعلها في أمان. فعلى سبيل المثال، قبل أيام قليلة، تسربت نتائج حكومة العبادي في تشكيلة حكومة التكنوقراط، ولكن تلك الاحزاب والكتل تناولتها بتعامل سلبي غليظ بسبب انها لم تكن من بين تلك التشكيلة يدل على نوع من "الذعر"ساد فيما بينها . فالكتل الكردستانية ردت بنقمة على كل من تم ترشيحه من الاكراد في الحكومة المفترضة، الى درجة ان احد المرشحين طلب الغاء ترشيحه منها. كما وأن المجلس الاعلى الاسلامي على لسان رئيسه السيد عمار الحكيم هدد "بأن كل الخيارات ستكون "مفتوحة" في حال وصلت الأمور الى "طريق مسدود"، داعياً القوى السياسية الى "اعانة" العبادي على نفسه. أما الكتل السنية البعثية في "القوى الوطنية" فنجدهم الاكثر تخبطا في قراراتهم، فهم توعدوا بالويل والثبور لحكومة العبادي ان هي ازاحة ممثلي كتلتهم من الحكومة الجديدة! ومن المتوقع، انهم سوف يوحدون جهودهم مع الكرد ليذهبوا في فريق واحد الى "العم سام" طالبين النجدة والعدالة من "التهميش"، كما فعلوا ذلك مرارا!!!

ولكننا لا نعتقد أن ألعراقي قد صدق أو توقع أن تشكيل حكومة التكنوقراط سيتم بالبساطة والسلاسة من قبل كتل سياسية غارقة في الفساد . فالعراقي يدرك جيدا ماذا يدور في سرائر هذه الكتل الباغية من اجل مطامعها، وهي سوف لن تقول للحكومة الجديد "أهلا وسهلا ...تفضلوا أغاتي ..."، بدليل ان شعبنا ظل ثلاثة عشر سنة يعيش على الاوهام والاماني ..."والاماني رأس مال المفلس" !!

فالمشكلة التي نناقشها الان باعتقادنا تتعلق في بقية بنود "المسار الاول" الذي طرحه المجلس الاعلى هذا اليوم في تشكيل حكومة التكنوقراط وخصوصا ما ورد فيه:

 (2- تمثيل المكونات والقوى السياسية المشاركة في حكومة التكنوقراط من خلال منحها الحق بتقديم مرشحيها ( التكنوقراط السياسي او المستقل ) للمواقع المحددة لها وضمن المواصفات والشروط التي يضعها رئيس مجلس الوزراء وتكون له صلاحية البت بالمرشحين .

 3 - مناقشة جميع الأسماء المقدمة كترشيحات من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والاحتفاظ بمن يمثل مفهوم التكنوقراط وتنطبق عليه المواصفات والترشيحات المناطة به ويتم اعتماده من قبل القوى السياسية التي لها علاقة بالموقع المرشح له.

فبما يتعلق بما ورد أعلاه، فالسؤال هنا، هو ان كانت لدي الكتل السياسية "شخصيات تكنوقراطية" بهذه المواصفات الفاضلة (وهنا نحن نتناول مصطلح التكنوقراط وتركيزنا على النزاهة أولا)، فلماذا بخلت هذه الكتل على نفسها وعلى شعبنا بهذه الكفاءات الوطنية لادارة وزاراتها ومرافقها الحكومية ؟ لما ذا لم نجد من هذه الكتل سوى نتاجا من كم هائل من مفسدين ومرتشين ومن محسوبيات وتعيينات للعائلة والاقارب في الوزارات والمرافق الخدمية الاخرى، بينما خريجوا الجامعات يعانون من البطالة؟ فهل يعتقد البعض اننا غافلون الى الان عن بعض "تكنوقراط" هذه الكتل من حملة الدكتوراه بينما هم متهمون بالارهاب واللصوصية وخيانة المباديئ الوطنية كحملة دكتوراه أو أطباء أمثال صالح المطلك (المتهم بالتلاعب باموال المساعدات للمهجرين بسبب الارهاب)، والارهالبي طارق الهاشمي والارهابي رافع العيساوي واللص البعثي الدنيئ ايهم السامرائي وغيرهم كثيرون؟ وهل أن كل من حمل شهادة عليا اصبح "منزها" وشريفا ووطنيا بسبب انتماءه الى هذه الكتل السياسية؟ أهذه هي المقاييس لفرز الوطنيين والاخيار؟ وان كان المجلس الاعلى الاسلامي معنيا في وثيقته بترشيح بعضا من تكنوقراط "جدد" في هذه الكتل غير معروفين، فلماذا عمدت هذه الكتل الى "اخفاء" هؤلاء من قبل وحرمت "الوطن" من "قوى" تتسم بالنزاهة والاخلاقيات والقدرات والطاقات والخبرات العزيزة علمية واكاديمية واقتصادية وسياسية ؟ ألم يكن من شأن الاوضاع في العراق أن تصبح أكثر تطورا لو انها كانت قد فعلت ذلك وسخرت هؤلاء من اجل بناء هذا الوطن الغالي؟ ولماذا اختارت هذه الكتل لنفسها في البقاء كوجود مخجل من اجل الفساد والمحاصصات؟ واين كان هذا الشعور بالوطنية مضموما، حتى نراهم اليوم يتدافعون من اجل البقاء على قوى فاسدة واشراكها في حكمة يراد لها اخراج العراق من مأزقه؟ فلو أن هذه الكتل قد فعلت ذلك من قبل، هل كان حال عراقنا مثلما هو عليه الان؟

والمشكلة الاخرى هي في ان حكومة العبادي من خلال محاولة تشكيل حكومة التكنوقراط وترشيح الاسماء، انما "كشفت" عن عيوب ربما كان "مستورة" في عدم ايمان الاكثرية العراقية بهذه الحكومة، حيث لم تؤيدها الكثرة العراقية. فالديمقراطية في العراق بقيت مجرد لافتة عريضة تحمل عنوانا ضخما "لديمقراطية صورية" لا تمثل سوى نوعا من الاستهزاء بمبادئ الديمقراطية نفسها، حيث لا يمكن ان نجد مثيلا لها سوى في مقابر العالم المتمدن . والسبب في ذلك، ان الديمقراطية كنظام سياسي، هي الاخرى تحتاج الى وسائل قوة وارادة حسم كبيرين من اجل استباب الامن الداخلي أولا. فاعداء الديمقراطية من هذه الكتل السياسية، وكما نرى الان أن قدراتهم على تحدي الحكومة متأتية من جيوش ميليشياتهم ومن طرقهم الملتوية الخبيثة. كما وان هذا التوجه الذي حصل في عدم تواصل العبادي مع المرجعية الدينية المباركة والتخلي عنها، كان وكما يبدوا بسبب ان العبادي كان يخطط في تشكيل حكومة بالمستوى الذي طرحه بشكل انفرادي، وبذلك فانه توقع مسبقا انه سوف لن يلقى دعما من المرجعية .

فبربكم، هل يستحق هذا الوطن الغالي ان تتسيد فيه فوضى الباطل، ويصبح الحق عبدا أجيرا فيه؟ والى متى ستبقى الحياة في العراق مجرد "خبرا" محزنا سريعا عابرا يتوقع ان ينتهي فيه وجود الانسان في الشارع بلحظات من خلال تفجير او اغتيال او خطف او غير ذلك من وسائل الاجرام والارهاب؟

ألم تكفي هذه الكتل ثلاثة عشر من سنين الفساد والتطاول على حياة العراقيين والتي كانت اسبابا رئيسية في أن هذه الكتل السياسية المعنية بتمثيل مصالح وحقوق شعبنا، كانت ولا تزال لا تعبئ بالعراق وتزداد في الارض فسادا في وطن كل ذرة من ترابه اعظم شرفا منا جميعا.

لا نزال نؤكد أن حكومة التكنوقراط اذا اريد لها النجاح والتخلص من فوضى الفساد والمحاصصات وهذا التردي في المجتمع فيجب التركيز على تشجيع ترشيح العراقي التكنوقراطي الوطني المستقل المؤهل لنفسه من خلال طلبه الشخصي، وليس من خلال مرشحي الكتل السياسية . فالكتل تحاول الان ولولوجها في الترشيحات لكي تبقي على هيمنة فسادها والمحاصصات فيما بينها، ولا يهمها أبدا بقاء عراقنا العزيز في متاهات الضياع. ومن الله التوفيق.

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم