صحيفة المثقف

لا تُرثى قامات الكريستال

wafaa abdulrazaq3لا تقلْ رحلَ، بلْ قلْ ذهبَ ليقطفَ لي

من السماءِ نجوماً بلون قلبهِ

 


 

لا تُرثى قامات الكريستال / وفاء عبد الرزاق

 

لا تسلني أيها الهواءُ العقيمُ، كيف أتنفسُكَ، كيفَ أحتضنُ الكونَ الأخرسَ!

كلُ شيءٍ بدا مبهماً اليومَ، كلُّ الطرقِ فيها بعضُ لمسةٍ من أصابعِهِ، كلُّ الأمكنةِ فيها عبقُ كلامِهِ.

لا تسلني أيها الهواءُ عن قاربِ منتصفِ الليلِ، كيفَ سيبحرُ بأقمارِ السماءِ بدونِهِ، وكيفَ تهتدي الأطيارُ فجراً وقد ضلَّتِ الطريقَ!!

لا تسلني، أيها الأبكمُ، أيُّ وجهٍ للبصرة سينهضُ من ركامِهِ ويرفلُ بطفولتِنا، وزغردةِ أقدامِنا المتعثرةِ بتعرجاتِ الطريقِ إلى (ثانوية العشّار).. أللبصرة وجهٌ في اللحظةِ التي لا ظلَّ لها؟

مرةٌ أخرى سألني البارحةَ (نهر الخورة) لكنَّ الإجابةَ لمْ تكنْ ممكنةً.

لمْ تكنْ منطقةَ (الـﮝزَّارة) تؤاخي الذكرياتِ، كانتْ خرساءَ صافنةً، القدرُ أصفرُ اللونِ، كئيبُ الوجهِ، لا يدري أنَّ في عينيَّ سلالةً من شوقٍ.

مراهقتي المتمرِّدةُ، تطوفُ الآنَ على بيوتِ البصرة تسألُ عن أوَّلِ نهرٍ انسابَ في عروقي، والحوائطُ صدى لئيمُ الجوابِ.

أيها العقيمُ، لا تقلْ رحلَ، بلْ قلْ ذهبَ ليقطفَ لي من السماءِ نجوماً بلون قلبهِ، وثماراً بطعمِ حديثهِ، وأشجاراً بأفكارٍ خضراء َكمواقفهِ النبيلةِ.

أيها العقيمُ..أرجوكَ لا تبقَ عقيماً، هاتِني من ترابٍ ضمَّهُ ماءُ زهرٍ من جسدِهِ المسجى بين أضلعِهِ، قلْ لهُ: لا تذهلني بعدَ صوتِهِ الأصواتُ، ولا تغويني بساتينُ النخيلِ بعدَ ظلِّهِ.

أيها العقيمُ، أتدري أنهُ سافرَ دونَ حقائبَ؟ نعم حقيبتُهُ طفولتي، صباي شيخوختي، وأشعارٌ تحملُ التيارَ لأمواجٍ تربو لعودتِهِ.

لهُ ثلاثُ حدائقَ في الدارِ، كلما نظرتُ لإحداهن تبسمتْ عيناي، فيها ملامحُهُ النوافذُ، فيها الأبوابُ التي تفاجئُ القادمينَ بصورِه.

سأحتفظُ بالضوءِ في بيتي، حتى وإنْ غمرني الشتاءُ، سيبقى البياضُ والخريفُ قمريَّ الاكتمالِ.

صوتُهُ ذكرى الفصولِ، منهُ تبدأ حكايةُ الأعشابِ، وتنتهي بحدائقَ أبنائِهِ،

ستولَدُ ألفُ شمسٍ وشمسٍ على قبرِهِ، وتحملُ اسمَهُ على أكتافِ الأنبياءِ، لأنها تعلمُ، الجمعُ الهائلُ هوَ، واكتنازُ العالمِ بانطلاقِ البدءِ.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم