صحيفة المثقف

لماذا قُتل نجلُ الأصفهاني؟ (4)

يحدّثنا السيّدُ مير حسين سجّادي، حفيدُ أبو الحسن الأصفهانيّ من بنتهِ الكبيرةِ، عنْ تفاصيلِ لحظةِ مقتلِ خالهِ السيّدِ حسن؛ إذ يروى ذلك [وربّما بالواسطةِ] عن السيّدِ محمد پیغمبر الخامئني [عمّ السيّد الخامنئي المعاصر] والمتوفّى سنة: (1934م)؛ حيثُ كانتْ لنجلِ الأصفهانيّ المقتولِ علاقةٌ طيّبةٌ معهَ، وكانوا يصّلونَ جنباً إلى جنبٍ في ليلةِ الحادثةِ، يقولُ پیغمبر ما ترجمتهُ: "كنتُ أصلي نافلةَ الغفيلة بعدَ أداءِ صلاةِ المغربِ، وكان السيّدُ حسن جالساً إلى جنبي بعد إتمامهِ لها، وفي أثناءِ تنفّلي رأيتُ شخصاً واضعاً عباءَتهُ  على رأسهِ يقتربُ من السيّد حسن، وكأنّهُ أرادَ أن يقولَ لهُ شيئاً ما، وفي الأثناءِ سمعتُ صراخَ السيّد حسن، فعرفتُ إنّ هذا الرجلَ قدّ وجّه له ضربةً، فمسكتُ عباءتهُ وأنا في حالةِ الصلاةِ بغيةَ  الحيلولةِ دونَ هروبهِ، فما كانَ منهُ إلا أن ضربني على يدي ليجرحَ أصابعَها بسكينتهِ، فتركتهُ ليهربَ... اختلتْ صفوفُ الجماعةِ بعدَ هذا الحادثِ، فسمعَ السيّدُ أبو الحسن الأصفهاني بالهَمهمةِ والضوضاءِ، فأخذ يسألُ:  ما الأمرُ؟! فقيلَ لهُ: لا شيءَ يستدعي القلقَ؛ إنّ طارئاً حصلَ للسيّد حسن، ونُقلَ على إثرهِ للمشفى، أجل؛ لم يكن للسيّدِ المرجعِ علمٌ بالحادثةِ أصلاً، وكان ينظرُ للجموعِ بحيرةٍ وقلقٍ، وبعد أن وقعتِ الواقعةُ حارَ المحيطونَ بسماحتهِ في كيفيةِ إخبارهِ بشهادة ولدهِ، فوقعَ اختيارُهم على الشيخِ جواد الجواهري [المتوفّى سنة: (1937م)] ليتحمّلَ مسؤوليّةَ ذلك... ويُخرجَ السيّدَ من حيرته، فأخبروا الجواهريّ بالحادثةِ، فوصلَ إلى بيتِ السيّدِ وصعدَ السُلّمَ ووقفَ في الباب متّكأً على عصاهُ وخاطبَ السيّد الذي كان جالساً أمامهُ: "يا أيها السيّد: إن اللهَ أنزلَ عليكَ بلاءً وأرادَ أن يمتحنكَ بذلكَ"، واكتفى بهذه الجملةِ وخرجَ من بيتهِ، فبدأ السيّدُ "رحمهُ اللهُ" بالبكاءِ، وبكى جميعُ الحاضرينَ حولهُ أيضاً، لكنّه طلبَ منهم بعد ذلك السكوت؛ لأنّه لا يريدُ وصولَ الخبرِ إلى النساءِ في هذا الوقتِ من الّليلِ" (1).

وفي اليوم التالي شُيّعَ السيّدُ المقتولُ بأفضلِ وجهٍ،  وقّدّم الميرزا النائيني للصلاةِ عليه، ولم يخلُ  تشييعهِ "رحمهُ اللهُ" من قصصٍ وأساطيرَ نُقلتْ على الألسن من هنا وهناك، لا نجد حاجةً لذكرها.

وفي ختامِ هذه الحلقاتِ عليّ إلفاتُ النظرِ إلى نقطتينِ:

الأولى: أهدفُ من خلالِ استعراضِ حقيقةِ هذه القصّةِ وواقعِها الإشارةَ إلى ما يعانيهِ الواقعُ الشيعيُّ من مأساةِ حقيقيّةٍ في الانسياقِ وراءَ القصصِ والأساطيرِ والخرافاتِ خصوصاً إذا ألبسَها أصحابُها بلباسِ الدينِ؛ فرغمَ إن القصّةَ لم يمرّْ عليها سوى بضعةُ عقودٍ، وكثيراً من معاصرِيها لازالوا أحياءَ يُرزقونَ ، إلا أنّ المقطعَ المُرفق (2) يكشفُ عن تفاصيلَ  مُذهلةٍ يُمارسها "بعضُ" خطباءِ المنبرِ الحسينيّ من أجلِ استدرارِ عواطفِ مستمعِيهم، ولا أدري كيفَ يمكنُ لنا الوثوقُ بموضوعيّةِ ونزاهةِ وعلميّةِ أمثالِ هؤلاءِ وهم ينقلونَ إلينا وقائعَ مرَّ عليها ما يقربُ من ألفٍ وأربعمائة سنةٍ؟! أو ليس هذا يدعو الآخرينَ إلى وصفِ مذهبِنا بالتخريفِ وتأليفِ الأساطيرِ؟!، والمؤسفُ: إنّ جميعَ ذلك يقعُ بمرأىٍ ومسمعٍ من المعنيينَ، وشماعةُ الصمتِ إزاء هذه الظواهرِ هي: "الحفاظُ على عنوانِ المذهبِ"، ولا أدري أيّ مذهبٍ يُحفظُ بمثلِ هذه التُرّهاتِ؟!

الثانية: القصّةُ بقراءتها الواقعيّةِ تكشفُ عن أزمةٍ في الجهازِ الإداري المحيطِ بالمرجع المتصدّي للشأنِ الديني، ولازلنا نعاني من هذهِ الأزمةُ حتّى اليوم، ولا يمكن استثناءُ مرجعيّةٍ من المرجعيّاتِ منها على الإطلاق إلا ما شذَّ وندرَ؛ حيث تتحكّمُ قناعاتُ الأبنِ والصِهرِ في كثيرِ من السياقاتِ الإداريّةِ والماليّةِ بل والسياسيّةِ وحتّى الفقهيّة، وما لم يُصار إلى ترتيبِ الْبَيْتِ المرجعي بطريقةٍ مؤسّساتيّةٍ خاضعةٍ لضوابطَ صارمةٍ ومحكمةٍ وغير منفلتةٍ، فإن أمثالَ هذه الحوادثِ ستتكرّرُ جزماً، وإن كانت بصورٍ أخرى.

وأخيراً: آملي بالمخلصينَ في الحوزةِ العلميّةِ كبيرٌ، وأتمنّى أن يتجاوزوا لغةَ العناوينِ الثانويّة كشمّاعةٍ سرمديّةٍ لسكوتِهم وإخفاقِهم، فكلمةُ الحقّ ينبغي أن تُقال، ولو دفّعتهم ثمناً غالياً؛ وكيانُ الحوزةِ العلميّةِ هو الأساسُ، والأشخاصُ زائلونَ متغيّرونَ. أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ من كلّ ذنبٍ عظيمٍ، ومن يتقِّ اللهَ يجعلْ لهُ مخرجاً.

 

ــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) يمكنُ للمتابعِ مراجعةُ تفاصيلِ الحوارِ مع حفيدِ الأصفهاني في موقعِ تبيان بالّلغة الفارسيّة:

http://www.tebyan.net

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم