صحيفة المثقف

التناص مدلوله ومعناه

adnan almshamshمصطلح التناص (intertextuality)، تعبير حديث ' لم يكن معروفا ولا شائعا في اللغة العربية على الرغم من ان الشعراء العرب في عصر ما قبل الاسلام ذكروا عن فكرة تكاد تشبه مصطلح التناص يقول امرؤ القيس:

عوجا على الربيع المحيل  لأننا.  نبكي الديار كما بكى بن حذام

فالشاعر امرؤ القيس يحاول ان يعيد تجربة ابن حذام الذي سبقه، ويقول عنترة العبسي في معلقته:

هل غادر الشعراء من متردم     ام هل عرفت الدار  بعد توهم

فهو يذكر ان الشعراء سواء من كان قبله ام من عاصره لم يتركوا طللا ولا اثرا الا وقفوا عنده فبكوا واستبكوا وحزنوا وعنترة نفسه يكرر تجربتهم، وللشاعر كعب بن زهير بيت في هذا المعنى:

ما ارانا نقول الا رجيعا  او معادا من قولنا مكرورا

نعم انه يكرر أقوال من سبقوه ويستعيدها لكنه قد يعني اعادة  معاني الشعر الذي سبقه وصوره او المعاني التي وردت في انواع النثر مثل الأمثال والحكم  والقصص. فالمهم في الامر ان الشاعر يستفيد من أقوال من سبقوه ويكرر محتواها.

لكن هل فهم الناقد العربي  القديم تجربة الشاعر في تأثره بمن سبقه وتأثيره في الجيل اللاحق، للأسف لا لم يفهما بل راح يتحدث عن السرقات فأي تاثر ينسبه للسرقة من دون تامل وإنعام نظر والأمثلة على ذلك كثيرة ، فمن الأبيات المشهورة بيت سلم الخاسر الذي يقول فيه:

من راقب الناس مات هما     وفاز باللذة الجسور

قيل انه سرق معناه من بيت بشار:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته   وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

حتى ان بشارا تنبأ أن بيت سلم سوف ينال شهرة اكثر من بيته وقال ذهب والله بيتي، ولا يقتصر الامر على هذا بل ان ابن وكيع راح ينسب السرقات للمتنبي فهو يسرق معاني غيره ، يقول عن بيته  في السهاد اي الأرق:

كثير سهاد العين من غير علة  يؤرقه فيما يشرفه الذكر

انه سرقه من قول عبد الله بن المعتز:

والسهر للمجد والمكرمات    اذا اكتحلت اعين بالكرى

 والواضح ان بيت ابن المعتز يختلف في معناه عن بيت المتنبي وهناك من النقاد القدامى من الف كتابا في السرقات، كباب السرقات عند الناقد عبد القادر الجرجاني، اما نحن فمن حقنا ان نسال هل ما تصوره القدامى من اعادة تجربة هو سرقة ؟ لا أظن ذلك  فالشاعر والكاتب قد يكرر بعض أفكاره في نصوص له فيعيد فكرة نص في نص اخر وقد يكرر بعض  تجارب الآخرين ، ولنا أمثلة بكبار الشعراء العالميين والعرب ، كلنا نتذكر الفكرة التي وردت في احدى مسرحيات شكسبير حين يقطع القائد المعادي للملك الشجر فيحمل كل جندي شجرة فتقول الساحرات للملك لن تنهزم الا اذا سار الشجر فيتأكد انه لن ينهزم  في حين راح الجيش يزحف نحوه  من خلف الشجر ،ان الفكرة نفسها وردت في قصة زرقاء اليمامة التي سبقت شكسبير بألف عام وأكثر حين قالت لقومها ارى شجرا يزحف نحونا من بعيد فلم يصدقوها وناموا مطمئنين حتى غزاهم جنود الأعداء الذين قطع كل واحد منهم شجرة وسار مختفيًا خلفها مما يدل على ان ثقافات العالم المختلفة تتلاقح ، وتتفاعل فتؤثر و تتأثر. ان شعرنا المعاصر استفاد من التجارب العربية والتراث والدين والتجارب العالمية فلا يمكن ان نعزو هذا الى موضوع السرقات. يقول البياتي:

ايتها العذراء

هزي بِجِذْع النخلة الفرعاء

تساقط الأشياء

نولد من جديد

وهو تناص مع الآية الكريمة (وهزي اليك بِجِذْع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) مع ظننا ان الشاعر اقحم كلمة فرعاء في قصيدته ليكتمل الوزن.

اما محمود درويش فيقول:

باطل  باطل

كل شيء على البسيطة زائل

وهو تناص مع قول الشاعر لبيد:

الا كل شيء ما خلا الله باطل    وكل نعيم لا محالة زائل

وللشاعر نزار قباني:

كنت في المخفر مكسورا كبللور كنيسة

نافخا سورة ياسين بوجه القاتلين

وهو  اقتباس من الآية الكريمة (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون)، والذي يطالع شعر الجواهري يجد الكثير من الشواهد التي تدل على التناص سواء من تراثنا العربي ام الفكر العالمي، ، وهذا يدل على ان الناقد العربي العربي المعاصر تحرر من فكرة السرقة التي وضع التنظير فيها فيها سلفه الناقد القديم ، مما يدل على اننا يمكن ان نواكب العصر وتطوراته ونستوعب الأمور الجديدة التي تتطلب منا معالجة التراث والفكر العربي القديم وتغيير بعض الجوانب التي نجدها لا تتناسق مع التطور الجديد.

 

عدنان المشيمش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم