صحيفة المثقف

جميع المنهزمين لاذوا بمسعود برزاني وعمار الحكيم ليس الاخير!!

باستثناء دولة القانون وحزب الدعوة، فان جميع ما اصطلح على تسميتهم بزعماء الكتل السياسية "الفطاحل"، والذين يرومون اليوم تبديل صورهم وعمائمهم، ليرتدوا "بدلات" التكنوقراط الانيقة، فان هؤلاء كانوا قد جعلوا من السيد مسعود البرزاني محجتهم، للتبرك واستعادة بعضا من الثقة بالنفس، ومن ثم الانصات برؤوس مطأطأة الى "أحدث" الطرق والوسائل الماكرة لمناهضة الحكومات العراقية على الرغم من "ضعفها الابدي" . ولكن النتيجة الوحيدة التي خرج بها هؤلاء، انهم جميعا خابوا وخابت اجنداتهم ومساعيهم بجميع اشكالها والوانها ومراميها، بسبب أن مسعود برزاني، "ثعلب السياسة العراقية" لا يعبئ بامثال هؤلاء ولا يقيم لهم وزنا. فالسيد البرزاني يدرك جيدا ان هؤلاء يسعون لمصالحهم فقط، تماما مثلما يسعى هو لمصالحه، ولكن الفرق هو ان البرزاني له اعوان في السياسات الخارجية كالولايات المتحدة وتركيا ودول اخرى، بينما هؤلاء كالغراب الذي "اضاع المشيتين" كما يقول المثل العراقي . أضاعوا انفسهم في حياة الترهات التي اغتصبوها من شعبنا، ولم يعوا وجودهم فيتحلوا بالنضج الكافي ويدركوا أن جميع الاهداف والاجندات الشخصية لها عمر محدود، بسبب ان شعبنا باق متمسك بعظمته العراقية المتوارثة، فضلا ان الحياة اثبتت لنا أن "من سره زمن سائته أزمان"، وان مصالح السيد مسعود أعظم واكبر من وجود ألسيد عمار الحكيم أو غيره . 

هؤلاء زعماء السياسية العراقية أثبتوا انهم لا يجيدون سوى التسقيط والخيانات، وهمهم الوحيد هو زياد الثراء ومعادات العراقيين، وفي المقابل، فان شعبنا لا يحترمهم . ومع كل الذي جرى من تجارب عراقية يمكن لو تبرع احدهم بتدوينها لخرج بمؤلفات ضخمة، ومع ذلك نجد اليوم أن السيد عمار الحكيم يهرع اخيرا الى اربيل هو الاخر "للتبرك" فلربما ما حمله مسعود برزاني من خزين تجاربه الفاشلة مع نوري المالكي بالذات، يساعد الحكيم الذي لم يتعظ من فشل مؤتمرات أربيل مع الكتل السياسية الاخرى والتي أجمعوا من اجلها كل ما يمتلكونه من بأس، لكن النتيجة هي كما نراها اليوم انهزاما تأريخيا لهؤلاء ولمسعود برزاني . فلو كان البرزاني يحمل في ذاته عنوانا لأي تجربة ناجحه مع الحكومات الاتحادية أو مع شعبه، لما انتهى اليوم هذه النهاية المؤلمة، حيث نجده يتقلب فوق لظى نيران الشعب الكردي بالذات، والذي يعتبره كرئيس خارج على القانون، وهي نهاية ليست أقل مرارة من نهاية "ضيفه" السيد عمار الحكيم، المحاصر والهائم على وجهه لما قدمت يداه. فإن كان عمار الحكيم لا يجد من يشكوا اليه "بؤس" الحياة التي بدأت تلملم امتعتها لتنأى عن "إبهته" وتقول وداعا لهذه الابهة التي حرص على ان تكون من النوع "الملوكي "، ليلجأ أخيرا الى الزعيم الكردي الحزين الغارق بمشاكل لا تعد ولا تحصى . فبالامكان ان نتصور مقدار الهموم التي يعيشها "سيدنا" الانيق، حيث لا تنفع الاناقة ولا القصور ولا الابهة الملوكية ان تعيد له مكانته ثانية بين شعبنا ولا مع من كانوا ظهيرا له .  

هنا نود ان نرثي السيد عمار الحكيم لموته سياسيا غير مأسوف عليه. فهذا الرجل الذي يعيش في كنف سمعة العائلة التي لها احترامها بيننا كعراقيين، لكنه  شخصيا، لا فضل له على أحد. كما وانه لم يكن يوما قد قدم خدمات للعراق من شأنها ان تثبت طاعته وولاءه لهذا الوطن الكريم الغالي . بل على العكس، فالناس لايزالون يجدون فيه ما لم يكونوا قد وجدوه في عائلته كعلماء للشيعة، من علوم دينية وحوزوية أوعلو للجناب كسبوه نتيجة لتواضعهم وبساطة الحياة التي عاشوها . لكن مثل السيد عمار كمثل غيره من سياسيين وصفوا "بسياسيي الفساد والافساد"، ولكنه امتاز وتفوق على البقية منهم في المبالغة في الاصرار على "الابهة"  "والجاه"، وكأنه يعيش حلما بليلا . أو أن عمار (والاعمار بيد الله تعالى) سوف لن يعيش طويلا، فيحاول ان "يشبع" من هذه الدنيا ما لم يشبع منه المقبور صدام من قبله.

مشكلتنا الاساسية كعراقيين، ومن خلال التجربة العملية لهذه السنوات الاثنتي عشر الماضية، ان الاكثرية منا لا تلبث أن تفقد عقولهم وزنها الطبيعي ويفقدون حياءهم أيضا امام شعبنا، فيتحولون الى اطفال يطمعون باقتناء كل شيئ وعلى حساب كل شيئ اخر. ومن يتذكر منا بدايات سقوط الحكم الصدامي المقبور، كم ان هؤلاء السياسيين أبدوا نهما في اقتناء كل شيئ، فكان لهم ما أرادوه، ولكن، لم يكن ذلك بشروط الخالق تعالى، الذي قال ونعم القائل سبحانه،  بسمه تعالى : (الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) . 

لقد حاول السيد عمار الحكيم، كما حاول غيره من قبل، تطويع العراق برمته لمشيئتهم وجعله طوع بنانهم،ولكن  مشيئة الخالق تعالى أعظم وأقوى لمن لا يريد لهم ان يكونوا قادرين على تضليل الناس ويسيرون وفق أهوائهم .  فقد نسي عمار الحكيم، أو تناسى ان في العراق لا يزال رجال حقيقيون، يعتزون بانفسهم وبماضيهم الوطني أيما اعتزاز، وانهم ليسوا كمثل اولئك الذين تعامل شعبنا معهم من سياسيين. فالغرور هو البلاء الذي يبتلي به الخالق عباده الذي يريد معرفة عمق ايمانهم . وهكذا سعى عمار الحكيم الى تطويع البعض، فكانوا على يمينه وشماله، يرضون بما يفعله وينصتون لما كان يقوله، حتى ظن السيد، ان هؤلاء،انه هم وسيلة وصوله الى ما يروم . ولكن النتيجة، ان هؤلاء مع "عمارهم" هذا خسروا رحمة الله تعالى مع محبة شعبنا لهم، بسبب انهم اختاروا ان تكون قبلتهم ما امتلكوه من ثراء.

  فيا لتعاسة الانسان الذي يكون في الحياة ممن لا يهمه الوطن ولا شعبه، بل ما يهمه هو "متاع الغرور" فقط . فأي مصير يمكن ان يتوقعه هؤلاء عندما تدور الدوائر بعد حين؟ فهل سيستطيع السيد عمار الحكيم ان يلومن أحدا سوى نفسه؟ أليس هو من جنى على نفسه وعلى جوقته التي استخدمها من اجل مصالحه الشخصية وأعماهم عن اخرتهم وجلسوا معه في مجالس الملوك والاباطرة يحيطون برجل لم يكن قبل بضعة سنين، سوى أي عراقي لا يمتلك اكثر من قوته .

السيد عمار الحكيم كان لاهثا وراء سراب السلطة والجاه والمجد، لكنه نسي ان هذه القيم يجب ان لا يكون ثمنها عدم مخافة الخالق تعالى أولا، فليس لما تنبهر به الناس باق، ولا من امتلك الثراء بين عشية وضحاها، سيدوم له ذلك. ألم يقرأ سيدنا القران الكريم فيتعض من أقوام سادوا ثم بادوا كقارون وفرعون وغيرهم، كيف كانوا وكيف أصبحوا بعد أن "طغوا وأثروا الحياة الدنيا" ؟!

السيد عمار يقف اليوم ضد الاصلاحات، وهو موقف لن يغفره له شعبنا ولا لغيره. إذ ليس من بقية من  حياتنا العراقية ما لم يجربه شعبنا بعد، لكي، نسمح لانفسنا بالتسامح مع الذين لا يقفون مع هذه الثورة السلمية للنواب الشرفاء من اجل الاصلاحات، لكي نتسامح مع عمار الحكيم الذي يغرد خارج السرب، ويقف مع الكتل البعثية التي تحاول الوقوف ضد اعتصامات البرلمانيين الاخيار؟ أم اننا يا ترى، سذجا وبلهاء إذا ما زلنا نعتقد، ان في الوجود العراقي ما يزال هناك رمقا من سياسية لم يجربها شعبنا لكي نتسامح مع هؤلاء الذين يقفون ضد اعتصامات البرلمانيين، أو ان "ننتظر قليلا"، لنرى ما ستفعله معجزة ما من قرارات وطنية ستأخذ طريقها من تلقاء نفسها؟ فما بادر به هؤلاء النواب الشجعان الوطنيون، ومن قبلهم كانت مبادرة السيد مقتدى الصدر التي نالت اعجابنا وصفقنا لها " والتي لا نعتقدها كانت من اجل "اسقاط العملية السياسية" كما يعتقد البعض . ذلك لان السيد مقتدى الصدر التزم بعدم السماح للمعتصمين بالدخول الى المنطقة الخضراء، واعتصم وحده في داخلها .

أن رحلة السيد عمار الحكيم لملاقات السيد مسعود البرزاني لا تغني من الحق شيئا، وسيعود سيدنا فقط، "معبئا" بالكراهية لشعبنا ولحكومة العبادي لا غير. ولكن، بأعتقادنا، أن أي حكومة جديدة ستأتي باذن الله تعالى، فانها سوف لن تستطيع أن تصف نفسها بالاصلاحية وتحمل من معايير العدل واحترام شعبنا واعادة حقوقه، ما لم تسارع الى مسائلة السيد عمار الحكيم وغيره من خلال مبدأ (من اين لك هذا؟)...

حماك الله يا عراقنا السامق..

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم