صحيفة المثقف

بين السيستاني الجدّ والسيستاني الحفيد (1)

لم تشهد حوزة النجف الأشرف استقطاباً بين مراجعها وفقهائها أكثر من الاستقطاب الذي شهده الصراع بين المشروطة والمستبدّة مطلع القرن العشرين، وقد انعكس هذا الصراع على العلماء في مدينة قم ومشهد أيضاً، مخلّفاً مآسي دينيّة واجتماعيّة كبيرة جدّاً؛ ولعلّ أبسط تجليّاتها تلوح من خلال قراءة بعض الظرائف في تلك المرحلة؛ حيث يُنقل إن خطيباً معروفاً في مشهد يلقّب بطالب الحقّ كان يقول للناس: "من قال الّلهم ألعن الديمقراطيّة مئةً وسبعين مرّة، غفر الله له ذنوبه!!!"، [مشروطه كيلان، ص87].

وفي سياق هذا الصراع اصطفّ السيّد علي السيستاني الكبير [جدّ المرجع المعاصر] والمتوفّى سنة: (1922م)  إلى جانب الاستبداد، وتطرّف تطرفاً شديداً في مناهضة الدستور والنظام البرلماني والذي يُصطلح عليه بالمشروطة والحركة الدستوريّة، فكانت له فتوى مشهورة تقول: "المشروطة كفر، وطالبها كافر، ومهدور الدم والمال أيضاً"؛ وذلك لأنّه يرى إن تطبيق الشريعة لا يحتاج إلى جميع ذلك، وإن دعوات: كتابة الدستور،  والإحصاء السكّاني، ونظام التسعيرة، ومساواة الرجل بالمرأة، وكتابة آليّات وأنظمة لعمل الوزارت، هي مخالفة للشريعة، بل ذهب إلى أكثر من ذلك، واشترط في مرجع التقليد أن لا يكون مشروطيّاً!!! [المصدر السابق، ص88؛ مرجعيت در عرصه اجتماع وسياست ص31].

وبعد ما يقرب من مئة سنة، وفي ظروف ربّما تكون مشابهة بعض الشيء، اصطفّ حفيده السيّد علي السيستاني [المرجع المعاصر] إلى جانب الدستور، وأصرّ على كتابته رغم ممانعة بعض الأطراف من داخل النجف وخارجها حول توقيت ذلك وطريقته، ودعا إلى اجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة، بل هو من دعاة الدولة المدنيّة كما يقولون.

لكن يبقى للباحث أن يسأل بحياد: حينما يقرأ السيستاني الحفيد موقف جدّه الذي يكفّر الطرف الآخر من أبناء مذهبه وجلدته بهذه الطريقة الافراطيّة، ترى هل يموضع ذلك في إطار التكليف الشرعي الذي دعا جدّه لذلك، أم سيجعل من تجربة جدّه المريرة مبرّراً للانزواء عن ممارسة بعض النشاطات السياسيّة الضروريّة لكي لا يعطي مبرّراً لأحفاده في نقده؟! ثمّ ما هو ذنب أيتام آل محمد في مثل هذه الصراعات؟! (يُتبع).

 

ميثاق العسر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم