صحيفة المثقف

شمسهم - و- شمسنا!

tara ibrahimعند مشاهدتي لاحد التقارير التلفزيونية عن البلاد التي لا تصلها أشعة الشمس او التي زمن اضاءة الشمس فيها قصير جدا مثل الدول الاسكندنافية، استنتجت ان الناس يعانون من الكآبة وبالتالي هناك نسبة عالية من عمليات الانتحار الذي يقوم به سكانها. لذا فان هذه الدول حريصة على حل هذه المشكلات التي تحدث جراءها وتهتم بها من الناحية الطبية والنفسية والاجتماعية...

  فعلى سبيل المثال فإن الكثيرين من هؤلاء الذين يعانون من الكآبة، يراجعون اطباء النفس بصورة دائمة للحصول على المهدئات والمسكنات التي من شأنها تهدئتهم، بل والاطباء يقترحون حلولا غريبة عجيبة .. حيث تم صنع مصباح له تأثير أشعة الشمس على المنازل، ويضاء هذا المصباح في الاوقات التي تغيب فيها الشمس، لان هذا الوقت حرج جدا وهو الذي يسبب الكآبة لان الناس لايعرفون في اي ساعة ينامون لان الظلام يحل عليهم سريعا .

  وبما ان اشعة الشمس قليلة في اليوم وغيرمتوفرة كل الوقت فان هذه الشعوب تعاني من نقص في الكالسيوم وفيتامين  D، في بلد يكثر فيه أكل الأسماك، تتنافس المعامل والشركات لصنع زيوت كبد الحوت الذي يعتبر عنصرا اساسيا في التغذية كونه غني بالفيتامينات الواقية من نقص التغذية وهشاشة العظام .

ولكن هذه الحلول الطبية والنفسية قد لاتحل مشكلات الكآبة والقلق وتداعياتها، لذا فقد توصلت الحكومة أخيرا إلى ان كل هذه الحلول لافائدة منها ان لم تكن هنالك حلول اجتماعية، منها تقوية العلاقات ما بين الناس والحرص والمثابرة على اقامة فعاليات جماعية لتكوين علاقات ودية دافئة تدفئ القلب وتنشط الروح إيجابيا وبالتالي تبعد الافكارالسود، مثل فعاليات الكورال والرابطات المحلية التي تربط ابناء الحي الواحد من خلال القيام بالسفرات وتناول الطعام معا..الخ

وقتها طرحت هذا السؤال عن الشمس في بلادي : فماذا عنها ؟ فبدون الحاجة الى هذه الشمس، فالعلاقات الاجتماعية تصل الى قمتها ما بين العائلة الواحدة او العوائل الكبيرة بل وحتى العشيرة نفسها، وحرارة اللقاء ما بين الناس امر تتميز به هذه المجتمعات، في وقت شمسنا عطوفة وحنونة بل حتى تتمادى في حنانها لدرجة القسوة على الناس في بعض الاحيان لتصبح حارقة لا ترحم صغيرها او كبيرها...

هذه الشمس الكريمة المعطاء تأثيراتها النفسية ضعيفة لا تبالي بها مجتمعاتنا التي تعاني نوعا آخر من الكآبة، هذه الكآبة التي لايعيرها احد إهتماما خاصا، وهل لمجتمعاتنا المجال للشعوربالكآبة وقسوتها حيال ما يحدث فيها من فساد وحروب وتشرد وهجرة الى المجهول؟! . في الحقيقة ان الحصول على لقمة العيش اليوم أصبح أهم من الشعور بالمكتئبين، واطعام أفواه الاطفال الصغار هي أهم من الالتفات الى الحالة النفسية للفرد، بل من العار الذهاب الى طبيب نفسي في مجتمعاتنا التي ستلقب فاعلها بالمجنون، فالحكومات بممارساتها اللامسؤولة تغلق كل الابواب في وجه أفرادها للحصول على عيش كريم وحياة مسالمة.

مجتمعاتنا التي تعيش على قرني ثور ما ان يتحرك حتى يختل توازن الجميع، تهرب من شمسها بل هي لا تفكر أن تضع على   جسدها واقي الشمس تلافيا لضرباتها القوية، فالضربات التي تتعرض لها من قبل السياسيين الطارئين عليها أصبحت أكثروجعا من تأثيرضربات الشمس التي لاتودي بحياة الانسان إلا نادرا..اما مجتمعاتهم، فما ان يعم الدفىء فيها حتى ترتفع معنويات الناس ويضحون اكثر تفاؤلا وسرورا ويتمتعون بكل نسيج وشعاع شمس تعم الاجواء والارجاء.

 

د. تارا إبراهيم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم