صحيفة المثقف

حوار شامل مع وزير الدفاع في عهد صدام: سلطان هاشم أحمد (3)

soltan hashimكانت تلك مفاجأة مفرحة، فأصدرت أمراً بجمعهم في بناية نادي السليمانية العسكري، وتم أبلاغهم بقرار العفو، ثم منحت لكل منهم إجازة لمدة 10 أيام، على أن يتعهدوا بالعودة الى وحداتهم فور الانتهاء من الإجازة، وفعلاً عادوا جميعا ً دون أن يتخلف منهم أحد.

 

 علي السعدي: لقد تعدينا هنا تسلسل الأحداث، فما رأيك لو عدنا الى بدايتها، هل كان الجيش مستعداً للدخول في حرب كهذه؟ هل كنتم تتوقعون حصولها؟ وأنت شخصياً ماذا كنت تشغل يومها؟

سلطان هاشم: عام 1979- تسلمت آمرية الفوج الخامس مشاة جبلي، وبقيت فيه الى 1980، قبيل اندلاع المعارك، حدثت اشتباكات عنيفة في النقاط الممتدة من العمارة الى خانقين، شملت القصف المتبادل بالمدفعية، ثم أجريتْ مناورات مفتوحة للجيش العراقي على الحدود، لكن لم تكن هناك تهيئة نفسية مسبقة لإمكانية حصول الحرب، لذا جاءت مفاجئة.

كان سبب الحرب في البداية، عدم تنفيذ إيران لاتفاقية الجزائر، التي تنصّ على استعادة أراض عراقية لم تنسحب منها إيران طبقاً لبنود الإتفاقية المذكورة، ومنها (زين القوس) و(سيف سعد).

 

علي السعدي: ثمان سنوات من الحرب المتواصلة لابد انها شهدت الكثير من المعارك البارزة التي تركت صداها في نفسك أكثر من غيرها، فماهي تلك المعارك؟سواء من حيث عنفها وشدتها أو في نتائجها؟

سلطان هاشم: قبل أن أجيبك، سألخص المراحل التي مرت بها سنوات الحرب، في بداية الحرب التي ابتدأت فعلياً في أيلول 1980 كما هو معروف، كانت قواتنا في موقع الهجوم، وقد اخترقت الدفاعات الإيرانية ومن ثم توغلت في العمق الإيراني، لكن ومع نهاية العام المذكور وتحديداً 1981، جمع الإيرانيون قواتهم وبدأوا بشن هجوم مضاد، ورغم ان القوة الإيرانية اعتمدت بشكل رئيس على المتطوعين من (الحرس) الثوري، وهم قوات غير نظامية، الإ انهم كانوا مقاتلين يمتلكون روحاً معنوية عالية ربما بسبب عقيدتهم الدينية .

المرحلة الثانية بدأت مع معركة شرق البصرة في تموز 1982، كذلك معارك كَيلان غرب التابعة الى منطقة كرمنشاه، وهذه المرحلة جعلت الحرب تشهد نوعاً من التوازن، وصولاً حتى معركة الفاو التي احتلها الإيرانيون بخطة جيدة وحركة مباغتة استخدموا فيها المناورة حيث حشدوا با تجاه قوات الفيلق السادس في جبهة ميسان، ليموهوا على استهداف الفاو، ثم قاموا بمهاجمة أقصى الجنوب أي شبه جزيرة الفاو، وحين احتلوها، أقاموا فيها تحصينات قوية وأغرقوا طرق الوصول اليها بالمياه، لذا استمر احتلالها لمدة سنتين قبل التمكن من استرجاعها .

أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت مع معركة استرجاع الفاو، وكانت الفترة الزمنية الموضوعة لإنجازها، مقدرة بشهرين، رغم ان المعركة كانت معقدة جدا، لكن الخطة كانت محكمة كذلك وجرى تدريب القوات المشاركة في ميدان تم أعداده خصيصاً لهذه الغاية، بما فيه كيفية تجاوز الأرض الرخوة المحيطة بأرض الفاو، وبعد الإستعداد التام، بدأ تنفيذ الخطة في 16-17/4/1988، وبعد نجاحنا في استعادة الفاو، شنت قواتنا هجوماً كبيراً في الشمال لاسترجاع كافة الأراضي التي احتلتها القوالت الإيرانية، وصولاً إلى توقف الحرب وفيها استعدنا زمام المبادرة، أما أهم معارك التحرير في تلك المرحلة فهي:

1- الفاو

2- الشلامجة

3- مجنون

4- العمارة / زيدان

5- محور خانقين

6- محمد رسول الله

أما أكثر المعارك دموية، فكانت نهر جاسم والشلامجة، فلم تكن تلك معارك، بل مطحنة لم تشهد لها الحروب مثيلاً، تصور جيشان ضخمان يزجان بأعداد كبيرة من المقاتلين وتستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة في بضع كيلومترات مربعة .

 

 علي السعدي: طبعا هذه أحداث باتت معروفة، لكن مانود معرفته، أين سلطان هاشم في تلك المعارك؟مادوره فيها؟

سلطان هاشم: في العام 1983كنت قائد الفرقة الخامسة في البصرة، التي شاركت في (معركة الشيب) وهي من المعارك الكبيرة ذات النتائج الجيدة وقد استمرت حوالي شهر، كذلك معارك شرق البصرة في شباط 1984، بعدها أصبحت قائد فيلق، وقد تسلمت أكثر من فيلق منها الفيلق السادس والفيلق الأول، وفيه وقعت معركة الأنفال الأولى عام 1988م.

 

علي السعدي: ماهي الأنفال بالضبط؟ ولماذا أخذت كل تلك الشهرة؟ أعتقد أنك حكمتَ بالإعدام بسببها؟

سلطان هاشم: الأنفال منطقة تقع شمال شرق السليمانية وتحديداً بين السليمانية ودوكان، وكانت منطقة (موت) أي لايوجد فيها أية قرى أو تجمعات مدنية، فقد كان المدنيون قد هجروا قبل ذلك بسنوات أي 1979، لذا حينما حصلت المعركة كان البيشمركة هم من يتواجدون في تلك المنطقة، وكانوا متعاونين مع القوات الإيرانية .

 

علي السعدي: وهل أصدرت أمراً باستخدام الأسلحة الكيماوية ضدهم؟

سلطان هاشم: لم أصدر أمراً باستخدام أي سلاح غير تقليدي لأن السلاح الكيمياوي لم يكن بعهدتي ولا تحت أمرتي، كان بيد القيادة العليا والتصنيع العسكري حصراً .

كان الهدف هو إلحاق الهزيمة بالبيشمركة لتعاونهم مع القوات الإيرانية، لكن بالنسبة لاستخدام الكيمياوي لا أستطيع اثباته، كما لا أستطيع نفيه .

كنت أقود الفيلق السادس إضافة الى منطقة الأنفال المبينة أعلاه، وهي منطقة محدودة في الشمال، وكانت مهمتي تقتضي تحرير كل المناطق المحتلة من قبل إيران، من سدّ دربندخان جنوباً، الى قلعة دزة شمالا- تلك المعارك أطلق عليها (محمد رسول الله) وقد بدأت في شهر أيار 1988 واستمرت الى نهاية الحرب.

 

علي السعدي: ماذا عن حلبجة؟ ما الذي حصل هناك بالضبط؟

سلطان هاشم: أشير هنا أن برئت من موضوع حلبجة، فلم تكن في المنطقة التي تقع تحت أمرتي، كانت متمركزة هناك الفرقة 44 تحت قيادة (كامل ساجت عزيز) فتعرضت لهجوم من قبل البيشمركة والقوات الإيرانية، فسقطت بأيدي المهاجمين الذين توغلوا بعمق حوالي 30 كم، وهددوا بالوصول الى (سيد صادق) أما استخدام الكيمياوي في تلك المنطقة، فقد سمعته من خلال الإتصالات بين الكرد، ولم ابلغ رسمياً بذلك، كما لم أطلّع على أية وثيقة حول المصدر الكيمياوي والجهة التي أمرت باستخدامه.

 

علي السعدي: هل من علاقة خاصة ربطتك بالدائرة المقربة من صدام حسين؟ كولديه عدي وقصي، وحسين كامل حسن، وعلي حسن المجيد؟

سلطان هاشم: ليس هناك من علاقات خاصة أو معرفة مقربة ربطتني بأي منهم، ولم اجتمع معهم بشكل خاص، فقط كانت الإجتماعات معهم تتم بصفة رسمية ضمن إجتماعات اعتيادية .

 

علي السعدي: هم كانوا في الصف الأول والتقرب منهم لاشك له فوائده .

سلطان هاشم: كنت أعتقد وما أزال، إن العسكري دائماً ضحية السياسي، لكن الكلام في ذلك على المستوى الخاص، لابد إنه يشكل خطراً وقتذاك.

 

علي السعدي: مما هو متداول أن هناك الكثير من الدول ساعدتكم في حرب الثمان سنوات، هل كان هناك مستشارون عسكريون من دول أجنبية؟

سلطان هاشم: شخصياً لم أر أي خبراء أو مستشارين عرباً أو أجانب من أية دولة كانت، خاصة في جبهات القتال، أما دول الخليج، فكانت هي الممول الرئيس في الأموال لشراء الأسلحة والمعدات، وكان السلاح الذي بحوزتنا مصدره روسي فقط .

 

علي السعدي: هل من دور لعبته(مجاهدي خلق) في المعارك؟

سلطان هاشم: كنّا نبلّغ بتسهيل مهماتهم بالدخول الى العمق الإيراني، فكنا نفتح لهم ممرات في حقول الألغام ونتركهم يمرون، وحين ينفذون مهمتهم ويعودون جالبين أسرى أحياناً، نقوم بغلق الممرات مرة أخرى .

 

علي السعدي: ماذا عن الجيش الشعبي؟هل لعب دوراً في الحرب؟ ومن كان يقيم مفارز الإعدام للهاربين؟

سلطان هاشم: الجيش الشعبي لم يلعب دوراً بارزاً في المعارك، ولم يتم استخدامه بشكل فاعل، وكان معظمه من كبار السن، أما المفارز الخلفية لمطادرة الهاربين، فكانت تتشكل من الحزبيين، ولم يحدث ضمن قاطعي أن وقعت حالة إعدام واحدة بيد مفارز التفتيش .

 

 علي السعدي: بعد خوض كل هذه المعارك منذ بدء حياتك العسكرية، هل أصبت بجراح؟؟

سلطان هاشم: نعم أصبت خمس مرات (رفع قميص بيجامته ليريني شقاً طويلاً في الجانب الأيسرمن بطنه) إثنان منها بالرصاص، وذلك في معارك الشمال وكنت يومها آمر سرية، أما الثلاث الباقية فكانت بشظايا مدفعية على جبهة ميسان .

 

علي السعدي: كيف تصف طبيعة علاقتك مع صدام حسين؟ هل لك ذكريات خاصة معه؟ هل كان يستمع الى مقترحاتك وآرائك كقائد عسكري؟؟

سلطان هاشم: كانت علاقة رئيس بمرؤوس بطبيعة الحال، لكن حدث أكثر من مرّة أن ألتقيه بمفرده وبناء على استدعاء منه، كان إنطباعي عنه من الناحية العسكرية باعتباره قائداً أعلى، إنه يراقب ويتابع كل ما يحصل، ويستمع جيداً للإجابة عما يسأل عنه، لكن إذا أراد شيئاً فهو صاحب قرار لا نقاش فيه، أذكر إن هناك أمراً صدر بإخلاء لواء مدرع وإحالته الى المشاة، وفعلا تم تنفيذ الأمر، وحين اللقاء شرحت له أن تحويل لواء مدرع بكل ضباطه ومنتسبيه وبكل ما اكتسبه من خبرة وتدريب على سلاح الدروع، لا يخدم الجيش تحويله الى مشاة، وشرحت له الأسباب واقترحت أن يتم جمعه مجدداً واعادته كلواء مدرع، وفعلاً أخذ الرئيس بالمقترح وتم تحويل اللواء المذكور الى لواء 17 حرس جمهوري مدرع.

وفي مثال آخر على استماع صدام حسين للقادة: 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم