صحيفة المثقف

حوار شامل مع وزير الدفاع في عهد صدام: سلطان هاشم أحمد (6)

ali saediسلطان هاشم: لأعددها لك، أملك منزلاً في الموصل مازالت عائلتي تسكنه حتى اليوم، كذلك منزلاً في بغداد منطقة القادسية أستمر بناءه 8 سنوات قبل أن أتمكن من إتمامه، وقد سمعت إنه الآن يسكنه عبد الكريم العنزي، كما اشتريت قطعة أرض في الموصل وذلك بعد أن بعت عشرة دونمات حصلت عليها من وسامين نلتهما وهما من درجة (وسام الرافدين) وكان المتبع إن كل وسام من هذا النوع يمنح من يناله خمسة دونمات من الأرض، لذا بعت القطعتين معاً واشتريت بثمنهما قطعة أرض في الموصل كما ذكرت لك .

 

علي السعدي: هل هذا كل ماحصلت عليه من أوسمة؟

سلطان هاشم: بل حصلت على 28 نوطاً للشجاعة في مراحل مختلفة من حياتي العسكرية، لكن وسام الرافدين يعتبر ذو ميزة خاصة .

 

علي السعدي: كم كان راتبك حينما كنت وزيراً؟

 سلطان هاشم: الراتب الإسمي للوزير كان يبلغ (100) مائة ألف دينار، لكن المخصصات والمكافآت، تصل به الى حوالي مليونين وسبعمائة ألف دينار، وكان هذا راتبي الفعلي .

 

علي السعدي: ما رأيك أن ننتقل الى الوضع الحالي الذي يعيشه العراق، سؤال شخصي، هل تزورك عائلتك؟ هل تلتقي في السجن بالقادة المسجونين معك؟

سلطان هاشم: نعم تزورني زوجتي والبنات بين حين وآخر، أما القادة من السجناء، فنعم نرى بعضنا دائماً .

 

علي السعدي: كيف ترى سقوط الموصل بيد داعش؟ وهل لديك تصور معين حول خطة لتحريرها؟

سلطان هاشم: نعم أملك تصوراً يتلخص في مجموعة من النقاط التي أراها ضرورية، مما هو معروف إن حرب المدن هي الأصعب بالنسبة للجيوش النظامية، لذا حينما سقطت الموصل بيد داعش، كان اداء الجيش العراقي هناك سيئاً، لم يستعد لهذا الإحتمال وطريقة مواجهته .

أما اليوم، فينبغي إتباع الوسائل التالية:

1- قطع جميع طرق الإمداد وإغلاق الحدود نقاط العبور حتى لو تطلب الأمر تلغيم المعابر والجسور .

2- إيجاد نقاط تجمع آمنة لانطلاق القوات المكلفة بالتحرير، وأرى مخمور مناسبة على أن لايقتصر التجمع عليها فقط .

3- توزيع الواجبات بين الشرطة والجيش والحشد الشعبي

4- ضرورة أن تفصل معركة مركز المدينة عن معركة تحرير الأقضية .

5- إذا دخل الجيش من الشمال، فعلى الحشد أن يتقدم من الجنوب، ليقوم بعزل المناطق واحد تلو الأخرى وجعلها نقاطاً منعزلة بحيث لاتعطي العدو حرية الحركة .

 

علي السعدي: دعني أستفسر منك، ذكرت هنا دوراً للحشد الشعبي، هل ترى مشاركته ممكنة أو ضرورية؟

سلطان هاشم: أنا أتحدث هنا من الناحية العسكرية البحتة، ولا يعنيني جانبها السياسي، وفي التقييم العسكري، يعتبر الحشد الشعبي قوة أكتسبت مهارة ميدانية في القتال، صحيح أني أتحفظ على تدخل العقائد في العسكر أو ما كنا نسميه الجيش العقائدي، فذلك ما دمر الجيش، لكن الحشد الشعبي يتكون من مقاتلين متطوعين ومتحمسين للقتال، لذا من الضروري استخدامهم شرط عدم تركهم في المدن، أي يتم تكليفهم بمهام محددة ثم يجري سحبهم بمجرد إنجاز المهمة الموكلين بها، وهذه مسألة ضرورية أيضاً، فلكل حالة إيجابياتها وسلبياتها، فلنستفيد من إيجابيات الحشد ونتجنب سلبياته .

الجيش وأية قوات مسلحة، لم تخلق للتماس مع المدنيين، ولم تدرب على ذلك، صحيح إننا قاتلنا الكرد 30 عاماً وتعلمنا من التجربة، لكن جيشنا الحالي لم يتعلم منها في الموصل قبل سقوطها بيد داعش.

 

علي السعدي: يحكى عن تدخل قوات سعودية وخليجية في العراق، هل تراها تنجح في ذلك التدخل إن حصل؟

سلطان هاشم: لا أعتقد إن أية قوات تدخل العراق ستنجح، الإ إذا توفر لها غطاء جوي أمريكي، لكن حتى لو حققت نجاحات أولية، فلن تنجح لأنها ستتعرض الى خسائر كبيرة، لكني لا أتوقع تدخلاً سعودياً، فلايمكن القبول بأي جيش آخر بديلاً عن الجيش العراقي.

 

علي السعدي: وماذا عن داعش؟؟ماهو تقييمك لأدائها القتالي؟

سلطان هاشم: عصابات الإرهاب، هي نمط جديد وتحديات لم يعرفها الجيش العراقي من قبل ضمن هذه الأساليب الإرهابية التي يمارسونها، خاصة حينما كانوا يتحركون بسرية، لكن داعش ارتكب خطأ استراتيجياً قاتلاً جعل هزيمته حتمية، وهناك قاعدة عسكرية تقول (أخطاء السَوق، لا تعالجها اتجاهات التعبئة)

لقد اعتقد تنظيم داعش إنهم في موقع باتوا فيه أقوى من الجيش العراقي، لكن على الصعيد الاستراتيجي، لم يكن ذلك صحيحاً، فقد نظمت المعارك اللاحقة، وسجل الجيش نجاحات، والجندي العراقي صاحب نخوة ومرؤة، وهذه الصفات جعلته يكتسب احترام الناس، على أن لايطيل الإحتكاك معهم كما أسلفنا .

 

علي السعدي: ماهي المعارك التي تتوقع أن يخوضها العراق في المستقبل؟

سلطان هاشم: ذات يوم، ذهب ضباط عراقيون لحضور أحد المؤتمرات العسكرية في أمريكا، وكانت الندوات تابعة للحلف الأطلسي، ومما جاء في أحدى المداخلات سؤال للمندوب التركي مفاده (ماهي حصة تركيا من انهيار العراق؟) يمكننا معرفة انهم منذ ذاك الوقت يخططون لاحتلال مناطق من شمال العراق، لكن تركيا لديها نقاط ضعف كثيرة، وأهمها الأكراد في تركيا وهم يزيدون عن 18 مليوناً، لذا فهي ليست بلداً آمناً كما تتصور، كما انها لاتحب العرب ولا العرب يحبونها كذلك – خاصة العراقيين –

لكن رغم ذلك على العراق الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الجوار، فقد اجتمعت مع اليوغسلافي ميلوسيفيتش، فقال لي إن خطأه الأكبر كان بعدم عمله على كسب دول الجوار، فلا تقعوا أنتم العراقيين في هذا الخطأ .

 

علي السعدي: ماذا تتوقع لمستقبل العراق؟ هل سيطاله التقسيم كما نسمع من بعض الأصوات؟

سلطان هاشم: لست متشائماً من هذه الناحية، أراهن على أن وعي العراقيين كفيل بالحفاظ على وحدة بلدهم، وذلك ما يجعل العراق يستطيع تحدي أي قرار أو مخطط لتقسيمه .

 

علي السعدي: هل من دوريمكن أن تلعبه المرجعيات الدينية في هذا الصدد؟؟

سلطان هاشم: في العراق نموذج خاص للمرجعيات الدينية، فهي تتكلم بمباديء وقيم وتوجهات عامّة، وتترك للعراقيين حرية التصرف، وهذا موقف لايرضي الجميع، وهناك من لايحب هذه الصفات، تابعت الخطبة الأخيرة التي أعلنت فيها المرجعية عدم تدخلها في السياسة، وذلك موقف في محله .

 

علي السعدي: ماذا عن السعودية؟ هل ترى مصلحة لها في تقسيم العراق؟

سلطان هاشم: أرى العكس تماماً، فتقسيم العراق سينعكس بشكل سلبي على السعودية، إذ إن مجتمعها كذلك متنوع في مذاهبه بين شيعة وسنّة وزيدية، وإذا حدث تقسيم طائفي في العراق، فحتماً ستجد السعودية نفسها في المطب ذاته .

 

علي السعدي: وإيران؟ كيف يمكن للعراق إقامة علاقة متوازنة معها؟

سلطان هاشم: منذ كنت وزير الدفاع ربطتنا مع ايران علاقة تعامل رسمي وتبادل الإحترام والمصالح، وأذكر إن بعض الشخصيات الإيرانية زارتني للبحث في موضوع الأسرى والقتلى ومنهم قائد في الحرس الثوري أسمه على ما أذكر (ترابي حسن ترابي)، وأعتقد ان العراق تجاوز آثار حرب الثمان سنوات، ولا مصلحة له في معاداة دولة مثل إيران .

ملاحظة: في نهاية اللقاء، تركت الجنرال سلطان لدقائق يكتب انطباعاته عن اللقاء، وذهبت لاستئذان مدير السجن كي يسمح لنا بأخذ صور تذكارية مع ضيفي سلطان هاشم، فوافق المدير، وأعطى جهازه الشخصي (موبايل) الى أحد المنتسبين لالتقاط الصور، لكنه طلب أخذ موافقة الوزير أولاً قبل أن يرسلها لي لاحقا .

ما وجدته ورأيته، إن وزير الدفاع الأسبق، وأحد أبرز الشخصيات العسكرية التي عرفها الجيش العراقي، لم يتغير كثيراً، فما زال يحتفظ بالكثير من ايمانه بالعراق موحداً عزيزاً، وهو يتحدث كعراقي بذاكرة حاضرة، لم تأخذ منه الطائفية جانباً، كذلك كان واضحاً نزوعه العراقي على حساب الآيديلوجي القومي، لم يمدح رئيسه السابق، ولم يذمه كذلك، فقد طرح الوقائع بموضوعية، من دون حماسة، ومن دون انكساركذلك، لكن من المؤكد إن وضعه كسجين محكوم بالإعدام يؤلمه كثيراً، ليس خوفاً من تنفيذ الحكم، إذ يبدو إنه بات مطمئناً من عدم التنفيذ، لكنه يعتبر نفسه لم يرتكب ما يستحق محاكمته والحكم عليه، كان جندياً أدى واجبه بإخلاص، وما كان يجب أن يعاقب على ذلك، لكن قضيته جزء من مآس كثيرة شهدها العراق، وكان سلطان هاشم شاهداً عليها، وضحية لها كذلك .

 

سلطان هاشم احمد الطائي

28/2/2016

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم