صحيفة المثقف

هل رحل حقا مقداد رحيم؟

qusay askarالساعة العاشرة صباحا ورنة الهاتف ثم صوت السيدة الفاضلة زوجة الأكاديمي والشاعر الأديب الدكتور مقداد رحيم وهي تقول  توفي صديقك  بعدها مباشرة كلمة تعزية من البروفيسور الكبير فاروق مواسي  ابن فلسطين الاصيل وباقة الغربية  يعزي بوفاة الدكتور مقداد رحيم والحق صدمت للخبر، كنّا نتحدث كل ليلة تقريبا هو في بغداد وانا في نوتنغهام، قال لي انه سيسافر الى السويد حيث بيته هناك وعائلته ليجري عملية جراحية في ظهره  وجاء الى السويد ثم اجرى العملية وواصلنا الحديث كل ليلة تقريبا بعثت له بعضا من كتبي على عنوانه في السويد وكنت من قبل في البصرة طلبت من اهلي ان يبعثوا له على عنوان الدكتور صبحي ناصر حسين بعضا من كتبي ليوصلها له لكنه سافر الى السويد وكنت امل ان يرجع للعراق كي يواصل التدريس هناك فيستلم الكتب لكن المنية ابت الا ان تخطفه من أهله ومحبيه.

971-muqdadكانت أحاديثنا تدور حول الادب والاُدباء فمن جملة ما اذكره انه اخبرني عن علم الدكتور فاروق موسي  ومنزلته الادبية  وان أدباء فلسطين او ما نطلق عليهم عرب اسرائيل مازالوا محاصرين الى الان وان على الأفق العربي ان يستوعبهم كما استوعب من قبل محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد.

  ودار الحديث ايضا عن  قصيدة النثر قلت له البارحة اتصلت بالدكتور عبد الرضا علي فأخبرني ان احد كتاب قصيدة النثر (سميته للدكتور مقداد) يرسل للدكتور رضا كتبه وكلما يطبع كتابا يرسله له ويظل يسال هل وصل الكتاب  غرض ان يكتب عنه مع العلم ان الدكتور عبد الرضا يرى ان هناك أقلية فقط تجيد كتابة قصيدة النثر،وقد سمى لي هؤلاء القلة  وما ان ذكرت للدكتور مقداد ذلك الأديب حتى قال لي ان هذا الأديب ارسل لي  أولى مجموعاته الشعرية  قبل ان يطبعها  فصححتها له لانها كانت مليئة بالأغلاط بل قل هناك ماساة من الأغلاط  وضعف في تركيب الجمل وان الادب يمر الان بمأساة حقيقة يمكن ان نطلق عليها ماساة قصيدة النثر فمعظم هؤلاء لايجيدون اللغة  ويعرضون مخطوطاتهم على مصلحين قبل الطبع والادهى ان  المؤتمرات الشعرية تقبلهم مع شعراء التفعيلة والعمود ( الحر والعمود) والأجدى ان تكون لقصيدة النثر مؤتمراتها الخاصة  لا ضمن مهرجانات الشعر.

احاديث كثيرة  سأحاول ان اتذكر  بعضها او معظمها  لعل الذكرى تلهمنا الصبر

 

من مؤلفات الفقيد في مجال الدراسة

1. النوريات في الشعر الأندلسي- بيروت- 1986.

2. نظرية نشأة الموشحات الأندلسية بين العرب والمستشرقين- بغداد-1986.

3. الموشحات في بلاد الشام منذ نشأتها حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري- بيروت-1987.

4. عروض الموشحات الأندلسية-بغداد-1990.

5. أبحاث في الأدب الأندلسي- ليبيا- 1994.

6. مصادر التراث الأندلسي من كتاب كشف الظنون- أبو ظبي- 1999-

7. # اتجاهات نقد الشعر في الأندلس في عصر بني الأحمر- أبو ظبي- 2000..

 

مجموعاته الشعرية

1. الحب مرَّتين-بغداد-1975.

2. لا شيء سوى الحب- بغداد-1980.

3. عفواً أيها الساتر –بغداد-1988.

4. ليلة شهرزاد الأخيرة- القاهرة- 2003.

 

من شعر الدكتور مقداد رحيم

أضاعوني

 

أضاعوني فـتـىً يصطادُ صبوتهُ

على شريانِ باسقةٍ

ويلثمُ طلعَها قلباً

فما أنقى وما أطيبْ

يعلُّ الصبحَ ضِحْكاتٍ

وكركرةً تَـمدُّ جناحها

للعصرِ والمغربْ

يشيلُ من اللمى توتاً

وفي العينينِ يرسُمُ لونَ مَوسـمـِهِ

ويدخلُ جنةً في ظلِّ أعنابٍ

وأعذاقٍ

ومن رُطَبٍ شهيٍّ كانَ يـملأ جيـبَهُ

نـَهَماً

يهزُّ الجذعَ تسقطُ تـمرةٌ

ويهزُّ..تسقطُ تمرةٌ أخرى

غنيٌّ بالذي يجني..

ويصنعُ مركَباً ألواحُهُ سَعَفٌ

ويفرحُ إذْ يسيرُ النهرُ بالمركَبْ

أضاعوني فتى الأحلامِ

والآمالِ

والأصحابِ

والـملعبْ

فتىً لا يرتوي عشقاً

ولا الأيامُ من أحلامِهِ تـتعبْ

فتىً يشتاقُ للأنهارِ دانـيةً

تلوِّنُ يومَهُ بالأخضرِ الهادي

صفاءً

أو بهاءً

كلما ألفَى خريرَ الـماءِ

غابَ عن الورى

ورأى لهُ وجهينِ

في موج الضحى الأشيبْ

وللأطيارِ هزتْ من معاطفِهِ

صفاءَ النفسِ

حيثُ اللحنُ مسحوراً

يدسُّ جنونهُ في كلِّ حانيةٍ

يضجُّ بـهِ الهوى الأرحبْ

أضاعونـي فتى الفتيانِ

يحلمُ بالـمحبّةِ والهوى وطناً

على أنخابِهِ يشربْ

فتىً يـَمشي على أطرافِ أنـملةٍ

ويخفضُ صوتهُ

ويعانقُ الأفلاكَ في سمَرٍ

وقد يغفو على كوكبْ

فتىً تحلو لهُ الدنيا

حديثَ اللهِ ترغيـباً

بِـخُلدٍ شافَ مطلعَها

على أطرافِ بابلَ

ثمَّ لم يعجبْ

أضاعوني

فتىً كتبَ الهوى شِعراً

وغنَّـى راقصَ الخفقاتِ

للأعشاشِ

والأعذاقِ

والربواتِ

والأطيارِ

والأسحارِ

حالمةً

وغنَّى كلَّ ساقيةٍ

وقد أطربْ

أضاعوني

فتىً آمالُهُ أفـقٌ

عريضُ الصبحِ

منبلجاً

فغصَّ بـهِ نهاراً كوكبُ الشِّعْـرَى

وأعشتْ شمسَـهُ النـزواتُ

والغزواتُ

والهفواتُ

والسقطاتُ

يحملُ وزرَها

ولغيرهِ التدبـيرُ والمكسبْ

فتىً ما أجملَ الدنيا إذا ابتسمتْ

فتاةُ الحيِّ في دَعةٍ

ونامَ العاشقُ الولهانُ

محمولاً على وعدٍ

تَديفُ سريرَهُ الآمالُ

كاذبةً

يُصدِّقُها العواذلُ

وهو يجني جورَ مَن يعتبْ

فتىً ما سرَّهُ وطنٌ

يسلُّ السيفَ مجنوناً

ويفخرُ بالدماءِ تسيلُ..

بالأرواحِ تُـزهقُ..

بالـمُنى تُـنهَبْ

أضاعوني فتىً للسلمِ يجنحُ

والهوى الشرقيِّ

لا أحلى ولا أعذبْ

فأيَّ فتى أضاعوا

أيَّ مَبخرةٍ أهالوا

أيُّ نبعٍ غاضَ،

أيُّ كنانةٍ تُـثقَبْ

.....

أضاعوني فتىً تغفو طفولتهُ

على أكتافِ دجلةَ

حيثُ يلهو الماءُ بين رصافةٍ والكرخِ

طفلاً ضجَّ بالأحبابِ

لا ينأى ولا يصخبْ

ويفزعُ من مراكبهِ

إذا الأمواج حنَّ لبعضها بعضٌ

وغنَّتْ أجملَ الألحانِ موّالاً

عراقياً يشيلُ غلالةَ الكربِ الطويلِ

ويا لهُ مِن كَربْ

وعينٌ للفتى حفظتْ

خيالاً باهرَ الألوانِ  والأصواتِ

والحركاتِ

مِن جسرٍ إلى جسرٍ

ومن بَلَمٍ إلى بَلَمٍ

ومن رَكْبٍ إلى مركبْ

وبينَ رموشهِ علقتْ

عيونٌ للمها

تقتصُّ من كيدِ الوشاةِ

ومن ظلامِ الليلِ

فاتنةً بلا سحرٍ

وقاتلةً بلا قَـتلٍ

وجانيةً ولمْ تُذنِبْ

 

يلمُّ الرملَ مبهوراً برائحة الهوى المقصورِ

ليتَ هواهُ مَـمدودٌ

وينهل من أحبتهِ الذي يدري

ولا يدري

ولكنَّ الهوى المقصورَ مقصورٌ على الـمَسْلَبْ

فتىً بالكرخِ مطلعُهُ

له الشوقُ القديمُ هناكَ

لا يسلوهُ

لا يسلوهُ

أينَ الكرخُ

أينَ رصافةٌ

والدجلةُ الأعذبْ؟

................

غوتنبورغ في 23-9-2005.

 

ما أشبه اليوم بالبارحة!

رحم الله الفقيد الكبير الشاعر الباحث الأكاديمي الدكتور مقداد رحيم والعزاء للسيدة زوجته وكريمتيه وانا لله وانا اليه راجعون.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم