صحيفة المثقف

وداعا أيها الطائر الجنوبي الجريح كمال سبتي

بعيداً عن ثرثرة السياسة التي لم نجني منها سوى صداع الرأس، وضياع الوطن، وضياع الأنسان، قريباً من عالم الشعر والأدب ولغة الأنسان المعطرة بعطر الأنسانية، دعونا نستذكر بألم الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر السومري كمال سبتي، ذلك الأنسان الشاعر الذي غيبته الغربة، ولكن صوته بقى يُحمل مشعل الأنسان والأنسانية في زمن يُقتل فيه الأنسان بسلاح الأنسان، ويذبح الوطن بشعارات الوطن . . .!

بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الأنسان كمال سبتي، أود ان اعيد نشر النص الرثائي الذي كتبته عام 2005.

                           *               *              *             

 

هكذا هي الكلمات تقف عاجزة في رثائك .. ماذا تقول فيك وكيف ترثيك؟!!

عذراَ فالكلمات ما عادت تليق برثاء الفرسان، ومثلها تخرس الشفاه خجلاً وتتلاشى من قاموس الذاكرة كل المفردات، فيتشظى القلب في لواعجه لوعة وحنين كأنه بركان تناثرت من اعماقه آلاف الأموات.

ها نحن مثلك مقيدون بالأوجاع والآهات،  وها هو رماد العمر المتبقي ينبش فينا كل الذكريات،  فماذا يغني المغني وقد ملأ الدمع كل الدواة . . .

رحيلك كان بداية لنهاية ... رحيل مهاجر لم يذق في حياته إلا طعم السفر وكأساَ من الآلام.

لم ينم على وسادة إلا وكان العراق جرحاَ يرديه ثملاَ بالأحزان . . .

لم تغفو في عينيه إلا فراشات الأهل والأصدقاء، لم يتناول شيئاَ من الطعام إلا وجوع العراق يقطع اوصاله بسكاكين الحسرة. . .

لم يتأمل لوحة إلا وكان العراق مشهده الأول . . .

لم يكتب شيئاَ إلا وكان الوطن قصديته الكبرى الحبلى بالآهات والزفرات ودمعه الساخن الذي طالما انشد له عصارة فكره وتوجهُ في كل المحافل.

 

رحيلك يا كمال ... رحيل مهاجر بكتهُ مدن الغربة قبل أن تبكيه مدن العراق،  وتحسست عذاباته وهواجسه وأمنياته محطات المنفى قبل محطات الوطن الجريح.

رحيلك يا كمال ... يُذّكرنا جميعاَ بيوم سفرك المفاجيء الى بلاد المنفى،  دون وداع ولا أستئذان ولا حتى قبلة على الخد ... انه رحيل النوارس الى شواطيء أخرى، الى مدن أخرى، الى قارة أخرى بحثا عن مسطحات من المياه الصافية والهادئه، بعيداً عن عبث الصيادين. ..

رحيلك يا كمال ... بداية انكسار،  فكم كنا نحلمُ ان تعود الى شواطيء الوطن، الى سومرية الجنوب، الى مدينة صباك وعشقك الاول (الناصرية) لتعانق اوتار قصائدك الحان هواها وتستفيء بعطر ظفائرها،  ولكن ابت السماء أن لا تتم حلمنا إلا بأنكسار وتشظي ونزيف وبكاء. . .

هكذا ياكمال زحفت جيوش القدر لتسرقك وأنت في المنفى فلم تجدي نفعاً جيوش قصائدك ولم تصمد ابداً بوجه جيوش القدر . . .

هاهي طيور روحك المتعبة تهاجر معك لستريح من دورانها ومن رحلة العذاب في فضاء الغربة بعدما انهكها السفر وهي تبحث عن أيكة تستفيء بها.

وها هي قصائدك واوراقك وكتبك وملفاتك الشخصية تقيم لك حفلا تأبينياَ وتدعو بهذه المناسبة كل عشاق الكلمة الصادقة وكل المغتربين في بلاد المنفى المشاركة في التأبين.

وداعا وداعا أيها الطائر الجنوبي الجريح . . .

 

أحمد الشحماني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم