صحيفة المثقف

الحصول على ثقة الجمهور هي أساس الصحافة الجديرة باسمها

eljya ayshالإعلام الجزائري بين "الاحترافية" وقدسية "العمل الصحفي"

(قراءة في تصريحات وزير الاتصال )

ما يُشاع عن مفهوم "الاحترافية" أنه يعني التمرس على العمل الصحفي وبأساليبه وفنونه، ويعرفه آخرون بأن يكون الصحفي محايدا أي أنه ينقل الرأي والرأي الآخر، بمعنى آخر أنه يقف على تصريحات الطرف والطرف الآخر، في علاج مادته الإعلامية ولا ينحاز لطرف دون آخر، مثلما تقوم بعض الصحف، وإن كان هذا هو المفهوم الموضوعي  للاحترافية، فالبعض يرون إلى مسألة الاحترافية من جانب ضيّق، وهو أن الصحفي المحترف هو الذي يغطي الصفحات الوطنية أو الدولية، ويكتب في السياسة، وذلك الذي يحلل الواقع السياسي في كلمات..، أو يعلق على حدث سياسي هام، ماعدا ذلك فهو خارج أطر الاحترافية، ولو أن الوقت لا يتسع لتشخيص هذه المسائل ووضعها تحت "المجهر"، وحصره البعض الآخر في الخروج إلى الميدان، وهم يرددون مقولة: " الميدان يا حميدان" وهي إشارة واضحة للذين يقبعون في مكاتب مكيفة، ويحصلون على المعلومة بالهاتف، أو عن طريق البيانات التي ترسلها الجهات الحكومية أو الناشطة في الميدان مثل بيانات الأحزاب السياسية والنقابية وكذا الجمعيات وغير ذلك، وإذا كان مفهوم الإعلام بحد ذاته الآن في عملية تحول جذرية كما يقول الخبراء بسبب التدفق الحر للمعلومات وبمختلف اللغات عبر مواقع الإنترنت،  فقد تحول هذا التطور إلى حرب إعلامية، والحرب كما يقول الخبراء ليست فعل سياسي أو فعل عسكري، بل فعل إعلامي أيضا، ولهذا فهم يرون أن قوة أيّ دولة تكمن في إعلام قويّ، يصنع الرّأيُ العام ويؤثر فيه، من أجل تحقيق أهداف سياسية بالدرجة الأولى.

ففي ظل التطور التكنولوجي الذي سمح بفتح القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، مكنت التكنولوجية من تقريب الصحفي من الأحداث التي تقع خارج إقليم بلده، كما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها على الشبكة العنكبوتية دورا مهما جدا في إيصال المعلومة للصحفي، وحتى للقارئ، مما شجع على الإقبال عليها وسجل تراجع  في الإقبال على الجريدة الورقية، وهو ما يؤكد على التطور الحضاري الإعلامي الذي يشهده العالم،  أصبح العالم فيه عبارة عن قرية صغيرة، وأصبح كل مجال له جمهوره الإعلامي الخاص، هذا الجمهور الذي فرض وجوده كرأي عام، من الصعب على أي مسؤول في قطاع من القطاعات وخاصة قطاع الصحافة بكل تخصصاته  ( المكتوب والسمعي البصري) أن يقنع الرأي العام بما يجري وماهي الإستراتيجيات الإعلامية التي تتخذها الوزارة لمواكبة التطور الإعلامي وجعل قطاع الإعلام، وفي الجزائر خاصة الرائد، والتعامل مع هذه الإستراتيجيات بإيجابية وفعالية وموضوعية كذلك، مع تجريد كل ما له ارتباط بـ: ( الجهوية والمحسوبية والعروشية)، وهي المشكلات التي أصبح يعاني منها الصحفيون في قطاع الإعلام على غرار القطاعات الأخرى، ولعل هذه الظاهرة كانت دافعا قويا لتفشي ظاهرة "التجوال الإعلامي" في الجزائر..

لطالما تحدث وزير الاتصال الجزائري حميد قرين عن مسالة "الاحترافية" وقال في كثير من تصريحاته أن الاحترافية في الصحافة هي خارطة الطريق التي سيعتمدها في مسيرته المهنية باعتباره المسؤول الأول على قطاع الإعلام في الجزائر، ومنذ توليه هذا المنصب في 2014 وهو يتحدث عن هذه النقطة بالذات، التي كما قال هو تحتاج إلى وسائل  قانونية لضبطها، تتمثل أساسا في إنشاء سلطة الضبط لكلا المجالين (السمعي البصري والمكتوب) وكذلك مجلس أخلاقية المهنة، وهي مساعي تبنتها الوزارة لإصلاح المنظومة الإعلامية  ونشر ثقافة الوعي الإعلامي، ثم كرر تصريحه مؤكدا حرص دائرته الوزارية على تكريس احترافية الصحافة الجزائرية، وتفعيل الدورات التكوينية للصحافيين، والملاحظ أن هذه الدورات التكوينية التي تنظمها المؤسسات الإعلامية اقتصرت على فئات معينة، دون إشراك العاملين في القطاع، ونركز هنا على المراسلين الصحافيين، لولا بعض الجمعيات التي عملت على تعميم هذه الدورات وسمحت لـ: " المُهَمَّشين" من المشاركة فيها واكتساب خبرات جديدة،  لاسيما ووزير الاتصال أكد في كذا مرة ان الدورات التكوينية وحدها الكفيلة بأن توصل مستوى الصحفي إلى الاحترافية، قد يقول قائل أن الصحفي مطالب بأن يفرض وجوده في الساحة الإعلامية، وهذا يجرّ طبعا إلى الحديث عن "الاحتكار الإعلامي"، لأن بعض المسؤولين في قطاع الصحافة احتكروا لأنفسهم حق مزاولة المهنة، وطبقوا مقولة "نابليون بونابارت": ( يجب على الحاكم أن يجعل الصحافة في خدمته)، لحد أن أحد خصومه قال: (إن بونابارت قد سحق الصحافة تحت كعب حذائه)، وهو ما نراه اليوم من ممارسات طغت عليها الجهوية والمحسوبية، التي خنقت الأصوات، ودون الحديث عن قلة الراتب الشهري الذي أجبر بعض الصحافيين في القطاع الخاص على التجوال الإعلامي والتنقل من جريدة إلى أخرى، وربما نجد أنفسنا مجبرين على الوقوف على تصريح الوزير، بأن مدير مؤسسة ما قال أن ما يمنحه للصحفي (فلان) هو عبارة عن "صدقة"،  وهنا يجدر بنا أن نطرح السؤال التالي: " هل تحولت هذه المؤسسة الإعلامية إلى صندوق زكاة؟"، ومن جهة أخرى قد يكون لهذا الأخير ردة فعل، ولكن ماذا يفعل الصحفي إذا كان "خصمه هو القاضي"، نتحدث هنا عن الصحافة الملتزمة أو المتحزبة إن صح القول التي هي ناطق رسمي لحزب من الأحزاب، ويكون ذلك الصحفي مناضل في ذلك الحزب، ولو أن الحديث عن الصحافة المتحزب حديث ذو شجون، فالعملية  لا تخرج عن حدود التهميش المُتَعَمّد والمقصود، أو هي محاولة لـ: "تقزيم" ذلك الصحفي، لأسباب سياسية طبعا.

 كما كان وزير الاتصال حميد قرين في تصريحات سابقة وأن أكد أنه كوزير لا يمكنه أن يميز بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، وأبرز أهمية اعتماد الاحترافية والجدّيّة والمصداقية في العمل الصحفي وتحسين أدائه،  غير ان هذا التصريح يعكس ما نراه اليوم، بحيث أكد في لقاءات سابقة أنه لا يمكنه التدخل في شؤون القطاع الخاص، خاصة فيما تعلق بمنح الصحفي عقد عمل أو شهادة عمل، أو مطالبته في تسوية وضعيته الاجتماعية، إذا قلنا أن الوزارة هي المخولة بمنح الاعتماد لكل من يريد تأسيس جريدة سواء كانت وطنية أو محلية وفق "دفتر شروط" تضمن حقوق الصحفي، يبقى في كل هذا وذاك على الصحفي أن يثبت قدراته واحترافيته للمهنة الإعلامية، وهو في هذه الحالة مطالب  بالعمل على أخلقة العمل الصحفي، وأداء مهمته بمصداقية وأن يؤمن بأن واجبه هو خدمة الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم