صحيفة المثقف

قراءة في مجموعة: صخب الروح للقاص عامر هشام الصفّار

hamid irgadaأصدر القاص العراقي عامر هشام الصفّار مجموعته القصصية الرابعة المعنونة ب "صخب الروح" في شهر آذار/ مارس الماضي. هنا قراءة في المجموعة بقلم الناقد والقاص المغربي حميد ركاطة.

لعل أول ما يثير قارئ هذه المجموعة هو بصمتها الخاصة، الشديدة الأرتباط بوطن مستحضر بقوة، لا تزال صوره عالقة بذاكرة السارد، رغم أستقراره الطويل ببلد المهجر. فالشوق ما فتئ يحرّك بداخله الحنين لسفر لذيذ نحو أزمنة ولّت، بالمقارنة مع التحولات العاصفة  للمنطقة في ظل حاضر مشوب بعدم الاستقرار السياسي، والعنف الطائفي، وتكالب الدول الغربية على  أستغلال ثرواته، ووأد احلام أهاليه الجميلة، وتدمير معالمه الثقافية، والأنسانية االعريقة.

نصوص القاص الصفّار أنما ترصد بالتوازي واقع وأحوال شخوص ببلد الأغتراب سواء من حيث نمط العيش، والتفكير، والذوق، والذائقة الفنية، ودرجة الوجع الانساني من خلال سرد قصصي أشد أرتباطا بمجال أشتغال السارد كطبيب نطاسي، يعمل على زرع الأمل في النفوس، والبسمة على محيا مرضاه. وهو هذا الرصد الذي جاءت به نصوص المجموعة "صخب الروح" ضمن يوميات مفعمة بالغرابة، والحزن، والألم . وهي الآلام التي لا تقل فظاعة عن معاناة الملايين من الأشخاص في المدن العراقية المنكوبة بسبب الحرب، مما جعلها قاسما مشتركا يجد العديد من تقاطعاته في الإحساس بالقهر والحزن، والجنون . كما ورد في القصص حول السيد سميث، وأندروز العجوز، وجنيفر، وأغلبهم تابعوا علاجاتهم بعيادة، أو مستشفى يشتغل بها  السارد.

وسيعمل الكاتب على توسيع دائرة نصوصه وبنائها لتتحول بشكل موازي ترصد تقابليا واقعين مختلفين بشكل دقيق وسلس . كأستحضار العديد من الرموز التاريخية والأدبية ، المجالية بالعراق ، من قبيل :حسين مردان ، والجواهري ، والسياب . وكذلك رموزا مجالية كنهري دجلة والفرات .

فالوطن يظل مستحضرا في أذهان العراقيين المغتربين، وثقافته حاضرة في سلوكهم اليومي من عادات وتقاليد، وثقافة. وقد لمسنا ذلك من خلال ثقافة الطبخ ، كتهييئ " كليجة العيد "  التي تفعل فعلها  الساحر في إعادة الزمن إلى الوراء، وتنشر الفرح الطفولي بين الحنايا في مسقط الرأس بالأعظمية، وهيبة خاتون حيث مدينة الألعاب. كما يضحى مكون المكان بارزا على أكثر من صعيد " شارع الرشيد ، الكرخ ، الرصافة، السليمانية، بوابة عشتار، اليرموك، ساحة عباس بن فرناس، أسواق الشورجة، سوق الشيوخ بالناصرية. في مقابل أماكن أخرى ببلد الأقامة في بريطانيا من قبيل " لستر، لندن، نيوبورت، بريستول، سوندن، باث، شارع أكسفورد، شارع الملكة، قصر كارديف، المتحف الرئيس، المركز العالمي للثقافة، القنال الانكليزي المعلق".  بالأضافة إلى أماكن أخرى بالخليج، مدينة دبي تحديدا. من قبيل : "فضاء الممشى، وسط المدينة، البرج السكني الكبير، بحيرات جميرا، مرسى دبي، مترو الانفاق، سوق الذهب القديم .

كما تكشف مجموعة "صخب الروح"، كذلك عن نمط عيش الأقليات العرقية ببلد المهجر، وحفاظها على خصوصيتها المحلية بخلقها لشروط حياتية مماثلة بموطنها الأصلي كالأتراك والليبيين، سواء من حيث الموسيقى، والطبخ، والفضاءات الحميمية كالمطاعم والمقاهي.

اعتمد الكاتب العراقي عامر هشام الصفارعلى توظيف تقنيات متعددة فبناء نصوص المجموعة أرتكز فيه على الاسترجاع، والفلاش باك، والصورة الفتوغرافية، وعلى الخبر، والنادرة، والطرفة.. ضمن بناء مفارق وساخر، اعتماداً على الأنسنة والتقابل الضدي، والبناء المتوازي، والميتاسرد، لبعث رسائل عديدة، مثيرة ودالة.

تضم المجموعة قصصا قصيرة، وقصصا قصيرة جدا، كشفت عن عيوب المنظومات الاخلاقية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية، وأبرزت وعيا كبيرا بتقتيات الكتابة القصصية ومرتكزاتها الخاصة بكل جنس أدبي. فمجموعة" صخب  الروح" يمكن الأقرار بشكل صريح جدا أنها  علامة فارقة في مسار  الكاتب عامر هشام الصفار، وإعلانا عن نقطة تحول كبيرة على مستوى  الكتابة الإبداعية بمحاورتها لأكثر من نص، وبغوصها العميق في نفسية شخوصها. كاشفة عن النظرة إلى الذات وإلى الآخر، وعن صورة الغرب المغرضة تجاه العراق ومبدعيه، وكذلك نظرة العراقيين أنفسهم إلى واقع بلادهم التي تحولت لبستان تنتهك حرمته. فالأشارات التي حملتها النصوص القصصية عن مسّني بريطانيا ومعاناتهم لم تكن بأكثر ضراوة  من محن المنكوبين في المدن العراقية بسبب الحرب، وبسبب الواقع السياسي الراهن بما نقلته من سخرية من المشهد السياسي. 

ومع ذلك يبقى الأمل حاضرا ومعقودا على الاجيال القادمة، وعلى بغداد نفسها كرمز لديمومة الوطن.

 

حميد ركاطة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم