صحيفة المثقف

الرّافضة

eljya ayshقد يتعرض هذا العنوان إلى التأويل والتمييع ويرحل بمخيلة القارئ إلى الحرب الطائفية القائمة بين الشعوب العربية وبالخصوص في سوريا والعراق وفي لبنان وإيران ومصر وحتى في الجزائر، ومصطلح الرافضة يعني الرفض وعدم القَبُول بالشيء، أو بالفكرة أو بالموقف، أو حتى بفتوى من الفتاوى التي ذهب أصحابها إلى حد تكفير المسلم وتحريم ما لم يحرمه الشرع،  وقد يذهب البعض بالقول ان هذا المفهوم يضرب بجذوره البعيدة إلى الصراع المذهبي وألحقه من تمويه من قبل المتشددين.. والتكفيريين.. والسلفيين والوهابيين، وكل المسميات التي تنتهي بـ: الإين ine، الرافضة هي صورة لامرأة متمردة أعلنت رفضها لكل ما هو مشوّه في مجتمع يرى المادة هي القانون الذي يحكم البشر، امرأة أعلنت حربها على القيم المُزيّفة، والتديّن المغشوش، امرأة نظرت في المرآة بحثا عن بقايا جروح تركها أشباه هؤلاء البشريين (إين  ine) الذين  لا يملكون أبسط الأسس والمعايير الإنسانية لاستقطاب الآخر وضمه في صفهم، لسان حالهم "من معي فهو قديس، ومن ضدي فهو إبليس"..

والرافضة هي انتفاضة الإنسان المُهَمَّشِ، المُفَقَّرِ، المُغيَّبِ لا الغائب، المُكَبَّل بالقيود لا الحُرِّ الطّليقِ، هي انتفاضة الإنسان المهزوم لا المنتصر، وغيرها من النعوت.. والرافضون هم معارضون، متمردون على القانون، وعلى الواقع وعلى المجتمع، ولكلّ واحد مِنَّا له تفسيره الخاص لمفهوم الرفض  حسب رؤيته الخاصة لهذا المصطلح الذي أثار اهتمام اللغويين وأهل العلم  وأصحاب المذاهب وحتى   الفلاسفة ومنهم غاستون باشلار وابن عربي وابن رشد، وأصحاب الفكر العقلاني الذين حرصوا طيلة حياتهم  على أن يمتلكوا ذهنا وفكرًا حرًّا لا تقيده القوانين ولا العادات..، والرافضة هي تعبير عن عدم قبول كل أشكال العنف الفكري، الديني، المذهبي، والرافضة تطبق شعار: "أنا حر دعني أمرّ"، أنا حر في أن أرحل إلى حيث يقودني فكري، أن أتبنى ما يراه عقلي صائبا.

"الرافضة" هي امرأة أعلنت تمردها وقالت: إني أكفر بتعصبكم أيها المتعصبون، لي نوري الذي أستبصر به هو دليلي وقدوتي، ولا يعيقني أيّ عائق من رغبة أو مطمع أو هوى، هو نوري الذي يجعلني سيدة حقيقية في قراراتي واختياراتي.. والرافضة هي إعلان "ثورة" على الظلم، وثورة على الشر والباطل لنصرة الإنسانية، والروافض في العالم كثر، فهم كتاب وفلاسفة وعلماء وهم شعراء، وقصاصين روائيين ودعاة ومحدثين، قضيتهم واحدة وحلمهم واحد، وغايتهم واحدة وهي استعادة ماض ومجد أمتهم العريق، والرافضون عبر التاريخ متواجدون في كل ثورة مقاومة، وما المعارك الدائرة في دار الإسلام دليل على وجود خلل في النظم السياسية الاقتصادية والاجتماعية وخلل في النظم الفكرية.

وموضوع الرفض عند علماء النفس يحوم حوله غموض علمي باعتباره يتزامن والظروف الاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلدان العربية، ويعرفه علماء النفس على انه صراع بين الموجود والمنشود، وهو متعدد المشارب، كما يعرفه البعض بأنه حركة بعد سكون، يكون صاحبها في حالة هيجان، فيعلن ثورته وتمرده، ولكلّ منّا يقابل في حياته مواقف تستوجب عليه أن يعلن رفضه بعض الأمور، وهو تعبير عن غضب داخلي أو عدم استحقاق، حدث معي موقف جعلني أقف جامدة، وأنا أتفقد الصالون الوطني للكتاب نظم مؤخرا بجامعة منتوري قسنطينة، كنت كعادتي التقط صُوَرًا، إلى أن اقتربت من  جناح للكتب كان يشرف عليه جماعة من الملتحين يرتدون قميصا، لا أعرف ما هو الاسم الذي يناسبهم (سلفيين، إخوان، وهابيين.. لست أدري..) قد نطلق عليهم اسم "خوانجية"، اقترب مني أحدهم وقال لي احذفي الصورة، وقدمت له نفسي، ولكنه ركب دماغه وأصر على أن أحذف الصورة، وجاء الثاني وبابتسامة قال لي: الصورة خرجت شابّة؟ قلت له نعم..، ثم جاء الثالث، كان هذا الأخير متحامل عليّ ووقف في صف زميله، وقال لي ممنوع أخذ صور"، وحاول أن يدخلني في نقاش حول مسائل تتعلق بالحلال والحرام، وكأنه أراد أن يقول بتحريم التصوير..، والحقيقة ان الثلاث متناقضون، ولم يقفوا على مبدأ واحد، ما يمكن قوله هو أن الرفض ليس مشكلة خارجة عن الإنسان، وإنما هو مشكلة داخلية، وألم الرفض رهيب، والإنسان هو الذي يصنعه، لأنه يجر الآخر إلى القيام بتصرفات وأعمال سلبية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم