صحيفة المثقف

أمريكا وأوروبا نجحتا تحت لواء جامعة الدول العربية في تفكيك النظام العربي

eljya ayshبناء "السّلم" وتقوية "الجيش" وتطوير "تقنيات الاتصال" أولى التّحديّات التي تواجه الجزائر

إن إقامة السلطة في معظمها قد تتم نتيجة العنف والحرب الأهلية والانقلابات والفتن والثورات والمؤامرات، والجزائر لها تجربة نضالية طويلة من عمر كفاحها ضد الاستعمار إلى مكافحتها الإرهاب في العشرية السوداء، ورغم أنها تتعرض يوميا إلى "بروباغاندا" خارجية وينتظرها مهام عصيبة لمواجهة التحديات، فهي بنجاحها الأمني قادرة على أن تكون مؤهلة لقيادة الجزء الأساسي من العالم العربي الذي تغرق دوله في الحروب والثورات، وجعلت منها دولا معزولة، لأن وظيفة الدولة هي كبح جماح العنف سواء في الداخل أو الخارج، ويتحتم عليها في ظروف معينة مجابهة العراقيل التي تهدف بعض الدول إلى خلقها كهدف للحرب، ولذا فهي مطالبة بتكريس مبدأ " السلم والوئام، والمصالحة الوطنية بين الأفراد والشعوب، كذلك تطوير تقنيات الاتصال وتقوية الجيش"، ودولة قوية لا يمكن أن تحقق سيادتها إلا بوجود "جيش" قوي متماسك

علجية عيش

إن بناء السلم في منطقة ما، لا يتحقق إلى بإزالة أسباب التناقض الأساسية التي تُوَلّدُ الحرب، فالعديد من الدراسات صبّت اهتمامها في موضوع الحرب والسلم، وأحاطوا بالصور المتعاقبة للحكم عبر تاريخ الحضارات كلها، وكشفت كل أشكال التوازنات الاجتماعية والسياسية المتطابقة مع كل مرحلة من المراحل التي يعيشها العالم والمنطقة، والحراك السياسي الذي طبع على الرأي العام القلق نتيجة انتكاس مجرى الحياة اليومية، بفعل الاضطرابات التي ألحقها العدوان بالمنطقة، حيث لم تكتف الميليشيات والجماعات الإرهابية في بعض الدول العربية كاليمن وسوريا ثم تونس وما حدث في بن قردان، وغيرها بعملياتها الإرهابية التي تهدف إلى زعزعة الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، بل إنها مارست أشكالًا أخرى من الإرهاب، تتلخص في ما يسمى بالإرهاب الإعلامي والذي تسعى من خلاله لاستغلال المؤسسات الإعلامية والسيطرة عليها لتضليل الرأي العام، ونشر الشائعات وتدمير الشعوب نفسيًا، وضرب اقتصادها وبُنَاهَا التحتية وزرع اللاإستقرار فيها.

فالإرهاب بشِقَّيْه الدولي والمحليّ يظل مشكلة كبيرة تزداد حجماً وانتشاراً مع الأيام، لما يخلفه من آثار اجتماعية، اقتصادية وسياسية على العديد من شعوب ودول العالم، والجزائر كعينة، فرغم ما أحرزته من تقدم في مختلف المجالات، وما أنجزته من بنى تحتية وشبكات للاتصالات والمواصلات والمبادلات، غدت كلها فرائس سهلة للفوضى والاضطرابات، بدليل أن تخريب وتدمير بعض الخطوط الكهربائية وكوابل الاتصالات، أو عرقلة توزيع المحروقات كفيل بتوقيف كل نشاط فيها، كما يمكن استخدام هذه الأجهزة ذات القدرة العالية، في ارتكاب أعمال يعاقب عليها القانون، منها إلحاق الضرر بالممتلكات وإيذاء الأشخاص أو قتلهم، إضافة إلى التخريب المتعمّد وتقويض الأمن في المجتمع، وهذه الأعمال كلها تدخل في نطاق ما اصطلح على تسميته بـ:"الإرهاب"، بدليل ما نراه أو نقرأ عنه من حملات برية وجوية التي أصبحت تشتمل على التعبئة والحشد، وانتشار للقوات وخوض الأعمال القتالية والمناورات، فمنذ أحداث سبتمبر 2001 وما تبعها من تفاعلات يستوجب إلقاء الضوء على التحديات التي تواجه الجزائر الداخلية والخارجية (الأمنية) لتواجه بها الإرهاب من خلال تقوية الجيش وتطوير تقنيات الاتصال، ولكثرة ما يجري من تغير تزداد الهُوّة بين الدولة والدولة الأخرى، وحتى بين الدولة وشعبها، كما تزداد الضغوط إذا ما تجاهلت الدولة هذه التحديات، ولم تعمل من أجل إحداث تغيير سريع وشامل، وهنا لا يعود الحديث عن الموالاة للسلطة ومعارضتها، لأن الأمر يتعلق بمصلحة البلاد ومستقبل الأجيال القادمة، فالحراك السياسي الذي تعيشه الجزائر والمخاطر التي تهدد حدودها، جعلتها تتعامل مع ما يحدث من "ثورات" في المنطقة بحذر، وأبقت عيناها مفتوحتان.

هناك حقيقة واضحة وجب الإقرار بها، هي أن الدولة - أيّ دولة- مهما كان نظامها السياسي، تتعدد وتختلف في أهدافها ومصالحها السياسية، وكل دولة كما يقول الملاحظون تقوم منفردة برسم علاقاتها الخارجية (الدبلوماسية) الخاصة بها، وارتباطها مع الدول الخارجية، ومن ثم فإن هذه الدول تخضع في غالب الأحيان لضغوطات الدول الغربية، مما يجعل تأثيرها محدودا، ويمكن أن نضرب هنا مثلا عن صمت الحكومة الجزائرية في مطالبة فرنسا بالاعتذار، ليس على جرائمها القذرة في حق الشعب الجزائري، بل في إهانتها للدبلوماسية الجزائرية، من خلال تفتيش وزراء جزائريين وبأسلوب حيواني، كان آخرها وزير الاتصال حميد قرين، وقد تجاوزت خطوطها الحمراء عندما قام وزيرها الأول بنشر صورة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو في حالة صحية سيئة للغاية، وهذا يدعو بطبيعة الحال إلى طرح السؤال التالي: ألهذا الحد أصبحت الدبلوماسية الجزائرية هشّة؟، بحيث لم تتحرك في اتخاذ موقفا صارما إزاء ما حدث لممثليها الدبلوماسيين؟، مثل قطع علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا، طبعا مثل هذه المواقف لا تحدث، ولا يمكن الفضل فيها دون تفكير، لأن الأمر مرتبط بأجندات سياسية، ومواثيق ومعاهدات الجزائر صادقت عليها، ولا يمكن الإخلال بها حتى لو كان ذلك على حساب سيادتها، وهذا الصمت قد يجعلها في موقف ضعف.

إنه لا يمكن لأيّ ثورة ان تكون ثورة دون أن تعمل على تطبيق هذه القيم أو تغييرها، والحقيقة أن التغيير الحقيقي يكون عن طريق قيادات جديدة غير قائمة على عبادة الأشخاص، هذه القيادات الجديدة لابد أن تتصف بالدرجة ألأولى بعقلانية واعية مخططة، تشرك الشعب في قراراتها إشراكا فعليا ـ معتمدة على ذوي الاختصاص والمؤهلين، لا على الأتباع والموالين والمبايعين، فمشاركة القائد أو الحاكم شعبه تخلق منه (أي الشعب) شعب متسامح ومسالم، لا متمرد أو متطرف، فقد يحدث غالبا أن لا ينجح نظام سياسي في تحقيق استقراره، لأن هدا النظام جاء عقب نظام حطمته ضربات عدوٍّ خارجي، وقد يكون داخلي أيضا، وقد أثبتت التجارب أن الحروب الأهلية (الجزائر، سوريا، ليبيا، تونس، مصر وغيرها) تقع في الدول التي لها نظاما جمهوريا، أي التي تخير حاكمها عن طريق الانتخابات، والعجيب في الأمر أن هذه الدول تغرق في مشاكل داخلية، عكس الدول ذات النظام الملكي، فهذه لا تواجه انقلابات ولا تعيش حروبا أهلية.

كما أن الدول تتنوع وتختلف نظمها (الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية والثقافية والدينية)، وكل هذا يؤثر على حركة التضامن والتعاون المشترك من أجل مواجهة مختلف التهديدات المشتركة معا (التضامن مع سوريا)، بل أكثر من ذلك، وكما هو معلوم فقد أصبحت النزاعات العربية- العربية ( النزاع بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء الغربية)، مما أدى إلى فشل التجارب التضامنية والوحدوية (وحدة المغرب العربي)، وحلّت محلها سياسيات عدائية، وأحيانا قطيعة سياسية بين الدول العربية نفسها، وليس الأمر وقف إلى هنا فحسب، بل أمريكا وأوروبا نجحت إلى حد ما تحت لواء  " جامعة الدول العربية" في تفكيك النظام العربي، وإعادة تركيبه في مجموعات جغرافية، فعزلت المشرق العربي عن المغرب العربي، وألغت كلية ما يسمى بالوطن العربي، حيث أدخلت في المشرق العربي دولا غير عربية، وأبعدت عنه العراق والسودان، كما عزلت بلدان الخليج العربي عن البلدان العربية الأخرى، والهدف من كل هذت هو القضاء على مشروع " الوحدة العربية" المنشودة، والهدف الآخر هو أن تذوب الهوية العربية في نهاية الأمر، فالمغرب العربي ( الجزائر تونس ليبيا والمغرب الخ) ينضم إلى الفضاء المتوسطي في علاقات تعاونية غير متكافئة( دونية) مع الإتحاد الأوروبي، والمشرق العربي الذي يضم كل من مصر، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين وتركيا بما فيها إسرائيل) يكون في إطار منظمة التبادل التجارب الحر (يخضع للهيمنة الإسرائيلية)، وأدى هذا التقسيم إلى عدم الانضباط في العلاقات والتفاعلات بين هذه الدول، وأدخلها في حالة الركود بسبب تفاقم النزاعات" العربية العربية"، وهذه النزاعات استغلتها قوى خارجية معادية لتحقيق مصالحها وأهدافها، ودخلت هذه الدول في أزمات سياسية، ونذكر هنا أن مباراة في كرة القدم أدت إلى أزمة سياسية حادة بين بلدين، وهو ما حدث في 18 نوفمبر 2009 بين مصر والجزائر حول تصفيات كاس العالم 2010 في أم درمان انتهت بحرق العلم الجزائري.

لقد شاع مصطلح "الثورة" في السنوات الأخيرة، وانطلاقا من الثورة البوعزيزية، أعطي لهدا المصطلح عدة تفاسير ومفاهيم، بحيث لم تفرق الجماهير أو الشعوب إذا كانت الثورة هي تغيير في الحكم والوجوه الحاكمة، وإسقاط النظام ككل، وهي الثقافة التي تبنتها "المعارضة"، فتسَمِّي الانقلابات العسكرية "ثورةً" حال حدوثها، أم تتمثل في التغيير الاقتصادي وإصلاح العدالة وإخضاع البرلمان إلى الرقابة الشعبية، أم تتمثل في التحرّر من الذهنية الدّينية (الجماعات الإسلامية) والعشائرية والقبلية وكل أشكال القيم، والحقيقة أنه اختلط الحابل بالنابل، بحيث لم نعد نفرق بين الثوريين الحقيقيين والانقلابيين، وبين البراغماتيين والدوغماتيين، أو المحافظين والمصلحين، ويمكن القول أن التحديات التي تواجه أيّ دولة مهما كان نوع نظامها بما فيها الجزائر، هو تحديد القيم السائدة في المجتمع وموقفها من هذه القيم، خاصة إذا كانت هذه القيم تعيق النمو وتَقَدُّمِ البلاد وتَكَيُّفِهَا مع كل ما هو مُتَجَدّدٌ (فتاوي الجماعات الإسلامية، الإرهاب المسلح والتطرف والعنف الفكري)، أو كانت هذه القيم فاقت درجة المبالغة في المطالبة بحقوق الإنسان، بحيث تحوّل المجرم إلى ضحيّة، لأن هذه القيم هي عبارة عن مبادئ مجردة، توجه سلوك الأفراد والشعوب والدول وتحدد لهم ما يجب ان يرغبون فيه وما يجب ان يكافحون من أجله.

فما نشهده من تَشَتُّتٍ سببه غياب مفهوم واضح للدولة "النموذج" (القائدة)، ومحاربة هذا التشتت يعتبر تحدٍّ في حد ذاته، بل التحدي الرئيسي الذي يواجه الجزائر كدولة مستقلة لها دستورها ونظامها الخاص، من أجل علاج التدهور السياسي، وتضييق الفجوة بين المواقف الجماعية التي يُعَبَّرُ عنها بدبلوماسية لفظية فقط (نفاقية) ولا تعكس وضعا جماعيا فعلا كما تدّعي، ويمكن أن نتساءل هنا، هل فعلا الذين انظموا إلى مقترح "الجدار الوطني" الذي تبناه حزب جبهة التحرير الوطني، انضموا إليه عن قناعة؟ خاصة وأن الغالبية القصوى لم تطلع على تفاصيل هذا المشروع وما هي النتائج التي يحققها مستقبلا، وهل ستعمّ الفائدة على كل الشعب أم لفئة معينة؟، أم أن الجدار الوطني ورقة يلعب بها سعداني لتحضير انتخابات 2019 ؟ (الجواب نتركه للأيام)، الجزائر طبعا لها تجربة نضالية طويلة من عمر كفاحها ضد الاستعمار إلى مكافحتها الإرهاب في العشرية السوداء، ورغم أنها تتعرض يوميا إلى "بروباغاندا" خارجية وتنتظرها مهام عصيبة لمواجهة التحديات، فهي بنجاحها الأمني قادرة على أن تكون مؤهلة لقيادة الجزء الأساسي من العالم العربي الذي تغرق دوله في الحروب والثورات، وجعلت منها دولا معزولة، لأن وظيفة الدولة هي كبح جماح العنف سواء في الداخل أو الخارج، ويتحتم عليها في ظروف معينة مجابهة العراقيل التي تهدف بعض الدول إلى خلقها كهدف للحرب، ولذا فإن التحدي الكبير الذي يواجه الجزائر هو تقوية الجيش الوطني الشعبي، وتفعيل قواته القتالية حتى لا يأخذ أحد دوره، والاستمرار في عملية تطوير وتعزيز القوات المسلحة، وتزويدها بالأسلحة الآليات العسكرية والطائرات وسفن السطح والغواصات الحديثة، حتى يتمكن من محاربة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره وأيا كانت مصادره، فالجيش القوي "ضمانة سيادة أي دولة وسلامة أراضيها، طالما البشرية اليوم في وضع متشبع بالتهديد، ومن المؤكد أن الذين كانوا يؤمنون في الماضي باحتمال استتباب الأمن والسلم الدائم قليلون جدا، خاصة في الظرف الدولي الراهن اليوم، لا يتجرأ أحد على التفوه باي كلمة، حيث اخترعوا عبارة " التعايش السلمي" من أجل كسب الوقت لا غير.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم