صحيفة المثقف

أستطيقيا الحدث الروائي والشعري في قصائد: أولئك أصحابي لحميد سعيد (1)

esam shartahإن الدخول عمق النصوص الشعرية من خلال الحدث الشعري لهو مجازفة في الكشف النصي خاصة إذا أدركنا أن الحدث من مستلزمات بنية السرد من قصص، وخواطر، ورواية، أما أن يُعتمد هذا المدخل في لغة الشعر فهو من باب الكشف المجازف، والغير مسبوق لاسيما في ظل كثرة المفاتيح النصية في الدخول أتون النصوص الشعرية التي تستعيض عن فضاء الأحداث، وشعرية الموقف، بالمتخيل الشعري، والصورة، والرمز، والتشكيل الفني الجمالي وما إلى ذلك، أما أن تلجأ إلى الحدث؛ لتشكل ملمحها الشعري الفني الجمالي فهو أمر لم يكن من حسابات الشعرية فيما مضى، ولا في مداخل بنية القصيدة على هذا النحو من الحراك الدلالي والرهان الفني إلا في العصر الراهن عصر الانفتاح على كل الفنون الإبداعية الأخرى التي طورت في شكل القصيدة، وتقنياتها الفنية المتوالدة على الدوام، وهذا ما لم يكن من حسبانها فيما مضى على الإطلاق؛ ولم يكن ليدخل ضمن نطاقها بتاتاً، ولكن في قصائد (أولئك أصحابي) لحميد سعيد فالأمر جاء جد مختلف، لتؤكد هذه المجموعة أن لعبة الحدث أستطيقياً ليس فقط من لعبة القص الشعري، أو مداخل الحدث الروائي، ولكن من ضمن فعالية الرؤية الشعرية، ومتغيراتها الفنية في مضمار القصيدة الجديدة التي حاولت أن ترتقي بالحدث الشعري والمشهد أو الموقف المحيط بالحدث من طابع السكونية، والجمود في النسق السردي، إلى طابع الفن، والشعرية، والمحفزات الجمالية في الفضاء الشعري، التي ارتقت في شكل القصيدة، وتركت الطيف الجمالي مفتوحاً على محركات الشعرية، في أوج تكثيفها، وتناميها، وفواعلها الرؤيوية المنفتحة على آفاق خصبة من الإيحاء، والتكثيف الدلالي، والدفق الجمالي.

•  فواعل الحدث الشعري- الروائي أستطيقياً في قصائد (أولئك أصحابي) :

لاشك في أن قصائد (أولئك أصحابي) تسجل حضورها الجمالي -استطيقياً- بالتلاعب بالحدث الروائي، تبعاً لمتغيرات، ومستجدات الحدث الشعري، وهذا يعني أن هذه القصائد تراهن بفاعلية الحدثين معاً ضمن القصيدة (الحدث الشعري المتخيل بإحالات رؤيوية جديدة، والحدث الروائي المركَّز الذي ارتكزت عليه القصيدة في بناء حدثها الشعري الجديد، ويخطئ من يظن أن الحدث الشعري جاء محايثاً للحدث الروائي في مجموعة هذه القصائد، وإنما جاء الحدث الشعري مغامراً أستطيقياً في بناء الرؤيا الشعرية الجديدة، ليكون الحدث الروائي نقطة تفعيل الحدث الشعري، ونقطة إبراز متخيله الجمالي والرؤيوي الجديد، فكما أن الشخصيات الروائية تحركت في قصائده بأدوار، وفواعل، ومنظورات جديدة، فكذلك ارتبطت الأحداث الروائية المرتبطة بها بأدوار، وإحالات، ومؤثرات جديدة ترصد واقع الشاعر الراهن، وتواكب المرحلة التي عاشها في اغترابه، ومنفاه الوجودي بعيداً عن الفضاءات البغدادية، وأجوائها الفسيحة بفضاء متخيلها النفسي والوجودي الفسيح، ولهذا نقول: إن شعرية الحدث الروائي في قصائد (أولئك أصحابي) لا تتأتى من شعرية الحدث الروائي، وحبكته المستعادة أو المكرورة كما يظن البعض، وإنما من شعرية الرؤيا، وتوهجها في الحدث الشعري الجديد، الذي نوع في أدوار الشخصيات، وفواعلها المتخيلة ضمن القصيدة، ووفق هذا المنظور، تطورت الرؤيا الشعرية في هذه القصائد، لتشير إلى مرحلة، وتراهن على مرحلة وجودية عاصفة في حياة الشاعر، جسدها من خلال كتلة الأحداث، وفواعل الشخصيات الروائية في قصائده، وهذا يؤكد أن غنى هذه القصائد من غنى موحياتها، ومؤثراتها المكتسبة وإضافاتها الجديدة من خصوبة الرؤيا ومنعكساتها الوجودية التي يمتلكها الشاعر.

ولعلنا لا نجافي الحقيقة في قولنا: إن الحدث الشعري لا يكتسب قيمته إلا من فاعلية الرؤيا التي يبثها هذا الحدث في القصيدة، ومتغيرها الوجودي المحرك للشعرية، فكم من القصائد لا تغتني إلا بتنوع أحداثها، وتعددها في القصيدة، ولهذا، تحتفي حركة الحداثة الشعرية بالأحداث الدرامية التي تتلون مسبباتها وأصواتها ومتغيراتها الوجودية التي تضمن تكثيف الرؤيا وإبراز متغيرها الوجودي الفني في الكثير من القصائد ولولا النزعة الدرامية وكثافة الأحداث، وتعدد الأصوات الشعرية لفقدت تلكم القصائد بريقها واضمحلت شعريتها، ووفق هذا التصور، فإن كل ما يثير الحدث الروائي في النص الشعري الجديد ليس الحدث بكينونته الزمنية وأجوائه الروائية الماضوية السابقة، وإنما بإحالاته الفنية والرؤيوية الجديدة التي اكتسبها من النص الشعري وفق فاعلية المتخيل الشعري، وموحيات الشخصية والإيحاءات والرؤى المبثوثة على لسانها.ولدراسة فاعلية الحدث الشعري والروائي في قصائد (أولئك أصحابي) لحميد سعيد، لابد من الوقوف على المواقف المحرضة للشعرية في بنى هذه القصائد وفق ما يلي:

 

1-  الحدث الشعري- الروائي وفاعلية الموقف الدرامي أستطيقيا في تخليق الشعرية

تتأسس شعرية قصائد (أولئك أصحابي) أستطيقياً على فاعلية الموقف الدرامي المؤسس للشعرية، ولولا فاعلية الحدث الدرامي لفقدت القصائد جزءاً مهماً من حركتها الاستطيقية البليغة في إصابة المعنى العميق، والدلالة الفارقة، وقد كان الحدث الدرامي في قصائد (أولئك أصحابي) نقطة تمفصل الدلالات، وحراكها الرؤيوي المكثف، لاسيما في خلق الإثارة والتشويق في الشخصية الروائية، وطقوسها المتخيلة التي تكتسبها من المولد الاستطيقي المفجر للرؤى والدلالات الجديدة، والمواقف البانورامية المحتدمة التي تتعرض إليها الشخصية، ومن أبرز القصائد الدالة في هذا المقام قصيدة (سيدي حامد يبحث عن دون كيخوتيه) لحميد سعيد، وفيها يتمثل شخصية"دون كيخوتيه" بطل رواية" دون كيخوتيه" لسرفانتس. ورواية (دون كيخوتيه) ، واحدة من أهم الروايات في تاريخ الرواية، وعدها مؤرخو الفن الروائي، فاتحة الرواية الحديثة في العالم ورائدتها، وبطلها دون كيخوتيه المهووس بكتب الفروسية، والذي عاش مغامرة أن يكون فارسا، بعد أن انتهى عصر الفروسية وتقاليدها ومتمماتها، الخادم المرافق والمعشوقة، وكان لدون كيخوتيه خادمه المرافق ومعشوقته المتخبلة .وينسب –سرفانتس- أحداث روايته إلى رجل من الموريسكيين اسمه سيدي حامد بن الأيل، ومازالت هذه الرواية تحظى باهتمام متواصل من قبل النقاد والباحثين ومؤرخي الأدب" (1) . .

وتمتاز هذه الرواية بأسطرة أحداثها، وتنوع مؤثراتها، وهي خصبة بالمغامرات، والمفاجآت في قالب كوميدي، يسجل فيه الشاعر رؤاه الساخرة، بعوالم هذه الشخصية؛ ليجسد من خلال هذه الرواية سخريته من الواقع الاغترابي المأزوم ومؤثراته، وهي تسجل قيمتها من هذا التكثيف، وتراكم الأحداث، وتنوعها في القصيدة، وهي تحفل بالدلالات والتناقضات الكثيرة بين المثال المنشود، والواقع المتناقض الذي يدل على فداحة الهوة بين (الواقع / والمثال) و (الحلم / والحقيقة) ؛ وكعادته في بناء قصائده في هذه المجموعة يبدأ قصيدته بالسرد الوصفي، كاشفاً من خلاله عن ولعه بالفن الروائي إحساساً ونبضاً، ولهذا؛ تتشكل الأحداث بعيداً عن أجواء الرواية، لتحكي روايته الذاتية، وإحساسه، وتفاعله بالشخصية الروائية، وكأنه يجري أحداثها، بلمساته، وأحاسيسه الرؤيوية العميقة إذ يقول:

"ظهيرةٌ قائظةٌ

وكان صاحبي يقول لي.. وصلْنا

وهنا؛ سنلتقي بالفارس الحزينِ..

هذه قريتهُ..

وتلكَ حيثُ انعطفَ النهرُ.. طواحينُ الهواءِ

قُلتُ.. 

ذلكَ الذي يخبُّ الفرس الأعجفَ.. دون كيخوتيهْ

أُناديهِ..

فغابَ في اشتباك الغابْ

هلْ أنكرني؟

أنا الذي جئتُ به إلى هذي البلاد.. من أسطورة بيضاءْ

في هذه الأمداءْ

تبدو قلاعُ الأمسِ.. حيثُ كانَ..

مُدُناً مهجورةً

تأوي إلى أحراشها الذئابْ

لا الفنادق التي غزاها.. فتحت أبوابها لنا

ولم نجد من كان في انتظارنا من الأصحابْ" (2) .

هنا، تتراكم الرؤى، والأحداث، والمنظورات المتخيلة، عمق المفاجآت الرؤيوية الكاشفة واقع الشخصية الروائية (شخصية) (دون كيشوت) وتخيله طواحين الهواء بأنها جيش عرمرم من جنود الأعداء جاء ليحاربه، إذ يمتطي حصانه، ويضرب برمحه طواحين الهواء التي تدور لكن سرعان ما تدور طواحين الهواء عليه، وتطرحه أرضا، وفي خضم هذه المفارقات تزداد الأحداث الشعرية بين متخيلات الشاعر، ورؤاه العميقة، ومدلولات الرؤية الحدثية التي تطرحها الرواية، وهنا، تتفاعل أستطيقياً الأحداث، وتتلون بالدلالات والرؤى المباغتة، وفق مسار شعري متناغم حدثاً، ورؤيا، ونتيجة أستطيقية باعثة للشعرية ومحركاتها الشعورية:

"من ظلال غابة الفلّينْ

بانتظار امرأةٍ تسألُه الدفاع َ عنها..

منْ تَعَثُّر السهوبِ بالذي تبقّى من خيالٍ صاخبٍ..

ومنْ أكاذيب الرواةِ..

جاءَ

ضامِراً مُنكَسراً.. وحيداً

ليقولَ لي..

خَرَجتُ عارياً..

إذْ خطفَ اللصوصُ فَرَسي..وكسروا الرمحَ..

وباعوا السيفَ والترسَ.. بدرهمينْ" (3) .

هنا، تتداخل الأحداث، وتتراكم الرؤى، ليرصد حاضره الواقعي، فهو أشبه ببطله (دون كيشوت) الذي يحلم ويتخيل بالبطولة والفروسية، لكن دون جدوى فقد خسر الرهان، لأن رهان المستقبل خاسر، ورهان الماضي خاسر يدل على الوهن والهشاشة والضعف، ولهذا، بدت الأحداث مترافقة بمشاعر اغترابية أستطيقية تدل على المقاومة رغم خسارة الرهان، فالشخصية الروائية تدعو إلى المثل، ولكن كيف تتحقق هذه المثل في ظل تغير الأزمنة، (جاء ضامراً منكسراً.. وحيداً)، وهنا، يأتي الحدث دراماتيكياً، فشخصيته البطلة فقدت قوتها، وخسرت الرهان: (خرجت عارياً.. إذ خطف اللصوص فرسي.. وكسروا الرمح.. وباعوا السيف والترس.. بدرهمين)، وهنا تبدو الشخصية ضعيفة منكسرة ليدل من خلالها على مرحلة الاغتراب الواهنة التي عاشها مجسداً من خلال شخصيته فواعل التداخل بين الحدث الروائي والحدث الشعري، مع فارق أستطيقي أن الحدث في القصيدة هو حدث شعري يقوم على المتخيل الرؤيوي في تفعيل القصيدة؛ في حين أن الحدث الروائي حدث مؤسطر يُحَمِّل الشخصية أكثر من مدلول وأكثر من مغامرة، ويقرنها بالبطولة الخائبة أو البطولة التي تعيش زمنها الماضي الواهن ولا تعيش زمنها الراهن اليوم، إن الشاعر أراد ن يجمع الحدث الماضي بالحدث الحاضر، والحدث الشعري بالحدث الروائي، والحدث القصصي بالحدث الدرامي، كاشفاً من خلالهما عن حدث الحاضر الاغترابي الذي يعيشه، ولا نبالغ في قولنا: إن الحدث الشعري هو تفعيل للحدث الروائي والشخصية الروائية، وما تعداد الشخصيات في الرواية والقصيدة معاً إلا ملمحاً أستطيقياً يجعله الشاعر مرتكز الرؤية الاغترابية الراهنة بأحداثها المتداخلة، ومتغيراتها الكثيرة.ولهذا، تتعدد الرؤية الاغترابية التي تبثها القصيدة، وتتغير أدوارها، تبعاً لموجة الأحداث المتداخلة وغليانها في الحدثين الروائي والشعري معاً، وهنا، تتفاعل الأحداث بمناوشة أستطيقية بحركة الأحداث بين الأحداث الواقعية، والأحداث المتخيلة، بفواعل نشطة دلالياً في مدها الرؤيوي وحراكها الدلالي، كما في قوله:

" سانشو بنثا".. حامل الأسلحةِ الظريفِ صار السيّد المُطاعْ

تخدمهُ قبائلٌ من الرعاعْ

وها أنا.. أَضربُ في المتاهةِ..

انتظرتُ أن تجيئني بما يُعيدُني.. إلى ما كانَ بيننا..

من كَذِبٍ طفلٍ ومن تواطؤٍ جميلْ" (4) .

إن قارئ القصيدة يدرك قوة الحدث بفواعل الشخصيات الروائية، وتحريك أدوارها، وأحداثها، ورؤاها الكثيرة، فالخادم في الشخصية الروائية أصبح السيد المطاع، والفارس المقدام أصبح في سفلة القوم، يضرب في المتاهة بفوضى، وضياع، واغتراب، وبؤس، وضنك، وشدة، وفقر، وهكذا، يتابع الشاعر سرد الأحداث بفواعل ورؤى نشطة تعزز قيمة الفعل الشعري، وقيمة المؤثر الروائي، والحدث المصاحب للشخصية الروائية، كما في قوله 

"أراكَ راجلاً..

فهل تخلىّ عنكَ " روثينانتا" سابق الأفراس؟

وهلْ هَجرتَ " دولثينا" التي بأمرها قاتلتَ..

وبأمرها..فارقتَ ما ألفتَ من حياة الناس ؟!

يقولُ لي..

أكادُ أنسى كلَّ ما أوهمتني به..

وما عَلَّمتني.. وما أشعتَ عنّي..

لمْ أَعُدْ وحدي كما كنتُ.." (5) .

إن القارئ للقصيدة يدرك أن تنويع الأحداث يزيد من فواعلها، ورؤاها، وبناها المحركة، وهذا التلوين في تكثيف الأحداث، والشخصيات يضفي عليها من الرؤى ما يغنيها (روثينانتا) و (دولثينا)، هي شخصيات من الرواية، ولم تكن غائبة عن أحداث الرواية، ولهذا، تنوعت فواعل الرؤية الشعرية، وتنوعت الأحداث أستطيقياً بغنى الموجات الحدثية والرؤيوية المرتبطة بالشخصية، وهذا ما أغناها وأضفى عليها الحركة الجمالية بوصفها محور التلاعب بالحدث، وتأثيره الفاعل، كما في قوله:

قرأتُ في كتابٍ استعرتهُ من حارس الغابةِ..

إن " دون كيخوتيه".. دخل التاريخَ من جميع أبواب العصور..

ويُقيمُ الآنَ في الأكواخ والقصورِ

لمْ أَعُدْ وحدي كما كنتُ..

وإن الرؤساء والملوك والأعيانْ

تعلموا .. الذي علّمتني..

وأسرجوا الخيولَ.. قاتلوا طواحين الهواء..

في الأحلامْ

وبعدَ كلِّ ما لقيتَ..

هل تراني مُخطئاً في ما فعلتُ؟!

لمْ أَكُنْ أقصدُ أن تكونَ..في ما كنتَ فيه..

بلْ حاولتُ..أن أكشفَ ما في الروح من أسىً..

وفي العالَمِ من شرورْ

في مُدُنٍ تُقيمُ في الديجورْ

لأفتح الأبوابْ

لنجمةٍ ضائعةٍ تبحثُ عن مدارْ

لضحكةٍ حييَّةٍ..

أوقفها المدججون بالعصاب خلفَ هذه الأسوار" (6) .

هنا، تتحرك المشاهد، والأحداث أستطيقياً بكثافة الرؤى، و المشاهد، والأدوار، والمؤثرات بين ما في الأحداث الروائية، وما تتضمنه رؤاه الجديدة من محفزات، ومثيرات، تتراكم في مجريات القصيدة، وتبعث متغيرها الحدثي، تبعا لما تشي به الرواية، وما يتخيله من أحداثها، وما يرسمه بريشة المتخيل الحدثي الجمالي، وكأن الأحداث بفواعلها الاستطيقية تبني متغيرها الوجودي بالارتكاز على الرواية، وتحميلها من البني المتغيرة ما يشي بالموقف الدرامي، والحركة المفتوحة رؤيا، ومشهداً، وحدثاً شعورياً متخيلاً، كما في المجريات السردية الحدثية التالية:

 

" نُؤجِّلُ الحديثَ عن كلِّ الذي مضى..

ونطوي صفحةَ العِتابْ

ونبدأُ الروايةَ الأخرى..

التي يكونُ فيها" دون كيخوتيه" مصرفيّاً حاذقاً

أو سارقاً..

و" سانشو بنثا" راقصاً في علب الليلِ

وبهلواناً في عروض السيركْ" (7) .

هنا، يعزز الشاعر الأدوار، ويتلاعب بالشخصية الروائية أستطيقياً، ويحرك في فواعلها الرؤيوية؛ وهذا ما جعله يسخر بالواقع كسخريته بالشخصية الروائية، وذلك بتغيير أدوارها، والعبث بأوصافها، وأفعالها، وفواعلها وملصقاتها الرؤيوية، ولهذا، بدا الحدث مغترباً، وبدا الشاعر مغترباً في متخيله الشعري كغربة شخصياته وتشويه أدوارها، كتشويه الوجود، ومفارقاته الساخرة في واقعه الراهن (ونبدأُ الروايةَ الأخرى..التي يكونُ فيها" دون كيخوتيه" مصرفيّاً حاذقاً أو سارقاً.."و سانشو بنثا" راقصاً في علب الليلِ)، وهكذا، تشتغل الأحداث الروائية والشعرية في تكثيف الرؤية الاغترابية التي تنزع إلى السخرية بالشخصية الروائية، وأدوارها، ومحركاتها الشعورية المفتوحة في حراكها الجمالي والرؤيوي المفتوح على آفاق لا متناهية من الأطياف والرؤى المتداخلة، تصل إلى ذروة الحس الجمالي والموقف الشعوري المحتدم:

هلْ تصحبُنا إلى بلادٍ .. كلُّ من عرفت فيها..

بانتظار أنْ يراكَ؟

أيّهذا الرجل ُالمُعتزلُ البعيدُ عن كلِّ الذي كانَ..

وعن كل الذي يكونْ

لو كنّا معاً هناكَ..

لو كنّا معاً..

لوْ.." (8) .

إن الملمح الذي تبثه القصيدة أستطيقياً على مستوى الحدث الشعري والروائي يبقى حدثاً مفتوحاً في رؤاه ومحركاته الشعورية، فالشاعر ما أراد أن يكثف الأحداث درامياً إلا لإبراز القوى المواجهة بين (الواقع / والمثال) ، و (التقليدي / والجديد)، و (الخيالي / والواقعي)، وهذا يعني أن القصيدة تطرح متغيرها الشعوري من فواعل الحدث الملصق بالشخصية تارة، والإحالات الجديدة المكتسبة أو المضافة من السياق الشعري، بفواعل مفتوحة في حركتها النفسية والشعورية المتغيرة.

وصفوة القول: إن شعرية الحدث الروائي تتمظهر من خلال شعرية الحدث الشعري، وفواعله النفسية وإحالاته الرؤيوية الجديدة التي تحرك المشهد، وتبثه بإحالات، وأدوار جديدة، لدرجة تبدو الأحداث كتلة تفاعلات رؤيوية في حيزها الشعري، وفواعل السرد تتنامى كلما تعقدت الحبكة، وتنوعت الأدوار الجديدة المضافة للشخصية الروائية ولا نبالغ إذا قلنا : إن الملمح الجمالي للحدث الروائي والشعري في قصائد (أولئك أصحابي) يتحقق أستطيقا جمالية من خلال تنامي الأحداث، وتشعبها، وإحالاتها الشعورية المسقطة على الأحداث الراهنة التي يعيشها الشاعر، ولهذا كان الشاعر حميد سعيد محقاً في قوله: (. إن ما شغلني، لزمن طويل، وأنا أفكر بكيفية تمثل شخصيات روائية، تعايشتُ معها إلى حد أن أتخيَل إنني عرفتها في الواقع، وليس على صفحات رواية وفصول كتاب، هو الجمال الإبداعي، في هذا التمثُل، أكثر مما شغلني، ماذا أقول، أو ماذا تقول هذه الشخصية أو تلك، في النص الشعري الذي أكتبه أو سأكتبه.لكن الشخصية ورمزيتها، لا بد أن تظهر في النص، بما هي فيه، أو بما تضيف إليها المخيلة، وحين تعددت الشخصيات بتعدد قصائد المجموعة، كانت الحياة، بتنوعها، وتعدديتها في الثقافة، والسلوك، ومكونات الإنسان الاجتماعية والنفسية، فالقارئ يلتقي، بأنموذج إنساني إيجابي مثل الدكتور (زيفاغو)، ويلتقي أيضاً بشخصية سلبية مثل الأب كرامازوف، ولكل منهما، حياته، ولكل منهما أثره الذي يبقى متفاعلاً مع فكر المتلقي، وما يصح على الشخصيتين المذكورتين، يصح على شخصيات أخرى، ألتقي بها في أولئك أصحابي" (9) .وهذا يعني أن فيوضات الشعور والحس الشاعري، والإحساس الجمالي أو الرؤيا الجمالية هي ما تمنح هذه القصائد المراهنة والمعاصرة لواقعنا الجديد، ولهذا، احتفت هذه القصائد بالحركة الجمالية على صعيد رؤاها، ومتغيراتها، وإحالاتها الجديدة، وهذا ما أكسبها العمق، والإيحاء، وشاعرية التكثيف الدلالي والرؤيوي في آن معاً، فكما أن الرواية في واقعها الروائي غنية بالمواقف، والأحداث، والمتناقضات جاءت القصيدة كذلك بمتخيل رؤيوي أعمق يحاور الشخصية من الداخل، ويخلق أفقها الرؤيوي المتنامي، وبذلك تحقق هذه القصائد متنفسها الإبداعي الخاص بها، وأفقها المتجدد على فضاءات لا متناهية من التكثيف والشاعرية والإيحاء.

 

2-  الحدث الشعري- الروائي قوة أستطيقية خلاقة في تفعيل الرؤيا الشعرية والموقف الشعري:

لاشك في أن غنى الشخصيات الروائية بالمواقف، والمؤثرات، والأحداث من فواعل القصيدة ومحرقها الجمالي، خاصة إذا أدركنا أن فواعل الرؤيا الشعرية تتأسس على الإحالات، والأدوار، والرؤى الجديدة المكتسبة من سياقها الجمالي، فكما أن الشخصية الروائية في ملصقها الحدثي المقترن بها في الرواية تتأزم في موقفها، وتصطدم في واقعها السلبي تارة، وموقفها الإيجابي تارة أخرى، فإن الشخصية الروائية في القصيدة تنطوي على موقف وجودي صادم يربطها بالسلب كما الإيجاب لتكون الشخصية حية نابضة بمتغيرات الواقع ومستجدات الحياة، فالإيجاب لا يظهر في معناه الخلاق إلا بمضاده السلب، ولهذا، يجد القارئ متعة في قراءة هذه القصائد لأنها تمثل الجانبين معاً، وترصد وجهي الحياة المتناقض، ولهذا؛ فإن حراك الشخصيات الروائية في هذه القصائد ينبع من حراكها الرؤيوي الخلاق، الذي يثمر بالرؤى، والمؤثرات، والأحداث المحتدمة في فواعلها الرؤيوية المكثفة، وتعد تقنية تراكم الأحداث، وكثافتها اللعبة الاستطيقية التي تشتغل عليها قصائد (أولئك أصحابي) أستطيقياً وفنياً، وهذا أكثر ما نجده في قصيدة (الأخوة كرامازوف) لحميد سعيد، وفيها يتمثل رواية" الأخوة كرامازوف" لديستوفسكي، وأبرز مفاتيح الرواية ما يقدمه الباحث خلف مخلف الحديثي قائلاً. (تعد الأخوة كرامازوف قمة أعمال ديستوفسكي، وقد أمضى ما يقارب عامين في كتابتها، ونشرت فصولها الأولى في مجلة – الرسول الروسي – وتم إنجازها في تشرين الثاني من عام 1879، وعالجت الروابط العائلية وتربية الأبناء والعلاقة بين الدولة والكنيسة، كما تناولت موضوعات الخير والشر، والعدالة السماوية والخلود، والحرية.المحور المهم فيها هو اندلاع صراع مرير بين الأب –فيودوركارامازوف– وابنه البكر – ديمتري – بسبب علاقتهما بامرأة –كراشونيكا- وعمرها 22 عاما، وكانت على علاقة جنسية بالوالد والولد .الأب يهدد الابن بالقتل إذا اقترب من خليلته، والابن لا يرعوي بحجة الدفاع عن حبه، ويطلع على هذا الصراع خادم الأب، - ساداراكوف– ويقال أنه لقيط وابن غير شرهي للأب، ويقدم يوما على قتل الأب ويتهم الابن – ديمتري - بقتل سيبريا.وتضيع العائلة بموت جميع أفرادها، ويدفن القاتل الحقيقة معه مسألة مقتل والده، وتستمر الأحداث وجلسات المحكمة لتنتهي الرواية بالحكم على ديمتري بالأعمال الشاقة لمدة عشرين سنة " (10) .

إن الشاعر أراد في هذه القصيدة أن يتمثل جو الصراع الدائر بين الشخصيات، ويراكم الأحداث الدرامية البانورامية المفتوحة، وكأن الصراع المنقول من الرواية يجسد الصراع والتناحر القائم في الحياة من خلال رمزية الصراع بين الأخوة الأشقاء، لينقل الصراع من جو الرواية، إلى جو القصيدة، ومن جو القصيدة إلى جو الحياة، كاشفاً من خلال هذه القصيدة الطقس التناحري المصطدم بين الأخوة الأشقاء في عالمنا العربي، وكأن أقدارنا نحن العرب أن نبقى في تناحر دائم وصراع مستمر كما هو حال الأخوة كرامازوف، إذ يقول:

"هي أقدارُنا..

وكأنَّ الرائيَّ السُلافيَّ أنبأنا بالذي سيكون لنا..

أُمماً وأناساً

فكُنّا .. كما كانَ أولئكَ الضائعونَ..

في ما أُعِدَّ لهمْ من مصائرَ مُربِكَةٍ..

ليسَ هذا الذي نحنُ فيهِ

غير الذي كان فيه آل كرامازوف..

من فِتَنٍ

الأشقّاءُ يقتتلون..

ويصطرِعُ الأبُ والابنُ من أجلِ ... !!

هلْ كانت امرأةً أم خرابا ؟

وفي لحظةٍ تتقاطعُ فيها الوعودُ

كلُّ ابن أنثى يُقيمُ لهُ وطناً

ويكونُ إذا شاءَ سَيِّدَهُ المُتَفَرِّدَ

ثُمَّ يكونُ إلها" (11) .

هنا، تتراكم الرؤى، والأحداث، وتنتقل في حراك رؤيوي كاشف من جو الرواية، إلى جو القصيدة، متسائلاً هل هذا الخراب هو الذي تنبأ به القدماء لنا، منذ زمن بعيد من تكالب الأمم على المسلمين، والاصطراع الدائر بين الأخوة، كما هو حال التناحر والصدام بين الأخوة كرامازوف، من أجل امرأة، وهل الصراع الدائر هو صراع الحياة بوجهيهاالمتناقضين: (الخير / والشر)، و (الظلم / والعدل)، و (الحق / والباطل)، و (النور / الظلمة)، و (العهر / والطهر)، و (الوفاء / والخيانة)، ويتساءل هل هذه الاصطراعات هي التي تكرسها النوازع الإنسانية والمطامع الشخصية أم هي صراعات داخلية في النفوس البشرية منذ الأزل، وهنا، تتلون الدلالات، من خلال تناوش أحداث الرواية بأحداث الواقع الذي تبثه القصيدة، ثم يعود ليمركز الحدث الروائي، لأنه يمثل ذروة الصراع الدرامي المتوتر، قائلاً:

"في خريف العلاقةِ العائليَّةِ أو في خريف البلادْ

أَبٌ فاجِرٌ.. وثلاثةُ أبناءْ

الأبيقوريُ والمتعالمُ والمتصوِّفُ

كُلٌ له حُلُمٌ يتآكلُ في عالمٍ عَطِنٍ..

مثل تُفّاحةٍ فاسدهْ" (12) .

لاشك في أن تلاقح الحدثين الروائي والشعري في القصيدة يهبها تفعيل الموقف والرؤيا الشعرية معاً، من خلال الاحتدام والمناوشة بين ما يطمح إليه الشاعر، وما يجسده في واقعه الروائي، ومتخيله الشعري، فهو أراد أن يعري مواقف الأب الفاسدة والأسرة المتهتكة كما هي حال واقعنا العربي المتعفن بالمفاسد، والضلال، والانحراف، والجريان وراء المطامع، والمكاسب على حساب كرامة الوطن، وكرامة أبنائه، وهذا يدلنا أن شخصية الأب المتسلط في غرائزه، ومطامعه هي نفسها شخصية المواطن الفاسد الذي يبيع وطنه من أجل مكاسب دنيوية سرعان ما تذوي وتزول، وهنا، صحيح أن أحداث الرواية وشخصياتها هي الناطقة أستطيقياً بحيثيات الواقع، وأحداث الرؤية الاغترابية المريرة التي يعيشها الشاعر في ظل تدني القيم، وتفاوت المطامع والغرائز، لكن لا يهم كل ذلك، المهم هو أن يعري المواقف السلبية في شخصيته الروائية، لتكون مثالاً منفراً للواقع الفاسد الموبوء بالعفونة، والتفسخ، والضياع، ولهذا، نلحظ تتابع الأحداث والرؤى بكثافة وتنويع إحالي عجيب في حركة الضمائر، ليلعب بالقصيدة على أكثر من إيقاع، ودلالة، كما في قوله:

"لُغَةٌ باردهْ

ونصوصٌ تَساقَطُ منها الفواصلُ.. تدخلُ في بعضها..

طَيِّبون ؟

نعمْ ..

أَربَكتهم طقوسُ الكتابةِ .. تلكَ التي..!!

مَنْ سَيقرأُ هذا الهراء ؟

ومَن سَيُعيدُ الصبا للمياه.. إذا شاخت الأسئلهْ ؟!

ومن سيُجيبُكَ عمّا جهلتَ..

إذا شاركتْكَ فراشكَ طيلةَ ليل شتاءِ طويلْ

خاطرةٌ عارضهْ 

فكرَةٌ غامضهْ

نَزَلَتْ في ديار آل كرامازوف ..

وانتشرتْ في فضاءاتها الشاسعهْ " (13) .

هنا، يبتعد الشاعر بالحدث من الحرارة إلى فيض من التجريد، والتلاعب الذهني بأسئلة ممتدة مفتوحة أستطيقياً؛تشي ببعدها، ونبضها، وحراكها الدافق، وكأن ثمة حراكاً ذهنياً تفيض به المخيلة الإبداعية، وهذا الحراك تتابع بفيض إيحائي ممتد يشي بأبعاد، ورؤى مفتوحة (مَنْ سَيقرأُ هذا الهراء ؟ / ومَن سَيُعيدُ الصبا للمياه.. إذا شاخت الأسئلهْ ؟! / ومن سيُجيبُكَ عمّا جهلتَ.. / إذا شاركتْكَ فراشكَ طيلةَ ليل شتاءِ طويلْ / خاطرةٌ عارضهْ)، وكأن الحدث انتشر من رمزيته إلى تجريديته، ليبتعد من سذاجة الحدث، إلى استطيقيته المشفرة أو المُرَمَّزة، وبهذا، ينأى برؤيته بعيداً، ويرتقي بالحدث والرؤيا إلى فضاءات لا متناهية من الرؤى، والأحداث المتداخلة؛ إذ يقول: 

"أَيُهذا الرائي السلافيُ..

كيفَ جمعتَ في ما رأيتَ .. النقائضَ؟

حيثُ رأيت ..

الوقاحةَ والجُبنَ في رجلٍ واحدٍ..

والبراءة والعُهرَ في امرأةٍ واحدهْ !

ماذا أردتَ من عالَمٍ ..

تأكلُ السرطاناتُ فيه جاراتها السرطانات..

يَسّابَقُ الابنُ والأبُ.. والأخُ والأخُ ..

نحو فراش سَيِّدَةٍ ساحرهْ !

تتجاوزُ فيه النساءُ أحلامَهُنَّ .. إلى كلِّ من يفتحُ البابَ..

حتّى يُطِلُّ الخرابُ .." (14) .

هنا، يخاطب الشاعر شخصيته الروائية (كرامازوف) مخاطبة مواجهة يعري من خلالها الموقف المتناقض السلبي الذي اتخذته هذه الشخصية في عالمها الوجودي، من تناقض، واصطراعات محتدمة، تجمع المتناقضات في حيز وجودي مفتوح، كما في الثنائيات المفتوحة (الوقاحة / الجبن)، و (البراءة / والعهر) ؛وهذا يولد كثافة من الرؤى المحتدمة، بين ما تخفيه الشخصية من رؤى متناقضة، وما يحاول إضفاء صفات جديدة عليها ليظهر من خلالها فساد العالم الخاص بالشخصية الروائية، والموقف السلبي الذي اتخذته في وجودها؛ لتنتهي نهاية تراجيدية مكثفة تبين النهاية الحتمية الأخيرة التي تؤول إليها الشخصيات المصطرعة بمواقفها السلبية، ورؤاها المحتدمة :

"والناسُ.. مُذْ فَرَّقَتْهمْ مصائرُهُمْ

صارَ كلُّ فتى في المدينة .. ينتظرُ اللهَ..

يسعى إلى من يجيء إليه..

وهو في غرفة النومِ .. بالمُعجزهْ

وأنّى توجَّهتَ ..

في ما ترى من فضاء المدينةِ..

أو في فضاء الروايةِ..تَصحَبُكَ الثرثرهْ

في الحياةِ أو الموتِ

في الديرِ والحانِ

في ما يقولُ العبيدُ وفي ما يقولُ أسيادُهمْ

كأنَّ البلادَ التي تتهاوى..

كما يتهاوى الجليدُ بعد شتاءٍ ثقيلْ

ليسَ لها غير ما تهبُ الأبجديَّةُ.. مِنْ مأثَرهْ" (15) .

إن اللعبة الأستطيقية مفتوحة في مدها الرؤيوي، ولهذا، تسعى الشخصية الروائية أن تسطر رؤيتها في مدها الشعوري بين رؤى وأحداث مفتوحة تشي بها، وتحركها بفواعل مكثفة تستمر في حراكها الحدثي اللامتناهي، وكأن اللعبة الاستطيقية بالأحداث تتنامى تدريجياً، لتصل ذروة التكثيف والاحتدام الشعوري، كما في قوله:

أَليشا كرامازوفْ

هل هو وعدُ السماءْ ؟

أم هو آخرُ مَنْ حرّرتهُ طفولتُهُ .. من طقوس الرياءْ ؟

يُحاوِلُ أَن يتجنَّب ما كان في الناسِ..

مِنْ غَفْلَةٍ وجفاءْ

كُلُّهمْ يَدَّعون محبَّتهُ .. ويظلُّ وحيدا

ويتبعهم حيث كانوا..ويبقى بعيدا

تَتَجلّى بصيرتُهُ .. فتطِلُّ عليه البلادُ بأسمالها..

وعقابيلِها..

أيُّ معجزةٍ ستُعيدُ إلى الأرض..

ماكانَ في غدها من بهاءْ ؟!" (16) .

إن فاعلية الحدث أستطيقياً تتبدى في الفواعل المحركة للشخصية برؤى مسقطة عليها من مشاعر الشاعر ورؤاه المتخيلة بين ما تنطوي عليه الشخصية في واقعها من تناقض، واحتدام، وما تمثله من وجه السلب، وهنا؛ يتحدث عنها بلسان الحدث الماضوي حيناً، وبلسان المواجه الواقعي حيناً آخر، وهذا ما يكسب الشخصية شعرية الرؤية، وسخونة الحدث، لاسيما بكثافة التساؤلات المفتوحة التي تشي بها، كما في قوله:

هي أقدارُنا..

يُقبِلُ الموتُ مقترناً بالخرابِ .. وبالشكِّ

وهو يُرافِقُنا حيثُ كنّا ..

ويَسْكُنُ أحلامَنا..

إنَّ تعويذةً ورثتها القبيلةُ..

تُبعِدُ عن هذه المدينةِ .. أبناءَها

وتُغَيِّبُهم في سراب فرائضها..

وتَغيبْ" (17)

هنا، ينتقل الشاعر بلعبة أستطيقية من خطاب الشخصية الروائية إلى خطاب الواقع الراهن بكل مظاهر تناقضاته وسلبياته، فيتحدث عن فساد البلاد، وضياع القبيلة، وهو يرمز بالقبيلة إلى أبناء قومه الذين باعوا العراق، وأضاعوا البلاد، وشردوا بنيها، لدرجة غيبتهم الغربة في فيافي التشرد، والضياع، وغياهب السجون، وهكذا، انفتحت القصيدة على كم هائل من الأحداث والرؤى التي ترصد الواقعين الشعري والروائي بحراك شعوري مفتوح ورؤى كاشفة عن نبض الذات، وتوقها إلى الخلاص، والانعتاق من ربقة الاغتراب ولياليه البائسة إلى عالم يفيض بالأنس والشفافية والجمال؛وهكذا، تأسست الرؤيا الشعرية على كثافة الأحداث واصطراعها وتناقضها الذي يظهر على مستوى الشخصية الروائية، وواقعها الروائي، وفضاء متخيلها الشعري في القصيدة، وهو ما يمنحها التنوع والاختلاف، والكثافة في تحريك الأحداث وخلق متغيرها الجمالي.

•  وصفوة القول: إن فواعل الحدث الشعري- الروائي أستطيقياً في قصائد (أولئك أصحابي) تتمثل في تفعيل الرؤى المتعلقة بالشخصية الروائية بالتلاعب بالأحداث تبعاً لمحفزات الرؤيا الشعرية، وفواعلها الرؤيوية الكاشفة، التي تنفتح على أكثر من دور، وأكثر من ملصق، وأكثر من إحالة، وهذا ما يكسبها شعرية مضاعفة في تعميق الموقف الدرامي أو الرؤيوي الذي تطرحه القصيدة؛ ولا عجب أن تكون الأحداث بتنوعها من أحداث سردية بسيطة، إلى أحداث وصفية متتابعة، إلى أحداث بانورامية منفتحة، نقطة تفعيل الشخصية الروائية وحراكها في هذه القصائد على اختلاف أدوارها، وملحقاتها، ورؤاها المبثوثة على لسان الشاعر، يوجهها بعين الرؤيا لا الرؤية، وبعين الحدث الرؤيوي العميق لا الحدث الوصفي الجامد الذي يرصد تتابع الشخصية من الخارج، ليتغلغل في باطنها، ويحركها بأحداث ورؤى جديدة يمنحها تميزها، وانفرادها جمالياً في هذه القصائد، وهذا ما يحسب لها على الصعيد الإبداعي.

3-  الحدث الشعري نقطة تفاعل الرؤى أستطيقياً، وتعميق الرؤيا الشعرية والروائية في آن معاً:

 إن قارئ قصائد (أولئك أصحابي) في فواعلها الاستطيقية والرؤيوية يدرك أن لعبة الحدث فيها من مغرياتها الخلاقة في شكلها، ومنحاها الإبداعي، فلا يستطيع القارئ أن يغيِّب الدلالة عن مرجعها الحقيقي في الرواية، ولا يستطيع أن يعزل هذه القصائد عن فضاء متخيلها الروائي، إن هذه القصائد فيض من التلاحم، والحراك الرؤيوي الكاشف عن تفاعل الحدث الروائي، والحدث الشعري، وهذا التفاعل ينعكس مردوده على الرؤيتين معاً (الرؤيا الشعرية) بإحالتها الجديدة، وإضافتها الفارقة جمالياً، و (الرؤيا الروائية)، ومرجعيتها الدافقة بالحس، والحراك الجمالي الفاعل، ووفق هذا التصور، فإن ما يثير الحركة الجمالية - في هذه القصائد- ليس فواعل الحدث منعزلاً عن الرؤيا؛ ولا فواعل الرؤيا منعزلة عن الحدث والزمن، إن هذه القصائد كتله من التحولات الإبداعية والتفاعلات الإشارية، التي تتأسس على حراك الدلالات، ومرجعيتها الدافقة، بالحس، والشعور، والجمال؛ولعل أبرز المؤثرات أستطيقياً على مستوى الحدث، ما تفرزه بعض القصائد من كثافة الرؤى والأحداث، كما في قصيدة (الأخوة الأعداء) لحميد سعيد، وفيها يتمثل رواية " الأخوة الأعداء" لنيكوس كازنزاكي، وتعد هذه الرواية لكازنزاكي (رواية عظيمة، قد تفوق روايته – زوربا اليوناني – في بنائها السردي وصراعات أبطالها، وما تحيط بهم من تحديات وأحداث . إنها رواية مفعمة بتوجهاتها الإنسانية، حيث الصراع والتضحية ، والحقد والحب أيضا. وإن شخصية –انداروس– في توقها إلى الحرية والعدالة والإيمان، تكاد تختصر مأساة الإنسان الوجودية في عصرنا المضطرب القاسي) (18) .

تتأسس القصيدة في حركتها الانفتاحية على كم هائل من الأحداث المتصارعة بين واقع اليوم، وواقع الأمس، وزمن اليوم، وزمن الأمس، في حركة أستطيقية منفتحة في مدها الدلالي، وحركة الأحداث، وتفاعلها في السياق، وهنا، تتفاعل المؤثرات بين الحدث الروائي والحدث الشعري، وتتلون إثرها الدلالات في لجة الأحداث المتداخلة، وطبيعتها المتفاعلة، كما في قوله:

"في كتاب الأساطير تمحو الأساطير..

للأزرق الأثيني..

قال. . يسألُني كلُّ من التقيه في هذه المدينةِ

لِمْ ولماذا.. تُشَوِّهُ هيلين صورة هيلينْ

ولماذا.. يُسَفِّهُ هومير أشعار هوميرْ

كنتُ أقول.. من هي هيلين؟!

وأنا ما سمعتُ بهومير..

لمْ أرَ في ما قرأتُ من كتب الأقدمين..

أو كتب المُحْدَثين.. أخبارهُ !!

أو تأكَّدَ لي ما يُقالْ

بعدَ أنْ نزلَتْ في البلاد النوازلُ

أصحو على هَرَجٍ. (19) .

إن القارئ يلحظ تفاعل الرؤى بين ما تعكسه شخصيات الرواية (هومير) و (هيلين)، والواقع الذي تعيشه شخصيات القصيدة، وتراكم أحداثها الراهنة، وهذا يعني أن ثمة قوى دافعة تحرك بنية السرد، لتعرية الواقع، والكشف عن منعرجات الرؤيا أستطيقياً، لتفعيل الأحداث، والبنى الفاعلة في تكثيف الأحداث، والمواقف الشعورية الكثيفة في مجريات القصيدة، ولهذا، يعرض واقع اليوم من خلال ذكريات الماضي أو مجريات الأمس، ويرصد مرارة الأسى، باسترجاع أجواء الرواية وأحداثها وعكس ما يحدث من خلالها على واقعنا المعاصر، كما في قوله:

لمْ يكُنْ حين غادرتُ مقهى المدينةِ في أوّل الليلِ

كان الطريقُ إلى البيت يفتحُ للقمر الرماديِّ ..

باباً 

سيدخلهُ آمناً..ويطوف على كلِّ ما كان في البيتِ..

يمسحُ أِشجارَهُ والرياحَ..

وأحلامَ أطفالِهِ والأغاني القديمةَ والماءَ..

بالنورِ..

هذا الفضاءُ الذي لا حدود للشعر فيهِ..

للحبِّ والأسئلهْ

صارَ حقلَ رمادٍ تمدَّدَ في كتب السَفَهِ..

اقترحَ السُفهاءُ..

أنْ تطرد البلادُ بساتينَها

ويكونُ على كلِّ مُنعَطَفٍ مقصلهْ" (20) .

هنا، يرصد الشاعر الواقع الروائي من خلال استحضار الأحداث، ويكثف نواتجها الدلالية، واللافت أن الشاعر يكثف الصور والرؤى الاغترابية التجريدية التي ترصد واقع مثالي لا واقع عياني مرئي مجسد، وهذا ما يجعل الحدث يتناوب بين الحدث الوصفي: (يمسحُ أِشجارَهُ والرياحَ..وأحلامَ أطفالِهِ والأغاني القديمةَ والماءَ..بالنورِ..) ؛والحدث التراجيدي المتخيل (هذا الفضاءُ الذي لا حدود للشعر فيهِ..للحبِّ والأسئلهْ... صارَ حقلَ رمادٍ تمدَّدَ في كتب السَفَهِ..) والحدث الملحمي الذي يفيض بالرؤى والمشاعر التراجيدية المؤسطرة للواقع الدموي الذي يدل على الانحلال والتفسخ والقتل وإراقة الدماء، كما في قوله: (اقترح السفهاء أنْ تطرد البلادُ بساتينَها ويكونُ على كلِّ مُنعَطَفٍ مقصلهْ) "؛وهكذا، تتراكم الأحداث، والرؤى، والصور بمتخيلات تكشف جوانب الصراع الداخلي بين الواقع والمثال، ومن هذا المنطلق، تتكاثف الرؤى في نسق شعري متآلف، يفيض بالرؤى والمتغيرات والمشاعر المتراكمة، وكأن الحدث الشعري يصبح حدثاً مزدوجاً، يجمع الحدث الوصفي بالمشهدي بالمتخيل:

"وتودِعُ أشجارهُ السودُ في كلِّ غصنٍ تدلّى على الطرقات..

ومسَّ حجارتها .. قُنبلهْ

وسيزرًعُهُ القتَلَهْ

حنظَلاً..

أوَ كُنّا على موعدٍ بالذي كان..

لا أحَدٌ في البلاد التي تتعثَّرُ بالموتِ..

ينجو من الموتِ

مَن لمْ يمُتْ بالرصاص المُخَبًّأ في الخبز..

يقتُلهُ الخبزُ

ومَنْ لمْ يَنَلْهُ رصاصُ الجنودِ

نالهُ من رصاص أخيهِ !" (21) .

هنا، يرصد الشاعر الواقع التراجيدي المؤلم وحالة الموت التي تتخطف المواطنين العراقيين في واقعهم المأساوي المؤلم، وهنا، ينقل الصراع من حلبة الرواية إلى فضاء القصيدة إلى حلبة الاصطراع الراهن بين الأخوة الأشقاء في واقعهم الوجودي وإحساسهم المرير، وكأن الذي صار بالأمس انعكس أثره على واقع اليوم، وانهارت القيم، وعاد الصراع الدموي هو الحكم الفصل في عالم الخلق وطبيعة الوجود، وهكذا، تتفاعل الأحداث، وتتحرك على أكثر من محور أستطيقي بالغ الإشارة والدلالة، كما في قوله:

"في الليلة الأخيرةِ من موعدٍ لن يكونْ

تذهبُ كلُّ نساء القرى بثياب الحدادٍ..

إلى المقبَرَهْ 

يتبادلنَ جمرَ المراثي ويسألنَ عن دم أبنائهنَّ

فارغة كانت القبورُ

ومهجورة هذه المقبرهْ" (22) .

هنا، يرصد الشاعر مشهداً واقعياً بإحساس تراجيدي بالغ الأثر، والتأثير؛ إذ يرصد مشهد الحداد الذي تتناوبه الأحداث الوصفية والأحداث الدرامية، وهذا يرتد بالنص إلى الحدث الوصفي التراجيدي، وكأن واقع الحداد الذي تعيشه العراق هو الذي جعل الشاعر يشعر بالخواء والوحشة والانغلاق والقيدية والاختناق، إثر المفارقات اليومية ومظاهر التناقض في علاقات الأشياء، ومصيرها التراجيدي المؤلم، كما في قوله:

"يخرجُ من كلِّ بيتٍ إمامان..

يفتي الأب القادمُ من صفحات كتابٍ عتيقٍ..

بغير فتوى ابنه الداخلِ في كذبٍ الحاضِرِ..

يختلفانْ

كُلٌ له من قراءاته الفاسدهْ

لغةٌ باردهْ

ويَقتَتِلُ الأخوةُ.. كلُّ الذين يموتونَ..

جاءوا إلى الموت .. من مدن الفقراء

والفقهاءُ..

يغتنمون الأساطيرَ والوهمَ..

من أجل متعتهم بالدماءْ" (23) .

هنا، يصور الأحداث الوصفية بإحساس تراجيدي يصور الواقع الدموي والاقتتال المرير بين الأخوة والأقارب، والبؤساء في زمننا العربي المؤلم الذي يعاني من ضنك العيش، ومرارة الفقر والحروب الشيء الكثير منذ الأزل، خاصة في الواقع الراهن المحمل بشتى أنواع الفقر، والضنك، والألم، والتعطش للدماء، وهكذا تشتغل القصيدة على تقنيات عدة منها التلاعب بالأحداث والانتقال من حدث وصفي إلى حدث درامي، إلى حدث

مشهدي، وهكذا دواليك، محققاً بلاغتين : بلاغة في السرد الوصفي للأحداث، وبلاغة في تكثيف الملصقات الرؤيوية المرتبطة بالأحداث في السياق الشعري، وهذا يرتد إلى شعرية النسق الوصفي المتخيل وفضاء الذات الشعرية وتفعيلها للأحداث الراهنة، كما في قوله: 

يقفُ الأبُ بين بنيه وبينَ بنيهْ

لا يُفَرِّقُ من أيِّ أبنائهِ ..اخترقتهُ الرماحْ

كأنَ الكلامَ بين أخٍ وأخيه .. انتهى

ليسَ من لغةٍ..

بينَ مَنْ فَرَقّتهمْ أساطيرُ سوداءُ..

غير السلاحْ" (24) .

إن الشاعر يعكس الواقع العربي الراهن الذي يقوم على التناحر والاقتتال، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فالأخوة يتصارعون على الحكم، ويقتتلون في واقعهم الراهن، الذي يقوم على الصراع الدائر بينهم من أجل مصالح دنيوية زائلة لا يرعون لحق الأخوة، والقرابة، والانتماء ووحدة المصير، وهكذا، جاءت القصيدة تعروية كاشفة للمواقف السلبية الراهنة، ومعبرة بعمق عن شعور الشاعر التراجيدي المحتدم، لتلعب الأحداث المسقطة من الحدث الروائي على الواقع الراهن بكل مظاهره السلبية، دور الكاشف المحرض لتنشيط الدلالات، وتكثيف رؤاها المحتدمة، وهكذا؛ تتسع دائرة الأحداث، لتنفتح على رؤى مفتوحة، كما في قوله:

على هامشٍ من كتاب.. الأساطير تمحو الأساطير

يكتبُ شيخُ الطريقة .. يأتي زمانٌ على هذه البلادِ

يُسَفِّهُ فيه المعريُّ شعرَ المعريِّ..

تُسفِّهُ فيه النساءُ النساءْ

يعمُّ البلاءْ

ويهجرها الشعراءْ

يعتزلُ الوردُ أكمامهُ والحدائقَ والماءَ

كانَ تبرّأَ من عطرهِ

أتُرى سيغادرُ ألوانِهُ ويهاجرُ .. معتزلاً

ضَيِّقٌ.. ضَيِّقٌ .. ضَيِّقٌ

في المنافي الفضاءْ" (25) .

إن الشاعر يبين الأسى والواقع الاغترابي الراهن من خلال إسقاط إحساسه على الواقع الحالي، بعد مقارنة ما يجري على أرض الواقع، وما حدث في الماضي من تناقض وتشويه، ولهذا، يرى أن العربي مكتوب عليه ضنك الحروب، والفقر، والاغتراب الدائم، والمنافي منذ الأزل، وتأسيساً على هذا تتلون الأحداث أستطيقياً لتعبر عن قمة الأسى ومرارة المنافي وقلق الاغتراب، لدرجة أن المنفي تضيق عليه الدنيا، وتغدو كدارة مقفلة، (ضَيِّقٌ.. ضَيِّقٌ .. ضَيِّقٌ في المنافي الفضاءْ) .وهكذا، تتلون الدلالات وتنفتح على أكثر من رؤيا ومردود دلالي، كما في قوله:

يتوارى القتيلُ والقاتلُ خلفَ تواريخ رعناء

ينسبها قائلٌ غامضٌ . . لرواة غلاظْ

وينسبُهُم – أيّ أكذوبة يتوارثها الجهلاءُ –

إلى ملكوت السماء!!

كلُّ ما جاء في كتاب الأساطير تمحو الأساطير..

ليس سوى كذب وافتراءْ

ليس سوى مرجعٍ.. يستظلُّ به القتلهْ

هل سيعرفُ بعد فوات الأوان .. أخٌ وأخوه يقتتلانْ

أين هي المعضلهْ ؟!" (26) .

إن التساؤل يبقى مفتوحاً، وتبقى الأسئلة تتلجج في الروح (هل سيعرفُ بعد فوات الأوان .. أخٌ وأخوه يقتتلانْ أين هي المعضلهْ ؟!"، بهذا التساؤل يغلق دارة القصيدة، ويترك المد الدلالي لتساؤله مفتوحاً إلى ما لانهاية، وكأن هذا السؤال يمثل تساؤل الوجود ومعضلة الحياة، وهكذا، تنفتح القصيدة على شعرية الحدث أو بلاغة الحدث أستطيقياً، من خلال فواعل الرؤيا المبثوثة عبر تفاعل الأحداث، وتكثيف مردودها في سياق القصيدة.وهذا ما يحسب لقصائد هذه المجموعة أن أحداثها تشكل بؤرة تنامي شعريتها، وليس فقط الشخصيات الروائية في حوارها وتفاعلها النصي، وهذا ما لم يلحظه الكثير ممن تناولوا هذه القصائد بالدراسة والتجريب، ولهذا؛ جاءت هذه الدراسة لتبين فواعل الأحداث أستطيقياً في شعرية قصائد (أولئك أصحابي) لحميد سعيد التي تتنوع مثيراتها الأستطيقية بين حراك الشخصيات، وحراك الأحداث، وتنويع الدلائل والإحالات الجديدة المضافة إلى الشخصية، وهذا ما يجعل فضاءها الشعري مفتوحاً بالرؤى والدلالات الجديدة التي لا يتدفق سيلها الجارف على الإطلاق.

وصفوة القول:إن قصائد (أولئك أصحابي) ليست تبعية للحدث الروائي، وليست نسخاً له، وإنما هي استشفاف جميل للأحداث، وتمثل فاعل للشخصيات في حراكها، ونبضها، وإحساسها الوجودي، ولهذا، تتنوع الشخصيات وتتنوع الأحداث، والمنظورات لدرجة أن هذه القصائد تخرج القارئ إلى متعة المماحكة الرؤيوية البالغة، وكأن رؤية الشاعر رؤية إبداعية تصنع الشخصيات بنبض جميل، وكأنه خالقها، وليس متمثلاً لها في هذه الأعمال الروائية الخالدة في زمنها الإبداعي الذي تجاوزته لتحيا زمننا الوجودي. من خلال حساسية شاعر مرهف غرف من هذا المعين الخالد ما جعل منتجه الإبداعي فتحاً جديداً في فضاء الشعرية المعاصرة اليوم.

 

عصام شرتح

.......................

 الحواشي:

 (1) مخلف الحديثي، حمدي، 2016- تكامل الرؤى، مجلة ديوان العرب، مجلة إلكترونية، موجودة على الرابط التالي:

www.diwanalarab.com / spip.php?page=article&id_article...

 (2) سعيد، حميد، 2015- أولئك أصحابي، ص48.

 (3) المصدر نفسه، ص49.

 (4) المصدر نفسه، 50

 (5) المصدر نفسه، 50

 (6) المصدر نفسه، ص51

 (7) المصدر نفسه، ص51.

 (8) المصدر نفسه، ص52.

 (9) شرتح، عصام، 2016-حوار مع حميد سعيد حول مجموعته (أولئك أصحابي) موجود مجلة ديوان العرب

موجود على الرابط الإلكتروني التالي:

www.diwanalarab.com / spip.php?page=article&id_article...

 

 

 (10) مخلف الحديثي، حمدي، 2016- تكامل الرؤى، مجلة ديوان العرب، مجلة إلكترونية، موجودة على الرابط التالي: www.diwanalarab.com / spip.php?page=article&id_article...

 (11) سعيد، حميد، 2015- أولئك أصحابي، ص56.

 (12) المصدر نفسه، ص57.

 (13) المصدر نفسه، ص57.

 (14) المصدر نفسه، ص58.

 (15) المصدر نفسه، ص59.

 (16) المصدر نفسه، ص59.

 (17) المصدر نفسه، ص60.

 (18) مخلف الحديثي، حمدي، 2016- تكامل الرؤى، مجلة ديوان العرب، مجلة إلكترونية، موجودة على الرابط التالي: www.diwanalarab.com / spip.php?page=article&id_article...

 (19) سعيد، حميد، 2015- أولئك أصحابي، ص64.

 (20) المصدر نفسه، ص65.

 (21) المصدر نفسه، ص66.

 (22) المصدر نفسه، ص67.

 (23) المصدر نفسه، ص68.

 (24) المصدر نفسه، ص68.

 (25) المصدر نفسه، ص69.

 (26) المصدر نفسه، ص69.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم