صحيفة المثقف

الطموح

sardar mohamadالقسم الأول من رواية

عربة عشتار

 


 

الطموح / سردار محمد سعيد

 

1

آه من الطموح لو صار هدفاً

وآه منه لو ارتقى إلى مصاف الغيرة

هكذا فُسّر تصرف هناء مع راحيل عندما فضلتها دون سواها من فتياتمعهد الفنون لدراسة تقنية رسم الحروف المسمارية

هناء فتنة وجمال لايدانى ولا حتى راحيل

إذن ما سر تمسكي براحيل ولا سيما أنها مطلّقة وأكبر مني عمراً

ذلك ما أثار الريبة في العقول الذكورية

 أحدهم أكد على أنها مطلّقة

عرفت مابغيته فقلت

ما شأنك.........أحب المحترفات لا الهاويات

وراحوا يبحثون عن زلة أو شطط فقال قائل منهم

شاهدو الوشم الأزرق على ساعدها الأيمن

لا شك أنه اسم حبيبها الأول

لا يمسح إلا بماء النار ويخلف تشوهاً وأردف مستفسراً بتهكم

لا ندري متى ستنتقل إلى الساعد الأيسر فتوشمه

رد أحدهم أو ربما تنتقل إلى................؟؟؟؟

سمعت يوماً صراخ ابنة جارنا وكان يوم زفافها وعرفت أن نسوة من الأقارب تحلقن حولها وهي مستلقية على بجاد فُرش أرضاً ومسكنها بقوة وراحت أكبرهن عمراً تنقش جلدها وخزاً بإبرة وبعد كل وخزة تنثر فوق الجلد رمادَ سيجارة مشتعلة فيمتزج مع الدم فيتلون بلون أزرق وتظل تصرخ والنسوة يضحكن والأم تقول: لا يدرين أن العروس الملساء غصن أجرد

هناء ليست بحاجة لوشم

نظراتها إبر في أفئدة الزملاء

أحداقهم لا تفتأ متسمّرة في قوامها اللين عندما تتحرك

تحملق في تفاصيل جسدها تاركين ماهو أجدر بالتركيز

راحيل صلبة كعود القصب لكن أصابعها مفعمة ليونة ومهارة

صنعت من أجل دراستنا عشرات الأقلام ذات النهايات الذربة التي تترك أثراً في ألواح الطين يشبه ما يتركه ضغط مسمار

ويشبه ما تتركه إبرة وشم في جسد عروس

2

طلبت مني راحيل مرافقتها لزيارة آثار بابل لملاحظة أشكال الحروف المسمارية عن كثب فقبلت لفوري

عندما سمعت هناء جن جنونها

إذن تأجج تنور الغيرة

إنفرادها معي والإختلاء بي في موقع شبه مهجورأثار خيالات وأوهام كانت قاسية على نفسها وشوهدت في اليوم الثاني وهالات سوداء تطوق أحداقها وشحوب في وجهها يوحي بأرق إنقض فأمضت ليلتها في سهر مضن.

عند اجتيازنا مدخل شارع المواكب من خلال الباب الذي وزعت على جانبيه رسومات لحيوانات ذات خلقة لم يعهدها عقل ولم تألفها عين

كأننا وسط زحام الحشود يوم نصر عظيم

 قالت ونحن قرابة نهاية الشارع

ألا يعجبك رؤية البئر التي عشتار تستحم بمائه؟

أعتقد أنه نضب

تعال وشاهد

وعلى حافة البئر قلت

صدق حدسي.

 ولم أكمل الجملة حتى دفعتني فهويت في قرار سحيق وغرقت في ماء لجي وشعرت بالنهاية اقتربت وسأموت اختناقاً لولا ثمة حوت رمادي حملني على ظهره فتمسكت بزعانفه وارتفع جاعلاً رأسي أعلى من سطح الماء لأستنشق الهواء

هواء نقي وماء رقراق في تلك الغيابة

حقيقة وليس من وحي الخيال.

وإذا بيد تمتد

لفاتنة من القرب تقول:

مددت لك يداً فامدد يدك

يقال أن مروزياً وكانوا يوصفون بالشح والبخل أنه سقط في بئر فقال له أحدهم هات يدك ففضل الموت على أن يعطي يده ففهم الرجل فقال له خذ يدي فتمسك بها سريعاً.

برز وشم أزرق على الساعد هذا الساعد أعرفه ولمحت أقلام راحيل القصبية في مرمى النظر

أنا زميلتك راحيل

نحن في جوار مخدع عشتار إنها تنتظرك

 

3

القصب الذي تشذبه راحيل يليق به الطين الذي برعت في إعدادة مذ كنت صبياً وكنت أنتظر انتهاء موسم الفيضان.

 إيه دجلة الخير. لا شك أن سيولك جرفت الكثير من كتل الطين

طين أحمر قان لونه يسر النظر

سترته الرمال غلافاً اتقاء الحسد

لم يكتف الرمل بأن يكون دريئة فتغلغل في ثناياه

إذن علي إنجاز مهمتي لتوفير كمية لعام

الذهاب إلى ما يشبه الساحل أمين وسهل بوساطة دراجتي الهوائية لكن الإياب تكتنفه صعوبتان أولاهما ثقل كتلة الطين لذا علي دفع الدراجة راجلاً إذ تغدو عربة سالكاً طريق بستان النخيل القصير

والآخر الكلب السائب الذي لا بد من إغرائه ببعض العُظيمات لذا يجب أن لا أنسى مائدته

بعيد وفاة أبي تناولت أمي قبصة من الطين غير المعد وطلت به وجهها فتبسمت ضاحكاً فقالت ممتعضة

أتضحك ولم يمض أسبوع على رحيل والدك

قلت: إن الطين نياشين الكادحين تعرفه جباههم وجلودهم وثيابهم ومن اتشح به اتشح بأصل ومصير البشر

قصتي مع الطين لم تنته بعد

أضعه في طست عتيق وهبته لي أمي وأغرقه بالماء لليلة فيكتسي سطح الماء خبثاً من ملح ورمل ذائبين

وأعيد العمل لأيام مع عجنه بقدمي ليكون الضغط شديداً فلا أترك لحبة رمل واحدة تغلغلاً

وبعد مُدة يصبح طيناً نقياً تتمنى كل عاتق لو رأته أن حبيبها بهذا النقاء والصفاء واللين والتماسك

4

 أدخلتني في رواق طويل نحت من حجر مرمري أخضر بسقف أزرق حسبته قبة السماء ثمة غانيات سوداوات الجلود مدججات برماح طويلة مقومة وعلى باب خرافي التصميم تحرسه حارستان صامتتان لاتعرفان غير لغة الإشارات

هذا مدخل غرفة عرش عشتار

كنت أرتجف ورجلاي تصطفقان من رهبة ربة متأنسنة جعلت قواي تنهار تُرى ماذا سيحل بنبي قال لربه أرني وجهك؟؟؟ إلا أن تدك الجبال التي تحيطه دكاً

 يالسعدك فرصة ماسية................إقتنصها

اليوم تتاح لقدمك وضع الخطوة الأولى في سلم الحياة

لا تدعها تهرب منك

قالت عشتار بغنج المراهقات وعشتار اقتاتت الدهور وازدردت السنوات:

لا توجل وتقدم.

لهجتها كانت متواضعة ولا تخلو من نبرة الأرباب.

أريد منك أن توثّق بدقة ما أخبرك به جلجامش فيما عشقت واحببت

لايفقه أن ذلك يفرحني بل يسعدني

وهذا مايميزني من طاغية جبار

وثّق ودع التاريخ يحكم أيما الأروع عاشقة الحياة والجمال أم حامي الأسوار الذ ي لا تهدأ شهواته إلا إذا افتض عذراء قبل زوجها

وثّق

أنني أحببت تموز الجميل.

وطائر الشقراق المرقش.

والأسد كامل القوة.

وحصان السباق.

وراعي القطيع الذي لم يستجب لنزواتي فمسخته ذئباً.

وإيشولا بستاني أبي.

ولم أترك أحداً إلا استمتعت بقوته سوى جلجامش الذي رفضني وشتمني.

جلجامش الوسيم الذي ذاق الثمرات كلها ’المهووس بالأبكار فلم يترك بكراً لأمها.

إذا وثقت هذا أكون قد نلت قلمك وتشعرني بسعادة هي الخلود

الخلود عندي مغاير للخلود الذي يبتغية جلجامش

كن نداً له واجعله يدرك أن عشبة الخلود لن يحصل عليها

لقد فشلت معه ولم يقبل عربتي الفريدة هدية.

عربتي التي تجرها الصواعق.

خذها هدية نكاية به.

قبيل مغادرتي بهو عشتارالخرافي قالت:

هلم َّأقبّل جبينك وكما يطبع قلمك القصبي الطين أطبع رضاب شفاهي.

أوصتني براحيل

هي ابنتي وأكثر من نتاج بطن وُهبت بوفيّة كما وُهب جلجامش بإنكيدو تبنيتها يوم وجدتها ينهمر الدمع من أعينها النجل وبوجه يفيض براءة يتقلب يمنة ويسرة فلا يجد معيناً في زحمة السبي البابلي ولكونها لا تثرثر جعلتها خازنة أسراري

 

5

أخذت منّي وعداً لتوثيق ما رغبت وكنت حريصاً على الوفاء لأن عشتار عُرفت بالعناد وخشيتي عدم الوفاء معي فلا تهبني عربتها النفيسة.

كم من رجل متمرس مع النساء فشل معها

قطفت ثمار شجرته وتركته غصناً أجرد.

تقول: قُسّم الشبق عشرة أقسام خصصت بتسعة وما بقي فلنساء العالمين.

وفّيت معها وكانت ووفّت معي.

في هدأة ليل كنت في محترفي منكباً على ختم أسطواني أنقشه

طرق الباب طارق بهون وكان من الواضح أنه لا يريد إثارة فضول الناس

راحيل ومعها العربة وآنية أشبه بالإبريق الصغير

هذا الإبريق فيه عقار رشفا ت منه تطيل العمر دهراً

هدية من عشتار فاحرص عليه وخذ العربة وطف حيثما شئت وشاهد مالم يشاهد فمن يرى لا كمن يسمع وستجدني أبرز لك أنّى ذهبت إذا احتجتني.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم