صحيفة المثقف

الكتابة من الصّفر

mohamad alsalehلكنّك رغم ذلك، تستردّ أنفاسك ...

هو الخيالُ، مَلْجَؤُكَ الّذي إليه تأوي ..

 


 

الكتابة من الصّفر / محمد الصالح الغريسي

 

يا أيّها القادم على مهلٍ

من متاهات العدمْ

يربكك الرّحيلُ ..

تذهلك المسافاتْ،

تضرب بينك وبين ذاتك برزخا

من ضبابْ ...

من لك بكهفٍ

تستريح فيه من وَعْثَاءِ القصيدْ..

من لك بمحرابٍ

تتهجّد فيهِ

تمارس طقوس الكلماتْ...

قد تتمرّد عليك المعاني

و يعصف بك الضّبابْ ..

قد تستبدّ بك الأحاسيسُ ..

تقذفك من ضفةٍ

إلى ضفةٍ أخرى، لا تدركها..

فينعقدمنك اللّسان ُ

ويخونك البيانْ

و لا تسعفك اللّغةْ،

لكنّك رغم ذلك، تستردّ أنفاسك ...

هو الخيالُ، مَلْجَؤُكَ الّذي إليه تأوي ..

هو الحلمُ، حِصْنُكَ الّذي به تحتمي ...

ليس ثمّة كتابةٌ خارج ملكوت اللّغةِ ..

فاصنع لِأَبْجَدِيَّتِكَ  الفُلْكَ

و احمل فيه من كلّ زوجين..

هو الطّوفان قادمٌ

لا يعبأ بالكلماتْ...

لا عاصمَ اليومَ

لمن سجنوا أنفسهم بين جدران التّاريخْ ..

يعيدون كتابتهً

بألوان باهتةٍ،

و أشكال هجينةْ...

وحدهم المبدعون من يصنعون التّاريخْ ..

لأنّهم يضربون في ملكوت اللّغةِ ..

يُعَرِّجُونَ بين سماوات الحلمِ ..

يَسْبَحُونَ في محيطات الخيالْ  ...

الكتابةُ..

بُعْدٌ آخَرُ،خارج الزّمانِ والمكانْ ..

حياةٌ أخرى

تعطي الأشياءَ

ما يليق بها من دَلَالَاتٍ...

تجعلها جديرة بأن تسمّى حياةْ،

ثمّ  ..تتمرّد عليها...

الكتابةُ ..

هدم وبناء متواصلانْ ..

هدمٌ لبناءٍ شوّهه الواقعُ ..

وبناءٌلواقع جديدٍ

تُجَمِّلُهُ الأحلامْ ..

فيا أيّها التّجّار والنخّاسونَ

في سوقِ الكتابةِ

أراكم تُعِيدُونَ صناعة التّاريخِ،

في نسخٍ رديئةٍ

يرين عليها الحقدُ والتَعَصُّبُ

وأخرى تغلّفها التّفاهةُ والعقمْ ..

فاحرقوا كلّ ما كَتَبْتُمْ

وأعيدوا الكتابة من الصِفْرْ.

 

محمد الصالح الغريسي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم