صحيفة المثقف

صحيفة المثقف رسالة وأخلاق

safaa alhindiجميعنا او أغلبنا كتَبَ ويكتب في الكثير من المواقع والصحف الالكترونية.. لكن شخصيا وبكل صراحة وجدت المثقف دون غيرها من الصحف لها طعمها وذوقها الثقافي الخاص، وكان للمثقّف ولراعي المثقف الأثَر والفضل في تغذيتي فكريّا وروحيّا، حتى أني لشعوري الدائم بإرتباط وثيق بيني وبينها يشدّني إليها ولإعتزازي وإفتخاري بأستاذي الباحث القدير ماجد الغرباوي كنت قد قررت في وقت سابق ان أعاف غيرها من الصحف وحصرت ما أكتب في المثقف وصحيفتَين غيرها. وأيضا لإعتزازي بها كثيرا ما دعَوت وما أزال أدعو المعارف والأصدقاء إليها. للكتابة والإطلاع أو قراءة أو مشاركة المقالات والمواضيع أو التعليق بين أقسام المثقف. حتى أن العديد من الأصدقاء ظنّوا أن ملكيّة (المثقف) تعود لي.

فصحيفة المثقف ليست موقعا او صحيفة عادية قد يمرّ بها الباحث مرور الكرام كما يمرّ بغيرها في العادة، وإنما هي ولا أُبالغ لو قلت، منهل ثقافي جامع للمعارف والعلوم "الفكرية والعلمية والأدبية" وغيرها، و أقل ما يُقال فيها أنها معلمَ "إنجاز ثقافي" عراقي عربي. يستمد قوّته ونجاحه من الحيادية والنزاهة والإيمان بأخلاقية: الإستجابة، قبول وإستيعاب وإعتراف بالآخر، وأيضا الشعور الوجداني والثقافي والحضاري بضرورة الإنفتاح على كل الرؤى والثقافات والأفكار.. حتى المخالفة والجدليّة منها. وتتجلّى هذه الأخلاقية (حسب قراءتنا ورؤيتنا وتجربتنا) من خلال إعتقاد كادر تحرير الصحيفة بالثوابت والقيم الإنسانية التي في حقيقتها تُعد من منابع وأُسس مفاهيم الأُلفة وثقافة التسامح التي تدعو الى نبذ التشنّج والتطرّف والعجرفة والإستئثار بكل أشكاله، وهو بالتالي تطبيق حي لرسالتها: رسالة قبل ان تكون مؤسسة او صحيفة، رسالة طموحة نحو غد يستمد مقوماته الحضارية من خلال ثقافة ترتكز إلى مبادئ حقوق الانسان، وتؤمن بالتعددية، والتسامح الديني والثقافي، مع الاعتراف بالآخر المختلف شريكا حقيقيا لنا في الحياة.

شخصيا أعتقد أن هذه الرؤية أو الرسالة النبيلة التي صارت "هدف المثقف المستقبلي" إنما هي إنعكاسة طبيعية لثقافة ومنهج وأخلاقية رسالة المؤسِّس والمباديء التي آمن بها قبل أن تتجسّد وتكون هدفا لآخَرَ (للمثقّف) أُريد له السعة والشمولية والنمو والإستمرار على أرض الواقع. وهذا لعمري قمّة السمو الأخلاقي والرسالي. فالمثقف هنا ليست إنطباع وحسب بل وجسّدت بين صفحاتها مجمـوعة المعارف والثقافات الإنسـانية والحضارية، التأريخية والمعاصرة، بألوانها وإختلافها، التي إكتسـبها الإنسان وأثّرَت في تفكيره وفهمه للأشياء، وثقافته وسلوكه وأخلاقه، وعلاقته بالله وبالمجتمع والحياة.

ولا بد أن نذكر هنا نقطة مهمّة دائما ما تعاطتها وتتعاطى بها أغلب المواقع والصحف الألكترونية فضلا عن باقي القنوات الإعلامية الأخرى، وهي (الصحافة الصفراء)، ويجب أن نعترف أن هذه الصفة الذميمة ليست من سياسة المثقف ولا في منهجها وأخلاقها ولا يمكن لنا بحال أن نعتبر المثقف مثلها مثل أي رسالة إعلامية أخرى. برغم أن منها النافع المفيد ومنها الضار الخبيث، فمن الصحف من يُجسّد هوية الأمة وثقافتها ويخدم قيمها وعقيدتها ومبادئها وهذا ما لمسناه لمس اليد في المثقف، ومنها ما يُعرف بالصحافة الصفراء التي تهتم بنشر الأكاذيب وأخبار الجريمة والإباحية والتطرّف والعنف دونما نظر لخطورة تأثيرها على وجدان الأمة ونفسيّة الجماهير. وهي بالتالي تعتمد على أقلام كُتّابها ومحرريها بالدرجة الأولى، ذاك القلم الذي إرتقى به أقوام، وسبق أعلام، وفاز كرام، وبه أهتدى ضال، وتاب مُذنب، وندم مسرفٌ على نفسه، وكم بالقلم حدث نقيض، وجرى ضد؛ فهبط فئام، وتخلف أقزام، وخسر لئام، وكم ظلَّ بالقلم من شريف، وزلَّ من عفيف.

 

بعض الآراء في الإعلام المهني:

يصف الرئيس الأمريكي السابق (جيفرسون) الصحافة بأنها أداة لتنوير عقل الإنسان٬ ولتقدّمه ككائن عاقل أخلاقي واجتماعي. ويقول (أدولف. س. أوكس)٬ ناشر جريدة نيوورك تايمز: "إن الصحافة مهنة لا تستميلها الصداقات٬ ولا يرهبها الأعداء٬ وهي لا تطلب معروفا، ولا تقبل إمتنانا.. إنها مهنة تتغاضى عن العاطفة٬ والتحيز٬ والتعصّب إلى أبعد الحدود، فهي مكرّسة للصالح العام٬ ولفضح الألاعيب والإنحرافات٬ والقصور في الشؤون العامة٬ وتتعامل بروح العدل والإنصاف٬ مع أصحاب الآراء المعارضة٬ مهنة شعارها (ليكن هناك نور). وفي الثمانينات من القرن الماضي تنبأ المفكر الأمريكي "ألفين توفلر" في كتابه (الموجة الثالثة) بأن العالم وتاريخ الإنسانية سينتقل من المرحلة الصناعية (الموجة الثانية)، بعد المرحلة الزراعية (الموجة الأولى)، إلى المرحلة المعرفية (الموجة الثالثة)، والتي ستعرف تحكم المعرفة والمعلومات في بنيات الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية.

فهل تضطلع صحافتنا بدورها المعرفي الرائع الذي وكلت به، ورسالتها الثقافية السامية الملقاة على عاتقها، ودورها التنويري وتشكيل الرأي العام.. أم أنها باتت - في مجملها- لا تجيد غير الطبل والزمر وتضخيم الإنجازات وغضّ الطرف عن الإخفاقات. وهل تمتلك صحافتنا اليوم الجرأة على نقد الذات وتقديم الحلول بدلا من الإنخراط في طوفان الضجيج الإعلامي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. وهل لصحافتنا المعاصرة الرغبة في مواكبة تكنولوجيا الإعلام التي أضحت قاسما مشتركا بين جميع الأنشطة الإنسانية، السياسية منها والصناعية والإقتصادية والعسكرية والثقافية وحتى الترفيهية؟، هذا ما نرجوه من إعلامنا العراقي والعربي.

أخيرا، أتمنّى للمثقّف - مؤسسة وصحيفة- دوام الإستمرارية والمزيد من التألّق والإزدهار، ولكادر وكُتّاب المثقف التسديد والتوفيق.

 

صفاء الهندي

 

للاطلاع على مشاركات ملف:

المثقف 10 سنوات عطاء زاخر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم