صحيفة المثقف

الفنان سعد الطائي من اقطاب الفن العراقي المعاصر (20)

khadom shamhodالتعبيرية مصطلح عام يمكن ان يطلق على جميع صنوف الفن والادب . ويمكن ان نسمي اي عمل فني بانه تعبيري ما دام الفنان يحاول ان يعبر ويسجل المشاعر الداخلية بطريقة معينة بحيث تنسجم مع ظرورات خارجية تحيط بالفنان من ناحية الواقع الموضوعي ومن ناحية ارتباطه بالتراث . وفي اي وجهة كانت فان الفن يبقى حرفة وتقنية يتمكن الفنان منها نتيجة دراسة وجهود تجريبية متواصلة واكتشافات جديدة تمثل حيوية روحية طابعها الالهام . فكل عمل فني لابد لحضور روح الفنان في داخله وبالتالي فان ثمة انسان يعيش في داخل اللوحة . سواء كانت اللوحة واقعية او تجريدية او غيرها .

 1010-khadom

سعد الطائي:

سعد الطائي يمكن ان نطلق على اعماله بالتعبيرية الواقعية التمثيلية وتأثيرات انطباعية من ناحية اللون وتكعيبية او شيئا منهما من ناحية الاشكال ... وكانت التعبيرية لون من الوان الفن وكمدرسة ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر على يد فان كوخ 1852 وادوار مونخ 1863- ويعبر بها الفنان عن مشاعره وانفعالاته عن طريق التبسيط والتحريف او التأكيد على اللون .. في عام 1930 طرحت في بروكسل فكرة الواقعية الحرفية والواقعية التمثيلية للنقاش في مؤتمر فني عالمي . فالواقعية الحرفية يعني التقليد الحرفي للواقع بينما الواقعية التمثيلية تعني اخذ مواضيعها من المشاهد اليومية والحياة الطبيعية والتصرف الامثل فيها .. وكانت المدرسة الفلامنكية مدرسة تمثيلية .

ويمكن ان نقول على فن سعد الطائي بانه فن تمثيلي على اعتبار انه ليس حرفي وانما يمثل الواقع ولكن باستنباط وحرية وخيال وتبسيط في الرسم . الطائي له اسلوب مميز وعادة ما تكون شخوصه محورة بعض الشئ وتغيب فيها التفاصيل واحينا تخترقها خطوط الظل والضوء بشكل متقاطع يعم كل فضاء اللوحة مثل لوحة – زوارق في البصرة - وهو مانجده عند اسلوب حافظ الدروبي .. الطائي له فرشة ناعمة هادئة حركتها تشبة حركة الواقعيين . والوانه تتأرجح بين الواقعية والانطباعية ’ ويشكل الفراغ في اعماله دورا مهما حيث يملئه بالالوان الجميلة الهادئة . يذكرنا ذلك بلوحات تيرنر 1775 العملاق الذي نشاهد في اعماله احيانا مركبا صغيرا في احد زوايا اللوحة والباقي يتركه فضاءا واسعا يعج بالالوان المضيئة ..

نرى في بعض اعمال الطائي الاشكال اشبه بالاشباح مثل لوحة – تأميم النفط - كما يجنح الطائي احيانا الى تكعيبية براك 1882 الناعمة التي يطغي عليها الطابع الرومانسي في خيالها وروحيتها وجمالها .. واكثر مواضيعه تنحصر في الصيادين والفلاحين خاصة اهل الجنوب ومياهها الرافدية الغنية والعذبة وكذلك في القباب والمنائر والاقواس الجميلة والنساء الشعبيات .

وعندما اردت ان ادون انطباعاتي عن اعمال الطائي قبل ذلك قمت برحلة طويلة عبر الانترنيت كي اعرف الى اي مدرسة ينتمي الطائي وبمن تأثر من الفنانين العالميين . وبالتالي وجدت هناك لوحة لاحد الرسامين المكسيكيين وهو خوسيه كليمنت 1883 تمثل فلاحين احدهما يكرب بمعوله والآخر يذري الحبوب، يطغي عليها اللون الاصفر الضارب الى القهوائي مع الوان خظراء فاتحة، اللوحة جميلة وقد استوقفتني كثيرا . فقلت ربما هناك توارد خواطر بين هذه اللوحة واعمال الطائي . كما حدث في اهرامات وزقورات المكسيك القديمة التي نجد لها تشابها مع زقورات بابل واهرامات مصر .. نعم سعد الطائي ينتمي الى المدارس الفنية الحديثة وله اسلوبه المميز بحيث نعرفه من النظرة الاولى وهذا بحد ذاته يجعله من اساتذة الفن العراقي المعاصر .

 1010-khadom2

الولادة والنشأة:

ولد سعد الطائي في الحلة عام 1935 وهي مدينة قديمة وكانت عبارة محلة صغيرة ثم بناها الامير صدقة بن منصور عام 1101 ميلادية وتبعد نحو 100 كم عن بغداد غربا وتقع قرب مدينة بابل التاريخية الاثرية سيدة العالم وصاحبة الجنائن المعلقة .

الحلة : بضم الحاء وتشديد اللام سماها امير المؤمنين علي –ع- نسبة الى جمالها ورفاهها فسماها –حلة – من الحلي . وبعد عدة قرون سميت – حلة – بكسر الحاء وتعني القوم النزول فيها . اي حل فلان في هذا المكان او نزل فيه .

اكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها وكان نشطا وبارزا في الرسم فاشرف على المرسم الفني في كل المراحله الدراسية وحاز على جوائز متعددة .. ولما رأى والده هذا النبوغ المميز قرر ارساله الى ايطاليا لدراسة الفن عام 1952. ثم عاد الى العراق عام 1957 من روما وهو يحمل شهادة الماجستير . وعين مدرسا في معهد الفنون الجميله ثم رئيسا لقسم الرسم بعدها عين عام 1976 مدرسا في كلية الفنون الجميلة في بغداد .

انظم الى جماعة الانطباعيين التي اسسها حافظ الدروبي (1914) عام 1953 وكان سعد الطائي له علاقات ودية وصداقة طيبة مع حافظ الدروبي. وقد اشترك في كل نشاطاتها ومعارضها السنوية . قام بعدة معرض شخصية وجماعية مع الفنانين العراقيين المعروفين مثل حافظ الدروبي ومحمد غني حكمت وخالد الجادر . اصدر كتابا فنيا يتحدث عن حياته تحت عنوان – الرسم على حواف الواقع - .. في عام 2003 طرح فكرة تعليم اللغة الايطالية في كلية اللغات في جامعة بغداد وقد فتح لذلك فرعا وكان الطائي يشرف على التدريس وتخرج منه عدد من الطلبة وبعثوا الى ايطاليا لاكمال دراستهم بدعم من السفارة الايطالية . ساهم في رسم المناهج التعليمية والتربوية الفنية في وزارة التربية، وغيرها من الانشطة المميزة والبارزة في حركة الفن العراقي ...

سعد الطائي كان احد اساتذتنا في معهد الفنون الجميلة عام 1967، كان انيقا في ملبسه وجميلا في شكله ولاتفارقه السترة والرباط ابدا وكان صاحب دردشة وحوار ولطافة ولكنه كان (اطول طلابه) قبل ايام شاهدت له لقاءا في قناة بلادي وقد وجدته ما شاء الله في صحة جيدة ونبوغ كبير في تحيليه ونقده ورصده لحركة الفن العراقي والعالمي رغم تقدمه في العمر وهو 81 سنة .. اتمنى الى استاذنا الكبير الصحة والعمر الطويل ومزيدا من العطاء والتألق والابداع ... تحياتي استاذنا الغالي .

 

د. كاظم شمهود

  

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم