صحيفة المثقف

مرثية لأمي

qusay askarذاكرتي تقبـع  في واديها

واللون الأزرق يهجر عيني

 


 

مرثية لأمي / قصي الشيخ عسكر

 

الصبح وحيد

من دونك ياأمي

كالطفل القابع في عزلته

والعالم طفل

محروم من لغة العفو

وأنغام الأمن وأجراس الحلوى

منذ زمان ياأمي

والشارع يهبط فيّ وحيدا

ولقلبي عن بعد

غنت عيناك أغاني يعرفها العالم لكن

لايدرك معناها

في اليوم الواحد ياأمي

أرجع طفلا آلاف المرات

أسكب نفسي في كل النظرات

أمسح عن عيني الدمع أغني

وأدندن وحدي

فأرى العالم يهمس خلفي

أيد تحمل أسماء ولامعنى

وبمعنى آخر لايدركه عقلي

كف ترفع سكينا

أخرى سيفا

ثالثة رابعة

خلفي تركض كالحشرات الأرجل

تسعى كي تطعنني الأيدي

وكأني أفعى تزحف تبحث عن مأوى

ولأني أخشى هذا العالم

ولكونه مجنونا لايفهمني

أخلع جلدي

من نفسي أخرج

كالطاعون أغطي الأرض

أضحي وردا وحقولا

وطيورا ومياه

وسيولا وفراشات وزواحف

أو أنقض على نفسي كالنسر

فأضحي حجرا

وخيولا وزوارق

تمخر أعماق البحر ِ

كواسج تلتهم الغرقى

بعد دقائق أتعب ُ

من كل الأحوال ِ

أعود إلى شكلي

كان العالم يقبع في النوم ِ

فينساني ثم يعود فيذكرني

عند الفجر أمارس حقي في الناسخ والمنسوخ أناجي أشكالي...

شجر الصبار أنا

عصفورا كنت ويأتيني

شكلي الآخر نسرا

تتصارع أشكالي

من يأتيني بالأمن ِ

فأنجو من أبد

وعيوني خلفي تجري كي تذبحني

أم من أشكالي إذ تتصارع حتى

يقتل بعضي بعضا...

ملهاتي تسخر مني

فأهم بأن أصبح مخلوقا

مسخا يحيا

في الأرض وفي البر ، وكان الآخر شكلي الماثل لي

شرنقة تحيا أقصر عهد تحياه ولن ترجع لي

سألتني ألا أقتلها الآن كما أصرع نفسي

في ذات الوقت يقول صباحي :

آتيك به من قبل ومن بعد ، وآتيك به

إذ ترتد إليك رؤاك ...فهيا

ساورني كالخوف ِ

وراودني كالصمت

في الماء وحيدا كنتَ

فماذا تصبح بعد ؟

جربت الأشكال جميعا

فانصاعت لي

وامتدت حولي

أسدا

نمرا

قطا وحشيا

وغزالا كنت

نسرا

بازا

عصفورا

منذ قرون وأنا آكل بعضي

أو يأكلني بعضي

والألوان انساحت كالتمساح على واحة آلامي

الأحمر ذاكرة تغسل واحتها حولي

كالعنكب أبدو داخلها

أتربّص ذاتي

أتأمل وجه العالم حولي

أبصره حشرات تسقط في بيتي

الأخضر حقل

يلبس جلد النمل

يأتي كالتاج يحط على رأسي

ورذاذ من لون

أصفر يلعق عيني

ماأجمل هذا الطفل المسخ

فتقول امرأة حبلى شدتها نظراتي في المهد

إن جاء القمر الغائب نربطه في جذع النخلة ِ

نربطه

نحفر دائرة حول الطفل ِ

وأخرى للقمر الحاضر ِ

ثالثة  للصبر الكامن فينا

ثمّ نغني :

ياطفلا

ياموعودا بالرزق وبالخير

أعداؤك مرضى

هاموا في البر

ياذا الطفل المربوط إلى القمر الحاضر

والقمر الحاضر في الصخب المجنون

يخرج إبرته من كمه

يلسعني كاللص ِ

ويسعى للحفرة يبكي ، فتراه امرأة حبلى

تشهق من ساعتها ثم تقول :

المكسوف الخاطر

ذاك القمر الموعود

مادمت رأيت القمر المكسوف َ

فإن الطفل الموعود يكون بهالة نور ٍ

في جبهته والعالم من حوله

ذئب موعود بالشر

تلك الليلة ساورني شك ٌ

في أني ضيعت عيوني

حين استيقظت رأيت العالم حولي

ذئبا مسكونا بالشر

أتحسس أجزائي

أنفي شعري

صدري

لم أفقد شيئا

حزني أو فرحي

غضبي وسكوني

ذاكرتي تقبـع  في واديها

واللون الأزرق يهجر عيني

أدرك أني لم أفقد ذاكرتي

لولا القمر الغائب في حفرته

لولا تلك الليلة

كنت سأخلق بالمخلب والسيف

لولا قابلتي

لولا أن غنت أمي وهي تهز سريري

آه ياطفلي

أعداؤك هاموا في البر

مرضى أعداؤك في الصحراء

لولا ذاك لكانت كفي

ذات مخالب كالذئب

لولا أغنية من أمي

بالدمع سقتها

فتجلت في شفة القمر العاشق

وحيا ألقاه على الصحراء وغادرها

لولاها

كان الخوف سيكبر في روحي

فأصير الذئب الموعود

تلك اللحظة أسقط في ذاكرتي

فأدندن وحدي وأغني

حتى يأتيني

شيء ما

لاأدركه ولعلي أفهمه وحدي

فأرى وحدي العالم حزمة نور

فاحت بالعنبر والمسك ِ

ومالت نحوي

وانشقت عن قلبي

وأرى ذاكرتي تنبع عن ورد وغناءٍ

وسماء ٍمن ألوان

ومغانٍ

وحنين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم