صحيفة المثقف

الجهاد باب من أبواب الجنة

ali jabaralfatlawiتحدّث القرآن الكريم في عدد من آياته عن فريضة الجهاد، بمفردة جهاد أو قتال أو غزو أو حرب أو شهادة، ومن آياته الكريمة في الجهاد قوله تعالى:

((لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما)) النساء: 95

جاء في (التفسير الكاشف) للشيخ محمد جواد مغنية في تفسير الآية السابقة: ((من تخلف من الجهاد لعذر مشروع فهو معذور بل ومأجور إذا كان مؤمنا مخلصا يحب النصر للدين، فقد جاء في الحديث: ((المرء مع من أحب)) أي من أحب مجاهدا لا لشيء إلا لأنه مجاهد فله أجر المجاهدين، ومن أحب صادقا لصدقه فله منزلته، ومن أحب ظالما لظلمه، فهو شريكه، ومن أحب كافرا لكفره فهو مثله، هذا حكم القاعدين غير الأصحاء))، فالذي يُعذر من الجهاد هو غير الصحيح أي المريض، وهذا الإعذار في الجهاد العيني، أما الكفائي فيسقط عن الآخرين حتى الأصحاء إذا تصدى له من يفي بالغرض والحاجة، مثل جهاد الحشد الشعبي اليوم الذي يجري بعنوان الجهاد الكفائي.

ذكرت الآية الكريمة أن الله تعالى فضّل الله المجاهدين على القاعدين درجة، وفضّلهم بإعطائهم أجرا عظيما، يقول صاحب (التفسير الكاشف):

 ((الأجر العظيم (درجات منه ومغفرة ورحمة).  ودرجة واحدة عند الله خير من الكون بما فيه، فكيف الدرجات!!  أما رحمته فلا شيء خير منها إلا من هي منه.. وكفى بمغفرته أمانا من عذابه وسخطه .. هذه هي المغفرة والرحمة والدرجة عند الله، من نال واحدة فهو في عليين، فكيف بمن نالها مجتمعة؟!))

واحتل الجهاد منزلة كبيرة في الأحاديث النبوية وأحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

((فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ .)) وقال (ص) أيضا: (( أشرف الموت قتل الشهادة))، وقال الإمام علي عليه السلام ((أما بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله )). وقال (ع) أيضا: ((والذي نفس ابن ابي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من ميتة على الفراش)) .

واليوم وقد تعرض وطننا إلى هجمة شرسة من التيار التكفيري الذي ترعاه السعودية في المنطقة، وبدعم من الدول الحليفة لها وبعض الحركات السياسية السلفية، وجبهة التكفير هذه أدخلت إلى سوريا والعراق منظمات الإرهاب بضوء أخضر من أسياد جبهة التكفير أمريكا والصهيونية، وقد بات معروفا ومكشوفا أن التكفير ومنظماته موظف لخدمة الأهداف الصهيونية الأمريكية.

أُدخِلَت داعش إلى العراق من سوريا، واستلمت الموصل من دون قتال بتواطؤ مكشوف مع جهات وشخصيات سياسية وعسكرية عراقية محسوبة على الجبهة السعودية التركية، وكانت الخطة الأمريكية التكفيرية بقيادة السعودية أن تصل داعش إلى بغداد في حال إصرار المالكي للتشبث باستحقاقه الانتخابي، لكن تنازل المالكي بسرعة عن الاستحقاق الانتخابي أوقف زحف داعش إلى بغداد بناء على أوامر أمريكية، وكانت العناصر البعثية والأخرى الطائفية المرتبطة بأجندات خارجية جاهزة لاستقبال داعش في بغداد، واستقرت داعش في الموصل والانبار وصلاح الدين وفي عاصمة الإرهاب الفلوجة، فكان القرار الأمريكي أن تبقى داعش في العراق ثلاث سنوات على أقل تقدير وجاء هذا التقدير الزمني على لسان أوباما ومسؤولين أمريكيين آخرين، والهدف من بقاء داعش في العراق هو تنفيذ مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سنية شيعية كردية، وخلق حرب أهلية تنتعش فيها داعش لتنتقل بعدها إلى إيران وهي هدف لأمريكا وإسرائيل، لكن من أفشل هذا المشروع وقتله في مهده فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي، فكانت فتوى في الوقت المطلوب والمناسب، إذ أنقذت العراق من التقسيم وأوقفت داعش من التمدد إلى الوسط والجنوب.

وهنا جاء دور الجهاد الكفائي في حماية الشعب والوطن والمقدسات، إذ اندفعت الجماهير استجابة لفتوى المرجعية للتطوع من إجل تنفيذ واجب الجهاد، فكانت تشكيلات الحشد الشعبي المبارك وفصائل المقاومة الإسلامية البطلة، التي أوقفت زحف داعش، بل بدأت بتطهير الأرض العراقية من دنسها وقذارتها، في هذه المرحلة من حراك الحشد الشعبي شعر أعداء العراق بالضيق والقلق، إذ شعروا أن مشروعهم في العراق بات من المستحيل تنفيذه بعد فتوى المرجعية في الجهاد الكفائي، وبدأت الجبهة التكفيرية الأمريكية الصهيونية مع حلفائهم في داخل العراق بنشر الأكاذيب عن الحشد الشعبي بغية الحد من نشاطه أو كسر عزيمته، لكن جهودهم ضاعت في مهب الريح لأن شعبنا العراقي واعٍ لهذه الحيل وهذا اللعب، فكان الردّ في الميدان من خلال تطهير الأرض وقتل فلول داعش رغم الدعم المفضوح من أمريكا وحلفائها في المنطقة، واليوم نشهد الانتصارات الكبيرة للجيش العراقي والقوى الأمنية الأخرى وأبناء الحشد الشعبي في معركة تحرير الفلوجة، عاصمة الإرهاب في العراق، هذه الانتصارات أقلقت أعداء العراق، بل أصبح الحشد الشعبي الذي جاء استجابة لفتوى المرجعية في الجهاد الكفائي مصدر قلق لإسرائيل، عندما صرّح رئيس وزرائها نتنياهو أن طاعة الشيعة لمراجعهم بهذه القوة والاندفاع والحماس يعد تهديدا لإسرائيل.

يعد الجهاد في الإسلام بابا مهما في الدفاع عن الوطن والمقدسات، ولكن للجهاد نسقان جهاد الإسلام الأصيل غير المسروق، وجهاد التكفيريين الذين سرقوا الإسلام وزيفوه وأساؤوا إليه، جهاد التكفيريين ضد المسلم الآخر خدمة لأمريكا والصهيونية، أما جهاد الإسلام فهو دفاع عن الوطن والمقدسات، وانتصار للمظلوم على الظالم، هو جهاد الحسين (ع) بوجه يزيد، وجهاد المقاومة الإسلامية بوجه إسرائيل، وجهاد الحشد الشعبي بوجه داعش، الجهاد في الإسلام الدفاع عن النفس والوطن والمقدسات، والدفاع عن المسلم الآخر المظلوم، بل الدفاع حتى عن غير المسلمين بوجه من ظلمهم، يقول الفقيه السيد محمد حسين فضل الله في (فقه الشريعة) الجهاد: ((لا يقف عند حدود الدفاع عن النفس وتوابعها من المال والعرض، بل يتعداه إلى وجوب الدفاع عن أنفس الغير، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين .. في ظل الاعراف الدولية السائدة تعتبر كل دولة مسلمة وطنا لابنائها، بحيث يكون الاحتلال ونحوه اعتداء عليهم، فإذا تعرضت للغزو من العدو الخارجي وجب على إبنائها بالوجوب الكفائي التصدي لتحرير الأرض ودفع العدو، فإن عجزوا وجب على الأقرب إليهم فالاقرب على نحو الكفاية أيضا مع القدرة والإمكان.))

 

علي جابر الفتلاوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم