صحيفة المثقف

هل سيقع الطلاق بين بريطانيا والإتحاد الأوروبي؟

يتصف الشعب البريطاني بالانغلاق على نفسه وعدم رغبته بالتواصل مع الشعوب الأخرى بشكل عام وهذا ماجعل الحكومات البريطانية المتوالية تتخذ إجراءات خاصة بحيث يكون العيش فيها للوافدين من الخارج مُكلف وغير مجدي ولأجل هذا عملت على رفع نسب الضرائب بشكل عام ورفع معدلات الأسعار العامة ويقابلها رفع سقف مستويات الدخل لمواطنيها بحيث ان هذا الارتفاع العام في المعيشة لايؤثر على المواطن البريطاني ولكنه يحقق الهدف المنشود وهو نفور الأجانب وعدم تشجيعهم للقدوم الى البلد،لذا نلاحظ أن الأجانب الذين يذهبون الى بريطانيا للسياحة معظهم من طبقات المترفين وخاصة من أغنياء الخليج ومن أغنياء المشاهير والفنانيين.

ان انضمام بريطانيا الى الاتحاد الأوروبي لم يكن على اقتناع كامل لأنها تنظر للآخرين باستعلاء وتعتبر نفسها قوة عالمية لا يمكن لها أن تظل محصورة ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي ولكنها فكرت بالانضمام بنيّة مختلفة عن باقي الدول الأعضاء، ففي بداية الإعلان عن تشكيل الاتحاد الأوروبي قامت بريطانيا بالاستهزاء من هذا الاتحاد واعتبرته صغيراً ولكنها مع حلول عام 1963 قررت الانضمام إلى الاتحاد لأسباب ومصالح خاصة، لكنها واجهت الفيتو الفرنسي، وبعدها رفض الرئيس الفرنسي ديغول طلباً بريطانيا آخر للانضمام إلى عضوية الاتحاد في عام 1967، وذلك اعتقاداً منه أن الحكومة البريطانية تتبنّى سياسات عدائية للاتحاد، ولكنها تمكنت من الحصول على عضوية التجمع الاقتصادي الأوروبي في عام 1973، وذلك عقب زوال حكم ديغول.واستمرت عضويتها طوال هذه الفترة ولكن كإسقاط فرض لا بنيّة حقيقية للاندماج وتحقيق أهداف الاتحاد الرئيسية في تحقيق التكامل الكامل في جميع المجالات لجعل هذا التجمع قوة سياسية واقتصادية كبيرة تتحكم بالعالم، وبقيت بريطانيا دائماً تلعب دور المعارض والمعرقل لكثير من توجهات الاتحاد لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، وتعدّ انكلترا واحدة من تسعة دول من ضمن الاتحاد الذين لازالوا يستخدمون عملتهم الخاصة داخل الاتحاد، وطوال هذه السنوات كانت تلّوح بالخروج من الاتحاد وكثيراً ما أجرت استفتاءات شعبية حول هذا الموضوع كي تستخدمها كورقة ضغط وتلويح لتحقيق مآربها الخاصة ،ولكن النتائج دائماً كانت تؤكد رغبة غالبية الشعب البريطاني بالبقاء ضمن الاتحاد الاوروبي ضماناً لمصالح بريطانيا العظمى، واستمرت الحكومات البريطانية المتعاقبة بايصال رسائل الى دول الاتحاد مهددة بالانفصال عن الاتحاد،وعادت دعوات الإنفصال تتعالى حالياً من قبل حكومة دايفيد كاميرون وهذه المرة بشكل أبرز حيث دعا الى استفتاء شعبي عام قريب للتصويت على هذا الأمر وبشكل حاسم بالرغم من دعوات الكثير من الخبراء والمختصين في بريطانيا وخارجها للتخلي عن هذه الفكرة لخطورتها على الاقتصاد البريطاني، ومنها تقرير أعدته وزارة المالية البريطانية مؤخراً بينت فيه ان اقتصاد بريطانيا سينكمش بنسبة 6 بالمائة بحلول عام 2030 في حال خروج البلاد من الاتحاد الاوروبي  وإن الخسارة التي سيتكبدها دخل البلاد ستعادل خسارة كل اسرة في بريطانيا ما يعادل 6 آلاف دولار،وحذر تقرير آخر نشر في صحيفة التايمزبأن قرار الخروج من الاتحاد سيسبب ايذاءً ذاتياً هائلاً بالنسبة لاقتصاد بريطانيا بشكل عام وللأسر البريطانية بشكل خاص وان بريطانيا ستصبح أكثر فقراً بشكل دائم.

هذا على النطاق الداخلي أما الأصوات القادمة من الخارج والرافضة لخروج بريطانيا من الاتحاد فهي كثيرة ومنها دول العشرين التي حذرت مؤخراً من ان صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يشكل احد التهديدات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد العالمي،وكذلك ناشدت مديرة صندوق النقد الدولي كرستين لاغارد بريطانيا والاتحاد الاوروبي لانقاذ زواجهما الذي دام طويلاً.

وسط هذا التناقض في الآراء فقد اتفقت الأطراف المؤيدة للانفصال والأطراف المعارضة لذلك على مسألة مهمة جداً وهي وجوب استمرار العلاقات الاستراتيجية الرئيسية والمتمثلة بالتعاون العسكري وحلف الناتو وقضية تبادل المعلومات الاستخبارية من خلال ما يطلق عليه ترتيبات (الأعين الخمسة) التي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وكندا ونيوزيلندا ويجب أن تبقى دون تغيير،ولايفوتني أن اذكر موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه القضية فهي من اشد المؤيدين والمشجعين على بقاء بريطانيا من ضمن الاتحاد الاوروبي وذلك لاعتقادها بأن بريطانيا تعد طرفاً حيويا لشراكة عبر الأطلسي، وعندما تكون العلاقات متوترة بين أوروبا والولايات المتحدة،فان بريطانيا لها القدرة على لعب دور الوسيط في تصفية الخلافات ونقل رسائل إلى بروكسل للمساهمة في حسمها وتصفية الأجواء.

ان حكومة دايفيد كاميرون تبدو عازمة هذه المرة على الانفصال الحقيقي عن الاتحاد حيث طالب كاميرون دول الاتحاد بشكل رسمي، إجراء تغييرات في أربعة قضايا رئيسية، قبل الإعلان عن موقفه في الاستفتاء القادم وتعدّ هذه المطالب بمثابة شروط وضعها على طاولة الاتحاد اذا ماتم تحقيقها فان بريطانيا ستتخلى عن فكرة الانفصال وتتمثل هذه الشروط بما يلي:

1. قضية السيادة: حيث يتمثل الموقف البريطاني بمعارضة فكرة التكامل السياسي وان قضية حل كافة المشاكل داخل أروقة الاتحاد غير ملزم لها، وانه من الضروري منح المزيد من الصلاحيات للبرلمانات الوطنية داخل دول الاتحاد في إيقاف مشاريع القوانين والدساتير التي لا تناسبهم.

2. الهجرة داخل الاتحاد الاوروبي: مطلب بريطانيا في هذا المجال هو الحد من ظاهرة الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي ويعدّ هذا الشرط الأهم والأكثر تعقيداً في المفاوضات مع الاتحاد، وأكدّت الحكومة البريطانية بهذا الخصوص على ضرورة فرض قيود قانونية لمنح المهاجرين من داخل الاتحاد إلى بريطانيا لفرصة الاستفادة من نظام الضمان الاجتماعي، ومنها أن يكون المهاجر قد أمضى أربعة أعوام في العمل داخل حدود بلاده، لكن باقي الدول الأعضاء يرون في هذه الخطوة إخلالاً لمبدأ حرية انتقال اليد العاملة داخل دول الاتحاد، وانّها ستؤدّي إلى التمييز بين الأفراد.

3. الإدارة الاقتصادية والعملة: طالبت بريطانيا في هذا المجال بمنحها ضمانات حول الإبقاء على تعددية العملات داخل الاتحاد، وذلك من أجل رفع مسؤولية إنقاذ الدول الأوروبية التي تعاني من مشاكل اقتصادية عن عاتق بريطانيا، والحفاظ في الوقت نفسه على الوضع القوي لها خارج منطقة اليورو.

4. القدرة التنافسية: طالبت في هذا المجال بزيادة القدرة التنافسية، من خلال العمل على تقليل البيروقراطية داخل الاتحاد، والعمل الجاد لتسهيل الاتفاقيات التجارية مع دول خارجية، إضافة إلى توسيع السوق المشتركة التي تتيح تنقل الأمتعة والبضائع والخدمات بلا قيود.

نتسائل في خضم هذه التناقضات والتعقيدات في الموقف البريطاني المتعنت هل ستوافق رئاسة الاتحاد الأوروبي على شروط بريطانيا وتتمسك بها كعضو مهم وفعّال أم سترفض ضغوطات المملكة وستعلن الطلاق بشكل رسمي، هذا ماستجيبنا عليه الأشهر القادمة التي ستكون حبلى بالمفاجئات.

 

رائد الهاشمي

رئيس تحرير مجلة نور الاقتصادية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم