صحيفة المثقف

الإرهاب والفساد الادارى

adil amirيساهم الفساد في تدني كفاءة  الاقتصاد العام،حيث انه يحد من الموارد المخصصة للاستثمار ويسيء توجيهها أو يزيد من كلفتها، وكذلك ضعف.الجودة في البنية التحتية العامة لان الفساد الإداري بصورته الحالية يمكن إن يقوض كل جهود إعادة الإصلاح السياسي والاقتصادي في مصر ويفوت الفرصة على كل المحاولات التي تبذل اليوم من اجل معالجة أزمته. لان تفشي الفساد الإداري في مصر لا يعني استحالة الحد من انتشاره والقضاء عليه نهائيا، تحرص الدولة على إصلاح أوضاع الفساد الإداري والمالي في كافة مؤسساتهـــا الذي كان موجودا في السابـق وأصبح له أبعادا جديدة بامتداده إلى الأفراد والمؤسسات الخاصة والحكومية، وذلك بتكثيف جميع الجهود سواء إن كانت حكومية أو غير حكومية لكشف المتلاعبين بالمال العام وإيجاد بعض الحلول والمعالجات الضروريـــة للحد من هذه الظاهرة والخروج بنتائج ايجابيــة تسهم في تقدم المجتمع وبالتالي تسريع عملية التنميــــة بجوانبها المختلفة

بيد إن هذا لا يمكن إن يحصل ما لم تتحقق عملية إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي شاملة، وتهيئة البيئة الملائمة لتبني عملية الإصلاح والاستجابة للمتغيرات الديمقراطية.

فالفساد في مصر تأصل ورسخت جذوره وأصبحت له مخالب وأنياب، ينهش بها كل من يريد أن يحاربه، وهو يتدرج من الفساد الصغير الذي نلمسه في دهاليز الجهازين البيروقراطي والأمني وساحات الإنصاف والتعليم والتطبيب، وصولاً إلى العمليات الاقتصادية الضخمة التي تقدر قيمتها بالمليارات.

 عموما يمكن اتخاذ عدد من الإجراءات في سبيل مواجهة الفساد الإداري منها التفكير الجدي والعلمي لتبني سياسات الإصلاح الاقتصادي واختيار القيادات الإدارية الكفاءة والنزيهة وإحكام السيطرة والرقابة بمتابعة أعمال وتصرفات كبار الموظفين وتدقيق الموجودات الثابتة ضمن مسؤولياتهم الإدارية ونشر التعليم بين إفراد المجتمع من اجل زيادة وعي الناس بما يحجم المنظومات الفاسدة داخل الجهاز الإداري

إذا كان الإرهاب هو استعمال منظّم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية بصورة فردية أو جماعية وبشكل يثير الرّعب والخوف ويخلّف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة؛ بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بصورة تتنافى مع مبدأ حق تقرير المصير وقواعد القانون الداخلي والدولي.

 فإن الفساد في شكله المالي أو الإداري يرتبط أساسا بسوء استعمال السلطة وتوظيفها في خدمة المصالح الخاصة الضيقة بصورة تتناقض مع القوانين الجاري بها العمل؛ وتفرز تكاليف سيّئة وخطيرة تطال الدولة والمجتمع.

فالفساد الإداري يقوم على تسخير السلطة لخدمة أهداف شخصية؛ فيما نجد الفساد المالي يشجّع الإثراء بلا سبب؛ بصورة تسهم في تدمير الأسس الاقتصادية للدولة وتهدّد قيام المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وتكرّس سلوكيات تعكس الاستهتار بالقوانين وتقضي على مظاهر الشفافية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.

وينطوي الفساد بشكل عام على مجموعة من الدلالات والمفاهيم؛ وكما يهمّ الأفراد فهو يعني الدولة بمختلف مؤسساتها أيضا؛ وهو يتنوع بين شكله السياسي وما يرتبط به من خيانة وخداع وتزوير لإرادة الجماهير وبين مظهره الإداري وما يتعلق به من استغلال السلطة المخوّلة بشكل غير مشروع في تحقيق مصالح شخصية مختلفة وبين تجلياته المالية المرتبطة بالسّطو على المال العام والاغتناء غير المشروع.

تتداخل في كل قطاعات المجتمع وعلاقاته، ابتداءً من الدولة بمؤسساتها الرسميــة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومؤسسات الثقافة والإعلام، وانتهاء بالأفراد في تعاملاتهم اليومية . لان الفساد له آلياته التي تؤثر في نسيج المجتمعات وسلوكيات الأفراد مما يكون له آثار معاكسة واضحـــة ومباشرة علـــى التنميـــة الاقتصادية وتخلفها

فهما يقوّضان معا حقوق الأفراد والجماعات؛ ويعبّران عن الاستهتار بالقوانين والقيم المجتمعية؛ ويحرضان على العنف والانتقام ويكرّسان ثقافة الحذر والارتياب بين والقرابة. والمجتمع من جهة؛ وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى وتبرز الكثير من الوقائع الميدانية في عدد من البلدان كيف تحول الفساد إلى "إرهاب" حقيقي؛ عندما اقتضت المصلحة الخاصة للمفسدين ذلك. فمن منطلق المصلحة الخاصة التي يسعى إلى تحقيقها "المفسدون" و"الإرهابيون"؛ فمن الطبيعي أن نجد تعاونا وتنسيقا بين الفساد والإرهاب؛ فقد تحدثت الكثير من التقارير عن وجود تنسيق بين مهرّبين وحركات "إرهابية" في منطقة الساحل الإفريقي؛ فالتساهل مع مرور البضائع المهربة من الحدود يتيح إمكانية مرور الأسلحة أحيانا؛ كما أن عدم الصرامة مع تداول المخدرات يمكن أن يسمح بتداول بمنتجات غذائية أو أدوية مسمومة أو منتهية الصلاحية أو التساهل مع بناء مساكن ومباني مغشوشة بما يهدد أمن وسلامة وصحة المواطنين.

 ومن ثم القضاء عليها، وتشخيص الموظفين المنحرفين وتفعيل آليات تطبيق القانون واتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة للسيطرة الكاملة على المنافذ الحدودية لمنع كل أنواع التهريب وتسخير وسائل الإعلام وتعبئتها لتؤدي دورها الفاعل في الدولة الديمقراطية لتشكيل توجهات إفراد المجتمع نحو القيم والسلوكيات التي تستهدف الصالح العام وتنشيط عمل مؤسسات المجتمع المدني ومنظومة حقوق الإنسان

محاربة الإرهاب يجب أن تكون بالتصدي الأمني وتجييش المجتمعات ضد المتطرفين، إضافة إلى ضرورة القضاء على الفساد الإداري الذي تتخذه بعض الجماعات المتطرفة ذريعة لتفتيت المجتمعات وتمزيق وحدتها. الإرهاب يستخدم كل وسائل الفساد للتستر وتمويل عملياته، وإغواء بعض الشباب وجرّهم للانحراف.

 وإذا كان الإرهاب يحظى بالاستنكار والإدانة السريعة من كل أطياف المجتمعات، فإن الفساد الإداري والأخلاقي من مصادره الرئيسة.

. فثنائية الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة. كما تظهر آثار الفساد بشكل واضح على المهمشين، فبسبب هذا الفساد الواسع يحدث فقدان الثقة في النظام الاجتماعي السياسي، وبالتالي فقدان شعور المواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة، إلى جانب هجرة العقول والكفاءات  والتي تفقد الأمل في الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها،مما يدفعها للبحث عن فرص عمل ونجاح في الخارج، وهذا له تأثير على اقتصاد وتنمية المجتمع عموماً.

ولعل من أكبر مظاهر الفساد الإداري الشائعة حالياً في بعض المؤسسات  هي، عندما يكون المسئول الأول مشغولاً لدرجة أن يترك أمر وزارته أو جهازه الإداري في تصرف أحد موظفيه وكم من موظف أصبح في الأهمية قبل رئيسه.

وهنا يبدأ الفساد الإداري في غياب المراقبة والمتابعة حتى إن العديد من القضايا المهمة التي تحتاج إلى أن يحاط المسئول الأول بها علماً تحجب عنه ولا يعلم عنها إلا بعد وقوع كارثة أو نتيجة مساءلة للمسئول من أعلى منه.

  ويمكن إجمال مجموعة من الأسباب العامة لهذه الظاهرة وهي انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة .  وعدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية

وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة، كما إن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته يعتبر سببا مشجعا على الفساد . وضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها .

و تزداد فرص ممارسة الفساد في المراحل الانتقالية والفترات التي تشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية ويساعد على ذلك حداثة أو عدم اكتمال البناء المؤسسي والإطار القانوني التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين مستغلين ضعف الجهاز الرقابي على الوظائف العامة في هذه المراحل. وغياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والخاص، وهو ما يفتح المجال لممارسة الفساد.

و غياب حرية الإعلام وعدم السماح لها أو للمواطنين بالوصول إلى المعلومات والسجلات العامة، مما يحول دون ممارستهم لدورهم الرقابي على أعمال الوزارات والمؤسسات العامة. وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتعها بالحيادية في عملها.ودمج القوى الاجتماعية المهمشة في حركة المجتمع وتحسين ظروفها وتبسيط إجراءات العمل الإداري والتخلص من معوقاته وتجاوز الإجراءات الروتينية في انجاز معاملات المواطنين وإقرار قانون الخدمة المدنية لأحد سبل مواجهة الفساد الإداري

 

الدكتور عادل عامر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم