صحيفة المثقف

ابراهيم العبدلي.. من اقطاب الفن العراقي المعاصر (22)

khadom shamhodكان ولازال الفنان العراقي ابراهيم العبدلي طاقة ابداعية وانغام لونية وموسيقية حاضرة في الساحة الفنية العراقية من خلال الادائية الراقية والرفيعة لاعماله الفنية المعاصرة . فله فرشاته الخاصة المشحونة بالاحاسيس ذات المزاجية المعينة، وطريقته الخاصة في الرسم والتلوين . وقد عرفته منذ نهاية الستينات ومطلع السبعينات حيث كان يملك ارادة وهمة قوية في العمل والانتاج والذي يحتاج اليه اي رسام كان يروم التألق والتعبير عن مشاعره . وعندما حلت المصائب في العراق اصبح الفنانون العراقيون في ضياع و شتات متوزعين على دول العالم حاملين معهم مآسي وحزن الوطن وهم الفن .. ومع كل الظروف القاسية التي مروا بها في المهجر فانهم لم يتوقفوا عن العمل.. وكان لبعضهم عزيمة الجبابرة حيث استطاع ان يسحق كل العوائق التي تمنعه من الانتاج والابداع وان يتكيف للظروف المحيطة به امثال الفنان ابراهيم العبدلي ..

 التقيته في عمان وكان يدرس مادة الفن في جامعة البتراء، وقد اهداني كتابا لاعماله صدر عام 2006 في بغداد – يحمل عنوان - ابراهيم العبدلي واقعية الاسلوب وشفافيته- .. بقى ابراهيم ملتزما بواقعيته واسلوبه الفني وبمواضيعه المحلية البغدادية رغم انه درس وعاش وتثقف في الخارج عدة سنوات وشاهد كل انماط الحداثة. فهو يذكرنا بغنائية التعبير للاستاذ فائق حسن باسلوبه الانطباعي وحركة فرشاته وضرباتها الطلقة الحرة الخاضعة لانفعالاته ومشاعره . ولكن العبدلي ليس انطباعيا ولا تعبيريا وانما ذو نزعة واسلوب واقعي و بصري كبير مملوء بالرموز الانسانية ..  

 وقد كتب عنه الاستاذ فائق حسن: ( برهن الفنان الزميل ابراهيم العبدلي على امكانياته المعروفة، ونلمس ذلك بمجمل اعماله الفنية المعروفة .. زيادة على تقنيتة الحساسة ولمساته بمضمون اعماله ونشعر بهذا بانتاجاته المستمرة التي اثبتت عن تجربة و خبرة لسنين عديدة ..)

وكتب عنه ايضا الاستاذ اسماعيل الشيخلي: (العبدلي من ابرز فناني جيله بما قدمه من اعمال رائعة فهو فنان بغدادي تراثي شعبي اصيل باسلوبه الواقعي الانطباعي المعاصر . رسام بطريقته الشاعرية والوانه المتميزة ذات التأثير الموسيقي . ستبقى اعماله متميزة في هذه الفترة من تاريخ الفن العراقي المعاصر ..)

 120-ibrahimalabdali

الاسلوب والتقنيات:

اختار العبدلي في فنه الخطاب الواقعي عن قناعة ورؤية فنية وفكرية عالية، تذكرنا برائد الفن العراقي عبد القادر الرسام الذي درس الفن في استامبول وكان على محك ومقربة من التيارات الفنية الاوربية الحديثة ولكنه اختار الاسلوب الواقعي الذي تميل اليه نفسه وتطمأن . فرسم مناظر من بغداد ودجلة ونخيلها واهلها وخيام معسكراتها وماشيتها .. اليوم ابراهيم العبدلي يعيدنا الى تلك الذاكرة الجميلة و المشاهد البغدادية التي تحمل روح الاصالة والجمال فعندما يرسم المواضيع الشعبية والبغدادية وكل ما له صلة بالتراث فانه يشعر بالانتماء والاصالة والهوية و الانسانية .. وحتى عندما كان في الخارج كان يحب ان يرسم المعالم القديمة لانه حسب ما يقول انه يبحث عن معالم بغداد وتراثها في كل محطة او مدينة يحل فيها .. . ورغم انه درس في الخارج كما اسلفنا الا انه لم يتأثر بمدارسها الحديثة بقدر ما تأثر بالبيئة العراقية والوانها الحارة وشمسها المضيئة وتراثها العريق ..فقد رسم عربات الربل وهي محطمة ولكن الحصان نراه واقفا شامخا امامها . ورسم دراجه هوائية وعليها صندوق تمر وقربها عربات امريكية ولكن لم نرى صاحب الدراجة. وتبدو هذه الاعمال على جانب كبير من الانسجام في الالوان وشاعرية التأثير . كل هذه المواضيع تحمل رسائل رمزية يريد الفنان من ايصاله الى المتلقي .

اشتهر العبدلي برسم الصور الشخصية ضمن اسلوبه الخاص لعدد كبير من الشخصيات المعروفة في الساحة الادبية والفنية وعادة ما يستخدم اللون البني والاصفر الفاتح الضارب الى القهوائي وضمن معالجات واقعية راقية تذكرنا بالمدرسة الواقعية لكوربيه 1819 الذي مهد الطريق لظهور المدرسة الاشتراكية ... ويقول العبدلي ان فن الحداثة هو الديكوريش ويضرب مثلا في عدد من الفنانين التجريديين العالميين امثال الفنان الهنغاري فازرلي 1906، والهولندي موندريان 1872 والمعمارية العراقية زهاء حديد .. ويعتقد ان هذه الاساليب الحديثة ليس لها قدرة على ايصال فكرة الفنان او الموضوع الى المشاهد انما تبقى عاجزة وغامضة .

و يقول العبدلي (لن اتخلى عن اسلوبي الواقعي فهو هويتي الفنية).. (انا ارسم ما ترصده عيني وذاكرتي من مشاهد حياتية) .. والملاحظ ان جيل الستينات من الفنانين العراقيين معظمهم بقى متمسكا في اسلوبه وقناعاته الفكرية رغم تطور الفنون والاساليب والتقنيات وظهور مدارس كثيرة وموجة العولمة وغيرها .. ومن اشهر اعمال العبدلي لوحة – نطاق العريس – وهي تذكرنا باعمال استاذه فائق حسن خاصة وجوه النساء الشعبيات، وفيها نرى معالجات راقية وابداعا عاليا وحرية في حركة الفرشة اما الالوان فقد طغى عليها اللون الخاكي والاخضر بدرجات متنوعة وهو لون الملابس العسكرية، وقد نثرت عليه الورود البيضاء مما زاد في جمالية العمل و تعميق الفكرة .

 120-ibrahimalabdali2

السيرة الذاتية:

ولد العبدلي في بغداد عام 1944، ودرس في معهد الفنون الجميلة وتخرج منه عام 1965 ودرس في بريطاني عام 1980 قسم الديكور او التصميم وحصل على شهادة الماجستير .انتمى الى –جماعة بغداد للفن الحديث – ثم اصبح مدرسا في معهد الفنون الجميلة . اقام عشرات المعارض الشخصية والمشتركة كان آخرها في عمان على قاعة الاعمال العراقية عام 1916 بحضور مسؤلين من الحكومة الاردنية والعراقية وجمهور غفير من الفنانين والمثقفين .. كما انه كاتب درامى ومصمم راقي .. يحب الموسيقى ويقرأ المقام العراقي.. لازال يعمل بهمة ونشاط عالي . نتمنى له الصحة والعمر الطويل.

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم