صحيفة المثقف

ماذا لو أنفتح العرب على العالم بدلاً من الفتوح؟

abduljabar alobaydiالاسلام هو دين الفطرة والأيمان تكليف.. دين واحد لا آديان . يرفض المذهبية ورجال الدين ..لم يخولهم بحق الفتوى على الناس...ولم يميزهم بلباس معين.. ولم ينوع الجهاد على المسلمين..؟ الجهاد هو ردم الرذيلة والتمسك بالفضيلة..فلا جهاد كفائي ولا فرض عين.. بدأ بنوح وتنامى متطورا متراكماً على يد النذر والنبوات والرسل .. حتى ختم بالاسلام المحمدي ..هو منظومة المثل العليا، وهو العروة الوثقى، وهو الصراط المستقيم.

لم يكن دين تفرقة ومذاهب ... غير قابل للتسييس... وبتسييسه اضاعوا علينا الدين والسياسة معاً.

التاريخ دونَ لنا الفتوح منذ عهد الخليفة الثاني عمربن الخطاب (رض) وذكر انها كانت من اجل نشر الاسلام في العالمين استجابة لآية الجهاد "وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا" القرآن الكريم.  منذ ذلك الزمان كانت الغالبية من المؤرخين يكذبون علينا حين مزجوا الفتوح بأمر آلهي، ولم يقولوا من أجل امتصاص غضب العرب على قيادتهم الجديدة بعد وفاة نبيهم (ص) وأغتصاب القيادة،  حين ارتدت العرب على الخلافة لعدم ايفائها بعهد المشاركة في سلطة الدولة، فبدأت الفتوح بمناطق العرب انفسهم ومن عارض فكان له السيف كما في حروب الردة ومالك بن نويره التميمي واخذ زوجته ليلى سبية، فاسسوا لأبشع جريمة في التاريخ بعد الرومان،  حتى جاء داعش اليوم ليعيد السيرة الينا من جديد..

كل الذي مارسته داعش اليوم وتمارسه غدا مأخوذة  من فلسفة الفتوح،  كل الجرائم التي ترتكبها داعش مأخوذة من جرائم الفتوح (أقرأوا فتوح بلاد ما وراء النهر والسند للمؤرخ البلاذري  ت279 للهجرة) ستجد الكثير مما فاق جرائم داعش في سوريا والعراق وليبيا،  فتاريخنا مظلم منذ ذلك العهد والى اليوم.وما لم نعترف بالحقيقة ونعتذر للشعوب فليس من حقنا ان يعتذر الينا الاخرون عما جرى ويجري لنا اليوم في فلسطين والعراق وكل الدول العربية التي خربناها بأيدينا، فداعش نحن وليس غيرنا في التأصيل.

التاريخ يبحث عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت فهل بحثنا نحن العرب في تاريخنا بحق وحقيقة عنها وكتبنا منهج الدراسة وفق نظرية الحق والعدل التي امر فيها القرآن ؟ الجواب كلا. فما كانت النتيجة الا هذه الاجيال الخاوية على عروشها من معرفة الحدث التاريخي والناقصة في شخصيتها وتشخيصها، فنشأت على الخطأ الذي زرعه في رؤوسنا الفقهاء والمؤرخين حتى تحول الخطأ الى حقيقة ومشينا عليه الى اليوم ولا سبيل لنزعه من افكار الخاطئين.

التاريخ يكتب – وخاصة الاحداث المهمة – لتقرير حقائق ثابتة، ولفتح باب التفكير والمناقشة في أتجاه سليم وتوجيه الذهن الى قضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث  لاحقاق الحقائق لتتعلم منها الاجيال.فكيف ونحن نشأنا على الخطأ، لذا حتى في مناقشاتنا الشخصية يتجه الميل نحو المجاملة على الحق لفقدان الحقيقة في ذهن المناقش،  وهذه هي مصيبتنا اليوم. بينما الغربيون حين وعوا من كتابهم وفلاسفتهم  كما في مونتسكيو  في كتابه الرائع (روح القوانين)، وآرنولد توينبي في كتابه (البشر وأمهم الارض) اثاروا الاهتمام بها والتأكيد منهجيا عليها حتى أوفوا على الغاية من كتاباتهم  ومنهجهم التاريخي الرصين فتقدموا ونزعوا القديم،  فأصبح لقب الجديد ينطبق على الأوربيين ..؟

احبُ ان يعرف أخي القاريء الكريم : ان المنهج الصحيح هو الاساس، وان الحق في القول هو الاساس، وان القناعة فيهما هي الاساس؟فهل تعلمنا الاساس؟ لازال بيننا وبينها بعدا شاسعا لمعرفة حقيقة الاساس.المنهج المدرسي لازال عندنا بعيدا عن الحقيقة والاساس.

مؤرخونا وفقهاؤنا وفلاسفتنا  كتبوا في كل المجالات، في الناسخ والمنسوخ فأنفردوا فيه على غير هدى ظناً منهم ان لا احدا غدا يناقشهم في أرائهم حتى جاءهم  سليمان رشدي بقناعة المنطق فثاروا عليه بسيوفهم يهددون، والسيف هو أنمى للعدد، وهو اضعف من القلم فخابوا خاسرين (انظر تهديدات السيد الخميني والباكستانيين في كوكل). وابن هشام (ت218 للهجرة) جاءهم بسيرة محمد (ص) الشخصية ليخرب ما جاء به ابن اسحاق (ت150 للهجرة) كي لا يبقى للحقيقة من بقية ترضية للسلطان . ثم جاؤنا بحكاية عبدالله بن سبأ ليخربوا السلطان، فغاب النقد فينا عندما وصل الى الخليفة السلطان.من هنا صعب على المؤرخين دراسة فتنة عثمان (رض) فظلت الكتابة فيها مبنية على الحدس والتخمين والبهتان.

وهكذا اوردوا لنا الخلاف بين عبد شمس  وبني هاشم، وما هو بخلاف سوى السلطة والرياسة رغم انهما قد اشتركا في الآيلاف،  لكن الخلافة  اي السلطة والمال كان هما الأساس، والتاريخ يعيد الاحداث وان اختلف الزمن، فلا تقولوا مذاهب مختلفة،  بل عقول ناقصة ومختلفة،  فهي مخترعة كلها انتهى زمانها بانتهاء مخترعيها، لكن السلطة هي الاساس في الأختلاف.(ما سُل سيف في الاسلام مثلما سُل على الخلافة).

المسلمون الأوائل  كانوا من أمهر الناس وأدقهم  في كتابة  النظم الشرعية  والميراث، لكنهم وقفوا عاجزين عند مسائل النظام السياسي،  ورياسة الدولة وبيت المال،، فكانت المقترحات والاختلافات كما قالوها في المدينة (منا امير ومنكم امير)،  غير ان التجربة كانت في قمتها الروحية، فسرعان ما تم تطويق الأزمة، حين تغلبت عليهم روح المؤخاة، فأمكن لهم ان يجتمعوا على خير. فأين لنا اليوم بعد ان حلت خلافات مذاهب التفريق السياسي بيننا وتحول الصراع الى مكاسب .. لا دين ولا سياسة ولا حتى مصالح وطن.يغذيها الاجنبي البعيد ويحققها الجاهل القريب.

اذن،  لابد من تغيير جذري..لكي تنهض الأمة، ,تتجدد القيم .. وتستمر المجتمعات الجديدة ..والا نحن في نهاية المحنة نحو الانتهاء.ساعتها لن ينفع القريب ولا البعيد ولا حتى الدين.فكونوا منتبهين قبل غرق السفينة بربانها بعد ان تخلينا عن التقوى والوقايات مع التنامي والتزكي فأصبح مآلنا الى الخيبة والسقوط وهو وشيك.

والقرآن الكريم يقول لنا: "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها،  قد افلح من زكاها،  وقد خاب من دساها.

فهل نتدبر القرآن لنعي ما ينتظرنا من مصير.

يقول الامام علي (ع) : كلمة الحق لم تبقِ لي من صاحب.

صدقت يا امير المؤمنين.

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم