صحيفة المثقف

مبادئ "بانش شيلا" الخمس لـ:"التعايش السلمي"

eljya ayshلا شك أنه لا يوجد أحد لم يسبح بين أمواج الانتفاضات التي اكتسحت جميعها الساحة السياسية العربية، لتغيير وجه النظام والسلطة في الحياة السياسية، أو على الأقل تتبعها وراقبها عن بعد والجزائر لم تكن معزولة عن رياح الثورة، كما هي الحال في الدول العربية الأخرى، التي لجأت لمبدأ "بانش شيليا" الخمسة من أجل تحقيق التعايش السلمي وضمان الاستقرار

و"بانش شيلا" pancha Shilla نشأ من اللغة البالية، (لغة أوسترونيزية يتكلم بها سكان جزر بالي)، وهو مبدأ بوذي قديم أبرم ليضبط ويحكم علاقات الهند مع الصين الحمراء منذ التوقيع على اتفاقية جوان 1954 وهو يستند على خمسة مبادئ أخلاقية كبيرة لتوجيه حياة الشعوب، وضمان السلامة الإقليمية لكل بلد، وارتكزت هذه المبادئ على مايلي: (عدم الإعتداء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي)، ورغم مرور اثنان وستون عاما على وضع هذه المبادئ، غير أنها ما تزال قابلة للتجديد، لاسيما والمنطقة تعيش حاليا جوا مفعما بتغيرات عميقة مما يوجب الالتزام بهذه المبادئ والعمل بها واحترام التقاليد الوطنية والثقافية للشعوب، التي تتطلع إلى الحياة السلمية، ومن المستحيل طبعا أن يتوفر هذا الاستقرار دون تطبيق هذه المبادئ.

أول من طبق هذا المبدأ هو الزعيم نهرو وشواين لاي، وكان هذا المبدأ تمهيدا للاتفاقية المبرمة في 28 جوان 1954، بين بكين ونيودلهي والتي تنص على ما يلي: الاحترام المتبادل للسيادة الإقليمية، عدم الاعتداء على حدود الآخر، عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة، المساواة في منح أي امتيازات متبادلة، والتعايش السلمي)، وفي إطار هذه المبادئ بدأت شعوب المستعمرات تتبنى هذه الأفكار، لكي تثبت وجودها في عصر التحرر السياسي، خاصة بالنسبة لشعوب دول العالم الثالث، والحديث عن البانش شيلا يعيد ذكرى حفل العشاء الذي أقامه روزفلت بالمغرب خلال انعقاد مؤتمر الدار البيضاء عام 1943 كشف فيه عن الشروع في تصفية الاستعمار، وإن كانت نزعة تحررية حملها روزفلت عندما حرص على أن الشرط الأساسي لاستمرار السلام هو العمل على تطوير الشعوب المتخلفة في دول العالم الثالث.

ولوصف سطوة النظم الاستعمارية وقوتها، فإن أبلغ وصف لذلك ما كتبه الاستعماريون أنفسهم، فباسم الحرية والإخاء والمساواة اقتحمت فرنسا الأقاليم، وعصفت بالشعوب ولم تمنح أي لون للحريات السياسية والثقافية والاقتصادية، بل وضعت تشريعات بربرية وحشية وكما قال الزعيم الغيني أحمد سيكوتوري: " إن الاستقلال ليس معناه رحيل الفرنسيين، وإنما هو التغيير الجذري لكل ما كان موجودا، ولكل ما يذكرنا بعصر الاحتلال، والاستقلال ليس معناه تحرير الوطن من السيادة المادية للاستعماريين، ولكن يلزم كذلك تحرير الرّوح من هذا الشر البغيض، بمعنى القضاء على كل الرواسب الثقافية والفكرية الاستعمارية، كما يجب أن نحرر الرجل الإفريقي الذي كان يحس بمركب النقص أمام حكامه البيض".

لم يعد لهؤلاء الزعماء أثر اليوم، نعم..، فمن خلال إجراء عملية استقراء للتاريخ نجد مواقف الحكام اليوم، نقول حكام فقط، لأنهم لم يصلوا بعد مستوى "الزعامة"، فهؤلاء لهم مواقف تدافع عن الاستعمار وتمجده باسم تبادل العلاقات الثقافية أو الاقتصادية بين بلد وبلد آخر، وتبرم اتفاقيات توأمة بين مدينة ومدينة خارج حدودها الترابية، وتتبادل الرحلات السياحية على حساب الخزينة العمومية التي هي في الحقيقة أموال الشعب، فالتعايش السلمي لا يعني تبني ثقافة الآخر وجعلها قيمة ثقافية نزرعها في أذهان الشباب، لأن لكل مجتمع خصوصياته، ولعل بعض الأقطاب العربية أخطأت لما حاولت أن تغير من جلدها، وظنت أنها لما تتبنّى ثقافة الآخر بمقدورها أن تحول مركز الثقل في العالم وتعيده إلى الشرق، هي أخطأت كما اخطأ شواين لاي (شغل منصب رئيس الوزراء الصيني في تلك الفترة)، عندما باح بسرّ الصين الأكبر.

ليس مُهِمًّا معرفة كم عدد الحكام الذين تداولوا على تسيير شؤون دولة ما، بل الأهم من الذي حقق الاستقرار في بلاده، والاستقرار لا يعني القول أن "كل شيء على ما يرام"، فكم من دولة كانت تتسم بالاستقرار والهدوء وفجأة نهض شعبها من سباته الطويل وانتفض، ولنا أمثلة كثيرة، انطلاقا من العشرية السوداء في الجزائر، التي عاشت أول ربيع عربي في تاريخ الحراك السياسي العربي، إلى الثورة البوعزيزية والإطاحة ببن علي في تونس، ثم الثورة المصرية والإطاحة بمرسي، وما نشهده اليوم في العراق منذ الإطاحة بصدام حسين، ثم الإطاحة بالقذافي في ليبيا، والآن محاولة الإطاحة بالأسد في سوريا، أما في الجزائر فقد صعب على الأحزاب المعارضة الإطاحة بنظام بوتفليقة وبالسهولة التي يتصورها البعض، أو الصورة التي سقطت بها الأنظمة الأخرى التي أثارت سخطاً شديداً لدى شعوبها، وهذا لسبب واحد، هو أن الجزائر لم تعتمد الجزائر على مبادئ بانش شيليا، وحدها، بل عملت بالمرجعية النوفمبرية وما جاء في بيان أول نوفمبر 54، فالذين وضعوا هذا البيان جعلوه صالحا لكل زمان ومكان.

المتأمل في هذه الأحداث يجد أنها تغذت على ثقافة العنف والتطرف، والدليل العودة القوية للإرهاب، واحتلال التنظيم الداعشي للمناطق، والتفجيرات التي يحدثها هنا وهناك، ودعمه من قبل الدول المارقة، ولهذا فالشعوب العربية مطالبة اليوم بتجديد هذه المبادئ الخمسة وتطبيقها، لتحقق أهدافها ومصالحها وسياستها، وتتجه نحو البناء وفض النزاعات بالطرق السلمية، حتى تتمكن من التأثير على حركة التضامن والتعاون العربي المشترك معا والقضاء على السياسات العدائية، أما ممارسة التعايش السلمي من مفهوم ضيق جدا وهو الاستمرار في التبعية السياسية والاقتصادية وغيرها التي تعيشها الدول العربية، وتطبيقها السياسات الخارجية، فهذا قد يزيد في الطين بلة ويزيد الشعوب إلا تمردا على أنظمتها أولا، قبل مواجهتها الاعتداءات الخارجية .

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم