صحيفة المثقف

جريمة ازدراء الأديان

adil amirجريمة ازدراء الأديان أو استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المقصود بها القيام باستخدام الدين بأي وسيلة كانت مثل الكتابة، التصوير، النشر، القول وغير ذلك من وسائل العلانية في نشر أفكار متطرفة بهدف إثارة الفتنة أو الإساءة لأحد الأديان السماوية أو لمعتنقيه بهدف الإضرار بسلام المجتمع ووحدته الوطنية. ومعني كلمة ازدراء طبقا لمعجم اللغة العربية المعاصر هو احتقار .

تتحقق الجريمة ؟قانونا: بوقوع الفعل المجرم وتوافر النية بغض النظر عن تحقق الهدف من هذا الفعل من عدمه . فوفقا للمادة 98 و، 161 من قانون العقوبات نصت المادة (98)  على أن " يعاقب بالحبس مده لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500ج ولا تجاوز 1000ج كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخري لأفكار منطوقة بقصد الفتنه أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي " - وتنص المادة (160): على أن " يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100ج ولا تزيد على 500ج أو بإحدى هاتين العقوبتين:-

(1) كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني خاص بها أو عطلها بالعنف أو التهديد .

(2) كل من خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس .

(3) كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها وتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على 5 سنوات إذا ارتكبت أي من الجرائم تنفيذا لغرض إرهابي .

- فيما تنص المادة (161): على أن " يعاقب بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة (171) على أحد الأديان التي تؤدى شعائرها علنا ويقع تحت أحكام هذه المادة .

(1) طبع أو نشر كتاب مقدس في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدى شعائرها علنا إذا حرف عمدا نص هذا الكتاب تحريفا بغير من معناه .

(2) تقليد احتفال ديني في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به أو ليتفرج عليه الحضور .

- وأخيرا نصت المادة (176): على أن " يعاقب بالحبس كل من حرض بأحد  - طرق العلانية المبينة بالمادة (171) - علي التمييز ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إذا كان من شان هذا التحريض تكدير السلم العام " .    فإنه وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضى الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه.

فإذا تبين أنه إنما كان يبغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي في ذلك بحرية الاعتقاد

وتوافر القصد الجنائي هما – كما في كل الجرائم – هو من الأمور التي تستخلصها محكمة الموضوع من الوقائع والظروف المطروحة أمامها .

ولا يشترط في الحكم بالعقوبة أن يذكر فيه صراحة سوء نية المتهم بل يكفي أن يكون في مجموع عباراته ما يفيد ذلك.

أركان هذه الجريمة؟ لجريمة الازدراء أو الاستغلال ركنين:

1- الركن المادي وهو يتمثل في استغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ باستخدام أي وسيلة من وسائل النشر لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين .

2- الركن المعنوي فهو توافر القصد واتجاه الإرادة إلي ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتنة أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، لكي يخرج المنتمين إلى دين معين ليدخلوا في دين آخر ويعتنقوا,أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وليس الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها .

 

"كيف ينظر الدستور لعقوبة ازدراء الأديان؟

و أنه ليس هناك تعارض بين تجريم ازدراء الأديان والدستور لأسانيد الآتية:

 أولا: الدستور يجرم خطاب الكراهية حيث إنه لأول مرة يقوم الدستور بتجريم خطاب الكراهية، ويوجب على المشرع أن يبين ما هو خطاب الكراهية، وأول أنماط خطاب الكراهية هو ازدراء الأديان والمقصود بالأديان هنا هو الأديان السماوية وتفسيرات المحاكم حددت ما هو مفهوم الازدراء، ازدراء الأديان: يعني العمل على تحقير المعتقدات والرموز الدينية الخاصة بما يقلل احتراما بالمجتمع ويوجد ضمان قضائي بحيث تعرض كل حالة على القاضي الجنائي المختص ليحكم فيها بموجب القانون، تحت رقابة المحكمة الأعلى

وبالتالي تكون إزالة تجريم ازدراء الأديان مخالفة لنص الدستور، والتي حظرت خطاب الكراهية، وجعلت الحض عليه جريمة.

 ثانيا: الاتفاقيات الدولية تضع قيودا على حرية الرأي والتعبير

 ورد بالفقرة الثانية من المادة 53 أن " القانون يعاقب على جريمة التميز والحض على الكراهية "، كما تنص المادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على:" تحظر بالقانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف "، كما تنص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على:" لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة، ولكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود،سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها  وتستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة ٢من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود وهى احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة "

 وبذلك أجازت الاتفاقيات الدولية وضع قيود على حرية الرأي والتعبير، ولم تجعل منها حرية مطلقة نظرًا لما ترتب عليها من إشارات خطيرة على الفرد والمجتمع.

 ويشترط في هذه القيود، الشروط الآتية:-

(1) أن تكون مقررة بموجب قانون، وبالتالي لا تجوز بقرار

  (2) أن تكون ضرورية. أي تستلزمها حالة ضرورة 

(3) لحماية الأمن القومي، النظام العام، الآداب العامة، الصحة العامة

 وكل هذه الشروط متخصصة في جريمة ازدراء الأديان، وبالتالي فأن تجريم ازدراء الأديان لا يتضمن إهدارًا لحرية الرأي والتعبير، ويتفق مع الدستور، ومع التزامات مصر في الاتفاقيات الدولية.

 

جريمة ازدراء الأديان في العالم

مصر

 المادة 98 من قانون العقوبات المصري تحدّد عقوبة السجن مدة تراوح بين 6 أشهر و5 أعوام وغرامة تراوح بين 70 و140 دولاراً لكل “من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".

في تركيبته المطاطية، يتيح هذا النص لأي شخص أن يستهدف أي صاحب رأي ببلاغات ودعاوى كيدية، متهماً إياه بازدراء أو تحقير أو إهانة الدين، فهو لا يضع مفاهيم واضحة للمصطلحات التي يذكرها، مثل "ازدراء وتحقير الدين” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية”، الأمر الذي يتيح إمكانية تفسيرها بما تقتضيه المصلحة.

 

السعودية

تستند القوانين السعودية إلى الشريعة الإسلامية التي تجرّم الردة. قوانين الردة تجعل من كل أشكال الإساءة إلى الدين جريمة، قد تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام. الجمعة 9 يناير 2015، تلقى الناشط والمدوّن السعودي رائف بدوي أول دفعة من 1000 جلدة حكمت عليه بها المحكمة السعودية إضافة للسجن مدّة 10 سنوات. التهمة: انتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر أفكار ليبرالية على الإنترنت، مما دفع رجل الدين المتشدد عبد الرحمن البراك لإصدار فتوى بأنه مروّج للكفر، ليحاكَم ويصدر ضده الحكم السالف الذكر.

 

 الكويت

ينص قانون الجزاء الكويتي على أن "كل من أذاع، بإحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101، آراء تتضمن سخرية أو تحقيراً أو تصغيراً لدين أو مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده أو في شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار (3,400 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين".

في 17 أغسطس الماضي، قبضت السلطات الكويتية على المدوّن "محمد العجمي" وحاكمته بتهمة ازدراء الأديان بسبب انتقاده فرقة "الجامية" السلفية التي عبّرت عن ابتهاجها لدى سحب السلطات الجنسية من الشيخ "نبيل العوضي". قال العجمي معلّقاً في تغريدة له إن فرحة الجامية تجعله يعتقد أن الجنسية الكويتية تسحَب بأمر الإمام أحمد بن حنبل، مما استثار الطائفة والسلطة فوجد نفسه متهماً بالإساءة للدين.

 

السودان

أما قانون العقوبات السوداني فهو من أكثر القوانين مطاطية في إمكانية إضفاء صفة "ازدراء الأديان" على أي تعبير عن الرأي، إذ لا يحدد الأفعال المكملة لأركان هذه الجريمة بل يكتفي بقوله "بأية طريقة"، والعقوبة هنا هي الحبس مدة ستة أشهر، أو الغرامة، أو الجلد 40 جلدة. إضافة لتلك المادة

 فإن القانون السوداني يضم مادة حول الردة، ويحكم بالإعدام على كل من يترك الإسلام أو يعلن ما يفيد تركه الإسلام، وهذا إذا لم يتراجع عن موقفه قبل تنفيذ الحكم، وهو الأمر الذي لا يقف عند الاعتداء على حرية العقيدة، بل يتجاوز ذلك إلى فتح الباب على مصراعيه لأي صاحب مصلحة- من الأفراد أو السلطة- لأن يؤول تصريحات أو أقوالاً لخصمه ويجعله عرضة لهذه العقوبة.

 

قوانين تجريم ازدراء الأديان في العالم

في الوقت الذي تلعب قوانين تجريم ازدراء الأديان عربياً دور "عصا السلطة" ضد أصحاب الآراء التي لا تناسبها، نرى قريناتها من مواد قوانين العقوبات في بعض الدول الأجنبية تلعب دور "صون المشاعر الدينية من الشعور بالإهانة، وحماية حريتَيْ العقيدة والتعبُد، والحفاظ على السلام المجتمعي". فدول مثل الهند، أيسلندا، اليونان، جنوب أفريقيا، إسبانيا، سويسرا وغيرها تجرّم بشكل مباشر وصريح الإساءة للأديان، ولكن من منطلق مراعاة مشاعر أهل كل دين وحمايتهم من التحريض على الكراهية أو ممارسة العنصرية.

ودول مثل كندا، البرازيل، فنلندا، الدنمارك، فرنسا وغيرها تعاقب بالحبس كل من يرتكب فعل التصريح بخطاب فيه تحريض على كراهية شخص أو أكثر بسبب لونه أو دينه أو عرقه أو انتمائه الإثني.

وتتشدد ألمانيا في مراعاتها فتفرض العقوبة على الفاعل وإن لم يكن ألمانياً، وإن ارتكب هذه الجريمة خارج الأراضي الألمانية. وبذلك لا يجرم القانون هنا التعرض للأديان في ذاتها فحسب، بل التعرض بالأذى لأية فئة بسبب انتمائها الديني أو العرقي.

 

القانون السليم

بات من الضروري اليوم تعديل قوانين تجريم ازدراء الأديان العربية بحيث يخرج من تحت بندها التعبير عن الرأي أو العقيدة أو الفكر، أو توجيه النقد أو الملاحظات إلى الأديان وما يتعلق بها من عقائد وشرائع وممارسات، إذ إن الحق في النقد لا يتعارض مع احترام الأديان والمقدسات في شيء.

 كذلك لا بدّ أن  يتم استبعاد أي نقد لفصيل أو شخصية دينية من بند "ازدراء الأديان"، إذ لا يجوز تحصين كيان أو شخص من النقد لمجرد كونه يلعب دوراً دينياً.

 في المقابل، لا بدّ من أن تمتد مظلة القانون لتجرّم "خطاب التحريض على الكراهية والعنصرية". أي أن التجريم يشمل أي خطاب يدعو للكراهية أو ممارسة العنصرية ضد أحد أو بعض المواطنين بسبب الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو الجنس أو اللون أو الإقليم أو الانتماء السياسي.

 وينص كذلك على احترام مشاعر أهل هذه الأديان والطوائف والأعراق والأجناس. والأهم، هو أن يضع القانون تعريفات دقيقة وحاسمة لمفاهيم الإهانة والتحقير والتحريض على الكراهية وممارسة العنصرية، حتى لا يُساء استخدام مواده كما يحدث اليوم.

 

الخلاصة

وبمنتهى البساطة ووفقا لهاتين المادتين يمكن تقديم أي شخص للمحاكمة بمقتضاهما لمجرد إنه نشر مقال أو صور أو رسومات أو بأي وسيلة أخري من وسائل النشر كلام عن أي دين من الأديان السماوية أو شعائره وكان هذا الكلام يحمل رأي مخالف أو وجهة نظر مغايرة للفصيل الحاكم فيعتبر الكلام ازدراء أديان خاصة وإننا لا نملك معيار موضوعي لتعريف متى يكون ما تم نشره ازدراء ومتى يكون رأيا .

 

الدكتور عادل عامر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم