صحيفة المثقف

أزمة الديمقراطية في أوروبا إلى أين!

نتغنى دائماً بالديمقراطية الغربية وتسعى دول العالم لاستلهامها بناءً على نتائجها الإيجابية على المجتمعات التي تتمتع بها.. ولكن ينبغي أن ندرك بأن تلك الديمقراطية الساحرة باتت في مهب الريح إزاء ما يعصف أوروبا من تغيرات متسارعة.

ففي فرنسا على سبيل المثال تعمد السلطة التنفيذية إلى تمرير القرارات دون الرجوع إلى البرلمان في خطة تثبت للعالم بأن الدومقراطية في العالم الحر تحولت إلى وهم بعد أن تم خرقها في عالم يمثل الأنموذج المثالي لحرية التعبير.. فما بالك والخلل يحدث في بلدين عريقتين بالديمقراطية كفرنسا وبريطانيا.

فهذه فرنسا التي أنجبت المفكر العالمي جان جاك روسو؛ تعمد إلى تجريد الفرنسينيين من حقوقهم الأساسية في التعبير عن آرائهم من خلال كبح السلطة التشريعية وتحييدها في سابقة لم تعهدها البلاد من قبل!

فقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أمس الأربعاء ان الحكومة استخدمت إجراء دستوريا يتيح لها فرض قانون العمل المعدل المثير للجدل، دون تصويت برلماني. وقال فالس امام البرلمان انه اتخذ هذه الخطوة «مراعاة للمصلحة العامة» للشعب الفرنسي وليس من باب «التعنت». وشهدت فرنسا أمس يومها الثاني عشر من التعبئة الاجتماعية ضد تعديل قانون العمل الذي يفترض ان تناقشه الجمعية الوطنية من جديد، بدون ان تمتلك الحكومة الاشتراكية اغلبية لدعمه.

وقد ذهبت الحكومة إلى أبعد من ذلك حينما أكد فالس في الايام الاخيرة وبعد جولة مشاورات جديدة مع الشركاء الاجتماعيين، انه سيعرف كيف يتحمل «مسؤولياته» في الجمعية الوطنية ولو اضطر الى تمرير النص بالقوة. إذ يأمل فالس في تصويت مؤيد من قبل نواب اليمين الذين يدينون نصا أفرغ من مضمونه على مر اشهر الاحتجاجات الجماهيرية الفرنسية. وعند اقراره في مجلس الشيوخ حيث يشكل اليمين اغلبية، عدل اليمين النص بشكل اقرب الى تلبية مطالب أرباب العمل، وخصوصاً ساعات العمل الأسبوعية. لكن النص الذي سيعرض على الجمعية الوطنية لتبنيه نهائيا هو المشروع الحكومي.

وهذا يثبت زيف الديمقراطيات التي يتغنى بها العالم الحر وقد كممت الأفواه بحجة الصالح العام ولو أدى إلى هضم حقوق الفئة الأضعف من المجتمع المتمثلة بالقوى العاملة.. وهو يثبت أيضاً بأن القارة العجوز تعيش أزمة مع الذات تجلت بتفكك الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء الجماهيري في بريطانيا الذي نجم عنه قرار بريطاني خلافي بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي دون النظر في العواقب الاقتصادية الوخيمة وانعكاساتها على التنمية البريطانية الشاملة، حيث توجد اتفاقيات تجارية بين الاتحاد الأوروبي و52 دولة، ما يعني أن بريطانيا سيتيعين عليها إعادة التفاوض بشأن تلك الاتفاقيات أثناء إجراءات خروجها من الاتحاد الأوروبي.وقد أرغمها ذلك التوجه إلى الدول سريعة النمو كالهند والصين والبرازيل لإخراج الاقتصاد البريطاني من عنق الزجاجة.

والأهم في هذا الأمر هو أن مجلس العموم البريطاني الذي يمثل السلطة التشريعية قد تم تجاهله تماماً في سابقة أوروبية أخرى انتهكت فيها مباديء الديمقراطية .. فهل أوروبا مقبلة على تغيرات قد تعيد ترتيب المفاهيم والمبادئ التي ستكون الديمقراطية الضحية فيها! وخاصة أن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية محكومتان بدساتير قطرية تنظم العلاقة بينهما!؟ سؤال وجيه..

 

بقلم بكر السباتين..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم