صحيفة المثقف

لماذا الان المبادرة المصرية لأحياء عملية السلام! وفزاعة سد النهضة

في زيارة مفاجئة بغية إحياء عملية السلام (كما هو معلن)  في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي المحتل، واستثماراً للعلاقة الوطيدة بين شريكي معاهدة كامب ديفيد المشؤومة، وزير الخارجية المصري سامح شكري التقى أمس الأحد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة، وهي الزيارة الرسمية الأولى منذ تسع سنوات لسياسيّ مصري على هذا المستوى الرفيع؛ بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ولا شك أن الأسئلة المبهمة سوف تطرق أبواب الدهشة من مبادرة مصرية مبهمة الجدوى والتوقيت؛ لضخ الدم في عروق معاهدة أوسلو الميتة ما دام نتنياهو يوصد كل الأبواب في وجه الشروط الفلسطينية التي تحمل على متنها ملفات يأبى نتنياهة مجرد النظر إليها كوقف الاستيطان الإسرائيلي، المخالف لبنود أوسلو، وعودة اللاجئين إلى ديارهم السليبة، وقضايا أخرى متوقفة بفعل التعنت الإسرائيلي العقيم.

إذاً فلماذا هذا التوقيت للأعلان عن مبادرة سلمية مصرية تحمل عنوان التفاوض الجديد مع الكيان الإسرائيلي بمشاركة عربية واسعة!؟

ينبغي أن ندرك في هذا السياق بأن المبادرة المصرية تأتي بعد الجولة الإفريقية الناجحة لنتنياهو الذي اختتم بها زيارته لإثيوبيا من أجل الاطمئنان كما يبدو على مجريات العمل في سد النهضة المدعوم من قبل الكيان الإسرائيلي؛ من باب التغلغل الاقتصادي الإسرائيلي في إفريقيا الذي وصل إلى حد الطلب للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي كمراقب، رغم الرفض الإفريقي الخجول له، ما يشير إلى الأهداف الإسرائيلية الحقيقية التي ترمي إليها جولة نتنياهو الإفريقية، والمتجلي في الضغط غير المباشر على مصر، من خلال الدور الإسرائيلي التنموي في أثيوبيا التي تسيطر جيوسياسياً على منابع النيل الأعلى، ما يوفر كل معطيات السيطرة للكيان الإسرائيلي على النتائج السياسية لإقامة مشروع سد النهضة الأثيوبي الإستراتيجي، وهذا من شأنه التحكم بكمية التدفق المائي لنهر النيل وانعكاس ذلك على اتفاقية المحاصصة في مياه هذا النهر على دول حوض النيل الذي ينبع من أثيوبيا، ليملأ بحيرتي إدوارد وفكتوريا، ماضياً في طريقه عبر الأراضي السودانية فالمصرية التي يمثل عصب الحياة فيها حتى يصب في البحر المتوسط، وهو ما يثير قلق المصريين ويقوي من مكانة خصمهم الحقيقي رغم معاهدة كامب ديفيد المتمثل بالكيان الإسرائيلي المتربص بمصر والوطن العربي.

 ومن غير المستبعد كما يبدو أن تكون للجولة الإسرائيلية الإفريقية علاقة مبطنة بالمبادرة المصرية الأخيرة، التي من شأنها فتح باب المفاوضات ليس مع الفلسطينيين فحسب، بل مع سائر الدول العربية وخاصة الخليجية منها والتي تتمتع بعلاقات تطبيعية سرية معه، كهدف استرتيجي غير معلن، ليصب بالتالي في مصلحة الكيان الإسرائيلي، لاستكمال سياسة التمدد الإسرائيلي في إفريقيا بالتغلغل المكشوف في الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعتبر ذلك بمثابة الحزام الأمني استراتيجياً في وجه التمدد الإيراني، كما ذهب إليه ملك البحرين قبل أشهر معتبراً بأن "إسرائيل" تشكل الضمان الحقيقي لأمن الخليج، لتكتمل بالتالي دائرة السيطرة الإسرائيلية في إطار إسرائيل الكبرى، وربما الدخول أيضاً في جامعة الدول العربية كمراقب حين تتهيأ الظروف؛ هذا لو أخذنا بالحسبان أيضاً علاقة الكيان الإسرائيلي المتميزة مع إقليم كردستانم العراق، إنه ذات الحلم الإسرائيلي الذي يعمل الكيان الإسرائيلي من أجله منذ مؤتمر بال في سويسرا عام 1891.

 وفي اختبار لحسن النوايا فإن المبادرة المصرية الجديدة التي أعلن عنها من خلال زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى القدس؛ جاءت كبديل للمبادرة الفرنسية الإيجابية الرامية إلى تدويل القضية الفلسطينية.. وهو ما يرفضه نتنياهو ما يؤكد على نواياه السيئة.. لأن أهم ما يبتغيه نتنياهو من هذه المبادرة المصرية الجديدة، هو الانفتاح الإسرائيلي التنموي الشامل على الدول العربية من باب التطبيع، ومحاصرة التغلغل التركي في غزة، لإضعاف حماس التي تمثل الشوكة في الحلق، ثم بالتالي الانفراد بالسلطة الفلسطينية الواهنة المنقادة كالخروف المنهك ضد مصلحة الشعب الفلسطيني المغبون، إلى مكيدة مفاوضات جديدة من شأنها فتح الأبواب أمام الكيان الإسرائيلي عربياً دون تحقيق شيئاً للفلسطينيين والدخول من جديد في دوامة الحلقة المفرغة، وهو مطلب تتوافق عليه السياسة المصرية التي كما يبدو يهمها فقط إخراج الكيان الإسرائيلي المحتل من عنق الزجاجة ودمجه عربيا لكسب الدعم الإسرائيلي في أي مفاوضات مصرية أثيوبية بشأن سد النهضة أو تأمين الحدود المصرية مع غزة المحاصرة عربياً وإسرائيلياً، ولو جاء ذلك على حساب القضية الفلسطينية برمتها.

ويبقى التذكير بأن الكيان الإسرائيلي الذي يتعرض لضربات اقتصادية ناجمة عن المقاطعة الجماهيرية الأوروبية لسلعه التجارية قد وجد البديل الذي يعوضه تلك الخسائر الفادحة بالتغلغل في عموم أفريقيا والوطن العربي دون حساب للحق الفلسطيني المهضوم.. ما يعكس مدى الانحطاط الذي وصل إليه العقل العربي، وخاصة مصر التي يلوح لها الكيان الإسرائيلي بفزاعة سد النهضة المشؤوم عربياً. وللحديث بقية! 

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم