صحيفة المثقف

سلاسة اللغة وغنائية النص عند الشاعر حبيب الصايغ

التركيب اللغوي في قصائد حبيب الصايغ متفرد بسلاسة اقرب الى العفوية وايقاع غنائي ،قريب من القلب ، ونجدهذه الخاصية حتى في قصائده التي تتحدث عن الموت.

ويذكر الباحث عبد اللطيف الوراري في حديثه عن الغنائية في الشعر العربي الحديث،

(أنْ تأتي القصيدة في العموم قصيرةً وموجزةً وبالغة الكثافة، لكنّها قد تزيد على ذلك إذا رأى الشاعر فيه بلورةً لصوته الإنشادي وموقفه الغنائي داخل القصيدة ومعماريّتها العامة.

و أنْ تعبّر عن "الأنا ـ الأصل" للشاعر الّذي يتكلّم بقدرما يُفصح عن تجربته الداخلية، صوته الداخلي، عالمه الداخلي بكلّ ما يفضّ عنه من روح جيّاشة في التعبير.

وـ أنّ تتحرّك في سياق نوعيّ ومتنوِّع من التيمات والرؤى المنتجة للمعنى الشعري، التي تستدرجها أنا الشاعر (الحبّ، الرثاء، الإشراق الصوفي، سخاء الطبيعة، مجالس اللّذة والشراب،إلخ.)

وأن تنقل مجمل القيم الخاصّة بإنتاج "كوْنٍ دلاليٍّ" يفتح الأنا الغنائي على الأشياء والعالم، فلا تُقيم فصلاً بين الداخل والخارج، الذّات والآخر، المحسوس والمجرَّد في مزيجٍ خلّاقٍ يخلق وحدة الموضوع، ووحدة البناء، ووحدة الانطباع المتأتّاة من ذلك جميعاً.

و أن تكون شفّافةً وعالية التركيز في تدبير نسقها الدّاخلي، لأنّ القصيدة الغنائية تبقى قريبة من الغناء، ومن شفافيّة الغناء بالنّظر إلى نوعيّة بنائها المعماري ككلّ.

و أن يأخذ فيها الإيقاع وضع "الدالّ الأكبر"، لأنّه ينظّم معنى الذّات في خطابها، ويُنْقذ البناء النصّي من التبعثُر والتفكُّك عبر آليّات التكرار والتقفية والتوازي والهندسة الصوتية وتذويت الدّلالة.

و أن تتخفّف من "الملفوظ التمثيلي"، ومن السّردي الّذي قد يُشيع الروح الدراميّة داخل النصّ، وإن كان ذلك لا يمنع أن تهجر نقاءَها الأنواعي، فتستثمر "الملحمي" في علاقتها بالتاريخ والأسطورة والرمز. ولقد رأينا قصائد كثيرة حملت دلالاتٍ وأبعادٍ غنائيّة جديدة ضمن سياق النص الشعري العربي الحديث وثقافته الجديدة))

ففي قصيدة (اسم الردى ولدي ) ،(ج1 ص 129 ) المفعمة بالحزن والموشحة بالحكمة والتي تدخل في عمق لغز الموت بقوة بصيرة مستطلعة ، يظل الايقاع الحزين غنائيا

أجيئك والعمر ينهي مكيدته حيث يبدي

وحيث المنايا معلقة في حوانيت وجدي

.. وحبيبي يغني معي

وحين يجوع أناوله أضلعي

.. أحاول أن أعلن الحرب وحدي

فلا فرق، سوف أدوس على القلب،

..ومستقبلي يا صديقي

في حريقة صدري

والسراج المعلق في سقف قبري

.. أمي وأجدادي النائمين على حافة البحر

وفي موضع آخر يهزنا المعنى:

ويكفيك ما فيك

فانهض لعلك تقوى على الموت

وهنا نلحظ أيضا الصراع الأبدي بين الإنسان والموت (الفناء) ..أعلن الحرب وحدي ...والسراج المعلق فوق سقف قبري ...وأخيرا الخاتمة القوية فانهض لعلك تقوى على الموت ، هنا يكشف الصايغ عن تمسكه بالحياة ويتشبث بالأمل والرجاء ،وكأن الصايغ يكشف عن عالمه الداخلي ورغبته في التغيير

وعن الموسيقى والايقاع والغنائية في هذه القصيدة ، يقول ابراهيم فؤاد عباس ((أسمي الردى ولدي»: القالب الشعري الأساس للقصيدة، تمامًا مثلما هي الجملة الموسيقية الأساس في السيمفونية أو الكونشرتو، فهي تظل تتردد عبر القصيدة، راسمة فضاءً جماليًا وفلسفيًا في رحلة الإبداع الحالم التي حملتنا إليها تلك القصيدة عبر موسيقى شعرية تبدو هادئة تارة، وصاخبة تارة أخرى)

والقصيدة تمثل في عنوانها والعديد من ابياتها الشعرية نوعا من التضاد ، والتضاد هنا في دلالته وإيحائه، يحمل معنى التناقض والاختلاف بين حالتين على طرفي نقيض، لا تلتقيان. فالتضادُّ بمضمونه واستخدامه كما في العنوان (أسمّي الردى ولدي) و(وأسمي الحجارة فلذة كبدي )

والتضاد في هذه القصيدة ليس في معاني المفردات ولكن تضاد في الرؤيا التي يعيها الشاعر وكأنها لاتنتهي

أعيد الحكاية من مطلع الشمس

حتى انهمار الظلام على خاتم العرس

في آخر الليل

في آخر العرس

ويطرح الشاعر جملة من النيات المتضادة في نسق متسلسل ولكنه يقف ليقول:

حملت سؤالي القديم على كاهلي

وعذبني فأن السؤال النهاية

ولكنه سرعان ما يشعر بالاسى فيطلق سخرية سوداء فالجيش عاد من حربه دون الف شهيد...

يريدون ان يكتبوا من جديد

مواضيع إنشائهم حول سوق الخضار

من يكتب التاريخ ...؟ يجيب الشاعر انهم الجند العائدون من الانكسار ومن الهزيمة ليؤرخوا لسوق الخضار !!!

والتضاد في الرؤيا يكشف لنا شعور الشاعر بعمق المأساة التي يعيشها مجتمعنا العربي عبر التقابل في الصورة المموهة والحقيقية ، وعبر هذا التضاد الذي يسود القصيدة الطويلة كلها ، يظل المتلقي عرضة للشعور بالتوتر من جهة ويمنحه الفرصة لاكتشاف شعرية النص وايحاءاته

 

وفي قصيدة مطر الوقت يرتفع صوت الايقاع الموسيقى الراقص

لو لك الليل لما أغفيت

 أو غافلك الليل وأغفى

ايها المكتوب في بيت من الاغصان

والمعنى المؤجل

ايها الناسك في ناسك

لو لك الليل لأسرعت الى بهجة أعراسك

 

......................

http://www.jehat.com/Jehaat/ar/JanatAltaaweel/maqalatNaqadeya/14-9-10.htm

صحيفة المدينة في 30-12-2011 ابراهيم فؤاد عباس

الاعمال الكاملة حبيب الصايغ ج1ص403

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم