صحيفة المثقف

بين فرانكنشتاين في جنيف وفرانكنشتاين في بغداد

دراسة نقدية مقارنة بين روايتي باولو كويلو (الزانية) ورواية أحمد سعداوي (فرانكنشتاين في بغداد)

 

بين فرانكشتاين في جنيف وفرانكشتاين في بغداد

هناك رؤية تنطلق في النسيج الروائي لتتحدث تجريبية حياتية من الألم واللذة الغريزية الإنسانية العريقة التي ترجع في قدمها إلى الإثارة والصوت ثم تعززت بالإطار اللغوي ومع التسليم بذلك النشاط من رواية وقصص ومع نمط ألاختلاف في العصور القبلية والإقطاعية مع بنية هذا النشاط من الرواية والقصة في العصر الحديث وتحديدا من القرن الثامن عشر مع الإشارة إلى عملية التأثر بالقديم من ناحية والاختلاف من ناحية أخرى حتى أوشك هذا الأشكال إلى أن يأخذ هذا النمط استقلالية ليصبح جنسا أدبيا منفردا وقد انفصل عن ذلك المؤثر المشار إليه . وكان الإصلاح عند الباحثين في وصف هذا النوع من النتاج بالنتاج الفني للرواية. وعلى هذا الأساس كانت عملية الفصل بين الإنتاج الروائي غير الفني الذي سبق هذا التاريخ وجاء ذلك التعليل هو بألرجوع إلى الظواهر السسيولوجية التي طبعت تلك المجتمعات التي ظهرت فيها تلك الفروق والاختلافات على ضوء طبيعة البناء الفني على كلا المستويين. (1)

 

الاختلاف السسيولوجي وتطور الرواية

أن ظهور التطور الفني في بنية الرواية يعود إلى الصورة السسيولوجية على مستوى المتغيرات الفكرية لتلك المجتمعات في رواية فرانكنشتاين في بغداد للروائي احمد سعداوي الذي قام بعملية التأمل للمنحى السسيولوجي للواقع العراقي من خلال التعبير عن عملية انفعالية بواقع الحياة من حوله ؛ نراه قام بتقديم لرواية يتلاءم حدثها مع واقع طبيعي إقطاعي وهذا وجه من أوجه الهروب من سسيولوجيا الحياة في العراق والانطلاق من خلال الإيهام الخيالي، وقد انبتت الرواية على عملية المصادفة والسحر والخرافة، وقد تضاءل الفعل الإنساني مقارنة بالأدوار المرسومة

للجن والشياطين والخرافة والسحر وقد خلق لنا الكاتب عالم من الوهم مع سرد صحافي يلامس الواقع السسيولوجي

واقع يهرب بنا إلى عالم من ذلك الإيهام والإسراف في عملية النسج الأسطوري حيث نجد الطبقات الفقيرة والمحرومة ذلك العزاء من البؤس، قد حفلت الرواية بالغبيبات والأساطير والخرافات، وقد اقترنت هذه الرواية في بنائها الفني من الفنون الروائية العربية والحافلة بالسيرة الشعبية، لان سيرنا الشعبية دائما تكون أكثر ارتباطا بالجماهير الساحقة وقد جاء التعبير في هذه الرواية عن بطولات أسطورية كان قد أسقطها الكاتب على النسيج الروائي من خلال بطلة الخرافي (فرانكنشتاين) وهو نفس البطل قي رواية (الزانية لباولو كويلو) التي هي ليندا الشخصية العدوانية المرعبة .وقد أخذت الرواية الشكل الفني الأخر والحديث عن حياة الصعاليك والمشردين إضافة إلى الطبقة المحرومة في النسيج السسيولوجي العراقي، أمثال هادي العتاك، و(اندرو) ذلك الشاب المراهق مع والدته الطاعنة في السن (فيرونيكا). التي تقوم بأعمال التنظيف، ولم يتخذ الكاتب من الناحية الفنية عالما قائما على مجرد الوهم والخيال الأسطوري بحيث أصبح قريب من الواقع العراقي سيكولوجيا، وقد اظهر هذا اللون من الفن الروائي بعد تتدهور الزراعة والصناعة في العراق مع وجود الحروب عبر العقود الماضية واستمرارها بعد احتلال العراق في العام 2003، وقد ساعد ذلك على ظهور المليشيات من الأحزاب الدينية والعصابات من المنحطين، وقد ساعد ذلك ظهور يقظة فردية في مجتمع ما بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني مع التحالف الدولي هذه اليقظة كانت قد تمثلت بالصحافي فريد شوّاف ومحمود السوادي وحازم المصور في المجلة، كانت هذه الشريحة الفردية مهمة بالحياة المظلمة التي يعيشونها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ورواية فرانكنشتاين في بغداد لم تكن رواية فنية بالمعنى البنائي، كانت رواية تتجه باتجاه الاختيار لحوادثها المتعددة كان أرضاءً لفضول القارئ

وكان سبب هذا الفضول هو اختيار الكاتب للأحداث الغريبة والأسطورية المرعبة مع الإسقاط الأسطوري (لفرانكنشتاين عند شلي وماري شلي وبايرون وبوليدوري في قصص الرعب) . والكشف الخاص للكاتب بأن هذه الرواية فقدت الحتمية والسببية .نقول لقد خلت إحداث الرواية من الأصول التي تربط إحداثها، كذلك المحاور والإحداث والمشاهد المتكررة حول التفجيرات، وقد أصبحت مجرد عرض لتفاصيل لم يكن بينها رابطة عضوية التي تجعل الفصول منها مترابطة ومتماسكة .وقد غابت السببية عن الرواية وقد خضع الكاتب إلى فضول القارئ من خلال الانتقال إلى سرد العجائب والغرائب وابسط شاهد على ذلك حادث (جسر الأئمة) وتفسير المنجمين وفتاحي الفال عن أن هناك أشباح كانت هي السبب في قتل الناس وغرقهم في نهر دجلة، وهذا المنطق لايساير البناء الروائي ولا التجربة الإنسانية . وقد خضعت الرواية إلى القدرية والخرافة والمصادفة لقد كان الإحساس بالزمكان ضعيف، وهذا النوع من البناء الروائي يكاد يكون متلاشيا وإحداث الرواية خارج الزمكان وهي تخضع لتفسيرات أسطورية وخرافية،

فهي بالمقابل لا يستطيع إقناع القارئ بهذه الأحداث رغم إيهام المؤلف للقارئ بأن هذه الإحداث كانت قد وقعت فعلا.

 

البنى السردية

في بناء هذه الرواة يظهر لنا صوت الراوي، وهو الظاهر على المستوى الخطابي داخل العملية السردية أما لغة الرواية فهي لغة صحافية مبنية على فعل المستويات الخطابية على مستوى صفحات الرواية والكاتب يقوم بصياغة تلخيصات لأحداث وقعت في شوارع بغداد، وهذا الطابع الخطابي السردي والتقريري على لسان الراوي يكاد يلف عموم الرواية، الإحداث تدور بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي وما حصل للعراق من فوضى وعلى كل المستويات .

من هنا علينا إن ندرك هذا المسار من الخطابات الروائية ودينامية تلك التساؤلات حتى يكون الإدراك أفضل كذلك ينبغي استعادة ذلك التعارض القديم الذي اقترحه الشكلانيون الروس بين مفصل الحكاية والفاعل . فالحكاية كما هو معروف هي الترسمية الدقيقة لبناء الرواية، والمنطق الفعلي (أي الإخبار وليس منطق القص إضافة إلى البناء السردي للشخصيات، لأن الشخصيات هي المجرى الرئيسي والمنتظم للشخصيات زمنياً، من جانب أخر يمكن للحكاية ألا تكون صياغات تواليه من تلك الأفعال البشرية، فالدلالة على منطق هذه السلسلة من الإحداث التي تتعلق بأشياء هي غير ذات حياة أو تقع وفق المنطق الفكري وبالمقابل فإن الفاعل هو (الحدث) كما روي وكما توضح بشكل جلي على السطح . على سبيل المثال فإن شخصية (إيليشوا) أم دانيال تتفاوت زمنيا في استخدام الروائي Flashback عندما تتذكر ابنها دانيال وهو ذاهب إلى الحرب في الثمانينيات عندما كانت الحرب قائمة بين العراق وإيران ولم يعد أو عندما تتأمل (إيليشوا) (لا تجد إيليشوا رفاهية في التأملات المجردة إنها تتعامل مع شفيعها كشخص قريب، عضو في هذه العائلة التي تمزقت وتفرقت) ص23.

ففي هذا النص السردي يكون الفاعل متماهيا بالبنى الخطابية، والى ذلك بالإمكان إدراك الفاعل على أنه الاستخلاص الأولي الذي يحاول القارئ القيام به وفق قاعدة البنى الخطابية أو شخصية هادي العتاك وهي شخصية من الشخصيات الموجودة في الواقع السسيولوجي العراقي شخصية درامية تحتمل الافتراض الروائي دائما، كما افترض باولوا كويلو شخصية ليندا في رواية الزانية، أو كما يقتحم راوي فرانكنشتاين في بغداد الشخصية الصحافية الألمانية الشقراء مع مترجمها مع مرافقه مصور فلسطيني لها بكاميرا محمولة إضافة إلى الصحافي الشاب محمود السوادي، ثم تختفي هذه الصحافية الألمانية الشقراء التي ترافق الصحافي محمود السوادي، ولم يذكرها الروائي ثانية .

 ويستخدم الروائي شخصية هادي العتاك بشكل مزدوج، فهو الحكاواتي وهو الأسطورة البرومثيوسية والمنقذ للبشرية حتى ينتهي به الأمر بأنه هو المجرم المشوه (الشِسْمه) في الرواية هناك إعادة للمشاهد المتكررة لعملية التفجيرات بين الحين والأخر، وهناك تركيز على العنصر الذاتي داخل الحبكة الدرامية وهناك إشكالية في المراتب التعاضدية داخل الرواية، هو عدم توصل الروائي إلى صياغات وقضايا تتعلق بمنطقة الصراع على مستوى البناء الدرامي من الناحية الموضوعية وفق المنطق الحكائي وعبر السلسلة التأليفيه بعد ماقام الروائي بتفعيل البنى الخطابية وتقليص منطق الحدث الروائي والالتزام برمزية الحكاية، في حين ان المنطق يقول بأن الحكاية لا تشكل إلا الشكل التأليفي لإحدى القضايا الصغرى التي يعبر عنها على مستوى تلك البنى الخطابية .

 

المشاهد المسرحية

يحاول الراوي وبشكل سريالي إن يحقق شي من الفعل الدرامي داخل البناء الروائي، لكن هذا الفعل الدرامي يأتي على شكل نصا مسرحيا .ففي الفصل الخامس الذي يعنونه الروائي (الجثة) هذا الفصل اخذ المنحى المسرحي وهي عندما تنادي (إيليشوا) العجوز (أنهض يا دانيال ....إنهض يادنّية .... تعال ياولدي) ص63.

وهنا تأتي انتقالة الكاتب، إلى الشاب الذي سبق وإن جلس على مقبرة صاحب السواريين الفضيين داخل مقبرة النجف (أشعلت العجوز بندائها هذه التركيبة العجيبة التي تكونت من الجثة المجمعة من بقايا جثث متفرقة وروح حارس الفندق التي فقدت جسدها . أخرجته العجوز من المجهول بالاسم الذي منحته له : دانيال) ص 63.

 

الإخراج المسرحي للكاتب

هذا الفصل بإمكان الكاتب إن يخرجه وفق الإطار المسرحي للأسباب التالية :-

1. وجود المشاهد السحرية الخفية .

2. المشاهد الأسطورية .

3. صورة الشهيد القديس + وجود العجوز باعتبارها صانعة الشبح المتركب من جثه كانت قد جمعت من بقايا عدة من الجثث .

4. المكان القديم والخرب .

5. الملابس المجعدة والقديمة .(أخرجت هذه الملابس من صندوق ابنها دانيال الذي ظلت تحتفظ به طوال السنوات الماضية)ص 64

6. طقوس النداء للجثة والنهوض، حيث ذلك الرجل العاري الغريب (تركت الرجل العاري والغريب يحدق في الجدران وفي الأثاث . وقف ناظرا الى الصورة) ص65.

7. خطاب القديس من صورته للجسد المشدود لصورة القديس المحارب:

• (وهاهما الشفتان تتحركان ألان .

• عليك إن تكون حذرا .

• شفتا القديس تتحركان بحق .

• أنها امرأة عجوز منكوبة . إذا قمت بإيذائها أو جعلتها تحزن أقسم أنني سأغرز رمحي هذا في حلقك). ص66

 

 

لقد حاول الكاتب إن يزاوج بين الخرافة من خلال الجثة والحقيقة الواقعة من خلال أم دانيال وهادي العتاك والجثة . هذا الرمز الخرافي المثقل بالمعاني الكثيرة .

 فالكاتب من جهة يفتش عن الانقاض الميدانية بما في ذلك الاشلاء البشرية، ويتوقف الكاتب على الخراب ويستعير بين الفنية والاخرى عيني زرقاء اليمامة، فهو نراه يجرب من أدوات ذلك التكنيك الذي يتلابس : من الخرافة + البناء السريالي + الواقع الفعلي على الأرض .

لقد اتخذ الكاتب من مأساة العراق بعد الاحتلال الأمريكي محورا لروايته، فهو لا ينفصل عن المؤثرات الغريبة في الرواية، من الناحية الفنية .

(حين استفهمت منها هذه العصابة الحمراء الملفته قالت لها بهدوء وهي تنظر إلى الطريق أمامها :-

• لقد انتهى حزني . الرب سمع ندائي اخيرا ...ص 68

• هل هو في البيت ألان؟

• نعم هو نائم من التعب ..) ص 68

 

أراد الكاتب إن يصور هذه المشاهد في الرواية على انه عملاً يبحث به عن (سوبر مان خرافي) تحت اسم فرانكنشتاين هو الرمز الأسطوري لخرافة في القصة التي كتبها (روبرت لويس ستيفنسون).

 

الاستخدام الهرمينوطيقي

هناك الاستخدام للنص بطريقة واضحة باعتباره استخداماً منبهاً من منبهات ذلك التخيل، وبين عملية التأويل للنص الروائي بطريقة مفتوحة وعلى هذا الأساس أراد الكاتب وعلى اساس هذه التخوم الفردية إن يقوم بعملية تسويغ دون الوقوع في الالتباس النظري، وتأسيس إمكانية لمتعة النص حسب بارت، نقول: كان على الكاتب أيستخدم نصاً على انه يشكل

متعة للقارئ نفسه ونص متعة لنفسه . أو أن يكون نصاً محدداً وينظر في ذلك الى عملية التحفيز في ذلك الاستخدام، وهذا ما أراد أن يوصله الكاتب وهي الطريقة الأكثر حرية وعلى البنى الإستراتيجية للنص .

ولكن نسي الكاتب إن مفهوم التأويل للنص يلازمه دائماً الجدل بين ستراتيجية المؤلف واستجابة القارئ المتمرس والنموذجي .

 

بين الوهم والواقع

في رواية فرانكنشتاين قي بغداد، يقوم الكاتب بالخلط بين الواقع السسيولوجي في العراق بعد الاحتلال، حيث يقوم بوضع الترسمية للشخصية الخرافية (فرانكنشتاين) والرمز الأسطوري الغربي باعتبار أن هذه الشخصية مصنوعة من أشياء مثل الدم والأشلاء البشرية والعظام والخلايا، ويعتبر أن هذه الشخصية هو المنقذ لأنه يقوم بعملية الانتقام من الذين كانوا السبب في الاحتلال والفوضى، وأن صعوبة التمييز بين حالات الوهم وحالات الواقع، فالصورة تتجلى وبشكل واضح عند طبيعة البحث في العلاقات الجنسية في رواية الزانية لباولو كويلو والمتمثلة قي شخصية ليندا وجاكوب، ومن الواضح أن كاتب رواية فرانكنشتاين في بغداد قد تأثر بعملية الإسقاط للشخصية الخرافية والأسطورية (فرانكنشتاين) وقد حول هذه الشخصية الخرافية الى رمز أسطوري وهمي لأنه لا يلامس الواقع وقد بقيت هذه الشخصية ولم تمت ولم يخض الكاتب في مصير هذه الشخصية وبقيت في اللحظات الأخيرة في الرواية من عملية الهرمينوطيق وبقي (الشِسْمه)ينظر من نافذة لفندق العروبة وبجانبه (نابو) القط الذي رفض الذهاب مع (إيليشوا) أم دانيال وكان (الشِسْمه) هو البديل عن دانيال الذي ذهب الى الحرب في الثمانينيات ولم يرجع .

 

 

وأراد الكاتب أن يشير الى المصادرة لقارئ مثالي كان قد تولاه أرق ميتافيزيقي وقد ملكت هذه الشخصية كفاية فيزيقية وفق منطق اسطوري، وهذا الوهم الاسطوري الذي ابتعد عن الواقع السسيولوجي في العراق، لأنه أتخذ ذلك المنحى التكنيكي السريالي الذي لايلامس الواقع الفعلي، فالكاتب في هذة الرواية عاش في الخيال المبني على الخرافة والأسقاط الأسطوري للرمز (فرانكنشتاين) وقصص الرعب لشلي وماري شلي، وبايرون، وبوليدوري . ولنا عوده الى هذا الموضوع .

 

نشوء الخيال فنياً

إن الوظيفة الخيالية، وفق المنطق الهرمينوطيقي، لاتشكل دائماً وفق منعرج الانهزامية أو الفشل، ونطبق هذا الوصف حين لا توجد هناك علاقة بين الصورة الفنية في الرواية وحركة الواقع السسيولوجي، هناك الوظيفة لفلسفة الخيال الهرمينوطيقي، هو النظر الى الضوء المستقل حتى يقوم الكاتب بتوسيع ادراكات الحاضر .فالروائي احمد سعداوي في روايته (فرانكنشتاين في بغداد) يذهب بأندفاع الى الاشلاء البشرية ليكتشف المدن المدمرة بالتفجيرات وسقوط الاشلاء الواحدة فوق الاخرى، وقد حقق الكاتب الاختيار السريالي لكنه أهمل تعريفات الفعل الخيالي في الرواية . وقد ادى به هذا الامر الى عرقلة الفعل العملي، وكان تأثير الخيال على منظومة الجسم المادي أو الاشلاء المادية، وقد حاول الكاتب أن يكون مستيقظاً، ولكن غلب عليه الشرود الذهني، والفعل الهرمينوطيقي في منظومة الخيال، وقد يكون مؤسس الإرادة، حيث الابتعاد عن الواقع الفعلي، من هنا يزداد الفعل الهرمينوطيقي للخيال .والرواية عملت بالوقود السيكولوجي الحركي داخل طاقة مولدة وبشكل انسيابي وهذا الفعل يأتي طواعياً من خلال الشعور بالخوف، أو الشهوة،

أو الحب أو الغيرة، أو علامات التعجب، أو عملية الطموح .

هناك الفرق الكبير بين الفعل الأبداعي العظيم والفعل العادي عند الانسان العادي، فالوقود الهرمينوطيقي والخيالي عند الإنسان الفنان، هو غيره عند الانسان العادي فالروائي في هذه الإشكالية قد حاول الاحتفاظ بالصور المتدافعة داخل الرواية إضافة الى تشكيلة الأحداث المتسارعة .

وعليه اذا توقف الروائي عن استخدام المنطق الهرمينوطيقي الخيالي في هذه الطاقة تحديداً، فإن الصورة والحدث سوف يختفيان بشكل مباشر، ولذلك كان التكرار في مشاهد الأنفجارات، وهو الطابع الذي ميز عملية الرصد داخل الرواية لأن اختفاء الصورة سببه، لأن الصورة لاتمتلك الفعل الخاص في العملية الهرمينوطيقية الفنية، وهنا نود أن نشير الى قصة شلي التي تروي فكرة نشوء (فرانكنشتاين) .

كان شلي قد قرر هو ماري شلي وهي الوحيدة التي قامت بذلك، وفي مساء أحد الايام عقدوا جلسة يتباحثون بها عن فكرة الإشباح وقد انتفض بايرون واخذ يردد بعض الأبيات من (كرستابل) وقد صرخ شلي خارجاً من البيت، وبعد ذلك أخذ يحملّق في ماري حتى تذكر قصة قديمة عن شكل إمرأة بعينين بدلا ً من حلمتين في ثدييها، وقد اعتقد في هذا التصّور من القصة بأن هذه القصّة حقيقية .

والكاتب لرواية فرانكنشتاين في بغداد كان قد اعتمد هذه الأسطورة، وفق التصور الهرمينوطيقي للخيال الفني في بناء الرواية والهدف من ذلك، هو التركيز على الفلسفة الهرمينوطيقي في بناء الكائن البشري الذي هو نتيجة لجمع أشلاء بشرية متعددة حتى خرج هذا (الشِسْمه) يرفع راية الانتقام، وكان من مهام الكاتب أن يضع التوازن داخل هذا الإطراد في الطبيعة البشرية داخل الرواية، ومن هنا كان عليه عدم ترك مايدور في شوارع بغداد والعراق بشكل عام يسير سيراً روتينياً، وكان لابد من عملية توازن هرمينوطيقية .

مثال على ذلك عندما تعود (إيليشوا) لل Monologue الداخلي على لسان صوت الراوي الخفي Camouflage وكأننا في مسرحية تحضير الأرواح في أجواء كنائسية أوروبية، هذا الصوت الخفي Camouflage الذي يحرره الراوي متكوّن من الزمكان +إيليشوا + دانيال المفترض أو الجثة المجمعّة من عدة اشلاء بشرية + القط الهرم نابو + صورة القديس الذي تظهر صورته متحركة دائماً وهي على الجدار عند وقوع الدث المتشكل هرمينوطيقياً .

هناك مشاهد في الرواية وكأننا نشاهد فيلم من افلام الأكشن الأمريكية وهي لاتتعدى الخرافة .

وهناك أخبارية عن مجرمين يتم إطلاق النيران عليهم ولكنهم لايموتون ص88 ص89 ثم تأتي حادثة مقتل أبو زيدون الحلاق العجوز .

(كان التقرير الطبي يقول أن الأب مات بالسكتة القلبية . ربما قتل المجرم رجلاً كان ميتاً في الأصل) ص93.

 

الرمز في الجثة

إنطلاقاً من حكاية التعبيرات، والحياة اليومية ماهي الاّ شبكة نصية ورمزية حيث تتحقق الافعال والعبارات التي يتم بثها بشكل تواصلي ومفتوح بالإضافة الى منطق الأفعال التي تحث عليها شبكة من العناصرالرمزية والدلالية ورمزية الجثة في رواية فرانكنشتاين قي بغداد هذه الرمزية عبارة عن الرمز الروحي الغائب قبل عقود، وقد جاءت هذه الروح وحلّت في جثة كانت قد جمعت من اشلاء عديدة أشلاء بشرية متعددة جمعها هادي العتاك كما يجمع الحاجات القديمة . وهذه الاشكالية هي إشكالية قديمة في حلول الارواح داخل أجسام متنوعة سواء كانت أجسام حيوانية أو بشرية .

ولذلك وصف الراوي هذا الحدث وفق رؤية أم سليم البيضة (أم سليم تدعي أنها شاهدت شخصاً غريب الهيئة يرتدي قمصلة عسكرية حائلة اللون ويحكم غطاء الرأس فيها بحيث لا يبّين من وجهة أي شيء للناظر من بعيد) ص98.

ورمز القمصلة العسكرية الرومانية في الجيش العراقي في الثمانينيات كان فيها غطاءً في الرأس، ودلالة على أن هذا الرمز قد استشهد في الجيش العراقي على جبهات القتال مع ايران، وقد دفن رمز هذه الجثة مع قيثارته البسيطة، لان دانيال كان فناناً، وأن الكثير من الأدباء والفنانيين والمثقفين العراقيين ذهبوا للدفاع عن وطنهم العراق واستشهدوا في جبهات القتال إبان فترة الثمانينيات وحتى التسعينيات حتى احتلال الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف للعراق في العام 2003 ورمز الجثة المشكّلة من أنواع الأشلاء البشرية ماهي إلاّ أشلاء شباب وشيب العراق عبر قرون عديدة من الأحتلالات والماَسي، والأشلاء المتبقية في الجثة هي أشلاء لشعب قاتل الغزاة عبر التاريخ دفاعاً عن القيم الحضارية، وقد جاءت هذه الجثة لتنتقم من كل من أساء للعراق وأول هذا الانتقام لجنود الاحتلال وادلاء الأحتلال الذين جاءوا مع دبابات الاحتلال .

وكان على الكاتب أن يترجم هذا الفعل الدلالي للأحتلال على أنه فعل سربروسي، وسربروس هو الكلب الذي يحرس مملكة الموت في الأساطير اليونانية، وأن التطابق الحاصل بين سربروس ووجوده في العراق لأن الكلب نفس الكلب الذي يجوب شوارع بغداد (2).

هناك شخصية حسيب محمد جعفر كان يعمل حارساً في فندق نوفوتيل، وقد قتل بأنفجار كابسة نفايات يبدأ الكاتب بتحريك هذه الروح التائهه وفق العملية الأستراجاعية Flashback أي ارجاعها الى الحياة لتتكلم وتنتقل، ويتخلل هذا الحدث فعلاً درامياً داخل عملية سردية على الطريقة السريالية . إن الفعل الروائي على هذه الطريقة من الكتابة لا يعبر عن المرتكز الفني في الرواية هي الطريقة العلمية في عملية الفعل الروائي، لانها لا تبعث عن الصحة في عملية السرد، إنما تبعث عن عجز في المعالجة، سيما وأن الفعل في منطق الرواية يعني الحدّية في الفعل الكتابي لا فعل المنطق السريالي الذي يعبر به الروائي عن لغة صحافية سردية، بحيث لم تبقى متانه نصية في لغة الرواية هذا الطراز من الكتابة قد تكون في الصياغات الخبرية في علم الصحافة لا الرواية، فللرواية متانتها اللغوية .

(كل شئ إنتهى، وظل يراقب العتمة الداكنة تغطي المدينة كلها . شاهد الاضوية البعيدة للبنايات) ص45.

وقد رسم الكاتب عبر هذه التغطية التداعيات حسب الراوي (شاهد النهر أيضاً داكناً وعميقاً في الظلام) ص45.من هنا نقول إن العوالم الامكانية من الوجهة البنائية للرواية ينبغي على الكاتب أن ينظر الى هذا العمل على أنه بنى ثقافية، لا فعل سردي أنشائي صحافي .

(كان بالتأكيد يراقب النجوم الصافية لهذه الليلة ينحدر ببطء مع حركة المياه) ص45.

حتى هذه الصورة النصية السريالية هي صورة غير مبنية على الفعل الحكائي وحالات الحكاية، لانها لاتعّين العوالم الممكنة، لأنها سلسلة من القضايا الأكثر تجريداً من القضايا الفعلية للحكاية . وهذا النسج من البناء لا يمثل عمق الحدث، إذ ليس بأستطاعة الكاتب تمثل هذا الحدث بهذه اللغة الفقيرة، رغم استعماله اللهجة العامية (ليش تباوع .. روح شوف الجثة مالتك وين صارت ... لاتظل هنا) ص46. هناك نسج سريالي ومشاهد واحداث كثيرة فهي تمتد من ص44 الى ص 48.

ونحن نمضي في تشكيلة تلك الشخصيات في رواية فرانكنشتاين في بغداد والجولات الهرمينوطيقية الطويلة، حيث يمتد السرد الصحافي من ص79 حتى ص95 ومن ص95 تتغير لغة الراوي عن هادي العتاك ورمزية الجثة، عندما صحح هادي للشابين، أسم الكائن الذي قام بصناعته من أشلاء بشرية متناثرة أطلق عليه أسم (الشِسمْه) اي أن الجثة كانت متنوعة الأشلاء، ويستمر الحوار بين الشابين وهادي العتاك

- (الشِسمْه) مات الله يرحمه .

- شلون مات ؟..لا.. أحكيها من البداية .شلون .شلون سويت الجثة ص96 .

ويستمر الراوي بأستخلاص المقدمات في سرده للسوبرمان الخرافي وهنا يعتبر الراوي التعبيربهذه الطريقة هو مفهوم قد يكون أرحب من المدلول خاصة عند مداهمته منزل أم رغد (القواده) في الظلام وقتل الضابط وهو يضاجع احدى بناتها .

(كان جسمه لزجاً وكأنه مدهون بدم أو عصير طماطم . وحين قفز على السطح تناوشه بعض الشباب ببنادقهم . رموا بإتجاهه إطلاقات كثيرة كانت تخترق جسده ولاتؤثر في ركضه)ص97.

وعند معالجة هذا السرد التقريري، كأننا نعالج منطق الكمية السردية حيث يصبح منطق المدلول تقريراً أي أن كل ماينتج من هذه الاشكالية هو ناتج عن منطق تقريري، كذلك يأتي الأستنتاج الثاني، هو العكس بالعكس فتصبح القضية السردية هو مدلول لقضية ما لأنها شأن سردي تعبيري لا يستنفد تلك الامكانيات التي ينبغي للقضية التي يتم سردها تنتمي الى قضايا سردية أخرى، وبهذا المعنى الإشكالي يصبح المدلول قانوناً ويعد أنتظاماً لفنتازيا غيرمحددة.

(وحين ركضوا خلفه ركض بسرعة ثم أختفى)ص103من هنا نجد المدلول، وهذا يأتي حسب بيرس قد يكون متضّمناً العبارات العمومية أوهو كل ما تضمنته تلك العلامات من الوجهة الدلالية .هناك الوجه الأخر للإحتلال والإرهاب هو وجود الشخصيات المنتفعة من الفوضى في البلد مثل شخصية (السعيدي) الفاسد الذي يختفي وراء مهنة الصحافة من خلال (مجلة الحقيقة) التي يصدرها وعلاقته المشبوهه (بنوال الوزير) .

هذه الاشكالية في إطار العوالم الحكائية قد تشكل عوالم إمكانية عديدة قد يكون في استعارة فاتنة مثل (نوال الوزير) ولكن الاستعارة قد تكون فارغة رغم أن وجود هذه العوالم هي عوالم أمكانية ولكن بالمقابل أن ترسيم هذه الشخصية من الشخصيات في الرواية، قد تكون مختلفة عن مثيلاتها في عالمنا السسيولوجي في العراق، لكن الشخصية تمضي في ذلك المجال الحكائي حين التقائها (بعلي باهر السعيدي) وبالتالي هروب علي باهر السعيدي ثم تكتشف نوال الوزير بأن السعيدي نصاب بعد سرقته مبلغ من المال رغم أنها كانت على دراية بهذه الشخصية المشبوهه رغم أن نوال الوزير تسير بفس الاتجاه الطفيلي .

في الرواية هناك عالم من الخرافة والمعتقدات الغيبية، وكما قلنا في صفحات سابقة من أن نسيج الرواية كان قد أنبنى على الاشباح التي تجمعت على (جسر الأئمه) ص123 والكاتب يحاول أن ينفرد بقضية الأرهاب أسطورياً مثل قضية العميد سرور وأعتماده على التنجيم، فالجريمة هنا جريمة اسطورية وفردية، ومرتكب هذه الجريمة هو شبح اسطوري مختفي ويقوم بالإنجاز الجرمي بشكل متصاعد،

والإرهاب الأسطوري لاحقه الكثير من المنجّمين والعرافّين، وهذه الاشكالية فّي الرواية بأن من يقود الحكم في العراق هم من الأحزاب الدينية أي من أحزاب الأسلام السياسي الذين يؤمنون بحكم الأسطرة والغيبيات في تفسير أي شي . (سخر الجان والتوابع وأستثمر الاسرار البابلية في التنجيم وعلوم الصابئة المندائيين للعثور على طيف الأسم محّلقاّ حول جسد المجرم) ص125.

والكاتب ينقلنا الى متاهة المنجمين وهم جزء من منظومة البلاء الفاسدة والمتخلّفة .(أنه .. الذي لا إسم له) ص125 والأشباح كما قلنا هي التي تعبر عن الخير والشر داخل الإنسان يسقط كما قلنا هذا الإشكال على أسطورة (فرانكنشتاين) والكاتب أراد أن يأخذ هذه الأشباح، والشبح المختفي على جسر الأئمة ليعطي هذه الأشباح المعطى الحياتي المزوّد بطاقة الرعب، والخوف، أو الطاقة الجنسية كما في شخصية ليندا التي كانت هي من مثلت الرعب والجنس في رواية الزانية (لباولو كويلو) قد يكون التركيز هنا في إطار الحس الخيالي أو الأسطوري الذي يقوم بصناعة التصورات عبر التركيز على منظومة الأسطرة في النسج الروائي، لأن الأمر إذا ترك أي أذا تركت الحياة لحالها في منظومة هذا النسج، فسوف تسير الرواية سيراً روتينياً، كما هو الحال في الإطراد الطبيعي، أو التوازنات الموضوعية هناك عملية إدراك متأملة هذه العملية من الإدراكات تقترب من تفاصيل الخيال الأسطوري الذي يُسقطه الكاتب من خلال بنائه للرواية .

لقد حاول الكاتب أن يجد مبرراً لشخصية (الشِسمْه) من خلال إفتراض قوانين موضوعية لايعرفها الإنسان وإن صناعة (الشِسمْه) هو قانون من القوانين الخفية في هذا الكون، مثل قوانين الفيزياء أو الكيمياء أو البيولوجيا التي تحدث في الطبيعة ليتم بها تفصيل قوانين التوازن على مستوى الطبيعة من جهة أخرى كان (الشِسمْه) قد تحدث عن الليلة التي تم قتل الشحاذين السكارى الأربعة أي أنه رغم العدوانية التي تميز بها (الشِسمْه) وأنتقامه من من تسببوا بهذا البلاء في العراق من قتل وتفجيرات، أراد أن يثبت بأن الشحاذين الأربعة هم قتلوا بعضهم أي هناك أثنين من الضحايا وإثنين من المجرمين .

(كان دانيال أو الشِسمْه) مجرد سبب للدخول الى موتهم الذي يلمس حلاوته مع كل سكره عميقة كالتي كانوا فيها تلك الليلة) ص 145 وأن مقتل أبو زيدون هو إنتقاماً (لدانيال) لقد قتل ابو زيدون انتقاماً لدانيال بتداروس ص146 كما قتل ذلك الضابط في بيت الدعارة .

(لانه تسبب بمقتل ضحية أخذ هادي بعض أصابعها وركبَها لجسد الشِسمْه) ص146.

يتشكَل المدار السردي في هذه الرواية ليبني الكاتب من خلال ذلك البنية الصغرى التي يقوم عليها عالم التداولية ولايمكن لهذه البنية أن تكون شاملة مالم تمثَل رسماً عن عالم حكائي، عن عالم تحت قيد التداول من هنا فإن ذلك الرسم الجانبي لهذه اللقطات الحكائية يقوم الكاتب بتأليف قطعة نصية حكائية تعتمد على مرجعية أسطورية .

 

البنية التركيبية (للشِسمْه)

يتحدث الكاتب عن الموصفات الجسمية (للشِسمْه) وعن ذلك النسق المفهومي وهذا الإشكال يقع وفقاً للترسيمات الاقتصادية والمفهومية، وفقاً للعوالم الإمكانية التي تتوافق مع الإقتضاء القضوي المبني على الخاصيات الضرورية من لحوم الاموات وضحايا التفجيرات والأنتقام الفردي المرسوم له مسبَقاً والذي يعد ثائراً مسبَقاً لفعل مارسه الشخص المعني في ذلك .

(إنه يكتشف أشياء جديدة كل يوم . لقد عرف مثلاً أن اللحم الميت الذي يتكوَن جسده منه يتساقط من تلقاء نفسه في حال لم يجر الثأر لصاحبه في الوقت المعلوم . كما أن إتمام الثأر لصاحب جذاذه من جذاذات جسده يؤذن بسقوطها ايضاً . كأنما تنتقي الحاجة لوجودها حينذاك) ص 148 .

فالكشف الذي يقدمه الكاتب (للشِسمْه) والخطاب موجه لهادي العتاك بطلب تعويضات لبعض الاجزاء التي تسقط من جسمه، وهذا الاشكال (يحتاج الى لحم جديد لضحايا جدد)ص148. فالصورة الوحشية المؤسطرة لهذا الكائن لم يعالجها الكاتب وفق(التبيين الواصف والموصوف) ليستعيد صورة الحركات الصورية في هذا المقطع أعلاه، نقول، فمن تراهم الأفراد المعنيون من الضحايا والثأر وما هي حالات العوالم الأمكانية في إطار الوعي الدرامي، نحن نقرأ أحداث سريعة بلا حس حكائي ومجريات لأحداث وقعت وتقع ولا تعني عالماً إمكانياً سوف يكون فأي توقعات لمنطق الحدث الذي يصفه الكاتب، فالصورة أعلاه عبارة عن تداعيات في الفعل المادي بوجود الفعل التجريبي الذي يعالجه هادي العتاك، أما مانقرأه فهو سوى تجريدات مادية، دون معالجة الأمور وفي الأطار الموضوعي من قبل الكاتب، أي هناك طلباً مجرداً لهادي العتاك لكي يسرع بتوفير قطع غيار لحمَية حسب (الشِسمْه) نقول إن هذيْن النظاميْن .

نظام القتل على يد الشِسمْه + نظام جمع الجُذاذات اللَحمية وتقديمها من قبل هادي الى (الشِسمْه) .

فهما يتماهيَن على الفعل الأختزالي لفعل هذه الصورة نريد أن يكون النص دالاً وفق مقدار القضايا التي تقبل التحقيق من قبل هذا العالم الأختباري والأختياري في البناء الروائي .

والكاتب يرسم لهذه الشخصية الوحشية، صورة المخلّص وكما يقول :

(أنا مخلص ومنتظر ومرغوب به ومأمول الصورة ما)ص156 وهنا يتلابس الصوت الأخر (Camouflage) مع صوت الراوي حتى يصبحا صوتاً واحداً في هذا المونولوغ (Monologue) وهنا يؤكد الكاتب بأن (غودو) عائد بهذه الكتلة اللحمية المتوحشة كما يقول :-

 (سأقتص، بعون الله والسماء، من كل المجرمين سأنجز العدالة على الأرض أخيراً) ص157. ويتصاعد الخطاب الأسطوري المباشر (وأنه فعل الافاعيل حتى يدفع الأمريكان عن بغداد ولا تسقط بأيديهم ولكنهم يملكون بالأضافة الى معداتهم العسكرية الثقيلة والمتطورة جيشاً رهيباً من الجن) ص 159.

لقد استخدم الكاتب فكرة الجن في هذه الرواية، وقدمها جيش اخر إضافة للتقنية العسكرية الأمريكية، إضافة الى السحر عند النظام السابق وجيشه وهذه إشكالية فجة ومباشرة لأنها غير متطابقة مع فكرة الحدث الروائي وقد جاءت مباشرة ضمن النسيج الحكائي الذي يشير اليه الكاتب، وهو نسج من المراهقة الميتافيزيقية داخل منظومة الحكاية، يريد أن يقول الكاتب في هذا النسج، بأن هذا الوحش المشوه المقتول والذي اجتمعت فيه كل جُذاذات الواقع السسيولوجي العراقي، هو العراق المنوّع من قوميات واعراق وحضارات، وأنه سوف يعود وينتقم من كل الذين خانوا العراق وقتلوا أبناؤه .أي هناك علاقة جدلية كما يصورها الكاتب بأن (كل من تقتله يتم غلق حسابه أي أن طالب الثأر يلبي طلبه . قد يذوب في جسدك ذلك الجزء العائد له) ص 163 . هناك إشارات الى الشركات الأمنية والمرتزقة واحدة طيلة قراءة للرواية .

(بعد عراك وصياح بين المجانين الثلاثة وأتباعهم اقتنعوا بالتوسع الى بنايات أخرى) ص 174.

حاول الروائي أن يشكل فعلا حوارياً حول (الشِسمْه) والكوربان وبعدها مع مجلة الحقيقة مع السعيدي، والسعيدي كما أشرنا هو من نتائج الاحتلال الأمريكي، وهو الشخصية الغامضة.

يستخدم الكاتب السرد المباشر والمكرر لتفاصيل الحدث نفسه مع لف ودوران .

إن عملية التكرار في رصف هكذا حوارات تؤدي بالعمل الأدبي الى الفشل من الناحية الفنية، ونحن نقرأ أبو أنمار وأثاث فندقه وكان الرواية قامت على هذا الحدث الذي يتكرر بين الحين والأخر. عندما سرق الضابطان هادي العتاك نقوده وأنتيكاته القديمة نصحوه برفع تمثال العذراء المعّلق في بيته الخرب. (هذا التمثال مال العذراء حرام) يريد أن يوصل لنا الكاتب أن هناك معركة دينية أثنية وعرقية خفية سيما وأن سلوك رجال الأمن ينم عن ثقافة دينية مذهبية طائفية، هذه الصورة جاء بها الاحتلال الأمريكي، وهكذا قُطع رأس العذراء من قبل الضابطين (ووجه بأخمس مسدسه عدة ضربات قوية للتمثال المحفور داخل الحائط فقطع رأس العذراء ولكن التمثال لن يتزحزح من مكانه أكثر)ص 220 .

من جهة أخرى فإن الكاتب أراد أن يظهر لنا بأن (الشِسمْه) هو المسيح وان علامات ظهوره قد تبدأ في حي البتاويين، ولكن هناك علامات تسبق ظهور المسيح الثاني من بين هذه العلامات :-

1. تجمع اليهود في فلسطين .

2. إنشاء دولة إسرائيل .

3. ظهور المسيح الدجال، وهل (الشِسمْه)هو المسيح الدجال؟

4. حدوث موجه من الصراعات .

وتتوج هذه العلامات بمعركة (هرمجدون) كما يصفها سفر الرؤيا حيث تشترك أمم كبيرة في هذه المعركة .

وهل الذي يجري في العراق حسب الكاتب هي المعركة الحاسمة وظهور المسيح الدجال، وأيهما هذا المسيح الدجال هل هو (الشِسمْه) دانيال المختفي، وقد اسقط الكاتب هذه الرؤيا على (إيليشوا أم دانيال) التي تنبأت بمجئ دانيال، ولكن رأي الحركة التدبيرية الأصولية وهي احدى فروع الأصولية المسيحية تتكهّن فق التالي :-

1. إن الله وضع في صفحات الكتاب المقدس نبوءات صريحة وواضحة حول كيفية تدبيره لشؤون الكون منذ البداية حتى النهاية .

2. قيام دولة إسرائيل وهجوم أعداء الله على إسرائيل .

3. وقوع معركة (هرمجدون) النووية وانتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين ثم يأتي ظهور المسيح المخلّص لأتباعه من المحرقة وإيمان من بقي من اليهود بالمسيح، وبعد إن ينتشر السلام في مملكة المسيح لمده إلف عام

 من هنا يأتي القاسم المشترك الديني بين الأصولية اليهودية والأصولية المسيحية (3).

(أنت لم تقتل هذا التنين) كانت (إيليشوا تخاطب صورة القديس المعلّقة أمامها، وقد أجابها (سينتهي كل شيء يا إيليشوا .لما العجلة ؟)ص 237

يشير الكاتب وبشكل خفي إلى تهجير المسيحيين من بغداد وبقية المحافظات، وهي دلالة على ظهور المخلّص حسب الكاتب عند إسقاطه هذه الرؤية على منطق الرواية .(حيث تم اختطاف الأب ولم يخلّصوه من أيدي الخاطفين إلا بفدية مالية كبيرة) ص244.

من جهة أخرى نقول : كان من المفروض بالكاتب إن يستعير من الرمز الأسطوري (فرانكنشتاين) في بغداد والجيوش الغازية للعراق وعلى رأسها أمريكا ودول التحالف، ومن هذه الكتل البشرية المتنوعة ومرتزقتها المختلفة، كان عليه إن يشكل مفهوم الوحش الكاسر الذي احتل العراق وهذه الكتل البشرية الغازية، أي يكون (الشِسمْه) وهو التجمع البشري لقوى التحالف، حتى يصبح الغول الأسطوري الجيوش المحتلة.

 

بين رائحة الدم ورائحة الجنس

إن التطابق بين الشخصيتين في الروايتين بين رائحة (الشِسمْه) الدموية ورائحة ليندا الجنسية في رواية الزانية لباولو كويلو، فألعفونة الجسدية عند (الشِسمْه) وهي عفونة الدم ورائحة ليندا الجسدية التي تفوح عفونة جنسية (الشِسمْه) لا يعرف سوى رائحة الجسد الدموي وجذاذاته وليندا تستحّضر الأجساد والقوى الجسدية، فهي لا تعرف الروح ولا الأرواح عند الآخرين بل تعرف جسدها وتعّرفه لأنها تعتبر جسدها عابراً، والشِسمْه يعتبر جسده هو الجسد العابر ومستوى تفكيره محدود كذلك مستوى تفكير ليندا .

كان (الشِسمْه) مدرسة الثأر والبطش ومدرسة ليندا مدرسة الرائحة الجنسية، فهي قلقة و(الشِسمْه) قلق كذلك، وكان أفحش جماع ليندا ذاتها وكانت تحاول إسكات الأنين الجنسي والشِسمْه يحاول إسكات أنينه الدموي بالقتل والانتقام لقد قدمت ليندا الشهوة والقوة و(الشِسمْه) قدم الشهوة الدموية والقوة، هناك العفونة الدموية والجُذاذات التي يفقدها دائما فهو بحاجة إلى ضحايا أما ليندا فهي بحاجة إلى الانتقام بشكل مرعب عندما أرادت إن تضع مخدرات بحقيبة (مريان) (القتلة الحقيقيون لا يلجأون إلى المساعدة ابداً) ص 168من رواية الزانية لباولو كويلو.

 

(الشِسمْه) يعيش متنمراً ويحتاج الى الدم باستمرار

فالوحش الأسطوري في نظر الكاتب هو الوحش الذي صنعته امريكا وقوى التحالف الدولي والإرهاب، وهذا الشِسمْه هو خلاصة الاحتلال الدموي، وليندا خلاصة الشهوة الجنسية والانتقام، وهكذا ينهي احمد سعداوي روايته (فرانكنشتاين في بغداد بإسقاطه شخصية (فرانكنشتاين) على (الشِسمْه) كذلك فإن باولو كويلو اسقط شخصية (فرانكنشتاين) على (ليندا) وقد بقيت (ليندا) وبقي (الشِسمْه) في الروايتين.

 

د. علاء هاشم مناف

........................

هوامش

1- الدكتور عبد المحسن طه بدر، تطور الرواية العربية الحديثة، دار المعارف 2 ط4 1983 ص193

2- الدكتور علاء هاشم مناف، التحديث في النص الشعري، دراسة نقدية في شعر بدر شاكر السياب، دار الرضوان، عمان الاردن مؤسسة دار الصادق الثقافية ط1 2012 ص15

3- الدكتور علاء هاشم مناف، نظرية العقل العربي، الرؤية والمنهج في سلّم الحضارات، دار التنوير بيروت، توزيع دارالفارابي، ط51 2011، ص 64

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم