صحيفة المثقف

حامد عبد الحسين حميدي: مسلسل سمرقند يضيئ شخصية حسن الصبّاح: الإرهاب والمعارضة في رؤية تاريخية

hamid abdulhusanhomaydiرمضان 2016 وما يحمله من دراما متنوعة في أكثر مسلسلاته التي شهدناها طيلة فترة الشهر الفضيل، نقف اليوم أمام مسلسل درامي كبير، سخرت أحداثه الدرامية لمناظرة أحداث العصرنة التي نعيشها، ليكون مرآة تعكس ما يمر به وطننا العربي، بكل تفصيلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية واليومية، أحداث تمثل أقطاباً مختلفة من القوى: ما بين حبّ السلطة ومحاولة التمسك بها أو الوصول إليها بشتى الطرائق، وبين الزهد والرضا بما هو مقسوم حياتياً .. وبين التأرجح بين هذه وتلك، الغطاء الذي ترتديه كل هذه القوى المتصارعة هو اللباس الديني، وتسيسه حسب الرؤى التي تدعيه كل واحدة منها ومدى قناعتها بما تعرضه من حجج وأدلة .

(سمرقند) مسلسل أردني تأريخي من إخراج أياد الخزور، وتأليف محمد البطوش وهو مسلسل مستوحى من رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب اللبناني (أمين معلوف) أحداث مشوقة قالبها مثلما قلنا: تأريخي يحمل بين طياته حكايات عن السلاطين وعلاقاتهم بالجواري والخدم وحياة البذخ والترف والإسراف، ويقابله شظف العيش الذي يمثله عامة الناس، وهم يتجرعون البؤس والذل والهوان واستنزاف مقدرات الشعوب، التي غصّت بظلم الدكتاتورية المقيتة، وهي تجثم على صدر شعوبها، لتحولهم إلى أدوات رخصية، تتلاعب بها كيفما تشاء .

 

شخصيات مركبة

المتابع لإحداث المسلسل، يجد أن هناك شخصيات مركبة لعبت دوراً مهما فيه كونها تشكل أدوار البطولة التي جسدت الأحداث بكل دقة متناهية، بحيث أكسبته طابعاً من الإقناع المباشر / الايصالية، لدى كل من يشاهده، إقناع بأحداث شكلت في اغلبها حياتنا اليومية المعاصرة، وكأن المسلسل صبّ في قالبٍ يستوعب الطرح الموجه إليه مسبقاً من قبل المؤلف والمخرج وبراعة الممثلين حسب أدوارهم.

تسليط الضوء على شخصية (حسن الصبّاح)، والتي أدى دورها ببراعة الممثل السوري (عابد فهد)، وما شكله من قوة تركيبية في شدّنا إلى تتبع ما يقوم به من أحداث متشابكة ومتأزمة، ما بين خصوصيته وخصومه، التي جعلت منه مثار جدل، هذه الشخصية واقعاً تأريخاً، وحسب ما ورد في كتب التأريخ من خلال قيامنا بتتبعها، هي: (عاش الصباح في فترة سادت فيها الحروب بين مختلف الطوائف، السلاجقة، العباسيون،الأيوبيون، الصليبيون وغيرهم من الطوائف، إلا أن كلها أجمعت على أن الصباح كان قوي الشكيمة، ودائم حضور الذهن، ويقاتل كل من يحاول الاقتراب من دولته بغض النظر عن طائفته وان تابعيه أو فدائيه يتمتعون بالحرص الشديد والطاعة والمقدرة على تنفيذ المهمات الموكلة لهم. واختلفت على كيفية ذلك، وفيما يلي بعض الآراء عنه:

الغرب هم الذين أطلقوا اسم الحشاشون (بالإنكليزية: Hashshashin) على هذه الطائفة ومنها أتت الكلمة بالفرنسية (Assassin قاتل) وخصوصاً ما كتبه الرحالة الإيطالي ماركو بولو الذي ادعى زيارة قلعة الموت. والقصص والروايات عن هذه الطائفة كثيرة عند الغرب حيث وصفت كيفية سيطرة الصباح على أتباعه باستخدام الحشيش وترغيبهم بجوائز وغنام لتنفيذ عملياتهم والى آخره.

العباسيون والأيوبيون اعتبروا الصباح عدواً وقاتلاً، حيث تذكر المصادر أنهم حاولوا اغتيال الناصر صلاح الدين الأيوبي أكثر من مرة وكذلك الخليفة العباسي المسترشد بالله .

السلاجقة أيضاً اعتبروا الصباح ألد أعدائهم خصوصاً بعد اغتيال نظام الملك وزير السلطان ملكشاه، وفخر الملك ابنه، وزير السلطان سنجر.

الإسماعيليون: الصباح قائد وإمام وان انصياع أتباعه التام وطاعتهم العمياء لأوامر رؤسائهم ما كان إلا من تبادل الثقة بين الرئيس والمرؤوس والإيمان القوي المطلق بعقيدتهم المثلى وبإمامهم الذي يبذلون أرواحهم رخيصة في سبيله لأنهم يعتبرون أنفسهم جزءاً من النفس الكلية.) .

إذن / شخصية حسن الصباح في المسلسل تكاد تكون مشوبة بالإجرام والاغتيال والقتل والدمار والإرهاب هذه المفردة التي هيّئت من اجلها توجيه دفّة مسلسل (سمرقند) متناسين أن هذه الشخصية هي: (كلمة الحشاشين: Assassin دخلت بأشكال مختلفة في الاستخدام الأوربي بمعنى: القتل خلسة أو غدراً أو بمعنى: القاتل المحترف المأجور .أسسها حسن الصباح وكان زميلاً بالأزهر لكل من شاعر الرباعيات عمر الخيام ونظام الملك الذي صار وزيراً مرموقاً فيما بعد، وكان الثلاثة أصدقاء ورفقاء سكن بمنطقة المجاورين بالقاهرة وذلك بالإضافة لزمالة الدراسة لنشر تعاليم العقيدة الإسماعيلية الشيعية، و اخذ يركز دعوته في الشمال الفارسي وبالتحديد على الهضبة المعروفة بقلعة ألموت بإقليم الديلم، وتبعد حوالي 100كم عن العاصمة طهران . وقد تميّزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية ودينية متعصبة، حيث اعتمد حسن الصباح وعصابته في تمويل جماعتهم على السرقات والقتل وقطع الطرق . أستطاع حسن الصباح من دخول قلعة ألموت سراً قبل أن يسيطر عليها واخرج مالكها القديم . وبذلك أصبح سيداً لقلعة الموت، ولم يغادرها طيلة 35 عاماً حتى وفاته، وكانوا بهذه الفترة يمثلون امتداداً للدولة الفاطمية في القاهرة قبل حدوث الانشقاق.) (وقد حاول الحشاشون اغتيال السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي أكثر من مرة، مثلما حاولوا اغتيال الخليفة العباسي المسترشد بالله . وفى أيام هولاكو دخلت الجماعة في طاعته وإذعانه واستسلمت قلعة ألموت في ديسمبر 1256.. وصدرت أوامر هولاكو بالتخلص نهائياً من الحشاشين، فتم قتل أعداد كبيرة منهم، ولم ينج إلا من اعتصم بجبال فارس . وقام بعدها قائد المماليك الظاهر بيبرس عام 1270 م بتدمير آخر معاقلهم في الشام . ومازال لهم أتباع إلى الآن في إيران، وسوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، ونجران، والهند، وفي أجزاء من أواسط الاتحاد السوفيتي .كانت وسيلتهم الاغتيال المنظم، وذلك من طريق تدريب الأطفال على السمع و الطاعة العمياء والإيمان بكل ما يلقى إليهم، وعندما يشتد ساعدهم يدربونهم على الأسلحة المعروفة ولاسيما الخناجر، ويعلمونهم الاختفاء والسرية وأن يقتل الفدائي نفسه في النهاية قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم . وبذلك أعدوا طائفة الفدائيين التي أفزعوا بها العالم الإسلامي كله آنذاك .وكان الصباح قد أستطاع ابتكار خطة وأسلوب جديد للسيطرة على أتباعه، فقد أدرك العيوب في الطريقة التقليدية للطائفة الإسماعيلية، فليس كافيا قطع وعد للناس بالجنة والسعادة الأبدية، فقرر خلق تلك الجنة لهم وتقريبهم من مشاعر السعادة التي يوعدون بها. فأنشأ جنته في واد جميل يقع بين جبلين شاهقين، شيد بداخلهما حدائق مليئة بالفواكه اللذيذة والقصور المزينة بالذهب والجواهر المزيفة، وأنشأ قنوات مليئة بالعسل واللبن والخمر. كما جلب بداخلها جواري فاتنات ومحترفات في العزف والغناء والرقص، ودربن على أغاني الغزل والسعادة، وكان لا يسمح لهن بالخروج من تلك القصور أبدا. وأبتكر هندسة ذكية للمكان لإخفاء تلك الجنة عن العيون فلا يمكن لأحد دخولها إلا عبر ممر سري .

 

ولع بالنساء

و كان حسن الصباح وجماعته شديدي الولع بالنساء والغلمان وتعاطى الحشيش والأفيون، مما انعكس على أفعالهم وطاعتهم العمياء لأوامره وإيمانهم بقدرته الكاملة على النفع والضرر لهم فكان يجتذب فتيان ما بين الثانية عشر والعشرين من العمر، وخاصة من القرى وضواحي المدن حيث يختار كل من رأى فيه قابلية لان يكون مجرما وقاتلا، وعبر المجلس الذي يعقده كل يوم كان يتحدث عن مباهج الجنة، و يوضع مخدر في شراب الفتيان الذين يحلمون في نصف وعيهم بجنته الاصطناعية، وحين يفيقون يجدون أنفسهم بكل حواسهم في الجنة وبكل التفاصيل التي ذكرها حسن الصباح .. فيتعلقون بذلك المكان ولا يتخيلون أنفسهم بعيدين عنه، وبعد مرور بضع أيام، يتم تخديرهم ونقلهم إلى نفس المكان الذي حملوا منه أول مرة، فيتحدثون أمام الحاضرين الجدد عن ما شهدوه في الجنة، وعن رؤيتهم الصالحين الذين يبشرون بحسن الصباح في الجنة !!)

(لذلك يعتبر حسن الصباح المنظر الفعلي لمفهوم الإرهاب، بمفهومه التنظيمي ومصطلحاته وأيديولوجيته.. لقد كان أول من أسس مفهوم الانتحاري الموجه وأطلق عليه اسم الفدائي الباحث عن الجنة .فكان بذلك حسن الصباح أول من أسس شكل للخلايا الإرهابية والتي عادت للظهور على السطح في أماكن وأزمنة مختلفة وحتى حافظت على إستراتجية حسن التنظيمية، من خلال تشكيله لخلايا فدائية يتزعم كل منها شخص مستقل يدعى أمير الجماعة، واهتم بشكل المكلفين بالاستقطاب حيث كان يعتمد الدقة فيهم، وفراستهم في الإلمام بسيكولوجية الأخريين). * هذه الشخصية في اعتقادي هي ما سلطت عليها الأضواء، بل قد يكون المسلسل أو الرواية التي كتبت، هي من اجل إبراز هذه بالذات ليس إلا، ولاعتبارات سياسية ومذهبية وطائفية، كونها تحمل طابعاً يتسم بالتشيع، ومحاولة جرّها في بودتقة الإرهاب الحديث، وربطها بما عرف تأريخياً (فرق الموت) لكي يكون رمزاً موازياً لما تعيشه الساحة العربية من أحداث وتكالبات دموية متمثلة بـ (داعش) وكأن هناك معادلة إيمائية للطرف الأخر، أن التأريخ يعيد نفسه لكن حسب رؤية أخرى، تحمل السمات الإرهابية والقتل والتدمير والانتحار والسرقة وبثّ طابع الكراهية والبغضاء والفوضى وضياع النظام .شخصية (حسن الصباح) أو ما يردّ حسب النص الدرامي (خادم الإمام) وجعل هذا التركيب مبهماً / غامضاً أمام ذهنية المشاهد العربي حصراً، لأنه هو المعني بالأمر لا غيره، ولأنه المادة الخام التي تنعكس عليه أحداث المسلسل – سلباً أو إيجاباً –، التقصي وراء الحوادث التأريخي يجعلنا نقف كثيراً، وأمام نقطة مهمة، هل المشاهد العربي بحاجة إلى هذه الرؤية ومحاولة تكبيله وجرّه إلى مداخلات تعبوية، لإحداث قد يقال أنها: (أكل الدهر عليها وشرب)، أم أن الأمر يختفي من ورائه تأسيسات سياسية وأجندة خفية، نتاجها إثارة النعرات الطائفية والاقتتال ما بين العربي وأخيه وبأسلوب مقابلة الشيء بالشيء نفسه، كان حريّاً أن تكون هناك فضاءات أوسع من هذه، فتأريخنا حافل ومملوء برجالات أسسوا وبنوا حضارة وأمة، ناهيك / أن (شخصية الصباح) بمفهومنا المعاصر يشكل (معارضة) لسياسة خاطئة، وجدها تعيث في الأرض فساداً، وهي التي تمثلت بالسلاجقة وسلطانها(ملكشاه)، وضعف الدولة العباسية آنذاك وعدم استطاعتها من مواجهة خصومها وأعدائها .

 

خبرة سياسية

الرجل (الصبّاح) حسب التأريخ: يمتلك يتسمّ بخبرة سياسية وحنكة قتالية، ودراية بالأدب والشعر والعلوم والفلك والسحر، أنه قائد تعبوي يواجه أعدائه بكل جرأة، وقوة مؤثراً على خصومه، إذن / هو معارضة، لا يمكن الاستهانة بها ولا يمكن ان يكون طفيلياً مثل إرهاب (داعش) لقيط السياسات الدموية، التي حاولت نهش جسد الأمة العربية من خلال دعمه لوجستياً بالأسلحة والأموال، لتشويه صورة (الإسلام الحنيف) من خلاله .إضافة إلى أن شخصية (حسن الصبّاح) كان لها علاقة طيبة – دراسياً – مع أقوى شخصيتين آنذاك هما: (نظام الملك) الذي أصبح وزيراً لدى ملكشاه، والشاعر(عمر الخيام) والتي لم نرَ لها أي تسليط ضوء حتى ولو كان بسيطاً، حسبما ذكرته آنفاً: (أسسها حسن الصباح وكان زميلاً بالأزهر لكل من شاعر الرباعيات عمر الخيام ونظام الملك الذي صار وزيراً مرموقاً فيما بعد، وكان الثلاثة أصدقاء ورفقاء سكن بمنطقة المجاورين بالقاهرة، وذلك بالإضافة لزمالة الدراسة) فأحداث المسلسل موجهة لمشاهد لا يمتلك أيّ خلفية تأريخية عن شخصياته، وعندئذ يمكن بل يسهل اختراق عقليته لدسّ الأفكار التي من اجلها تمّ إنتاج المسلسل ..ولا ننسى أن مصطلح (الحشاشين) الذي الصق على هذه الشخصية ومن معها، هو مصطلح أوربي غربي تمّ تصديره وتقبله من الأدباء والكتاب العرب، وبذا يكون (الصبّاح) رجلاً معارضاً من الطراز الأول، حاول البعض تشويهه وتغيير الرؤية التأريخية له .شاهدت المسلسل هذا، واستمتعت بأداء ممثليه النخبة من نجوم الدراما الأردنية والعربية ومدى قدرتهم التوصلية ببراعة أدائية: (حسن الصباح/ عابد فهد، عمر الخيام/ يوسف الخال، الملك شاه / رشيد ملحس، الملكة تركان / ميساء مغربي، الملكة زبيدة / يارا صبري، نظام الملك / عاكف نجم، الجارية نرمين / أمل بوشوشة، والآخرين).

لكنني، لا اتفق مع مؤلفه ومخرجه كون العمل الدرامي موجهاً سياسياً وهو يحمل في باطنه لعبة جديدة في زجّ المشاهد العربي إلى ربط ما يحدث الآن بما حدث (لحاجة في نفس يعقوب) حتى وان كان المبرّر بتصرف .

 

حامد عبد الحسين حميدي / ناقد عراقي

....................

المصادر

*ماركو بولو كتاب The Book of Ser Marco Polo، volume 1 / الحشاشون، فرقة ثورية في تاريخ الإسلام، تأليف: برنارد لويس) / (مشكاة الأنوار: يحيى بن حمزة العلوي).

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم