صحيفة المثقف

معمر حبار: مالك بن نبي.. لماذا يحقد عليه رابح لونيسي؟

moamar habarيرى الأستاذ رابح لونيسي في مقاله المعنون بـ "مالك بن نبي والثورة الجزائرية، توظيف وتهميش"،  أن بن نبي لم يهتم بالقضية الجزائرية منذ بدايات كتاباته !!. وأن ذكر الجزائر جاء ضمن تطرقة للحضارة بشكل عام وكذا العالم الإسلامي بشكل عام. وعليه نقول..

بن نبي يهتم بالجزائر والثورة الجزائرية قبل الثورة.. أول رواية كتبها مالك بن نبي كانت بعنوان "لبيك" سنة 1947، وتعتبر ثاني كتاب بعد "الظاهرة القرآنية".

والرواية من أولها لآخرها تتحدث عن المجتمع الجزائري. وكل أبطال القصة يرمزون للمجتمع الجزائري، من طفل، وإمرأة، وإمام، والسكير الذي أقلع عن الخمر وحج، والقبطان السفينة الفرنسي الذي يمثل وحشية وقساوة الاستدمار الفرنسي.

ويرسم عبر القصة كلها معاناة الجزائري من الفقر، والجوع، وحبه الشديد لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحمّل المشاق وبيع الأثاث والبيت من أجل زيارة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويرسم عبرها ظروف تأدية فريضة الحج إبان الاستدمار الفرنسي، وهي عبارة عن نافذة لفهم المجتمع الجزائري وعلاقاته بالاستدمار.

وفي الرسالة التي وجهها لصاحب دار النشر يومها، كما جاء في روايته " لبيك "، صفحة 26، يقول..

" لقد أردت أن أمسّ جزء مهما من الفلكلور الجزائري، لذلك بدا لي أن مقدمة قصيرة تعدّ ضرورية حتى نستطيع وضع القارئ الأجنبي في أجواء الحجّ في الإسلام، فالإنسان يقترح والله يهيئ...".

ويمكن للقارئ أن يلاحظ من خلال هذه الرسالة، أن مالك بن نبي كان مهتم بإيصال صورة المجتمع الجزائري للأجنبي.

أما فيما يخص كتابه الأول وهو " الظاهرة القرآنية"، الذي ألفه سنة 1947، فهو كتاب علمي لا يتطرق للجزائر ولا للمجتمعات، هذا من جهة. ومن جهة ثانية لم يكتب بن نبي في هذا العلم غير هذا الكتاب، ولم يعد إليه طيلة حياته. ولم يكن من المناسب أن يتطرق للجزائر أو غيرها في مثل هذه التخصصات العميقة جدا، والتي تعالج الفكرة وليس الأشخاص أو الدول.

وفيما يخص كتاب " شروط النهضة " سنة 1948. فقد أعجبني كثيرا الأستاذ الوصي عمر كامل مسقاوي في كتابه " في صحبة مالك بن نبي مسار نحو البناء الجديد"، الجزء الأول، صفحة 436، حين يسمي كتاب " شروط النهضة " بـ " شروط النهضة الجزائرية ". وكان يتحدث عن الإنسان الجزائري، وكذا المرأة، واللباس، والتراب الجزائري، وخصّ الصحراء الجزائرية بالذكر،  وتطرق للاستدمار والقابلية للاستدمار في الجزائر، وكيف يسعى الاستدمار لتشتيت المجتمع الجزائري، ونشر الجهل، والأمية، والانحلال الخلقي، والتحقير من شأن الجزائري.

كتاب "شروط النهضة الجزائرية"، تحدث عن الجزائر، والظروف التي عاشتها الجزائر يومها، والمتمثلة خاصة في الاستدمار الفرنسي وما ترتب عنه من خزي ومآىسي. وتطرق للإنسان الجزائري،  وحركة الإصلاح في الجزائر التي قادها الإمام عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه.

أما فيما يخص كتابه "وجهة العالم الإسلامي"، وهو ثالث كتاب ألفه سنة 1948، فيكفي القارئ المتتبع النزيه، أن يقرأ الإهداء الذي كتبه باللغة العربية، وبخط يده ليجد فيه..

" إلى الشعب الجزائري الثائر..

إنني أحيي كفاحك أيها الشعب الكريم، لأن عدالة القضية تخلع عليه القداسة.

إنني أحييه لأن كفاح الطفل الجزائري سبيل مستقبله، ولأن كفاح المرأة الجزائرية من أجل أمن بيتها وسعادة أسرتها، ولأنه كفاح الشهداء الأبطال الذين يريقون دماءهم من أجل المقدس للطفل والمرأة.. ولأن كفاحك أيها الشعب الكرم من أجل البقاء والكرامة والحرية.

إن الله الذي يبارك صراع الأبرار يبارك كفاحك ويقود إلى النصر تحت الراية المقدسة التي كتب عليها وعده الصادق: " وكان حقا علينا نصر المؤمنين ". مالك ".

والكتاب لم يخصص لدولة بعينها، حتى يتهم بن نبي بأنه لم يتطرق للثورة الجزائرية، بل هو تنظير للعالم الإسلامي. وقد إعتمد فيها على وضعية الجزائر يومها التي كانت تحت الاستدمار الفرنسي. وقد تحدث في الفصل الثاني المعنون بـ "النهضة عن الجزائر من خلال "حركة الإصلاح" و"الحركة الحديثة"، الممتد عبر صفحات 45. وقد تطرق أيضا للجزائر عبر الفصل الثالث، والذي أفرد له عنوان " العوامل الداخلية "، و "العوامل الخارجية"، وكان يتحدث عن الاستدمار والقابلية للإستدمار في الجزائر وانطلاقا من الجزائر، أي كان يتحدث عن الجزائر إبان الاستدمار الفرنسي.

وما يجب ذكره والتركيز عليه، أن بن نبي لم يكتب يوما ضد الجزائر، ولم يكتب ضد الثورة الجزائرية، وإن كتب منتقدا سلوكات قادة الثورة الجزائرية، وسلوكات بعض الأشخاص بمختلف توجهاتهم. ويمكن للقارئ المتتبع أن ينتقده في هذا الجانب، فالجميع يخضع للنقد دون استثناء، سواء قادة الثورة الجزائرية، أو الجمعية، أو مالك بن نبي.

بن نبي يهتم بالجزائر والثورة الجزائرية بعد الثورة.. هذه الكتب خطها بن نبي قبل الثورة، والممتدة من سنة 1946 إلى سنة 1949، أما فيما يخص الكتب التي ألفهاأثناء الثورة الجزائرية، وتطرق فيها بإسهاب شديد إلى الثورة الجزائرية، فهي..

كتاب  TEMOIGNAGES SUR LA GUERRE DE LIBERATION  ، الذي ضم نظرته حول مسار الثورة الجزائرية وقادة الثورة الجزائرية، والمعنون بـ "SOS Algérie"، بتاريخ 17 جوان 1957، والذي نشره على نفقته الخاصة، وباللغات العربية، والألمانية، والفرنسية.

كتاب .. Humain..Le Livre et le Milieu .. الذي ألفه أواخر سنة 1958، ويتحدث فيه بن نبي عن علاقته المتوترة مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، وكيف تم تهميشه عمدا، ومنعه من حضور مؤتمر الكتاب الإفريقيين الأسيويين، وأنهم لم يستفيدوا من قدراته رغم أنه هو الذي كتب "الإفريقية الأسيوية"، وتجاهلها لكتبه وأفكاره، ما جعله يعيش صدمة لم يكن يتوقعها بالإضافة إلى صدمات أخرى.

وكتابه " العفن "، الذي كتبه سنة 1951، والذي يتحدث عن الثورة الجزائرية من خلال علاقاته المتوترة مع الاستدمار من جهة، ومع قادة الثورة الجزائرية، وجمعية العلماء، وقادة سياسيين ومفكرين من العالم العربي والاسلامي.

والكتاب المعنون بـ  TROIS TEXTE SUR LA LUTTE IDEOLOHIQUE، والذي ضم رسالة بن نبي إلى كريم بلقاسم، باعتباره وزير الخارجية في الحكومة الجزائرية المؤقتة، بتاريخ الثلاثاء 11 أفريل 1960. ويحدثه عن ظروفه كلاجئ سياسي بالقاهرة منذ 4 سنوات، ويحذره من مكر ديغول الذي يريد أن يتغلغل عناصره ضمن الثورة الجزائرية، ليقودوها وفق أهداف الاستدمار الفرنسي، ويطلب منه أن يتخذ كافة الاحتياطات اللازمة.

ويتحدث أيضا في رسالته عن الإشاعة التي بثتها كل من إذاعة الرباط وتونس التي قيلت بشأنه، والمتمثلة في كون الحكومة الجزائرية فوضته ليكون مندوبا عنه في دولة أسيوية نافيا هذا الخبر، لكنه يعاتب الحكومة المؤقتة لأنها لم تنشر بيان تكذيب حول الإشاعة.

وكتابه في  " مهب المعركة "، وهو عبارة عن مجموعة من مقالات كتبها سنوات 1952-1954، يتحدث عبرها عن إرهاصات الثورة الجزائرية، وسبل مناهضة الاستدمار الفرنسي، ونقده لبعض التصرفات التي تسئ للثورة الجزائرية، ومن بين هذه المقالات الدالة على ذلك..

"سيكولوجية الاستعمار" "الاستعمار يفتح وجهة ثالثة في التاريخ "، " الفوضى الاستعمارية "، " حقد على الاسلام "، " أقلام وأبواق الاستعمار "، " من اجل إصلاح التراب الجزائري "، " ضرورة مؤتمر جزائري لتوجيه العمل "، " تفاهات جزائرية "، " باعة الحضارة "، " بين الافكار الميتة والافكار القاتلة "، " أكتب بضميرك "،" النقد السليم ".

وقد جاء في الإهداء .. "إلى شهداء الثورة الجزائرية الذين حققوا بدمائهم الأحلام التي تعبر عنها هذه الصفحات . مالك " .

هذه الكتب التي ألفها بن نبي، تبين بشكل واضح أن بن نبي تطرق كثيرا، سواء عبر المقالات، أو الرسائل، أو الكتب إلى المجتمع الجزائري بشكل عام، وإلى الثورة الجزائرية بشكل خاص من وجهة نظره التي تخضع للنقد، كما تخضع أيّ فكرة للنقد.

إذن بن نبي تطرق للجزائر وللثورة الجزائرية في كتبه، سواء تصريحا أو تلميحا، أو معتمدا عليها كمثال في فهم الحضارة، وتقديم الحلول للجزائر وللمجتمعات الإسلامية. فكيف يقول الأستاذ لونيسي أن بن نبي لم يكتب عن الثورة الجزائرية، والكتب المعروضة أعلاه تفنّد ما ذهب إليه.

مالك بن نبي  وبن بلة.. يعترف الأستاذ لونيسي أن بن نبي حين إقترب من بن بلة سنة 1963 لم يكن لأجل السلطة، بل لتحقيق أفكاره عبر بن بلة، ثم يعاتبه وكأن سعي الكاتب لتحقيق أفكاره جريمة في نظره. مع العلم أنه من الطبيعي جدا، أن يسعى الكاتب لتحقيق أفكاره، حين تتاح له الفرصة.

والذي تعمّد الأستاذ لونيسي عدم ذكره، أن بن نبي لم يسعى لتحقيق أفكاره على حساب الجزائر، بل إحترم الجزائر والثورة الجزائرية. فلماذا يلام إذن، وهو يحقق للجزائر سعادتها بتحقيق أفكاره، والتي تخضع بدورها للنقد.

مالك بن نبي والمثقفين الفرنسيين.. يرى الأستاذ لونيسي أن بن نبي له أفكار دينية، وقادة الثورة لهم ميولات يسارية، ونجم إفريقيا من المهاجرين في فرنسا وأوروبا.  يتحدث الأستاذ بهذه الطريقة وبن نبي هو الذي قضى عمره في فرنسا يأخذ الهندسة منها، ويتابع مفكريها، ويتزوج من فرنسية، ويقضي في فرنسا عمرا.

يرى الأستاذ أن بن نبي كان يتألم لتفضيل قادة الثورة للمثقفين اليساريين عليه، كفرانس فانون، وكان ينتقدهم بشدة. والسؤال المطروح ليس لماذا بن نبي كان يتألم فهذا من حقه، لأنه يرى أنه أولى من غيره في الاهتمام، وكان على الأستاذ أن يدافع عن رجل فكر، همّشه أهله وجعلوه ظهريا، وفضّلوا عليه من هم أقل منه فكرا وعلما، وهو أعلم بهم من الاستدمار والجزائر.

بن نبي ينتقد ماركس.. يقول الأستاذ بأن بن نبي كان مهموما بنشر أفكاره بأي ثمن، كماركس الذي كان يتحدث عنه. والأستاذ يتهم بن نبي بأنه ليس يساري، ثم يقول عنه إنه يريد أن يكون مثل زعيم اليساريين ماركس. والحقيقة التي يجب قولها ولم يتطرق إليها الأستاذ، وهي..

بن نبي لا يتحدث عن شخص ماركس بإعجاب، لأنه عرض أفكاره وانتقدها عبر كتبه. ويرى أن أفكار ماركس إنتشرت بقوة، لأن ظروفا ساهمت في الانتشار. وأن ماركس انتشر ومالك بن نبي لم ينتشر، لأن ظروفا ساعدته ومجتمع احتضنه، بينما بن نبي لم تساعده الظروف، ووجد أمامه مجتمعا لم يحتضنه، بل رفضه ولفظه، بقسوة وعنف، وحقد وغل من طرف الساسة، وأهل الفكر، والدين. ولعلّ مقال الأستاذ لونيسي يدخل في الأسباب التي جعلت فكر بن نبي، لم ينتشر بين أبنائه وأساتذته ويأخذ صبغة عالمية، كما إنتشر فكر كارل ماركس بين أبنائه وأساتذته وأخذ صبغة عالمية.

بن نبي وقادة الثورة الجزائرية.. يقدم الأستاذ جملة من التبريرات التي سلكها قادة الثورة الجزائرية ضد مالك بن نبي، وتبناها الأستاذ لونيسي بقوة، وهي..

أغلب قادة الثورة الجزائرية ذوو ميولات يسارية، وبن نبي ليس يساري بل متدين، وكانوا يرفضونه لتوجهاته الدينية. وتوجهه الديني – حسب الأستاذ -، يغضب العالم الشيوعي والرأسمالي، لذلك كانوا يركزون على مثقفين تقدميين ليشرحوا للعالم الثورة الجزائرية، ويبعدونه.

قادة الثورة يفضلون كتاب يساريين كفرنس فانون، لأنهم يملكون فكر يساري وبن نبي يملك فكر ديني.

خشيت القيادة من بن نبيي لأنه طموح ومنظر قائد، فخشيت أن يسيطر عليها.

فتح العداوة مع جميع قادة الثورة، وما كان له أن يفعل ذلك.

هذه التبريرات التي قدمها الأستاذ في ذم مواقف مالك بن نبي تجاه قادة الثورة الجزائرية، يرد عليها بأن..

من حق بن نبي أن يثور ويغضب، لإبعاده عن الرأي والمشورة والريادة، فهو رجل فكر كان على الثورة الجزائرية أن تستشيره، وتستفيد من أفكاره، وتترك الأفكار التي لاتناسب الميدان جانبا، فتكون قد استفادت من سعة عقله وفكره، وتجنبت قلة خبرته في الميدان العسكري والسياسي.

أما فيما يخص نقده لقادة الثورة الجزائرية التي يسميها الأستاذ بالعداوة، فهذا موقف سياسي لاعلاقة له بالفكر، وقد يكون موقف بن نبي فيه الصواب أو الخطأ، لكن المثقف مطالب أن يقف مع فكر المثقف وينتقده، ولا يقف مع الساسة ضد المثقف، الذي  يميل صباحا ومساء.

أما فيما يخص طموح بن نبي لتحقيق أفكاره، فهو عادي ومشروع، ويمارسه كل الكتاب والمفكرين. المهم أن بن نبي إحترم الجزائر والثورة الجزائرية، ولم يخنها أبدا بسبب طموحاته المشروعة، والتي لم تتحقق في حينها، من طرف الرافضين لها من أبناء الجزائر.

حين لم يجد الأستاذ رابح اونيسي، أن مالك بن نبي لم يكتب ضد الجزائر طيلة حياته، سواء قبل الثورة الجزائرية، أو أثناءها، أو بعد إسترجاع السيادة الوطنية الجزائرية،  راح يدعي أن بن نبي لم يكتب عن  الجزائر وعن الثورة الجزائرية.

الأستاذ لونيسي تحول إلى قاض يحاكم بن نبي على تصرفاته السياسية، ومواقفه مع بعض الأشخاص، إنطلاقا من وجهة نظر سياسية واحدة وكأنه الناطق الرسمي لها. ويعاتبه في الصغيرة والكبيرة، لأن جهة سياسية بعينها تعاتبه.  ويتهمه لأن جهة سياسية تتهمه. ويحاسبه على النيات لأن السياسيين حاسبوه على النيات. ويقف مع التبريرات التي قدمها الساسة في عداوتهم وإختلافهم مع بن نبي، دون أن يقف لحظة واحدة مع بن نبي. ويصفه بالحمق وقصر النظر، لأنه عارض السياسيين.

مصيبتنا في أساتذة، ومفكرين، وفقهاء، يتطرقون للأساتذة، والمفكرين، والفقهاء من وجهة نظر سياسية وما يريد منهم السياسي. وهذا مافعله البروفسور لونيسي، حين ترك مناقشة فكر بن نبي جانيا، وراح يعيد ما ردده الساسة يومها، وينضم لجهة ضد جهة، وكأنه في حملة إنتخابية، وعراك نحو الرئاسيات.

بن نبي كغيره من المفكرين والفقهاء، لهم مواقف سياسية قد يتفق المرء معها وقد يختلف، وقد ذكرها بن نبي في "الدفاتر " و "العفن" ومواضع أخرى. وسبق لنا أن إنتقدناه بشدة في مواقفه السياسية وما زلنا نفعل، لكن من وجهة نظر القارىء المتتبع المحايد، وليس من وجهة نظر السياسي الذي يريد أن يجعل من الفقيه والمثقف تابعا له، وليس من وجهة نظر المثقف التابع للسياسي، الذي يردد ما يقال له.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم